للقراءة والتحميل : المعمار العثماني في عهد السلطان محمد الثاني الفاتح؛؛ أبنية ومدارس وأسواق - 8
جريدة الحياة؛22-9-2007م الصفحة: 21 . د. محمود السيد الدغيم* اضغط هنا
المعمار الإسلامي العثماني في الدور الأول المسمى دور بورصة أوبروسة في عهد السلطان محمد الثاني الفاتح -8
محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن
لقد اتسعت رقعة العمران الإسلامي في عهد السلطان محمد الفاتح مع اتساع رقعة الفتوحات، لأن السلطان الفاتح لم يتوقف عن الجهاد بعد فتح اسلامبول بل طهّر سواحل البحر الأسود الجنوبية من البيزنطيين، ففتح مدينة طرابزون سنة 865 هـ/ 1461م واستسلم الإمبراطور ديفيدكومينيوس للأمير كاظم بيك قائد البحرية العثمانية، كما فتح السلطان مُدُنَ قسطموني وسينوب، فاستتبّ الأمن في السواحل الجنوبية للبحر الأسود، وبعد ذلك قاد السلطان الغزوة السلطانية الرابعة عشرَ ففتح ما تبقى من بلاد البوسنة والهرسك، التي أصبحت ثغراً اسلامياً يُقلق أوروبا.
وتتابعت غزوات الفاتح فقاد الحملة الهمايونية الحادية والعشرين، ضد البندقية في صيف سنة 873 هـ/ 1469م ففتح جزيرة أكريبوز أكبر جزر بحر إيجة التي حررها من البنادقة الذين حكموها مدة 260 سنة، ثم فتح السواحل الشمالية للبحر الأسود بما فيها شبه جزيرة القرم سنة 880/ 1475م، وطرد منها الجنويين فلجؤوا إلى قلعة بونة قرب بحر آزاق؛ أي: بحر آزوف، ولكن الفاتح هاجمهم، وفتح تلك القلعة سنة 884 هـ/ 1479م. وبعد تأمين سواحل البحر الأسود الذي صارَ بحراً إسلاميا بكل سواحله، وانتشر العمران الإسلامي من قلاع وجوامع ومدارس في تلك المناطق.
وتابع السلطان الفاتح فتح الجزر اليونانية ففتح جزر أيونيا، أي: كفالونيا، وزانتا، وزاكيبنسوس، وسانت مورا، وحاصر رودس، وقاد الغزوة الخامسة والعشريين، ففتح أشقودرة الأرنؤوطية سنة 883 هـ/ 1478م.
ومع استمر الفتوحات العثمانية استمرّ التطور العمران، ففي عهد السلطان الفاتح نالت المؤسسات الثقافية أهتماما خاصا، فقد أنشأ السلطان الفاتح مكتبته الملحقة بجامعه، وكانت فيها المخطوطات اللازمة لمدرسين وطلاب المدارس العثمانية، وقد نظمت أمور المكتبة والقيمين عليها في وقفية السلطان الفاتح، ومازالت مخطوطات تلك المكتبة محفوظة في خزانة الفاتح بمكتبة السليمانية في إسطنبول، وكانت للسلطان مكتبة خاصة أُخرى بقصر طوب قابي.
ونالت المؤسسات التعليمية اهتماما شخصيا من السلطان الذي كان يشارك في التخطيط لبناء المدارس، واختبار وتعيين أساتذتها، ووضع المناهج الدراسية، كما كان يشارك في الامتحانات، ومن المدارس التي بنيت في عهد السلطان الفاتح إسطنبول: مدرسة آياصوفيا الملحقة بالجامع، ومدرسة داود باشا الملحقة بجامع داود باشا، ومدرسة أبي أيوب الأنصاري المجاورة لجامعه، ومدارس الفاتح الثمانية المحيطة بجامع الفاتح، ومدرسة تتمّة الفاتح، المجاورة لجامعه، ومدرسة حاجي قادن المجاورة لنفس الجامع، ومدرسة قلندر خانة بجوار جامع قلندرخانة، ومدرسة جامع كرماستي، ومدرسة جامع قُوجي دده، ومدرسة جامع محمود باشا، ومدرسة جامع الْمُلا الكوراني، ومدرسة جامع مُراد باشا، ومدرسة جامع رُوم محمد باشا، ومدرسة جامع المحاريب الثلاثة "أُوج محرابلي"، ومدرسة جامع زيني محمد أفندي، ومدرسة جامع زِيرك، ومدرسة أفضل زادة، والمدرسة القديمة "إسكي مدرسسي"، ومدرسة أسكُدار.
وبالإضافة لهذه المدارس العُليا، أنشئت في عهد الفاتح المكاتب "الكُتّاب" وسميت واحدتها باسم: دار التعليم "مُعلّم خانه"، وقد حظيت إسطنبول بعدد وافر من الكتاب، ومنها: كُتّاب جامع بغجة غز، وكُتّاب جامع داود باشا، وكُتّاب جامع خوجة حمزة، وكُتّاب جامع خوجة بيري، وكُتّاب جامع إسحاق باشا، وكُتّاب جامع قصاب دميرخان، وكُتّاب جامع قصاب الياس، وكُتّاب جامع كيرماستي، وكُتّاب جامع محمود باشا، وكُتّاب جامع مرجان آغا، وكُتّاب جامع الملا الكوراني الأول، وكُتّاب جامع الملا الكوراني الثاني، وكُتّاب جامع بير محمد، وكُتّاب جامع المحاريب الثلاثة "أوج محرابلي"، وكُتّاب جامع فوينوك شُجاع.
ولم تتوقف حركة بناء المؤسسات التعليمية عند حدود العاصمة إسطنبول في عهد السلطان محمد الفاتح بل تجاوزتها، فقد بني في ذلك العهد كُتّاب جامع أحمد باشا في كيشان التابعة لولاية قيسارية الأناضولية، ومدرسة جامع طرخان بيك في قرية كيرك قاواق التابعة لولاية قيسارية، ومدرسة محمد خراجّي في كوستندال التابعة لولاية قونيا، ومدرسة جامع طُرخان بيك في مال قره التابعة لولاية كوتاهية، وكُتّاب جامع حمزة بيك كرماستي في مصطفى كمال باشا، وكُتّاب جامع قره مصطفى باشا في بازارجك، ومدرسة وكُتّاب جامع أبو الفتح في أورطا حصار بولاية طرابزون، ومدرسة جامع عيسى بك في سكوبيا عاصمة مقدونيا، ومازالت قائمة هي والجامع حتى الآن.
واهتم السلطان محمد الفاتح بالصحة العامة فبُني في عهده مستشفى أرسطو، ودار الشفاء.
ومن معالم العمارة الاقتصادية في عهد السلطان محمد الفاتح دار ضرب النقود التي سميت "بول ضرب خانة" ودار ضرب النقود الفضية والذهبية "آقجة وآلطن ضرب خانسي"، واهتم الفاتح ببناء الأسواق المسقوفة التي كانت تحمي الناس أثناء التسوّق من حرّ الصيف، وقرّ الشتاء، وسميت الأسواق باللغة العثمانية "جارشيلار" و "تجارة خانة" ومنها سوق أولاد العجم "عجمي أوغلانلري" وسوق آياصوفيا، وسوق النحاسين، وبازار سوق السمك، وسوق قروان سراي، وسوق قروان سراي في بودروم، وسوق الخراطين، وسوق الدباغين، وسوق باب غونغوز، وسوق بير خوجة، وسوق لونجه، وسوق باب الحطب "أوضون" وسوق صلّح خانه، وسوق السروج "سرّاج خانه" وسوق جامع ساري دمير، وسوق باب الطحين "أون"، وسوق بازار السلطان، وسوق أسكدار، وسوق يمش قاباني، وسوق السراي الجديدة وكان مجموع دكاكين الأسواق التي تضمنتها وقفيات عهد السلطان محمد الفاتح في إسطنبول وحدها: 2484 دكانا.
ويضاف إلى تلك الأسواق التي ذكرناها الأسواق الكبرى التي كانت تسمى: "بدستان" ودور البزازية، وبزستان، ومنها: بدستان الكبير، وبدستان الداخلي، وبستان الجواهرجية، وبدستان الجديد، وبدستان الصندل، وبدستان الصغير، والسوق الكبير، ودكاكين محمود باشا التي مازالت تشكل السوق الشعبي المشهور في إسطنبول.
ومن أمثلة تلك البدستانات: بدستان غلطة في إسطنبول الذي كان طوله في عهد الفاتح 1500 متر، وعرضه 1000متر، بينما أبعاده الحالية بطول 400 متر وعرض 350 متر، وهنالك بدستان يلدم في مدينة بورصة، ومساحة دكاكين الحرفيين فيه 872 متر مربع؛ ومساحة الساحات الخارجية 2545 متر مربع، وعدد المخازن 32 مخزنا، وعدد الدكاكين 68 دكانا. وبدستان جلبي في أدرنة، ومساحة دكاكين الحرفين فيه 1300 متر مربع؛ ومساحة الساحات الخارجية 3080 متر مربع، وعدد المخازن 36 مخزنا، وعدد الدكاكين 64 دكانا. وبدستان إسطنبول الكبير، ومساحة دكاكين الحرفين فيه 1328 متر مربع؛ ومساحة الساحات الخارجية 3412 متر مربع، وعدد المخازن 44 مخزنا، وعدد الدكاكين 64 دكانا. وبدستان الصندل، ومساحة دكاكين الحرفين فيه 1258 متر مربع؛ ومساحة الساحات الخارجية 2230 متر مربع، وعدد الدكاكين 44 دكانا. وبدستان أنقرة، ومساحة دكاكين الحرفين فيه 1031 متر مربع؛ ومساحة الساحات الخارجية 2888 متر مربع، وعدد الدكاكين 61 دكانا. وتختلف أبعاد المخازن والدكاكين من مكان إلى آخر، وبالإضافة إلى هذه الأبنية بنيت خانات كثيرة في زمن السلطان محمد الفاتح بالإضافة إلى دور المسافرين ودور الضيافة.
بدأ الفاتح إعداد الجيش للقيام بالغزوة السادسة والعشرين لفتح ايطاليا، وذلك في سنة 886 هـ/1481م وأوشك الجيشُ على التحرك، فدسَّ السُّمَّ - للسلطان - الطبيبُ يعقوب باشا الذي كان قد أدّعى الإسلام تقيّة قبل سنوات عديدة، وتوفي السلطان الفاتح بعدما بلغ سنَّ الثالثة والخمسين ، وحكم إحدى وثلاثين سنة ،ودقّت أجراس كنائس أوربا فرحاً ثلاثة أيام، وخلفه في السلطنة ابنه أبايزيد الثاني.
وبانتهاء عهد السلطان محمد الفاتح انتهت فترة الدور المعماري الأول المسمى دور بورصة، وبدأ دور جديد من أدوار التطور العمراني العثماني سمّاه المعماريون: الدور الثاني الذي أُطلِق عليه باللغة العثمانية اسم ( قلاسك دوري ) أي: الدور الكلاسيكي التقليدي و يمتد هذا الدور من سنة 886 هـ / 1481 م حتى سنة 1012 هـ / 1604 م، و يُمثل هذا الدور قمة ما وصلت إليه العمارة الإسلامية العثمانية من تطور، و يبدأ بأيام حكم السلطان أبايزيد الثاني، ويليه سليم الأول، فـسليمان القانوني، فـسليم الثاني، فـمُراد الثالث، و يُختتم الدور المعماري التقليدي الكلاسيكي بوفاة السلطان مُحمد الثالث في الثاني من رجب سنة 1012 هـ/ 1603م.
******
نشر هذا الموضوع في جريدة الحياة يوم السبت 10 رمضان المبارك سنة 1428 هـ/ 22 أيلول / سبتمبر سنة 2007م
لقراءة الموضوع كما هو في الجريدة بصيغة بي دي اف
اضغط Ramadan- 10. 22-9-2007P21-Fatih2.pdf (263.81 KB) هنا
*****
Launch in external player |