للقراءة والتحميل : الفرعون الصغير: محمد علي باشا، وجهة نظر عثمانية، د. محمود السيد الدغيم، تم تقديم هذا البحث في مكتبة الإسكندرية بمصر سنة 2005م في مؤتمر احتفالية محمد علي باشا
رابط تحميل وقراءة البحث بصيغة وورد
اضغط M Ali Pashas.zip (50.13 KB) هنا
*****
محمد علي وسلالته الحاكمة في مصر
******
محمد علي باشا من وجهة نظر عثمانية
تم تقديم هذا البحث في مكتبة الإسكندرية في المؤتمر الخاص بمحمد علي باشا سنة 2005م
د. محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي في مركز الدراسات الإسلامية
ملخص البحث
تضمن هذا البحث تمهيداً يوضحُ مكانة مصر العالمية، وصراع الإمبراطوريات العالمية من أجل السيطرة عليها، ويبيّنُ سيطرة العٌبيديين على مصر واتخاذها قاعدة للهجوم على بلاد الشام وتهديد الخلافة الإسلامية العباسية من سنة 359 هـ /969م، حتى تمّ تحرير مصر من السيطرة العُبيدية الباطنية على أيدي الأتابكة الزنكيين بقيادة المجاهد صلاح الدين الأيوبي يرحمه الله سنة 566هـ / 1171م، فاستعادت مصرُ مكانتها في الدفاع عن الإسلام والمسلمين السُّنَّة، وبرز دورُها الرائع في صدّ التتار في موقعة عين جالوت سنة 658 هـ/ 1260م، وتزعمها للعالم الاسلامي باحتضان الخلافة العباسية حتى جاء الفتح العثماني سنة 923 هـ / 1517م، تلبية لرغبة المصريين، وجزاء تآمُر بعض أُمراء المماليك الشراكسة مع الصفويين ورعاية مؤآمراتهم مع الأوروبيين.
وتضمن البحث توضيحاً لآليات عمل الحركات الباطنية الهدامة التي تشكلت في مصر وغيرها أثناء الحكم العثماني، وتمّ التركيز على الحركة "البكتاشية الباطنية" التي استقطبت بقايا العُبيديين الباطنيين في مصر والشام، وقرَّرت اقتفاء آثار العُبيديين بالسيطرة على مصر، والانطلاق منها نحو الحرمين الشريفين وبيت المقدس، وبقية بلاد الشام، ثم القضاء على السلطنة الإسلامية العثمانية السُّنِّيَّة في الأناضول والبلقان، وإعلان الإمامة الباطنية حينما تسنح الفرص بموافقة أعداء الإسلام في الشرق الإيراني والغرب الأوروبي.
وسببٌ تركزينا على البكتاشية الباطنية هو وجود علاقات مشتركة بين البكتاشيين والصفويين وحكام الأسرة "العلوية"، وهذا الثلاثي هو الباطني هو أخطر التنظيمات التي أدت إلى إضعاف السلطنة العثمانية، وإسقاط الخلافة الإسلامية السُّنِّيَّة باعتبار إسقاطها هدفاً مركزيا للباطنية المعادين لأهل السُّنة والجماعة.
ولإيضاح خطر "البكتاشية البكداشية البكطاشية" سلطنا الأضواء على مؤسسها الباطني "خنكار الحاج محمد بكتاش الخراساني النيسابوري" المولود في نيسابور سنة 646 هـ/ 1248م، والذي دسَّ زمرته الباطنية في صفوف الجيش الإنكشاري فأفسدته، وحوَّلته إلى أداة طيعة بأيدي البكتاشيين الباطنيين الشيعة عملاء الصفويين.
كما أوضحنا في البحث إحياء البكتاشيين لطقوس العبيديين في مصر، وسلطنا الأضواء على"كهف السودان" الذي يُعرف بعدّة أسماء هي: كهف السودان، وتكية البكتاشية، وضريح عبد الله المغاوري، وزاوية المغاوري، وخانقاه وتكية المغاوري. ويعود تاريخ إنشاء كهف السودان إلى عهد الحاكم العبيدي الباطني
وممن أقام بهذا الكهف البابا "قابغوسز" الأرنؤوطي المشهور باسم "عبد الله المغاوري" الذي حضر إلى مصر سنة 761 هـ/ 1359م، وأقام بالقاهرة، ثم سافر إلى الحجاز 776 هـ/ 1374م، ثم سافر إلى العراق وزار النجف وكربلاء، ثم عاد إلى مصر مرة أخرى سنة 799 هـ/ 1396م، ومات فيها سنة 818 هـ/ 1415م، ودفن في القبر المعروف باسمه في كهف السودان، وتتابع دفن باباوات البكتاشية في كهف السودان، وخلال الفترة من سنة 1321 هـ/ 1903م إلى سنة 1345هـ/ 1927م قام كلاًّ من الأمير كمال الدين حسين نجل السلطان حسين كامل (1914-1917 م) والأمير لطفي – أحد شيوخ التكية – بتجديد ضريح البابا عبد الله المغاوري الأرنؤوطي. وقد دفن حسين كامل في كهف البكتاشية المقدس مما يؤكد الرابطة بين الأسرة والحركة البكتاشية، وبيّنا علاقة البكتاشية بملك ألبانيا السابق أحمد الذين دُفنت ابنتاه روحيّة ونافية في كهف السودان.
وسبب تسليط الأضواء على كهف البكتاشية: أن اهتمام أبناء "الأسرة العلوية" به يشكل قرينة على علاقة الأسرة الروحية بالحركة البكتاشية الباطنية المعادية لأهل السُّنَّة والجماعة بشكل عام والمعادية للسلطنة العثمانية بشكل خاص.
ومن قرائن اهتمام الأسرة العلوية بالبكتاشية صدرور أوامر محمد سعيد باشا (1854-1863م) بتخصيص المغاره التي دُفن فيها عبدالله المغاوري "قبوغوسز" للطريقة البكتاشية، وهذا يعني أن رابع حكّام أسرة محمد علي باشا قد جاهر بولائه للبكتاشية الباطنية التي تعتنقها الأكثرية الألبانية الأرنؤوطية في آقجه حصار ـ تيرانا وغيرها. ومن أبرز القرائن انتقال التكية البكتاشية المركزية من ألبانيا إلى مصر برعاية الحكومة.
وذكرنا بعض الجرائم التي ارتكبها الإنكشاريون البكتاشيون ضدَّ الخلافة الإسلامية العثمانية حتى السلطان محمود الثاني(1808 ـ 1839م) بإغلاق الزوايا البكتاشية في تركيا بعدما قضى على الإنكشارية في 9 شوال سنة 1241 هـ/ 18 أيار / مايس سنة 1826م. وبدما هُزمت البكتاشية في إسطنبول وما حوْلًها، وانتقلت من العَلَن إلى السرِّ بدأ ازدهارُها ألبانيا بعدما هاجر إليها صالح نيازي، وصار فيها "دده بابا" ثم قُتل سنة 1942م، وحلَّ محلَّه ابنُه "عباس دده بابا" الذي انتحر سنة 1949م، وبعد مصرعه انتقل مركزُ البكتاشية الرئيسي إلى القاهرة في مصر، وحظيت البكتاشية الباطنية برعاية آل محمد علي باشا، وتغلغلت بين البسطاء فاستغلتهم، وتولى توجيهَها رؤوسُ الباطنية السريين الذين حاولوا إضعافَ جُمهورِ المسلمين السُّنَّة في مصر عن طريق تضليلهم، وتفريق كلمتهم، وموالاة أعدائهم من البدعيين وغير المسلمين.
وبعد ذلك استخلصنا الجوامع المشتركة بين محمد علي والبكتاشية، ومنها:
الغموض الذي يحيط بأصول بأسرة محمد علي باشا، وتعامل محمد علي بقسوة بالغة مع المسلمين السُّنَّة المصريين، واعتماد على غير المسلمين من الأقباط والأرمن واليهود، وتنكره لنقيب الأشراف لشيخ عمر مَكْرَم بن حسين السيوطي، ونفيه إياه إلى دمياط سنة 1222هـ، ثم طنطا التي توفى فيها، أذكاء محمد علي نيران الفتن بين المماليلك وغيرهم، وارتكابه المذابح الجماعية بحق المسلمين المماليك، وأشهر مذابحهِ مذبحةُ القلعة سنة 1226 هـ/ 1811م تلك المذبحة التي لايقوم بها إلا مَن خرج من دين الإسلام والإنسانية في نفس الوقت. ومن الجوامع المشتركة التعاون في نشر الفجور والبدع بين البكتاشية المصرية والأسرة الحاكمة، وإلحاق الأذى الفاحش بالمسلمين السُّنة السعوديين كنوع من الانتقام، ونُصرة الباطنيين في العراق بعد الهجوم السعودي على كربلاء، وهجومه على بلاد الشام، وارتكاب الفظائع بحقّ المسلمين السُّنة، ومناصرة النصارى والنصيرية والباطنيين، وإحياء الجيش الإنكشاري في حلب وتقديم القرابين للبكتاشية بإشراف إبراهيم باشا، وتكرار نفس العمل في قونيا وغيرها من بلدان الأناضول.
والخلاصة: إنّ حركات محمد علي باشا وعصيانه وتمرده قد ساهمت بإضعاف الخلافة الإسلامية العثمانية، وتقوية أعدائها من روس وأوروبيين وباطنيين وصهاينة، وهكذا يعتبر من أخطر أعدائها، وأعداء العرب والمسلمين، حيث أن عصاينه قد مهَّد الطريق أمام الاحتلال الإنكليزي لمصر سنة1300هـ/ 1882م، والاحتلال الفرنسي للجزائر سنة1246 هـ/ 1830م، ولتونس سنة 1299هـ/ 1881م، والاحتلال الروسي للأفلاق والبغدان "رومانيا" سنة 1265 هـ/ 1848م، ونشر التغريب في مصر، وأضعف التعريب. وأتاحت أسرة محمد علي المجال لعودة التشيع إلى مصر، وسمحت بدراسة ما يسمى بالمذهب الجعفري في الجامع الأزهر خدمةً للباطنيين.
********
محمد علي باشا
وجهة نظر عثمانية
د. محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي في مركز الدراسات الإسلامية
كلية الدراسات الشرقية والإفريقية
SOAS
جامعة لندن
تمهيد
مكانة مصر العالمية
تمتعت مصر بموقع عالمي عبر التاريخ، وتصارعت الإمبراطوريات العالمية من أجل السيطرة على مصر لأن السيطرة عليها تفتح أبواب السيطرة على منطقة الشرق الأوسط التي تشكل قلب العالم جغرافياً، ولذلك تنافس عليها الرومان والفرس المجوس، ومَن جاء بعدهم من الغزاة والفاتحين.
ولذلك اتجهت الفتوحات الإسلامية إلى مصر سنة 19 هـ/ 640م، وذلك بعد الفتح العمري لبيت المقدس سنة 15 هـ/ 636م، ومِن مصر انطلقت الفتوحات إلى إفريقيا، ومنها إلى الأندلس، ثم اتخذ المتمردون الباطنيون من مصر قاعدة انطلاق الهجوم المعاكس ضد الخلافة الإسلامية الراشدة حينما جاء المتمردون من مصر والعراق، واغتالوا الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في 17 ذي الحجة سنة 35هـ/ 656م، وفي عهد الخلافة الإسلامية الأموية لجأ المتمردون إلى العمل السري حتى تمكنوا من السيطرة على تونس، ثم احتلوا مصر سنة 359 هـ /969م، ومنها هاجموا بلاد الشام، ووقعت الخلافة الإسلامية العباسية بين نار العبيديين الباطنيين الآتية من مصر، ونار المتمردين البويهيين الباطنيين التي جاءت من الشرق سنة334 هـ/ 945م، ولكن النجدة السلجوقية التركية السُّنِّيَّة حررت بغداد والخليفة العباسي القائم بأمر الله من الاحتلال البويهي سنة هـ447 هـ/ 1055م، وحالت دون إسقاط الخلافة العباسية السُّنِّيَّة، وبعد جهاد عربيّ تُركيّ سُّنيٍّ متواصل تمّ تحرير مصر من السيطرة العُبيدية الباطنية على أيدي الأتابكة الزنكيين بقيادة المجاهد صلاح الدين الأيوبي يرحمه الله سنة 566هـ / 1171م، واستعادت مصرُ مكانتها في الدفاع عن الإسلام والمسلمين السُّنَّة، وبرز دورُها الرائع في صدّ التتار في موقعة عين جالوت سنة 658 هـ/ 1260م، وما تبعها من دفاع عن الإسلام والمسلمين السُّنَّة بوجه الصليبين، وعملائهم الباطنيين الذين تحولوا إلى منظمات سرية تُقدِّم الخدمات لكلِّ مَن يُعادي الإسلام والمسلمين، وقد تجلَّت تلك الخدمات بتقديم الدعم والتجسُّس للتحالف الصفوي الباطني مع البابوية الصليبية وأتباعها ضدَّ السلطنة العثمانية الإسلامية السُّنِّيَّة، وقد استطاع الباطنيون توريط المماليك في حروبهم مع العثمانيين بعد نشر بدعهم الضالة المضلة مما تطلب فتحاً عثمانياً لبلاد الشام ومصر لتطهيرها من جواسيس الباطنية عملاء البابوية والصفويين، وتأمين طُرق الوصل إلى إفريقيا لتحريريها من الإحتلال الكاثوليكي، وحماية الحرمين الشريفين وبيت المقدس من الهجمات الصليبية البرتغالية وغيرها.
تطهير الجبهة الداخلية والجبهة الشرقية
تكاثرت الفرقة الضالة في أنحاء السلطنة العثمانية جرّاء تسامح السلطان المتصوف أبايزيد الثاني بن محمد الفاتح الثاني، وشكَّل أعداء الإسلام تحالُفاً غير مقدس جمع الأعداء الخارجيين من الأوروبيين والروس الصليبيين، والصفويين الباطنيين، ومن خونة الداخل المكوَّنين من أتباع الفرق الضالة من "البكتاشية" وباطنية "قزلباش" "الرؤوس الحمر" ومشركي فرقة النصيرية "علي إلاهلري" ولما ازداد الخطر لم يبقَ أمام السلطان سليم الأول بن السلطان أبايزيد سوى التصدي لأعداء الإسلام والمسلمين، فنشر المخبرين بين أتباع الفرق الباطنية، ووقف على شبكتاهم، فطهَّر الجيش من أقطابها، وقضى على رؤس الفتنة
في الأناضول ثم هزم "الصفويين الباطنيين" المتآمرين في معركة جالديران سنة 920هـ / 1514م، وشتَّت شملهم بعد تحالفهم مع البرتغاليين وفرسان مالطة، وغيرهم من الأوروبيين(1).
تحرير الجبهة الجنوبية
استتبَّ الأمن الداخلي في السلطنة العثمانية بعد القضاء على متمردي الداخل، وبعدما أخضع السلطان سليم الأول الصفويين الباطنيين اتجه بجيوشه المنصورة جنوباً، ففتح سوريا سنة 922 هـ/ 1516م تلبية لرغبة المسلمين السُّنَّة في سوريا(2)، ثم فتح مصر سنة 923 هـ / 1517م، تلبية لرغبة المصريين(3)، وجزاء تآمُر بعض أُمراء المماليك الشراكسة مع الصفويين ورعاية مؤآمراتهم مع الأوروبيين.
الحركات الهدامة في مصر وغيرها
بعد الفتوحات العثمانية في إيران والشام ومصر لجأت الحركات السرية الباطنية إلى جحورها كالأفاعي بانتظار الفرص للإنقضاض على الإسلام والمسلمين، ومن الحركات الخطيرة التي تشكلت في مصر والأناضول و"روم ايلي" وألبانيا وغيرها من بلدان السلطنة العثمانية حركة "البكتاشية الباطنية" التي استقطبت بقايا العُبيديين الباطنيين في مصر والشام، وقرَّرت اقتفاء آثار العُبيديين بالسيطرة على مصر، والانطلاق منها نحو الحرمين الشريفين وبيت المقدس، وبقية بلاد الشام، ثم القضاء على السلطنة الإسلامية العثمانية السُّنِّيَّة في الأناضول والبلقان، وإعلان الإمامة الباطنية حينما تسنح الفرص بموافقة أعداء الإسلام في الشرق والغرب.
البكتاشية ومحمد علي باشا
تُعتبر البكتاشية من أخطر الحركات الباطنية السرية الإيرانية التي لعبت دوراً أساسياً في تدمير السلطنة العثمانية السُّنِّيَّة، وذلك من خلال نشر العصيان والفساد الأخلاقي بين قوات الجيش الإنكشاري، وبلغ الخطر البكتاشي أقصى مداه حينما حرّكت البكتاشية أدواتها الإنكشارية في إسطنبول والبلقان في نفس الوقت الذي تحركت فيه الجيوش الإيرانية الباطنية على الجبهة الشرقية، وجيوش محمد علي باشا على الجبهة الجنوبية، فهل كان محمد علي باشا باطنياًّ بكتاشياًّ معادياً لأهل السُّنَّة والجماعة؟
أصول محمد علي الغامضة
لاشكّ أن الغموض يحيط بشخصية محمد علي باشا(4)، وشأنه في ذلك شأن بقية الباطنيين، وقد هاجرت أسرته المجهولة النسب من قونيا في الأناضول إلى كَوَلَه(5)، وأنيطت وظيفة المتسلم بعمِّه طوسون الذي أعدمته السلطنة العثمانية جرّاء جرائمه، فتأثر محمد علي، وعمل مراسلاً ثم دلالاً "سمساراً" في شركة "ليون الفرنسية" التجارية، وتعاطى تهريب الدخان وغيره من الممنوعات، وعندما بلغ الثامنة عشرة التحق بقوات "الباشبوزوق" ومارس الإرهاب بقسوة ضد الفلاحين لتحصيل الضرائب، فجمع ثروة من المال الحرام، ثم حضر إلى مصر كنائب لقائدة وحدة من "الباشبوزوق"(6) للمساهمة في تحرير مصر من الفرنسيين، ولكن عودة قائد مجموعة الباشبوزوق أتاحت لمحمد علي رئاستها، فبدأ بزرع الفتن بين المصريين مُعتمدا على المترجمين غير المسلمين لجهله اللغة العربية، وبنى مجده على أنقاض ما هدمه من أمجاد المصريين، وصعد بقوة تفوق قدرة الفرد، وتدلَّ على أن وراء ذلك الصعود تنظيماً باطنياًّ يقدّم الدعم المادي والمعنوي لمحمد على باشا الذي مثَّل الوجه الظاهر لذلك التنظيم الباطني، فما هو التنظيم الذي عزّز قوة محمد علي الطارئ على مصر ذات التقاليد الحضارية العريقة؟
إن تتبُع الخيوط الدقيقة للبكتاشية والباطنية في مصر يقدِّم لنا معلومات تثير الشكَّ، وتفتح الأبواب أمام الباحثين عن الحقيقة رغم السِّرية الباطنية، والغموض الذي يحيط بالأسرة "العلوية" التي حكمت مصر بالحديد والنار والمؤامرات الدموية، وألحقت الأذي بالفلاحين والعسكريين المصريين والعلماء على حدٍّ سواء، ورعَتْ مصالح الْمُرابين غير المسلمين، واتخذت من مصر قاعدة لإلحاق الأذى بالمسلمين السُّنَّة في شبه الجزيرة العربية، وبلاد الشام والأناضول، وبذلك قدَّمت الأسرة "العلوية" خدماتٍ فظيعةً للباطنيين الصفويين الإيرانيين، وقوى الاحتلال الأوروبي من خلال إضعافها للسلطنة العثمانية مركز الخلافة الإسلامية السُّنِّيَّة في إسلامبول.
أصول البكتاشية
الطريقة البكتاشية شيعية إيرانية قلبًا وقالبًا، ومع ذلك ازدهرت في تركية وتسللت إلى الجيش الجديد (الانكشاري) "ينيجيري"، ونقلت إلى المسلمين السُّنَّة الكثير من البدع وتسترت بالتصوُّف، وتنسب البكتاشية إلى "خنكار الحاج محمد بكتاش الخراساني النيسابوري" المولود في نيسابور سنة 646 هـ/ 1248م، ويدَّعي "خنكار" أنه من أولاد إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه، وقد سلك "حاجي بكتاش" طريقة التصوف على يد باطني تركستانى يُدعى لقمان خليفة أحمد يسوى مبتدع الطريقة "اليسوية" الباطنية، وكان قدوم بكتاش إلى تركيا في زمان السلطان العثماني أورخان المتوفى سنة 761هـ/ 1316م (7)، وقد خَدَعَ "خنكار" بذلك النسب الشريف الْمُركّب الكثير من المسلمين. واستمرت سلسلة البكتاشية فى أسرة تدعى أسرة "جلبى" حتى ترأس البكتاشية المدعو "بالم سلطان" فنقل رئاسة البكتاشية إلى رؤساء التكايا البكتاشية.
البكتاشية المصرية
لم تُطهَّرْ مصرُ من بقايا الباطنيين العُبيديين جرّاء التسامُح والرحمة والشفقة التي اتسم بها المصريون، وهذا ما سمح للباطنيين أن ينتقلوا من العمل العلني إلى العمل السريّ، وهنالك أدلة على استمرار العمل الباطني يمكننا أن نتتبعها من خلال تتبُّع تاريخ وأنشطة "كهف السودان" الواقع على سفح جبل المقطّم الذي يُطلّ على قلعة محمد علي باشا، ويُعرف بعدّة أسماء هي: كهف السودان، وتكية البكتاشية، وضريح عبد الله المغاوري، وزاوية المغاوري، وخانقاه وتكية المغاوري. ويعود تاريخ إنشاء كهف السودان إلى عهد الحاكم العبيدي الباطني الظاهر لإعزاز دين الله 411 – 427 هـ /1021- 1036م (8)، وكان آخر مَن أقام بهذا الكهف قديماً "عبد الله بن الحسن بن قرقوب" سنة 428هـ/ 1056م فى عهد المستنصر بالله العبيدي الباطني.
وممن أقام بهذا الكهف البابا "قابغوسز" الأرنؤوطي المشهور باسم "عبد الله المغاوري" الذي حضر إلى مصر سنة 761 هـ/ 1359م، وأقام بالقاهرة، ثم سافر إلى الحجاز 776 هـ/ 1374م، ثم سافر إلى العراق وزار النجف وكربلاء، ثم عاد إلى مصر مرة أخرى سنة 799 هـ/ 1396م، ومات فيها سنة 818 هـ/ 1415م، ودفن في القبر المعروف باسمه في كهف السودان، وتتابع دفن باباوات البكتاشية في كهف السودان، وحمل الرقم السادس والثلاثين "محمد لطفى بابا" الأرنؤوطي الذي قصد إسطنبول سنة 1300 هـ/ 1882م، ثم زار كربلاء، وعاد إلى تكية مؤسس البكتاشية، في تركيا، ثم عُيِّن بابا للبكتاشية في مصر سنة 1319 هـ/ 1901م، ثم تنازل عن البابوية سنة 1354 هـ/ 1936م لأحمد سري بابا الألباني.
ولقد كان من شيوخ تكية كهف السودان في المقطم "نعمة الله الحسيني "شيخ زاوية "كرمان الجلالية" الذي قدم إلى مصر سنة 820هـ/ 1417م ولما مات الحسيني، قام بتجديد كهف السودان، أو التكية مريده نور الدين أحمد الإيجي سنة 905 هـ/ 1499م، ثم آلت التكية رسمياًّ إلى طائفة البكتاشية التي تُنسب إلى الباطني "حاجي بكتاش النيسابوري".
وخلال الفترة من عام 1321 هـ/ 1903م إلى عام 1345هـ/ 1927م قام كلاًّ من الأمير كمال الدين حسين نجل السلطان حسين كامل (1914-1917 م) والأمير لطفي – أحد شيوخ التكية – بتجديد ضريح المغاوري كما يتضح من النص التأسيسي بضريح عبد الله المغاوري الأرنؤوطي.
ومِن بكتاشية محمد علي باشا الْمُقربين الذين ذكَرَهم الجبرتي أكثر من مرة "عبد الله بكتاش الترجمان"، ومن ذلك قوله "أخذ الباشا (محمد علي) يدبِّر في تفريق جمعهم، وخذلان السيد عمر (مكرم) لما في نفسه من عدم إنفاذ أغراضه، ومعارضته له في غالب الأمور.. ثم في ليلتها حضر ديوان أفندي، وعبد الله بكتاش الترجمان، وحضر المهدي، والدواخلي، الجميع عند السيد عمر، وطال بينهم الكلام والمعالجة في طلوعهم ومقابلتهم الباشا.. .. فاعتذر الشيخ الأمير بأنه متوعِّك، ثم قام المهدي والدواخلي وخرجا صُحبة ديوان أفندي، و(عبد الله بكتاش) الترجمان، وطلعوا إلى القلعة وتقابلوا مع الباشا ودار بينهم كلام..ثم أخذ يلوم على السيد عمر في تخلفه وتعنُّته، ويثني على البواقي. ..فعند ذلك تبين قصْدُ الباشا لهم، ووافق ذلك ما في نفوسهم من الحقد للسيد عمر..
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الجمعة سنة 1224هـ
فيه حضر ديوان أفندي، وعبد الله بكتاش الترجمان، واجتمع المشايخ ببيت السيد عمر، وتكلموا في شأن الطلوع إلى الباشا ومقابلته، فحلف السيد عمر أنه لا يطلع إليه، ولا يجتمع به ولا يرى له وجهاً إلا إذا أبطل هذه الأحدوثات.. ثم اتفقوا على طلوع الشيخ عبد الله الشرقاوي والمهدي والدواخلي والفيومي، وذلك على خلاف غرض السيد عمر، وقد ظنَّ أنهم يمتنعون لامتناعه للعهد السابق والأيمان، فلما طلعوا إلى الباشا وتكلمُّوا معه وقد فهِمَ كلٌّ منهم لُغَةَ الآخر الباطنية.."(9).
وهنا يصبح السؤال مشروعاً عن لغتهم الباطنية التي يشارك فيها عبد الله بكتاش، وعن علاقة محمد علي باشا مع عبد الله بكتاش والبكتاشية، ويضاف إلى ذلك السؤال عن علاقة نجل السلطان حسين كامل بالطريقة البكتاشية الباطنية، ودفنه في كهفهم؟
مما يؤكد ارتباط أسرة محمد علي باشا بالبكتاشية اهتمام حُكام العائلة وأتباعها بالتكية البكتاشية والبكتاشيين، ومن القرائن على ذلك وجود ضريح الأمير كمال الدين حسين وعائلته في تكية البكتاشية سابقاً، قبل نقله إلى مقابر العائلة المالكة بالبساتين. ومن قرائن الأدلة على الارتباط "الأرنؤوطي" الألباني بالبكتاشية "البكطاشية" "البكداشية" وجود تابوتين في مقبرة التكية البكتاشية لكل من الأميرة روحية والأميرة نافية ابنتي الملك الألباني السابق أحمد زغو البكتاشي الذي تولَّى حكم ألبانيا سنة 1341هـ/ 1922م(10) وأقام في مصر فترة من الزمن.
ومن الراجح أن البكتاشية قد ازدهرت في مصر في عهد شيخها الأرنؤوطي "أحمد سري دده بابا" الذي تولي أمر التكية سنة 1917م، وأقام علاقاتٍ وثيقةً مع باطنية إيران، ومن الأدلة على التغلغل الفارسي الباطني بين بكتاشية مصر وجودُ لوحتين من الرخام الملون في التكية البكتاشية، كُتِبَتا باللغة الفارسية، وتحتوي كلّ منها على النَّصِّ التأسيسي لتجديد الضريح الذي قام به كلٌّ من الأمير كمال الدين حسين نجل السلطان حسين، والأمير لطفي دده بابا – أحد شيوخ التكية البكتاشية (11). واحتوت هذه التكية على ما يُعرف باسم الكوشك وكان خاصا بشيخ البكتاشية أحمد سري دده بابا، وقد أنشأ الكوشك سنة 1374 هـ / 1954م، وعندما اجتاحت قوات إبراهيم باشا حلب والأناضول أعادت التشكيلات الإنكشارية، ونحرت القرابين في التكايا البكتاشية بأمر البكتاشي الباطني إبراهيم باشا بن محمد علي باشا.
طلائع البكتاشية في مصر
البكتاشية فرقة من الشيعة المتطرفة، وقد انتشرت هذه الطريقة بمصر، وكانوا يسكنون أول الأمر فى تكية القصر العيني التي أنشأها الناصر فرج بن برقوق سنة 806هـ/ 1403م، ثم سكن بها الشيخ عبد الله المغاوري ودراويشه، ثم انتقل البكتاشيون إلى كهف السودان في عهد الخديوي إسماعيل باشا.
ويقول البكتاشيون: "استطاع مؤسس الطريقة البكتاشية وهو (خنكار محمد بكتاش) أن يربي مجموعة من المريدين وكان منهم (أبدال موسى سلطان) الذي كان خليفة بعده، وربى أبدال هذا رجلا يسمى (قبوغوسز) وهذا القبوغوسز (المجهول الحسب والنسب) تسمَّى بغيبي (12) (.. ..) واستطاع هذا الرجل أن يرتحل مع مجموعة من الدراويش من تركية إلى مصر، واختار لمن يصحبه في هذه الرحلة دراويش من النوع الذين يطيعون في كل صغيرة وكبيرة حتى إنه كان يقول لهم عن الشجرة الباسقة الطويلة.. هذه شجرة قثاء، فيقولون: نعم هي قثاء"(13).
بدأ انتشار بذور الطريقة البكتاشية في مصر مع قُدوم "قبوغوسز" الذي سمّى نفسه عبدالله المغاوري، وسمّى البكتاشيون أوّل تكية لهم: تكية القصر العيني، وظل هذا الحال قائمًا في مصر إلى سنة 1242هـ/ 1826م، واستمرت الطريقة البكتاشية في مصر، وترأسها الشيخ علي الساعاتي الذي حاز لقب (دده بابا) وبنى تكية بكتاشية في باب اللوق، وأخذ يُعطي العهود البكتاشية، ويقيم الطقوس البكتاشية. وفي سنة 1276هـ/1859م صدرت أوامر محمد سعيد باشا (1854-1863م) بتخصيص المغاره التي دُفن فيها عبدالله المغاوري "قبوغوسز" للطريقة البكتاشية، وهذا يعني أن رابع حكّام أسرة محمد علي باشا قد جاهر بولائه للبكتاشية الباطنية التي تعتنقها الأكثرية الألبانية الأرنؤوطية في آقجه حصار ـ تيرانا وغيرها.
وبعد أن انتحر "صالح نيازي بابا" سنة 1949، اجتمع أتباع الحركة البكتاشية واختاروا "أحمد سري" البكتاشي الأرنؤوطي شيخاً لتكية قبوغوسز الأرنؤوطي (عبدالله المغاوري) وكان ذلك في 30 كانون الثاني/ يناير سنة 1949م(14).
ومنذ ذلك الوقت أصبح المقرُّ الرئيسي للبكتاشية العالمية في مصر، وأصبح أحمد سري (دده بابا) شيخ مشايخ البكتاشية. وفي كانون الثاني/ يناير سنة 1957م أمرت حكومة الجمهورية المصرية بإخلاء تكية المقطم، وأعطت البكتاشيين مقراًّ آخر في ضاحية المعادي فصمّموه على غرار التكايا البكتاشية، ثم نشط البكتاشيون في مصر، وجدَّدوا تكاياهم القديمة، وأنشؤوا الكثير من المكتبات والمراكز السرية، وأقاموا علاقات قوية مع آغا خان الإسماعيلة، وزودتهم سفارة جمهورية إيران الخمينية بالمطبوعات، وعاضدهم نصيرية سوريا العلويين أبناء جبل اللُّكام، وبقية اتباع الحركات الهدّامة وأهل البدع.
صعود البكتاشية وهبوطها
أسس "خنكار بكتاش النيسايوري" أول تكية بكتاشية في الأناضول، ونشر دُعاته وجواسيسه في العالم الإسلامي، وكثر مريدوه، وذاع صيته، ووصل إلى السلطان أورخان العثماني المتوفي سنة 761هـ/ 1316م، فكلَّف "حاجي بكتاش" بتعليم أبناء الأسرى من أهل الذمة، فنشر بينهم الطريقة البكتاشية الباطنية، واستطاعت البكتاشية تسخير الإنكشارية للانتقام من السلاطين الذين عارضوا الباطنية، فمرَّت الطريقة البكتاشية بمراحل الصعود والهبوط جرّاء مؤآمراتها، فقد تخاذل الإنكشاريون البكتاشيون أثناء الحروب، فتآمروا مع الباطني تيمور لنك، وتخلوا عن السلطان أبايزيد الأول (1389 ـ 1403) في معركة أنقرة سنة 804 هـ/ 1402م(15). وتمرّد الإنكشارية على السلطان سليم الثاني في بداية حُكمه (1566 ـ 1574م)، وأضعفوا الدولة أثناء التمرد الزيدي في اليمن(16)، وقتل الإنكشاريون البكتاشيون الصدر الأعظم ديلاور (Dilaver) باشا ديار بكر، والصدر الأعظم حسين باشا سنة 1032 هـ/ 1622م، وقتلوا السلطان كنج عثمان الثاني (1618 ـ 1622م) حينما فكَّر بإلغاء الإنكشارية "البكتاشية" وفيالق القابو قولو الموالية لهم(17)، وقتلوا السلطان إبراهيم الأول (1640 ـ 1648م) بعدما فتح جزيرة كريت (18)، وفرضوا وصايتهم على السلطان مراد الرابع (1623 ـ 1640) في بداية سلطنته، وأعلنوا العصيان بقيادة رجب باشا سنة 1042 هـ/ 1632م، وقتلوا الصدر الأعظم حافظ أحمد باشا، وعَيَّنوا رئيس الأشقياء طوبال رجب باشا صدراً أعظم، ولكن السلطان مراد أعدمه سنة 1032 هـ/ 1632م، وقاد السلطان حملة عسكرية ضدّ الصفويين وحرّر عِراقَ العرب من ظُلْمِ العجم(19) بعدما كسر شوكة عملائهم الإنكشارية البكتاشية الذين استعادوا قوتهم ، وفرضوا سيطرتهم على السلطان محمد الرابع (1648 ـ 1687م)، وكانوا قد خلعوا السلطان مصطفى الأول سنة 1623م(20) ثم خلعوا مصطفى الثاني(1695 ـ 1703م) في أدرنة(21) ، وخلعوا السلطان أحمد الثالث(1703 ـ 1730م) بعدما انتصر على إيران، وعُرف تمرُّد الإنكشارية بعصيان "باترونا"(22)، وعزلوا السلطان سليم الثالث سنة 1222 هـ/ 1807م، ثم قتلوه سنة 1908م ولم يأبهوا بالغزو الفرنسي لمصر وبلاد الشام، ولا بالتحركات الإيرانية والروسية، وخلعوا السلطان مصطفى الرابع سنة 1223 هـ/ 1808م(23)، وتمادوا في إلحاق الضرر بالسلطنة العثمانية، وتقديم الخدمات لأعداء الإسلام، وسقطت الأقنعة، وكُشف أمر التعاون الخطير بين البكتاشية الباطنية والإنكشارية(24) ضدَّ الخلافة الإسلامية العثمانية، فأمر السلطان محمود الثاني(1808 ـ 1839م) بإغلاق الزوايا البكتاشية(25) في تركيا بعدما قضى على الإنكشارية في 9 شوال سنة 1241 هـ/ 18 أيار / مايس سنة 1826م(26).
انتقال المركز البكتاشي من تركيا إلى ألبانيا
حينما هُزمت البكتاشية في إسطنبول وما حوْلًها، وانتقلت من العَلَن إلى السرِّ بدأ ازدهارُها ألبانيا بعدما هاجر إليها صالح نيازي، وصار فيها "دده بابا" ثم قُتل سنة 1942م، وحلَّ محلَّه ابنُه "عباس دده بابا" الذي انتحر سنة 1949م، وبعد مصرعه انتقل مركزُ البكتاشية الرئيسي إلى القاهرة في مصر، وحظيت البكتاشية الباطنية برعاية آل محمد علي باشا، وتغلغلت بين البسطاء فاستغلتهم، وتولى توجيهَها رؤوسُ الباطنية السريين الذين حاولوا إضعافَ جُمهورِ المسلمين السُّنَّة في مصر عن طريق تضليلهم، وتفريق كلمتهم، وموالاة أعدائهم من البدعيين وغير المسلمين.
وأما في إسطنبول مركز الخلافة العثمانية الإسلامية، فبعدما ألغى السلطان محمود الثاني الإنكشارية والبكتاشية لاذت فلولهما بالعمل الباطني السِّرِّي، وتظاهرت بالعِلمانية، ثُمَّ انخرطت تلك الفلول مع يهود الدونمة وأتباعهم، وشكَّلوا جمعيَّةَ "الاتحاد والترقي" التي تعاوَن زعيمُها طلعت باشا مع الصهيونية انطلاقاً من سالونيكا اليونانية(27)، واستطاعت القيام بانقلابها ضدَّ الخليفة عبد الحميد الثاني سنة 1909م، ثم قامت بانقلاب 23 كانون الثاني / يناير سنة 1913 بقيادة الثلاثي الاتحادي: أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا(28)، وبعد الحرب العالمية الأولى استطاع أعداء الإسلام القضاء على السلطنة العثمانية سنة 1923م، وإلغاء الخلافة الإسلامية السُّنِّيَّة في 3 آذار/ مارس سنة 1924م(29) بالتعاون بين القُوى غير الإسلامية التي جنت ثمار الحرب العالمية الأولى التي تمخضت عن اتفاقية سايكس بيكو التي بدأ تطبيقها العملي منذ سنة 1918م، ومازال التآمر مستمراً ظاهراً وباطناً حتى الآن مرَّة باسم الحداثة، ومرة باسم العلمانية، ومرة باسم الديموقراطية، ومرة باسم الحرية والإخاء والمساواة، والهدف والغاية التي من كل هذه الوسائل هي القضاء على الإسلام والمسلمين.
الجوامع المشتركة بين محمد علي والبكتاشية
يتضح مما سبق أن البكتاشية هي أخطر الحركات الهدامة التي ألحقت الأذي بالسلطنة العثمانية، وقد قدمت خدماتها للباطني تيمور لنك، وللصفويين الباطنيين، والصليبيين الأوروبيين والروس الأرثوذكس، والصهاينة ويهود الدونمة. وهذه الصِّفات البكتاشية في معاداة الخلافة الإسلامية العثمانية السُّنِّيَّة تنطبق على محمد علي باشا، وذلك في النقاط التالية:
1 ـ الغُموض يحيط بأصول بأسرة محمد علي باشا، وشأنها في ذلك شأن غيرها من الباطنيين، فقد انتقلت أسرة إبراهيم آغا من (قرامان) منطقة مدينة قونيا في الأناضول إلى أدرنة، ثم تعين إبراهيم آغا رئيس حرس قلعة كَولة الواقعة في مقدونيا اليونانية، وتمّ تعيين أخيه طوسون مُتسلماً للبلدة، وصار علي بن طوسون بيلربيه، وجاء محمد علي إلى مصر كمعاون لحسن باشا البويانلي قائد مجموعة "باشيبوزوق" الأرنؤوط الذين قصدوا مصر بعد الحملة الفرنسية(30) وآلت إليه قيادة "الباشيبوزوق" "الرأس الخربان" بعد عودة قائدها إلى بلده لأسباب مجهولة.
2 ـ كان محمد علي باشا "أمي، عاقل، ذكي"(31) وكان "من طبعه الحقد والحسد والتطلع لما في أيدي الناس"(32) وقد تعامل بقسوة بالغة مع المسلمين السُّنَّة المصريين، ففرض عليهم الضرائب الباهظة حتى هجَّرهم من مصر إلى بلاد الشام وغيرها(33)، وطلب استردادهم من عبد الله باشا، فرفض إعادتهم، واتخذ محمد علي باشا ذلك الرفض وسيلة للهجوم على بلاد الشام(34) وهذه الأعمال لايقوم بها مسلم صالح.
3 ـ جمع محمد علي حوله السفلة، واعتمد على غير المسلمين من الأقباط والأرمن واليهود، وتنكر لنقيب الأشراف لشيخ عمر مَكْرَم بن حسين السيوطي 1168؟ -1237هـ / 1755؟ -1822م، ونفاه إلى دمياط سنة 1222هـ، ثم نفاه إلى طنطا التي توفى فيها، وهذا دليل على حقده الباطني على علماء المسلمين الصالحين والوطنيين(35)، وقد وصفه أمير المصريين القبالي ابراهيم بك الكبير فقال شارحاً سيرة محمد علي باشا في مصر: "إننا سبرنا أحواله وخيانته، وشاهدنا ذلك في كثير مِمَّن خدموه، ونصحوا معه حتى ملَّكوه هذه المملكة.
قال إبراهيم بك: أوَّلُهُم مخدومه محمد باشا خسرو، ثم كتخداه وخازنداره عثمان آغا جنج الذي خامر معه، وملك مع أخيه المرحوم طاهر باشا القلعة، وأحرق سرايته، ثم سلَّط الأتراك على طاهر باشا حتى قتلوه في داره، وأظهر موالاتنا وصداقتنا ومساعدتنا، وصيَّر نفسَه من عسكرنا، واتَّحَدَ بعثمان بك البرديسي، وأظهر له خُلُوصَ الصداقة والأخوّة، وعاهد بالأيْمَان حتى أغراه على علي باشا الطرابلسي، وجرى ما جرى عليه من القتل، ونسَب ذلك إلينا، ثم اشتغل معه على خيانته لأخيه الألفي وأتباعه، ثم سلَّط علينا العساكر يطلب العلوفة، وأشار على عثمان بك بطلب المال من الرعية حتى وقع لنا ما وقع، وخرجنا من مصر على الصورة التي خرجنا عليها، ثم أحضر أحمد باشا خورشيد وولاه وزيرًا، وخرج هو لِمُحاربتنا، ثم اتَّضح أمرُه لأحمد باشا، وأراد الإيقاع به، فعجَّل العود إلى مصر، وأوقع بينه وبين جُنده حتى نفروا منه ونابذوه، وألقى إلى السيد عمر، والقاضي، والمشايخ: أن أحمد باشا يريد الفتكَ بِهم، فهيَّجوا العامة والخاصَّة، وجرى ما جرى من الحروب وحرقِ الدور، وبذل السيد عمر جهدَه في النُّصح معه بما يُظهره له من الْحُبِّ والصداقة، وراجت عليه أحواله حتى تمكَّن أمرُهُ، وبلغ مرادَه وأوقع به، وأخرجَه من مصر، وغرَّبه عن وطنه، ونقضَ العهودَ والمواثيق التي كانت بينه وبينه، كما فعل بعمر بك وغيره، وكلُّ ذلك معلومٌ، ومُشاهَدٌ لكم ولغيركم، فمَن يأمَن لهذا، ويعقد معه صلحًا؟
واعلم يا ولدي: أننا كُنَّا بمصر نحو العشرة آلاف، أو أقلّ، أو أكثر، ما بين مُقدّمي ألوف، وأمراء، وكشاف، وأكابر أوجاقات، ومماليك، وأجناد وطوائف، وخدم واتباع، مرفَّهي المعاش بأنواع الملاذّ، كلّ أمير مختصّ ومعتكف بإقطاعه، مع كثرة مصارفنا في الأوقات المعهودة، ولا نعرف عسكرًا ولا علوفة عسكر، والقُرى والبلاد مطمئنة، والفلاحون ومشايخ البلاد مرتاحون في أوطانهم، ومضايفهم مفتوحة للواردين والضيفان مع ما كان يلزم علينا من المصارف الميرية، ومرتبات الفقراء، وخزينة السلطان، وصُرَّة الحرمين الشريفين، والْحُجَّاج، وعوائد العربان، وكلف الوزراء المتولين، والأغوات، والقابجية المعينين، وخدمهم، والهدايا السلطانية، وغير ذلك، وأفندينا ما كفاه إيرادُ الإقليم، وما أحدثه من الجمارك والمكوس، وما قرَّره على القرى والبلدان من فرض المال، والغِلال والْجِمال والخيول، والتعدي على الملتزمين، ومقاسمتهم في فائضِهم ومعاشهم، وذلك خلاف مُصادرات الناس، والتجار في مصر وقراها، والدعاوي والشكاوي، والتزايد في الجمارك، وما أحدثه في الضربخانة من ضرب القروش النحاس، واستغراقها أموال الناس، بحيث صار إيرادُ كلِّ قلَمٍ من أقلام المكوس بإيراد إقليمٍ من الأقاليم، ويبخل علينا بما نتعيش به، ونحن وعيالنا ومَن بقي معنا من أتباعنا ومماليكنا، بل وقَصْدُهُ صيدنا وهلاكنا عن آخرنا"(36). هذه الصفاة تنطبق على عُتاة البكتاشية والباطنية حينما يمتلكون القوة التي تٌمكنهم من البطش بالمسلمين السُّنة بشكلٍ خاص باعتبارهم من ألدّ أعدائهم، والشواهد على ذلك كثيرة قديماً وحديثاً.
4 ـ أذكى محمد علي نيران الفتن بين المماليلك وغيرهم، وارتكب المذابح الجماعية بحق المسلمين المماليك وغيرهم دون رادعٍ من ضميرٍ أو دين، وأشهر مذابحهِ مذبحةُ القلعة سنة 1226 هـ/ 1811م(37) تلك المذبحة التي لايقوم بها إلا مَن خرج من دين الإسلام والإنسانية في نفس الوقت.
5 ـ هنالك شكوك حول التعاون في نشر الفجور والبدع بين البكتاشية المصرية ومحفل "إيزيسي" الماسوني الذي أسسه في القاهرة ماسونيو الحملة الفرنسية سنة 1213 هـ/ 1798م، ثم تحوَّل من السِّرية إلى العلنية بعد مصرع الجنرال كليبر على يد المجاهد الأزهري سليمان الحلبي سنة 1215 هـ/ 1800م، ومن أبرز المشايخ الحداثيين الذين انضمُّوا إلى الماسونية الشيخ حسن العطار 1251 هـ/ 1835م صديق محمد علي باشا الذي سمح بإنشاء المحفل الماسوني الإيطالي سنة 1246 هـ/ 1830 على الطريقة الإسكوتلندية(38)، وجراء تأثر محمد على بالبكتاشية والماسونية، فقد سلّم القضايا المالية للمعلم غالي القبطي وأعوانه(39)، وتعاطف مع اليهود في دمشق(40) والنُّصيرية في جبل اللُّكام، والنصارى في لبنان من خلال تعاونه مع الْمُُرتدّ عن الإسلام الأمير بشير الشهابي(41).
6 ـ استغل محمد علي باشا فرصة سيطرة السعوديين على الحجاز، فتظاهر بطاعة السلطان محمود الثاني، وأرسل حملة بقيادة طوسون فحوصرت حملته في الطائف، فهزمه الأمير عبد الله بن سعود، فقاد محمد علي باشا حملة لنجدته سنة 1228 هـ/ 1813م، فحرره، وأرسل حملة أخرى بقيادة إبراهيم باشا فتعامل السعوديين بوحشية حاقدة بعد خروجهم من الحجاز، بل تجاوز الأوامر السلطانية العثمانية المقتصرة على إخراحهم من مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهاجم بلاد نجد ظلماً وعدواناً، واحتل الدرعية في شهر ذي الحجة سنة 1233 هـ/ نيسان/ إبريل سنة 1818م(42) إمعاناً بضرب المسلمين السُّنة المصريين والمسلمين السُّنة السعوديين بعضهم ببعض، وانتقاماً من السعوديين الذين ألحقو الهزائم بحلفاء البكتاشية الباطنيين في النجف وكربلاء، فآلت إليه ولاية جدة في ذي القعدة سنة 1235هـ/ 1820م (43).
7 ـ تظاهر محمد علي باشا بالطاعة للعثمانيين، فأرسل الجيش المصري إلى اليونان سنة 1239 هـ/ 1824م بقيادة إبراهيم باشا، والمستشار سليمان باشا الفرنساوي، وبعد السيطرة على اليونان هجمت القوات الأوروبية على المسلمين في ميناء نافارين، فأغرقت السفن المصرية والسفن العثمانية، واستشهد ما يقرب من ثلاثين ألف مسلم، وانسحبت قوات محمد علي باشا سنة 1244 هـ/ 1828م، وحلَّت محلَّها القواتُ الفرنسية، وفُصلت اليونان عن السلطنة العثمانية(44). وبعد الهزيمة صوّر المنافقون تلك الهزيمة بصورة الانتصار المهمّ ضمن انتصارات محمد علي باشا رغم أنها أسفرت عقد مؤتمر لندن في 8 جمادى الأولى سنة 1242 هـ/ 16 نوفمبر سنة 1826م، وأسفر عن بداية انفصال اليونان.
8 ـ اقتفت قوات محمد علي باشا آثار نابليون بالهجوم على بلدان الخلافة العثمانية في فلسطين بمساعدات فرنسية، ثم حقَّقت سنة 1247 هـ/ 1832م ما عجز عنه نابليون من سفك دماء المسلمين في عكا(45) وسوريا الكبرى، وفتحت المجال واسعاً أمام البعثات التبشيرية النصرانية، وعندما احتل مدينة حلب السورية، أعاد تشكيلات الإنكشارية ونحر القرابين وقدّمها في التكايا البكتاشية(46) التي حلَّها السلطان محمود الثاني سابقاً، وفي تلك الأثناء قام محمد علي باشا بمراسلة مصطفى باشا والي اشقودرة الألبانية وتحريضه على العصيان والتمرد على الخلافة الإسلامية العثمانية(47)، واستنزف تمرده وعصيانه القوات العثمانية، وأضعفتها حيث وصلت شرورها إلى مدينة قونية في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1832م(48)، وأعاد الإعتبار للإنكشارية المنحلة، وافتتح التكايا البكتاشية، وأرسلت القرابين إلى تكية "حاجي بكتاش"، وأمر إبراهيم باشا بإحياء الأنظمة التي ألغاها السلطان محمود الثاني(49) ثم وصلت كوتاهية سنة 1248 هـ/ 1833م،(50) بسبب الدعم الروسي النمساوي الفرنسي الإنكليزي، وكانت تلك القوات التي بقيادة إبراهيم باشا الذي وصفه البيطار بقوله: "غشومٌ ظالمٌ، وظلومٌ غاشمٌ(..) مُحْتَوٍ على الفساد، منطوٍ على الإنكاد، مجبولٌ على الغلظة والقساوة، مجعولٌ من الفظاظة، معدومٌ من اللطافة والطلاوة، ممتلىءٌ منه البذا، متضلعٌ من الأذى، لم يخلق الله تعالى في قلبه شيئاً من الرحمة فيُنتَزع، ولم يودع الله لسانه لفظاً من الخير فيُستَمع، سفاكٌ لدماء المسلمين، نباذٌ لطاعة أمير المؤمنين، كان يعتقد أن ذلك ليس أمراً ذميماً.."(51).
9 ـ تعاونت قوات محمد علي مع النصيرية البكتاشية والنصارى في بلاد الشام، وأهانت المسلمين السُّنَّة، وكانت بقيادة ابنه إبراهيم الذي "وجهه والده إلى الأراضي الشامية، ليضمها إلى الحكومة المصرية، فلم يزل يسير بعساكره، متقلداً لسيف طغيانه ومناكره، حتى حلَّ حي عكَّة ( سنة 1227 هـ/1832م)، وكان الوالي بها عبد الله باشا من طرف الدولة العثمانية، فدكَّها دكَّة أيّ دكَّة"(52)، وكانت أعماله بمثابة الانتقام "بمفعول رجعي" لما لحق بعملاء الصفويين بعد وصول السلطان سليم الأول إلى بلاد الشام سنة922 هـ/ 1516م، ولما لحق نابليون بونابرت من العار والهزيمة أمام أسوار عكا العثمانية الفلسطينية المجاهدة سنة 1214 هـ/ 1799م.
(10) ـ الخلاصة: إنّ حركات محمد علي باشا وعصيانه وتمرده قد ساهمت بإضعاف الخلافة الإسلامية العثمانية، وتقوية أعدائها من روس وأوروبيين وباطنيين وصهاينة، وهكذا يعتبر من أخطر أعدائها، وأعداء العرب والمسلمين، حيث أن عصاينه قد مهَّد الطريق أمام الاحتلال الإنكليزي لمصر سنة1300هـ/ 1882م، والاحتلال الفرنسي للجزائر سنة1246 هـ/ 1830م، ولتونس سنة 1299هـ/ 1881م، والاحتلال الروسي للأفلاق والبغدان "رومانيا" سنة 1265 هـ/ 1848م، ونشر التغريب في مصر، وأضعف التعريب. وأتاحت أسرة محمد علي المجال لعودة التشيع إلى مصر، وسمحت بدراسة التشيع في الجامع الأزهر.
00000
الهوامش:
(1) الدولة العثمانية، د. علي محمد الصلابي، ص: 200 ـ 208، دار المعرفة بيروت سنة 1425 هـ/ 2004م.
(2) العثمانيون في التاريخ والحضارة، د. محمد حرب، ص: 170 ـ 171، نقلاً عن وثيقة متحف طوب قابي في إسطنبول، رقم 11634 (26)
(3) تاريخ مصر، عبد الله بن رضوان، مخطوط رقم 4971 في مكتبة بايزيد في إسطنبول. نقلاً عن الدولة العثمانية، د. علي محمد الصلابي، ص: 210، دار المعرفة بيروت سنة 1425 هـ/ 2004م.
(4) انظر قاموس الأعلام، شمس الدين سامي، إقدام مطبعه سى، در سعادت (إستانبول) 1317هـ، المجلد السادس، ص: 4216 ـ 4217.
(5) كولة، أو قولة "kavala" "Osmanlı Devleti Tarihi. Yılmaz Öztuna. Faisal Finans Kurumu Yayını. C:1. S. 471"
(6) "Kavalalı Mehmet Ali Paşa İsyanı. Mısır Meselesi. 1831 – 1841. 1. Kısım. S: 21 - 23"
(7) يذكر أحمد سري البكتاش (دده بابا) شيخ مشايخ البكتاشية في مصر في كتابه (الرسالة الأحمدية في تاريخ الطريقة البكتاشية) أن خنكار هذا نزل في قرية (صوليجية فترة أويوك) والتي قسمت بعد ذلك بناحية الحاج بكتاش وما زالت تحمل هذا الاسم إلى اليوم. وأنه استضاف هناك رجل يسمى الشيخ إدريس وزوجته (فاطمة قوتلو ملك) وأنهما أنفقا أموالهما في سبيل نشر دعوة الشيخ خنكار الخراساني ولكن جاء وفد من خراسان لزيارة الشيخ خنكار فلم تجد المرأة ما تضيفهم به إلا أن باعت ثيابها.. واشترت طعامًا لضيوف الشيخ خنكار الخراسانيين.
ولما كان من عادة المرأة فاطمة هذه أن ترحب بضيوف الشيخ فإنها لم تخرج إليهم لأنها لا تملك ثيابًا.. فعلم الشيخ خنكار بهذا من الغيب فمد يده فأخرج صرة ملابس لها، ثم مد يده أيضًا تحت البساط الذي يجلس عليه فأخرج كيسين من الذهب وأعطاهما للمرأة التي جاءت وقبلت يدي الشيخ ورحبت بضيوفه، وآمنت بكراماته (الرسالة الأحمدية ص: 11 ولا يخفى ما في هذه القصة من الخدعة فخنكار هذا لم يخلق ثيابًا. وإنما جاء بذلك الوفد الخراساني الذي تجرد بعد ذلك للدعوة الصوفية في تركية، وصنع الشيخ هذا على أنها كرامة ليسهل ذلك له طريق دعوته في أوساط العامة).
وكانت هذه القصة هي البداية لنشر الطريقة البكتاشية وكذلك مجيء هذا الوفد الخراساني الذي راح يروج للشيخ خنكار الذي كان قد مهد الطريق للدعوة الصوفية ولهذه الطريقة الشيعية الباطنية.
ثم انتحل الشيخ خنكار كرامة أخرى فادعى (أن فاطمة قوتلو) هذه زوجة الشيخ إدريس قد حملت عندما شربت قطرات من دم الشيخ.. وذلك أن فاطمة هذه لم تحمل من زوجها إدريس التركي مدة عشرين عامًا فلما جاء خنكار الخراساني وكانت تصب الماء له ليتوضأ فوقعت قطرات من دمه في الطشت فشربتها المرأة فحملت وتكرر حملها فولدت حبيبًا، ومحمودًا، وخضرًا. وهؤلاء الأولاد أصروا على أن أباهم هو الشيخ خنكار.. فيما يذكر أحمد سري شيخ مشايخ الطريقة البكتاشية في مصر: أن الشيخ خنكار هو أبوهم الروحي فقط، وأن أمهم حملت من شربها دم الشيخ، وأن الشيخ خنكار لم يتزوج قط طيلة حياته.
(8) المقريزي، كتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" ج 4/ ص: 162.
(9) تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، عبد الرحمن الجبرتي، دار الجيل بيروت، بدون تاريخ، المجلد الثالث، ص: 266 ـ 268.
(10) تولى أحمد زغو حكم ألبانيا سنة 1341هـ/ 1922م، ثم ترأس الجمهورية الألبانية سنة 1343هـ/ 1925م. ثم أعلن نفسه ملكًا على البلاد سنة 1347هـ/ 1928م، وظل يحكم ألبانيا إلى أن اقتحمها موسوليني سنة 1358هـ/ 1939م، وفر زوغو إلى الفرار إلى إنجلترا، ثم توجَّه إلى مصر، وأقام بها فترة، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لم يعد إلى بلاده بعدما حكمها الشيوعي أنور خوجا 1365هـ/ 1945م، وظل زوغو يتنقل بين فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية حتى تُوفِّي سنة 1365هـ/ 1946م.
(11) ترجمة النص الفارسي على النحو التالي:
اللوحة اليمني: "إلهي أطل عمر الحاج كمال الدين نجل السلطان حسين والعائلة الكريمة فهو الذي عمر مقام السلطان المغاوري وسرت أرواح الأولياء من هذه القبة وبعد أن رأي صبحي هذا العمران أرخ تاريخا هجريا، جددت هذه التكية السلطانية بفضل جهد الأمير لطفي، كتبه الشيخ محمد عبد العزيز".
اللوحة اليسرى: "إن السلطان المغاوري المدفون فى هذا الكهف وهذا القبر الطاهر يعد مركزا للأرواح الطاهرة .. جدد عمرانه الحاج محمد لطفي بابا عندما كان شيخا لهذه التكية فأصبح مطافا للزائرين فزره بقلب مخلص وتزود بالفيض فهو المكان الذي يتجلي فيه أخيار الدراويش إن غار أهل الله هذا مأوي لأهل الطريقة فادخله بشوق واحترام لأنه مكان السالكين، كتب هذا التاريخ البديع حلمي دده ما أحلي عمران هذا القبر حقا إنه مكان مقدس 1 محرم سنة 1321هـ".
وتوجد بالتكية قبتان ضريحيتان هما قبة أحمد سري دده بابا الذي أنشأ هذه القبة الضريحية له سنة 1357هـ / 1938م ليدفن بها بعد وفاته إلا أنه لم يدفن بها حيث طرد هو وطائفة البكتاشية من كهف السودان فى منتصف الخمسينات من القرن العشرين.
(12) الرسالة الأحمدية، تأليف البكتاشي أحمد سري، ص: 34.
(13) الرسالة الأحمدية، ص: 38. نشرت في مصر سنة 1939 م، وأتبعها أحمد سري بمذكرة تفسيرية لها مطبوعة في مصر سنة 1949م.
(14) الرسالة الأحمدية، ص31:.
(15) عجائب المقدور في نوائب تيمور، تأليف أحمد بن محمد، ابن عربشاه الدمشقي المتوفى سنة 854 هـ/ 1450م، الصفحة: 326 ـ 331، منشورات مؤسسة الرسالة سنة 1407 هـ/ 1986م، تحقيق أحمد فايز الحمصي.
(16) "Osmanlı Devleti Tarihi. Yılmaz Öztuna. Faisal Finans Kurumu Yayını. C:1. S.254 - 255 "
(17) نفس المرجع المجلد الأول، ص: 333 328- .
(18) تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص: 288 .
(19) " Osmanlı Devleti Tarihi. Yılmaz Öztuna. Faisal Finans Kurumu Yayını.C:1.S: 334 – 346 "
(20) تاريخ منجم باشي، المجلد الثالث، ص: 650 وما بعدها.
(21) " Osmanlı Devleti Tarihi. Yılmaz Öztuna. C:1. S: 423"
(22) نفسه، ص: 435 .
(23) " Mustfa Nuri Paşa. Netayic Ül- Vukuat (Osmanlı Tarihi) Cilt:3 -4. S: 214 - 223"
(24) عندما انضم المتآمران طوبال عطا وكوسه موسى، ومَن معهم إلى مصطفى قباقجي أوغلى نشروا الفوضى، وصرخ أمام ثكنات المدفعية: "يا أبناء حاجي بكتاش افتحوا الأبواب، وتعالوا نأخذكم بين أذرعنا، حاجي بكتاش يأمركم بفتح أبوابكم " ففتحوا الأبواب وانضموا للعصاة المتمردين، وهاجم الجميع ميدان سباق الخيل "آط ميدان" أمام جامع السلطان أحمد انظر قباقجي مصطفى، تأليف أحمد رفيق، ص: 75 ، وقاموا باغتيال المخلصين للسلطان سليم الثالث من رجال الدولة والمشايخ ثم خلعوه سنة 1222 هـ/ 1807م، ونصّبو مكانه مصطفى الرابع، ثم قُتل مصطفى الرابع، وقُتل سليم الثالث، وآلت السلطنة إلى الخليفة محمود الثاني سنة 1223 هـ/ 1223م، فبدأ مسيرة تطهير البلاد من الباطنيين البكتاشيين الخونة. انظر قباقجي مصطفى، تأليف أحمد رفيق، ص: 94 ـ 101 .
(25) تاريخ جودت، ترتيب جديد، در سعادت، مطبعة عثمانية، سنة 1309 هـ، المجلد: 12، بكتاشيلكك رفع وإلغاسي، ص: 179 – 189 .
(26) نفسه المجلد: 12، ص: 166، وتبع إلغاء الإنكشارية إلغاء سواري أوجاقلري، وإصلاح بوستانجيلر ومهترخانة، ثم صدر قانون: عساكر منصورة قانوننامه سي، انظر نفس المصدر، ص: 185 – 271 .
(27) مجلة المنار، المجلد الثاني، 16 شباط/ فبراير سنة 1913م، ص: 156 ـ 160 .
(28) " Osmanlı Devleti Tarihi. Yılmaz Öztuna. Faisal Finans Kurumu Yayını.C:1.S: 642 – 643."
(29) المرجع السابق، المجلد الأول، ص: 676 ـ 677.
(30) "Yeni Rehber Ansiklopedisi. Türkiye Gazetesi. İstanbul 1993 . C: 11. S: 279 - 280"
(31) سجل عثماني، ياخود: تذكرةء مشاهير عثمانية، أثر مجلس كبير معارف أعضاسندن محمد ثريا، مطبعة عامرة، دار الطباعة العامرة، إسطنبول 1311، دردنجي جلد، ص: 292 ـ 293.
(32) الجبرتي، خجائب الآثار، المجلد الثالث، ص: 293.
(33) قال الجبرتي: "ينكشف حال الفلاح ويبيع ما عنده من الغلة والبهيمة، ثم يفر من بلدته إلى غيرها، فيطلبه الملتزم ويبعث إليه المعيني من كاشف الناحية بحق طريق أيضًا، فربما أداه الحال إن كان خفيف العيال والحركة إلى الفرار، والخروج من الإقليم بالكلية، وقد وقع ذلك حتى امتلأت البلاد الشامية والرومية من فلاحي قرى مصر الذين جلوا عنها، وخرجوا منها وتغربوا عن أوطانهم من عظيم هول الجور" تاريخ عجائب الأخبار، المجلد الثالث، ص: 289.، وانظر حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، عبد الرزاق البيطار مؤرخ الشام، الصفحة: 6 وما بعدها.
(34) "Kavalalı Mehmet Ali Paşa İsyanı. Mısır Meselesi. 1831 – 1841. 1. Kısım. S:37."
(35) "أحضر (محمد علي) الباشا خلعة وألبسها لشيخ السادات على نقابة الأشراف، وأمر بكتابة فرمان بخروج السيد عمر، ونفيه من مصر يوم تاريخه فتشفع المشايخ في إمهاله ثلاثة أيام حتى يقضي أشغاله، فأجاب إلى ذلك ثم سألوه في أن يذهب إلى بلده أسيوط، فقال: لا يذهب إلى أسيوط، ويذهب إما إلى سكندرية أو دمياط، فلما ورد الخبر على السيد عمر بذلك قال: أما منصب النقابة فإني راغب عنه وزاهد فيه وليس فيه إلا التعب، وأما النفي فهو غاية مطلوبي وأرتاح من هذه الورطة، ولكن أريد أن يكون في بلدة لم تكن تحت حكمه، إذا لم يأذن لي في الذهاب إلى أسيوط فليأذن لي في الذهاب إلى الطور، أو إلى ورثه، فعرَّفوا الباشا فلم يرضَ إلا بذهابه إلى دمياط" عجائب الآثار، الجبرتي، المجلد الثالث، ص: 270 ـ 271.
(36) تاريخ عجائب الآثار، الجبرتي، المجلد الثالث، ص: 295 ـ 297.
(37) قال الجبرتي: "سنة ست وعشرين ومائتين والف، فكان اول المحرم يوم السبت.. فلما أصبح يوم الجمعة سادسه ركب الجميع وطلعوا الى القلعة، وطلع المصرية بمماليكهم واتباعهم واجنادهم، فدخل الامراء عند الباشا وصبحوا عليه وجلسوا معه حصة، وشربوا القهوة وتضاحك معهم ثم انجر الموكب على الوضع الذي رتبوه فانجر طائفة الدلاة وأميرهم المسمى أوزون علي، ومن خلفهم الوالي والمحتسب والوجاقية والالداشات المصرية، ومن تزيا بزيهم، ومن خلفهم طوائف العسكر الرجالة والخيالة والبيكباشيات، وارباب المناصب منهم، وإبراهيم آغا آغات الباب، وسليمان بك البواب يذهب ويجيء، ويرتب الموكب، وكان الباشا قد بَيَّت مع حسن باشا، وصالح قوج، والكتخدا فقط غدر بالمصرية وقتلهم، وأسرَّ بذلك في صبحها إبراهيم آغا آغات البابا، فلما انجز الموكب، وفرغ طائفة الدلاة ومَن خلفهم مَن الوجاقية والالداشات المصرية، وانفصلوا من باب العزب، فعند ذلك أمر صالح قوج بغلق الباب، وعرَّف طائفته بالمراد، فالتفتوا ضاربين بالمصرية، وقد احصروا بأجمعهم في المضيق المنحدر الحجر المقطوع في أعلي باب العزب مسافة ما بين الباب الأعلى الذي يتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة، إلى الباب الأسفل، وقد اعدوا عدَّةً من العساكر اوقفوهم على علاوى النقر الحجر والحيطان التي به، فلما حصل الضرب من التحتانيين أراد الامراء الرجوع القهقري، فلم يمكنهم ذلك لانتظام الخيول في مضيق النقر، واخذهم ضرب البنادق والقرابين من خلفهم أيضًا، وعلم العسكر الواقفون بالأعلى المراد، فضربوا ايضًا فلما نظروا ما حلَّ بهم سقط في أيديهم وارتبكوا في انفسهم، وتحيروا في امرهم ووقع منهم أشخاص كثيرة، فنزلوا عن الخيول، واقتحم شاهين بك، وسليمان بك البواب وآخرون في عدّة من مماليكهم راجعين إلى فوق، والرصاص نازل عليهم من كل ناحية، ونزعوا ما كان عليهم من الفراوي والثياب الثقيلة، ولم يزالوا سائرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا الى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الأعمدة، وقد سقط أكثرهم، وأصيب شاهين بك وسقط إلى الأرض، فقطعوا رأسه وأسرعوا بها إلى الباشا لياخذوا عليها البقشيش، وكان الباشا عندما ساروا بالموكب ركب من ديوان السراية وذهب الى البيت الذي به الحريم، وهو بيت اسمعيل أفندي الضربخانه، واما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح، وصعد الى حائط البرج الكبير، فتابعوه بالضرب حتى سقط وقطعوا رأسه ايضًا، وهرب كثير إلى بيت طوسون باشا يظن الالتجاء به والاحتماء فيه، فقتلوهم وأسرف العسكر في قتل المصريين وسلب ما عليهم من الثياب، ولم يرحموا أحدًا وأظهروا كامن حقدهم، وبضعوا فيهم وفيمن رافقهم متجملاً معهم من أولاد الناس وأهالي البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب، وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم مَن يقول: أنا لست جنديًا ولا مملوكًا، وآخر يقول: أنا لست من قبيلتهم، فلم يرقُّوا لصارخٍ ولا شاكٍ ولا مستغيثٍ، وتتبعوا المتشتتين والهربانين في نواحي القلعة وزواياها، والذين فروا ودخلوا في البيوت والاماكن، وقبضوا على مَن أُمسك حياًّ، ولم يمت من الرصاص، أو متخلفًا عن الموكب وجالسًا مع الكتخدا كأحمد بك الكيلارجي، ويحيى بك الألفي، وعلي كاشف الكبير، فسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت مجلس كتخدا بك، ثم أحضروا أيضًا المشاعلي لرمي اعناقهم في حوش الديوان واحدًا بعد واحد، من ضحوة النهار إلى أن مضى حصة من الليل في المشاعل حتى امتلأ الحوش من القتلى، ومَن مات مِن المشاهير المعروفين وانصرع في طريق القلعة قطعوا رأسه، وسحبوا جثته إلى باقي الجثث حتى أنهم ربطوا في رجلي شاهين بك ويديه حبالاً، وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان!!!
هذا ما حصل بالقلعة، وأما أسفل المدينة فإنه عندما أغلق باب القلعة، وسمع من بالرميلة صوت الرصاص وقعت الكرشة في الناس، وهرب من كان واقفًا بالرميلة من الأجناد في انتظار الموكب، وكذلك المتفرجون واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فانزعجوا، وهرب مَن كان بالحوانيت لانتظار الفرجة، وأغلق الناس حوانيتهم وليس لاحد علم بما حصل، وظنوا ظنونًا وعندما تحقق العسكر حصول الواقعة وقتل الامراء انبثوا كالجراد المنتشر الى بيوت الامراء المصريين، ومَن جاورهم طالبين النهب والغنيمة، فولجوها بغتة ونهبوها نهبة ذريعًا، وهتكوا الحرائر والحريم، وسحبوا النساء والجواري والخوندات والستات، وسلبوا ما عليهن من الحلي والجواهر والثياب، واظهروا الكامن في نفوسهم، ولم يجدوا مانعًا ولا رادعًا، وبعضهم قبض على يد امراة لياخذ منها السوار فلم يتمكن من نزعها بسرعة، فقطع يد المراة، وحلَّ بالناس في بقية ذلك اليوم من الفزع والخوف، وتوقع المكروه ما لا يوصف لأن المماليك والأجناد تداخلوا، وسكنوا في جميع الحارات والنواحي، وكل أمير له دار كبيرة فيها عياله وأتباعه ومماليكه، وخيوله وجماله، وله دار وداران صغار في داخل العطف، ونواحي الازهر والمشهد الحسيني يوزعون فيها ما يخافون عليه لظنهم بُعْدَها وحمايتها بحرمة الخطة، وصونها عند وقوع الحوادث، وكثير من كبار العسكر مجاورون لهم في جميع النواحي، ويرمقون أحوالهم ويطلعون على أكثر حركاتهم وسكناتهم، ويتدخلون فيهم ويعاشرونهم ويسامرونهم بالليل، ويُظهرون لهم الصداقة والمحبة، وقلوبهم محشوة من الحقد عليهم والكراهة لهم، بل ولجميع أبناء العرب، فلما حصلت هذه الحادثة بادروا لتحصيل ما هو لهم، وأظهروا ما كان مخفيًا في صدورهم، وخصوصًا من التشفي في النساء فإن العظيم منهم كان إذا خطب أدنى امرأة ليتزوج بها فلا ترضى به، وتعافه وتأنف قُربه، وإنْ ألَحَّ عليها استجارت بِمَن يحميها منه، وإلاّ هرَبت من بيتها، واختفت شهورها وذلك بخلاف ما إذا خطبها أسفل شخص من جنس المماليك أجابته في الحال.
واصبح يوم السبت والنهب والقتل والقبض على المتوارين والمتخفين مستمر ويدل البعض على البعض، أو يغمز عليه، وركب الباشا في الضحوة، ونزل من القلعة وحوله امراؤه الكبار مشاة، وأمامه الصفاشية والجاويشية بزينتهم وملابسهم الفاخرة، والجميع مشاة ليس فيهم راكب سواه، وهم محدقون به وأمامه وخلفه عدة وافرة، والفرح والسرور بقتل المصريين ونهبهم والظفر بهم طافح من وجوههم..
فكانت هذه الكائنة من أشنع الحوادث التي لم يتفق مثلها، ولم ينج الألفية إلا أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير، فإنه كان غائبًا بناحية بوش، وأمين بك تسلَّق من القلعة وهرب من ناحية الشام، وعمر بك أيضًا الألفي كان مسافرًا في ذلك اليوم إلى الفيوم، فقتلوه هناك وبعثوا برأسه بعد خمسة أيام، ومعها نحو الخمسة عشر رأسًا، وأرسل دبوس أوغلى حاكم المنية خمسة وثلاثين رأسًا، وحضر من ناحية بحري غير ذلك كثير". تاريخ عجائب الآثار، الجبرتي، المجلد الثالث، ص: 319 ـ 327.
(38) الدولة العثمانية، د. علي محمد الصلابي، ص: 374 ـ 379.
(39) توثقت العلاقات بين محمد علي والمعلم غالي منذ جمادى الأولى سنة 1220 هـ/ م، وحول ذلك يقول الجبرتي: "وفي يوم الأربعاء سابع عشره قبض محمد علي باشا على جرجس الجوهري، ومعه جماعة من الأقباط، فحبسهم ببيت كتخداه، وطلب حسابه من ابتداء خمس عشرة، وأحضر المعلم غالي الذي كان كاتب الألفي بالصعيد، وألبسه منصبه في رئاسة الأقباط، وكذلك خلع على السيد محمد بن المحروقي خلع الاستمرار على ما كان عليه أبواه من أمانة الضربخانة وغيرها" ". تاريخ عجائب الآثار، الجبرتي، المجلد الثالث، ص: 83.
(40) انظر كتاب الكنز المرصود في قواعد التلمود، ترجمة من اللغة الفرنساوية الدكتور يوسف حنا نصر الله، الطبعة الثانية، محرم 1394هـ، ص: 166 ـ 173. تقديم بقلم المرحوم العلامة الجليل الشيخ مصطفى الزرقاء. وما جاء في المقدمة: " بقيت قضية خطف الأشخاص واستنزاف دمائهم في نظرنا خرافة لا تصدق، حتى وقع إليّ منذ سنوات مجموعة الأستاذ أسد رستم (أستاذ التاريخ الشرقي في الجامعة الأمريكية ببيروت)، التي جمع فيها بعض وثائق تاريخية تتعلق بتاريخ سورية في زمن إبراهيم باشا (ابن محمد علي) من سنة (1247 ـ 1255هـ) ونقلها عن سجلات المحكمة الشرعية بحلب وأنطاكية وحماة ودمشق في سنة 1927م فإذا به يفتح الجزء الخامس منها بقصة خطف اليهود في دمشق للقسيس الفرنسي الجنسية المسمى: الأب (البادري) توما وخادمه إبراهيم عمار، وذبحهم إياهما، وإرسال دمهما إلى كبير الحاخامين ليدخلوه في خبز الفطير الذي يوزعه الحاخامون على الأسر اليهودية في عيد الفصح السنوي. وينقل الأستاذ أسد رستم من سجلات المحكمة التي حاكمت الفاعلين من الحاخامين وسواهم محاضر جلساتها ووقائعها وينشرها في كتابه المذكور حرفيا، وتصويرها بصورة زنكوغرافية لأول هذه المحاضر بالخط المدون به في سجل المحكمة، وذلك في عهد احتلال جيش إبراهيم باشا المصري وحكمه في سورية".
" تعريف بكتاب الكنز المرصود"
كان هذا الكتاب ترجمة لكتابين فرنسيين ترجمهما الدكتور يوسف نصر الله من كبار مسيحي مصر: أحدهما كتاب للدكتور (روهلنج) بعنوان (اليهودي على حسب التلمود) وتكلم فيه عن مضامين التلمود ومنشئه وتكوينه ومخطوطاته وطبعاته المتعددة منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وما فيه من عقائد خطيرة مذهلة تحير العقول، وخرافات عجيبة لا يكاد يصدق الإنسان أن تكون عقائد تعبدية لولا نصوصها المنقولة من التلمود. وفي كتاب الدكتور (روهلنج) هذا من المعلومات الهامة عن التلمود ما يصعب جداً على الباحث أن يستقصيه من مصادر أخرى.
وثانيهما كتاب للدكتور (اشيل لوران) بعنوان (تاريخ سورية لسنة 1840م) تكلم فيه عن حادثة ذبح اليهود للقسيس الأب توما وخادمه إبراهيم الآنفة الذكر في دمشق. وهذا الكتاب الثاني يتفق في جميع تفاصيل الحادثة وتحقيقاتها مع ما نقله الأستاذ أسد رستم، فكلاهما ينقل محاضر جلسات المحاكمة من نفسها ولكن هذا الكتاب يسد الثغرة التي بقيت فارغة في كتاب الأستاذ أسد رستم حيث يتتبع مؤلفه القضية، ويبين مصير الحكم بالإعدام على المتآمرين المجرمين القتلة، ذلك المصير المؤسف الذي خلاصته أن أناساً من كبار أغنياء اليهود المتنفذين في أوروبا تداعوا لإنقاذ المحكوم عليهم، وأرسلوا مندوبين اثنين من فرنسا إلى مصر (وهما كراميو، وموييز مونتيفيوري) فاتصلا بالخديوي محمد علي باشا (والد إبراهيم باشا الذي كان جيشه يحتل سورية في ذلك العهد) فأصدر (فرمانا) بالعفو عن القتلة المحكوم عليهم !!!
وتبقى غامضة تلك الوسيلة التي استخدمها زعماء اليهود في أوروبا للتأثير على محمد علي باشا حتى استجاب للعفو عن هؤلاء القتلة المجرمين في أبشع صور الجريمة (وهي التآمر على خطف البشر الأبرياء الغافلين وذبحهم كالنعاج لشرب دمائهم) فهل كانت تلك الوسيلة التي استخلص بها يهود فرنسا من محمد علي باشا فرمان العفو بهذه السهولة ضغطاً سياسياً من بعض دول أوروبا ولا سيما فرنسا التي كان معروفاً أن محمد علي باشا يتلقى منها العون والتأييد في المجال الدولي، أو كانت تلك الوسيلة مبالغ مغرية من المال قدمها اليهود إلى محمد علي باشا وهو في حاجة إليها، (كما هو شأن اليهود المعروف في الاعتماد على الرشوات المذهلة في شراء ذوي النفوذ أو السلطان لتسوية أمورهم، وتمشية مقاصدهم، وتغطية جرائمهم مهما عظمت)، أو كانت تلك الوسيلة مركبة من الضغط السياسي الدولي والمال معاً ؟ كل هذا محتمل، ولا يعدوه الواقع.
والأغرب الأغرب أن محمد علي باشا لما جاءه هذان اليهوديان من فرنسا وطلبا منه الأمر بإعادة المحاكمة أجابهما بأنه سيفعل خيراً من ذلك، فأصدر فرمانا تضمن الأمر بالعفو عن المحكوم عليهم العشرة، الذين ثبت اشتراكهم في هذه الجريمة النكراء بالبينات القاطعة الدامغة، وباعترافاتهم الصادرة منهم بحضور بعض قناصل الدول الأجنبية (كقنصل بريطانيا، وقنصل فرنسا) في جلسات المحاكمة، وبدلالتهم على أشلاء وأشياء الضحايا التي بعد ذبحهم إياها واستنزافهم دماءهما، قطعوها وكسروا عظامها وقاموا بتصريفها(3) !! ولكن اليهوديين المتشفعين (كراميو ومونتيفيوري) اعترضا على التعبير في الفرمان بلفظ (العفو) لأنه يُشعر بأن المعفو عنهم مذنبون، فغير لهم محمد علي باشا صيغة الفرمان إلى تعابير أخرى لا تدل على ثبوت ارتكاب الجرم !!!(4).
هذان الكتابان الفرنسيان الأصليان (كتاب الدكتور روهلنج عن أصول وفصول التلمود، وكتاب الدكتور اشيل لوران عن تفاصيل حادثة ذبح القسيس الأب توما الكبوشي وخادمه إبراهيم عمار) أصبحا مفقودين لنفاد نسخهما المطبوعة في فرنسا منذ أكثر من ثمانين عاماً، كما أشار إليه المترجم. وسبب فقدانهما فيما يظهر هو سعي اليهود دائماً في جمع ما يدينهم ويفضحهم وإتلافه باستمرار.
وجدير بالذكر أنه منذ نحو أربعين عاماً قام القسيس الأب سمعان القراءلي في مدينة حلب بإصدار كتيب عن حادثة ذبح اليهود للأب توما الكبوشي وخادمه إبراهيم، وكان يطبعه ويوزع منه هدايا، ويضع بقية النسخ في المكتبات للبيع، فلا تمضي فترة من الزمن حتى ينفد الكتيب ولا يبقى له أثر، فيجدد طبعه فلا يلبث أن ينفد كذلك، لأن اليهود ـ فيما يظهر ـ يجمعونه ويتلفونه، حتى كرر طبعه عدة مرات في عدة سنوات. وفي كل طبعة كان يرسل منها مائة نسخة لسماحة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، فيقوم سماحته بتوزيعها، وهو الذي حدثني عن نشاط الأب سمعان من حلب في نشر هذه الحادثة الإجرامية الشنعاء.
وقد لحظ المترجم المصري الدكتور يوسف نصر الله، بدلالة والده، أهمية ذينك الكتابين الفرنسيين، وأن نسخهما أصبحت نادرة في طريق النفاد، فأراد تعريف أبناء العربية بهما، فقام بترجمتهما إلى العربية، وجمعهما معاً في هذا الكتاب الذي أسماه (الكنز المرصود في قواعد التلمود)، طبعه بمصر سنة 1899، ولم يجدد طبعه للآن حتى أصبحت نسخه في حكم المخطوط النادر."
(41) "وافترق أهل جبل الدروز وتلك النواحي فرقتين فالنصارى منهم تابعوا الأمير بشير المتوافق مع إبراهيم باشا" انظر حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، عبد الرزاق البيطار، الصفحة: 8.
(42) تاريخ عجائب الآثار، الجبرتي، المجلد الثالث، ص: 580 ـ 581.
(43) تاريخ عجائب الآثار، الجبرتي، المجلد الثالث، ص: 614.
(44) تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص: 426 ـ 429.
(45) الدولة العثمانية، د. الصلابي، ص: 398 ـ 401.
(46) "Kavalalı Mehmet Ali Paşa İsyanı. Mısır Meselesi. 1831 – 1841. 1. Kısım. S:53 – 56."
(47) المصدر السابق، ص: 62.
(48) ) المصدر السابق، ص: 64.
(49) المصدر السابق، ص: 66.
(50) المصدر السابق، ص: 75.
(51) حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر، عبد الرزاق البيطار، ترجمة إبراهم باشا.
(52) المرجع السابق.
سلالة محمد علي التي حكمت مصر
1 - تولي إبراهيم باشا الابن الأكبر لمحمد على باشا من 1848 إلى أن توفي في 10 نوفمبر 1848. نوفمبر 1848 إلى 13 يوليو 1854 .
2 - محمد سعيد باشا ابن محمد على من 14 يوليو 1854 إلى 18 يناير .
3 - الخديوي إسماعيل ابن إبراهيم ابن محمد على ( والى ثم خديوي ) من 19 يناير 1863 إلى 26 يونيو 1879.
4 - الخديوي محمد توفيق بن إسماعيل باشا من 26 يونيو 1879 إلى 7 يناير 1892 .
5 - الخديوي عباس حلمي الثاني تولى في 8 يناير 1892 وعزل في 19 سبتمبر 1914 .
6 - السلطان حسين كامل تولى من 19 ديسمبر 1914 إلى أن توفى 9 أكتوبر 1917.
7 - الملك فؤاد الأول تولى من 9 أكتوبر إلى أن توفى في 28إبريل 1936 .( سلطان ثم ملك) .
8 - الملك فاروق الأول من 28إبريل 1936 إلى أن تنازل عن العرش في 26 يوليو 1952 .
9 - الملك أحمد فؤاد الثاني من 26 يوليو 1952 إلى إعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953