للقراءة والتحميل: مفتاح العلوم لأبي يعقوب السكاكي الخوارزمي، ومكانته د. محمود السيد الدغيم، جريدة الحياة؛ العدد:16251. الصفحة: 21. يوم الثلاثاء 20 من رمضان سنة 1428 هـ/ 2 تشرين1/ أكتوبر سنة 2007م
Launch in external player |
رابط قراءة المقالة في الحياة بي دي اف
اضغط هنا
*******
سراج الملة والدين؛ أبو يعقوب، يوسف بن أبي بكر محمد بن علي السكاكي الخوارزمي، وكتابه: مفتاح العلوم، ومكانته في المكتبة العربية
محمود السيد الدغيم
كانت اللغةُ الآرامية لغة عالمية قبل الإسلام، وكذلك اللغة الكنعانية البونيقية "الفينيقية" التي نافست اللغة اليونانية واللغة الرومانية، ثم غُلِبت بعدما غُلِبَ حنابعل عسكريا، فتقدّمت اللغةُ الرومانية، وتنافستْ مع اللغة الفارسية.
وبعد الإسلام دبّت الحيوية باللغة العربية، وصارت اللغة العالمية الأولى دون منازع، لأنها أصبحت لغة الدين، ولغة العلوم النقلية والعقلية، ولغة الزراعة والصناعة والتجارة والاقتصاد، ولغة الفضاء الفلكي الأولى التي مازالت مصطلحاتُها ومُسمياتها مُنتشرةً حتى الآن في مُفردات اللغات العالمية بما فيها اللغة الإنكليزية التي أخذت المصطلحات اللاتينية المأخوذة من العربية عبْر القناة الأندلسية وغيرها.
وفي عهد الإزدهار اللغوي العربي والإسلامي تتلمذ الفرنجة في مدارس الأندلس ومصر والشام والعراق، وفي المشرق اتجه الهنود والأتراك والفُرس غرباً، ثم انتشرت المدارس النظامية في آسيا فتخرّج منها فحول العلماء ورجال الفن والسياسة، ثم صارت إسطنبول محطَّ رِحالِ العلماء بعدما فتحها السلطان العثماني محمد الثاني "الفاتح" الذي اجتمع في بلاطه الثقافي علماء آسيا وإفريقيا وأوروبا تحت خيمة اللغة العربية التي كان يجيدها السلطان نثراً وشعراً، وكان يأمر بترجمة نفائس الكتب من اللغات الأعجمية إلى اللغة العربية، ولما سُئل: لماذا لاتترجم الكتب إلى التركية أو الفارسية؟ أجاب: إنني أخجل من الله إذا لم تترجم الكتب النافعة إلى العربية لغة القرآن الكريم، ومازالت كتب كثيرة من الكتب التي تُرجِمت إلى العربية في عهد الفاتح، ولم تأخذْ حُقوقها من التعريف، فتلك المعلومات مازالت قابعة تحت طيّات النسيان أو الجهل اللغوي في مكتبات التراث العثماني في تركيا وغيرها من الدول العربية والأعجمية، ويلفها التعتيم خشية تسليط الأضواء على عهد التنوير الحقيقي الذي طوى فترة العصور الوسطى بفتح القسطنطينية حسب آراء الكثيرين من العلماء الأوروبيين أنفسهم.
ولم تتوقف الترجمة إلى العربية عبر قرون الحكم العثماني بل استمرت مع استمرار الخلافة الإسلامية باعتبار لغة القرآن أمّ اللغات، ومن الترجمات المتأخرة في العهد العثماني من الفارسية إلى العربية سنة 1230 هـ/ 1815م، شرح مثنوي جلال الدين الرومي باللغة العربية من قِبَل يوسف بن أحمد القونوي المولوي الرومي، المشهور بلقب زُهدي، وهو من فضلاء الترك الذين تأدبوا بأدب العربية. وكان شيخ المولوية في خانقاه بشكطاش في إسطنبول، وقد سمّى شرحه العربي: المنهج القوي لطلاب المثنوي، وهو مطبوع منذ العهد العثماني في ستة مجلدات.
وكإثبات لما نقول في مجال الاهتمام باللغة العربية من قِبل العرب والعجم في عهود الازدهار نستعرض كتاباً من الكتب التي خدمت اللغة العربية، ألا وهو كتاب مفتاح العلوم للسكاكي الذي اشترك بشرفِ خدمة اللغة العربية فيه العربُ والعجمُ في عهد ازدهار اللغة عندما كانت اللغة العالمية الأولى حتى في العهد الإسلامي العثماني. فالاهتمام باللغة جرّ الاهتمامَ بالكتب التي اهتمّت بها.
ومن الترجمات القديمة لمؤلف كتاب مفتاح العلوم ترجمة مختصرة أوردها مُعاصِرُهُ ياقوت الحموي في كتاب: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، المعروف باسم: معجم الأدباء، فقال:"يوسف بن أبي بكر بن محمد، أبو يعقوب السكاكي، من أهل خوارزم (في أوزبكستان حالياً)، علامة؛ إمام في العربية، والمعاني والبيان؛ والأدب والعروض والشعر، مُتكلِّمٌ؛ فقيهٌ؛ مُتفنِّنٌ في عُلوم شتَّىْ، وهو أَحَدُ أفاضِل العصر الذين سارت بذِكْرهم الرُّكبان، وُلِدَ سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وصَنَّفَ مِفتاحَ العلوم في اثني عشر عِلْماً، أحْسَنَ فيه كُلَّ الإحسان، وله غيرُ ذلك، وهو اليوم حَيٌّ ببلدِهِ خوارزم".
وكانت وفاة السكاكي الخوارزمي سنة 626 هـ/ 1228م، وفي تلك السنة كانت وفاة ياقوت الحموي في العشرين من رمضان، وهذه قرينة على أن وفاة السكاكي حصلتْ بعد وفاة ياقوت في نفس السنة، ووفاة ياقوت مذكورة في سير أعلام النبلاء للذهبي، المجلد: 22 الصفحة: 313، ومذكورة وفاته في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي، المجلد:3 الصفحة: 122. وللسكاكي ترجمات في مفتاح السعادة لطاشكبري زادة، وغيره من كتب الأعلام والطبقات، ومنها ترجمته في بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي الذي قال: "يوسف السكاكي، أبو يعقوب العلامة، قال ابن فضل الله العمري في "المسالك": ذو علوم سعى إليها، فحصَّل طرائقها، وحفر تحت جناحه طوابقها، واهتزَّ للمعاني اهتزاز الغصن البارِح، ولزَّ من تقدّمه في الزمان لزَّ الجذع القارِح، فأضحى الفضلُ كلّه يزم بعنانه، ويزم السيف ونصله سنانه. انتهى.".
قال السيوطي: "ونقل عنه أبو حيان (الأندلسي) في الارتشاف (ارتشاف الضرب) في مواضع، وقال فيه: ابن السكاكي كان علامةً بارعاً في فنون شَتّى خُصوصاً المعاني والبيان، وله كتابُ مفتاح العلوم؛ فيه اثنا عشر علماً من علوم العربية".
وقال السيوطي: "ثم رأيتُ ترجمته بخطِّ الشيخ سِراج الدين البلقيني، فقال: يوسُف بن أبي بكر بن محمد بن علي؛ أبو يعقوب السكاكي، سراج الدين الخوارزمي. إمام في النحو والتصريف والمعاني والبيان؛ والاستدلال؛ والعروض والشعر، وله النصيب الوافرُ في علم الكلام، وسائر الفنون، ومن رأى مُصنَّفَه عَلِمَ تبحًّرَهُ ونُبْلَهُ وفضْلَه. ومات بخوارزم سنة ست وعشرين وستمائة.
وذكر غيرُه أنه وُلِدَ سنة خمس وخمسين وخمسمائة".
ونظراً لأهمية كتاب مفتاح العلوم فقد طُبِعَ منذ عهد الخلافة الإسلامية العثمانية، وقد أورده يوسف إليان سركيس في معجم المطبوعات العربية والمعربة الذي صدر عن مطبعة سركيس بمصر سنة 1346 هـ/ 1928م، وفيه يعرض ماطبع بالعربية حتى سنة 1339 هـ/ 1919م. انظر المجلد الأول، ص: 1033-1034. وقد نقل ترجمته من كتاب روضات الجنان في أحوال العلماء والسادات تأليف محمد باقر بن أمير الخوانساري: (4 أجزاء) مطبوعات طهران 1304 - 1306 هـ.
ومن المعروف أن يوسف بن اليان بن موسى سركيس: صاحب (معجم المطبوعات العربية والمعربة) قد وُلِدَ في مدينة دمشق سنة 1272 هـ/ 1856م، وانتقل الى بيروت طفلا، وتنقل ما بين بيروت ودمشق وقبرس وروما وأنقرة والآستانة. واستقر بمصر سنة 1912م، فألف وترجم ونشر العديد من الكتب والرحلات، وكتب مقالات بالفرنسية عن الآثار فى تركيا كافأته عليها الحكومة الروسية (القيصرية) بتعيينه عضو شرف فى معهد الآثار الروسى. وكانت وفاته في القاهرة سنة 1351 هـ/ 1932م.
وبالعودة إلى كتاب مفتاح العلوم يتبيّن لنا أن السكاكي قد استوعب فيه الشطر الأكبر من علوم العربية، فبدأ الكتاب بعلم الصرف، وتوسّطه بعلم النحو، وأتمّه بعِلمَيّ المعاني والبيان، وألحق بهما العروض.
فأما علم الصرف فقد بدأه ببيان النتائج الواجبة، ثم تكلم في النتائج الجائزة على استمرار، ثم في النتائج غير المستمرّة، ثم في بيان مواضع الأصالة، ثم في بيان مواضع الزيادة، ثم في بيان مواضع يقع البدل فيها، وبعد ذلك أورد هيئات المجرد، فتكلم في هيئات المزيد، ثم تحدّث في هيآت المجرد من الأفعال، ثم في هيئات المزيد من الأفعال، ثم في هيئات الأسماء المتصلة بالأفعال، ثم في هيئات المصادر، ثم في اسم الفاعل، ثم في اسم المفعول، ثم في الصفة المشبهة، ثم
بيّن أن فعل التفضيل يخصّ الثلاثيات المجرّدة، واسم الزمان من الثلاثي المجرّد، واسم المكان كاسم الزمان، واسم الآلة يخصّ الثلاثي.
ثم تحدّث في بيان كون هذا العلم كافيا، وأعقب ذلك بالحديث عن الإمالة، والتفخيم، وتخفيف الهمزة، واعتبار الترخيم، والتكسير، والتحقير، والتثنية، وجمعا التصحيح، والنسبة، وإضافة الشيء على نفسه. ثم بحث في اشتقاق ما يشتقّ من الأفعال، وتصريف الأفعال مع الضمائر، وأعقب ذلك بالحديث في إجراء الوقف على الكلم.
وبعد تناول علم الصرف، بحث في علم النحو، فبدأ بتعريفه بعد تساؤله: علم النحو ما هو؟ وأعقب ذلك بالبحث في ضبط ما يفتقر إليه في ذلك، ، ثم في القابل وهو المعرب، ثم في الفاعل، ثم في الأثر وهو الإعراب، ثم في خاتمة الكتاب، وفيها بحث في علة بناء ما بنى من الأسماء، ثم في علة امتناع ما يمتنع من الصرف، ثم في علة إعراب الأسماء الستة (التي تتناول منها المناهج الدراسية الأسماء الخمسة وتستبعد الاسم السادس، وهو: هنوه) ، ثم يبحث في علة إعراب المثنى، ثم في علة إعراب كلا وكلتا، ثم في علة إعراب نحو مسلمات، ثم في علة إعراب ما أعرب من الأفعال، ثم في علة عمل الحروف العاملة، ثم في علة الأسماء غير الجر، ثم في علة عمل المعنى.
ثم ينتقل إلى القسم الثالث المتضمن علمي المعاني والبيان، فيبدؤه بالمقدمة، ثم يبحث في ضبط معاقد علم المعاني، وفيما يتعلق بالخبر، وفي بيان القصر، وفي التمني، وفي الاستفهام، وفي الأمر، وفي النهي، وفي النداء، وفي علم البيان
في الكلام في التشبيه، وفي المجاز، ومعنى الكلمة غير المفيد، والمعنى المفيد الخالي عن المبالغة في التشبيه، ويبحث في الاستعارة، وحكم الكلمة في الكلام، وفي المجاز العقلي، وفي الكناية، والكلام على تكملة علم المعاني، وفي الْحَدِّ وما يتَّصِل به، وفي الاستدلال، وفي الاستدلال الذي جملتاه خبريتان، وفي العكس
في الاستدلال الذي جملتاه شرطيتان، وفي الاستدلال الذي إحدى جملتيه شرطية.
ثم يبحث في بيان المراد من الشعر، وفي تتبّع الأوزان، وباب الطويل، وباب المديد، وباب البسيط، وباب الوافر، وباب الكامل، وباب الهزج، وباب الرجز، وباب الرمَل، وباب السريع، وباب المنسرح، وباب الخفيف، وباب المضارع، وباب المقتضب، وباب الْمُجْتَث، وباب المتقارب، وفي الكلام في القافية.
ونظراً لأهميّة هذا الكتاب فقد خصّه العلماء بالدراسة والتدريس، فشرحوه ولخصوه، وكُتبتْ عليه الحواشي، وعُلّقت عليه الهوامش والتعليقات خلال القرون التي تلت زمن تأليفه، ومازال هذا الكتاب محطّ أنظار الباحثين رغم تراجع الاهتمام باللغة العربية قياساً على ما كانت عليه في العهود الزاهرة الغابرة
******
قراءة القسم الثاني
*****
قراءة القسم الثالث
****
***
**
*