للقراءة والاستماع والتحميل: برنامج الشعر والغناء، الحلقة: العاشرة، وهي حول الشعر المغنى  للشاعر المصري علي محمود طه
Dr. Mahmoud EL-Saied EL- Doghim, إعداد وتقديم: د.  محمود السيد الدغيم

Launch in external player

برنامج الشعر والغناء
إعداد وتقديم د. محمود السيد الدغيم
هذه الحلقة حول الشعر المغنى  للشاعر المصري علي محمود طه ، وهذه الحلقة هي الحلقة : 10 من سلسلة برامج الشعر والغناء، ومدة الحلقة: 45 دقيقة. وبثت هذه الحلقة من راديو سبيكتروم بلندن الساعة الثامنة مساء يوم السبت 8/11/ 1997م، وأعيد بثها أكثر من مرة.  وقدمت من هذا البرنامج عدة حلقات من إذاعة ام بي سي اف ام، وبثت من البرنامج ثلاثون حلقة من راديو دوتشي فيلي الاذاعة العربية الألمانية، وبثت عدة حلقات من الإذاعة السودانية ، وبثت بعض الحلقات من الإذاعة التونسية، وقدمت لاتحاد الإذاعات العربية ثلاثون حلقة، وبلغ عدد حلقات هذا البرنامج الأسبوعي مئة وعشر حلقات

******

رابط التحميل والاستماع

اضغط icon TAHA-Ali-Mahmoud.ram (10.06 MB)   هنا

***

إذا لم تسمعوا الصوت فهذا يعني أن ليس لديكم برنامج ريل بلير، ومع ذلك يمكنكم الاستماع بتشغيل الملف التالي "فلاش"

بالضغط على السهم الأبيض وسط المربع الأسود


**
علي محمود طه : (1901- 1949)
شاعر مصري من أعلام الرومانسية العربية بجانب جبران خليل جبران، و السياب وأمل دنقل وأحمد زكي أبو شادي. وقد ولد علي محمود طه في الثالث من آب/ أغسطس سنة 1901 بمدينة المنصورة مركز محافظة الدقهلية، ونشأ في أسرة من الطبقة الوسطى وقضى فيها صباه . حصل على الشهادة الابتدائية وتخرج في مدرسة الفنون التطبيقية سنة 1924م حاملاً شهادة تؤهله لمزاولة مهنة هندسة المباني . واشتغل مهندساً في الحكومة لسنوات طويلة ، إلى أن يسّر له اتصاله ببعض الساسة العمل في مجلس النواب .

وقد عاش حياة سهلة لينة ينعم فيها بلذات الحياة كما تشتهي نفسه الحساسة الشاعرة . وأتيح له بعد صدور ديوانه الأول " الملاح التائه " عام 1934 فرصة قضاء الصيف في السياحة في أوربا يستمتع بمباهج الرحلة في البحر ويصقل ذوقه الفني بما تقع عليه عيناه من مناظر جميلة .

وقد احتل علي محمود طه مكانة مرموقة بين شعراء الأربعينيات في مصر منذ صدر ديوانه الأول " الملاح التائه "، وفي هذا الديوان نلمح أثر الشعراء الرومانسيين الفرنسيين واضحاً لا سيما شاعرهم  لامارتين . وإلى جانب تلك القصائد التي تعبر عن فلسفة رومانسية غالبة كانت قصائده التي استوحاها من مشاهد صباه حول المنصورة وبحيرة المنزلة من أمتع قصائد الديوان وأبرزها. وتتابعت دواوين علي محمود طه بعد ذلك فصدر له : ليالي الملاح التائه (1940)- أرواح وأشباح (1942)- شرق وغرب (1942)- زهر وخمر (1943)- أغنية الرياح الأربع (1943)- الشوق العائد (1945)- وغيرها.

وقد كان التغني بالجمال أوضح في شعره من تصوير العواطف، وكان الذوق فيه أغلب من الثقافة . وكان انسجام الأنغام الموسيقية أظهر من اهتمامه بالتعبير. قال صلاح عبد الصبور في كتابه " على مشارف الخمسين ": قلت لأنور المعداوي: أريد أن أجلس إلى علي محمود طه.  فقال لي أنور : إنه لا يأتي إلى هذا المقهى ولكنه يجلس في محل  " جروبي " بميدان سليمان باشا. وذهبت إلى جروبي عدة مرات، واختلست النظر حتى رأيته .. هيئته ليست هيئة شاعر ولكنها هيئة عين من الأعيان . وخفت رهبة المكان فخرجت دون أن ألقاه، ولم يسعف الزمان فقد مات علي محمود طه في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1949 إثر مرض قصير لم يمهله كثيراً وهو في قمة  عطائه وقمة شبابه ، ودفن بمسقط رأسه بمدينة المنصورة . ورغم افتتانه الشديد بالمرأَة وسعيه وراءها إلا أنه لم يتزوج .

وعلي محمود طه من أعلام مدرسة "أبولو" التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي.. يقول عنه أحمد حسن الزيات: كان شابّاً منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك!!

ويرى د. محمد عناني أن "المفتاح لشعر هذا الشاعر هو فكرة الفردية الرومانسية والحرية التي لا تتأتى بطبيعة الحال إلا بتوافر الموارد المادية التي تحرر الفرد من الحاجة ولا تشعره بضغوطها.. بحيث لم يستطع أن يرى سوى الجمال وأن يخصص قراءاته في الآداب الأوروبية للمشكلات الشعرية التي شغلت الرومانسية عن الإنسان والوجود والفن، وما يرتبط بذلك كله من إعمال للخيال الذي هو سلاح الرومانسية الماضي
كان علي محمود طه أول من ثاروا على وحدة القافية ووحدة البحر، مؤكداً على الوحدة النفسية للقصيدة، فقد كان يسعى - كما يقول الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه ثورة الأدب - أن تكون القصيدة بمثابة "فكرة أو صورة أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها من غير حاجة إلى كلفة ومشقة.. كان علي محمود طه في شعره ينشد للإنسان ويسعى للسلم والحرية؛ رافعاً من قيمة الجمال كقيمة إنسانية عليا.. 

ويعد الشاعر علي محمود طه أبرز أعلام الاتجاه الرومانسي العاطفي في الشعر العربي المعاصر ، وقد صدرت عنه عدة دراسات منها كتاب أنور المعداوي " علي محمود طه: الشاعر والإنسان " وكتاب للسيد تقي الدين " علي محمود طه، حياته وشعره " وكتاب محمد رضوان " الملاح التائه علي محمود طه "، وقد طبع ديوانه كاملاًََ في بيروت .

**
فلسطين - لعلي محمود طه
----------------
أَخِي ، جَاوَزَ الظَّالِمُونَ المَـدَى        فَحَقَّ  الجِهَادُ ، وَحَقَّ   الفِـدَا

أَنَتْرُكُهُمْ  يَغْصِبُونَ  العُرُوبَــةَ        مَجْدَ  الأُبُوَّةِ   وَالسُّــؤْدَدَا ؟

وَلَيْسُوا  بِغَيْرِ  صَلِيلِ السُّيُـوفِ         يُجِيبُونَ صَوْتَاً  لَنَا  أَوْ  صَدَى

فَجَرِّدْ حُسَامَكَ مِنْ  غِمْــدِهِ        فَلَيْسَ لَـهُ، بَعْدُ ، أَنْ  يُغْمَـدَا

أَخِي، أَيُّهَـــا العَرَبِيُّ  الأَبِيُّ        أَرَى اليَوْمَ مَوْعِدَنَا  لاَ  الغَـدَا

أَخِي، أَقْبَلَ الشَّرْقُ  فِي أُمَّــةٍ        تَرُدُّ الضَّلالَ  وَتُحْيِي  الهُـدَى

أَخِي، إِنَّ فِي القُدْسِ أُخْتَاً  لَنَـا        أَعَدَّ  لَهَا الذَّابِحُونَ المُــدَى

صَبَرْنَا  عَلَى  غَدْرِهِمْ  قَادِرِيـنَ        وَكُنَّا  لَهُمْ  قَدَرَاً  مُرْصَــدَا

طَلَعْنَا عَلَيْهِمْ  طُلُوعَ  المَنُــونِ        فَطَارُوا هَبَاءً ، وَصَارُوا  سُدَى

أَخِي، قُمْ  إِلِى  قِبْلَةِ  المَشْرِقَيْـن ِ       لِنَحْمِي  الكَنِيسَةَ  وَالمَسْجِـدَا

أَخِي، قُمْ  إِلَيْهَا  نَشُقُّ  الغِمَـارَ        دَمَاً  قَانِيَاً  وَلَظَىً   مُرْعِــدَا

أَخِي، ظَمِئَتْ  لِلْقِتَالِ   السُّيُوفُ        فَأَوْرِدْ شَبَاهَا  الدَّمَ  المُصْعَـدَا

أَخِي، إِنْ جَرَى فِي ثَرَاهَا   دَمِي        وَشَبَّ الضَّرَامُ بِهَا  مُوقــدَا

فَفَتِّشْ  عَلَى مُهْجَـــةٍ  حُرَّةٍ        أَبَتْ أَنْ يَمُرَّ  عَلَيْهَا  العِــدَا

وَخُذْ رَايَةَ  الحَقِّ  مِنْ  قَبْضَــةٍ       جَلاَهَا الوَغَى ، وَنَمَاهَا  النَّدَى

وَقَبِّلْ  شَهِيدَاً  عَلَى  أَرْضِهَــا        دَعَا بِاسْمِهَا اللهَ  وَاسْتَشْهَـدَا

فِلَسْطِينُ يَفْدِي  حِمَاكِ  الشَّبَابُ        وَجَلَّ  الفِدَائِيُّ   وَالمُفْتَــدَى

فِلَسْطِينُ تَحْمِيكِ مِنَّا الصُّـدُورُ        فَإِمَّا  الحَيَاةُ  وَإِمَّــا   الرَّدَى
****
 
كليوبترا
تلحين وغناء محمد عبدالوهاب

كليو بترا اي حلم من لياليك الجميله
طاف بالمرج فغنى وتغنى الشاطئآن
وهفا كل فؤاد وشدا كل لسان
هذه فاتنة الدنيا و حسناء الزمان
بعثت في زورق مستلهم من كل فن
مرح المجداف يختال بحوراء تغني
ياحبيبي هذه ليلة حبي
اه لو شاركتني افراح قلبي
نبأة كالكأس دارت بين عشاق سكارى
سبقت كل جناح في سماء النيل طارا
تحمل الفتنة والفرحة والوجد المثارا
حلوة صافية اللحن كأحلام العذارى
حلم عذراء دعاها حبها ذات مساء
فتغنت بشراع من خيال الشعراء
يا حبيبي هذه ليلة حبي
اه لو شاركتني افراح قلبي
وتجلى الزورق الصاعد نشوان يميد
يتهداه على الموج نواتي عبيد
المجاديف بأيديهم هتاف ونشيد
ومصلون لهم في النهر محراب عتيد
سحرتهم روعة الليل فهم خلق جديد
كلهم رب يغني واله يستعيد
يا حبيبي هذه ليلة حبي
آه لو شاركتني افراح قلبي
اصدحي ايتها الأرواح باللحن البديع
امرحي يا راقصات الضوء بالموج الخليع
قبلي تحت شراعي حلم الفن الرفيع
زورقا بين ضفاف النيل في ليل الربيع
رنحته موجه تلعب في ضوء النجوم
وتنادي بشعاع راقص فوق الغيوم
يا حبيبي هذه ليلة حبي
آه لو شاركتني افراح قلبي
ليلنا خمر واشواق تغني حولنا
وشراع سابح في النور يرعى ظلنا
كان في الليل سكارى وافاقوا قبلنا
ليتهم قد عرفوا الحب فباتوا مثلنا
كلما غرد كأس شربوا الخمرة لحنا
يا حبيبي كل ما في الليل روح يتغنى
هات كأسي انها ليلة حبي
آه لو شاركتني افراح قلبي
يا ضفاف النيل بالله ويا خضر الروابي
هل رأيتن على النهر فتى غض الاهاب
اسمر الجبهة كالخمرة في النور المذاب
سابحا في زورق من صنع احلام الشباب
ان يكن مر وحيا من بعيد او قريب
فصفيه واعيدي وصفه فهو حبيبي
يا حبيبي هذه ليلة حبي
آه لو شاركتني افراح قلبي
انت يا من عدت بالذكرى واحلام الليالي
يا ابنة النهر الذي غناه ارباب الخيال
وتمنت فيه لو تسبح ربات الجمال
موجه الشادي عشيق النور معبود الظلال
لم يزل يروي وتصغي للروايات الدهور
والضفاف الخضر سكرى والسنى كأس تدور
حلم لم تروه ليلة حب
فاذكريه واسمعي افراح قلبي
***
**
الجندول
كرنفال فينيسيا
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال 
أين عشّاقك سمّار اللّيالي
أين من واديك يا مهد الجمال 
موكب الغيد و عيد الكرنفال
وسرى الجندول في عرض القنال 

بين كأس يشتهي الكرم خمره
 
و حبيب يتمنّى الكأس ثغره
 
إلتقت عيني به أول مرّه
 
فعرفت الحبّ من أول نظره
 
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال 
مرّ بي مستضحكا في قرب ساقي
 يمزج الرّاح بأقداح رقاق 
قد قصدناه على غير اتفاق
 فنظرنا، و ابتسمنا للتّلاقي 

و هو يستهدي على المفرق زهره
 
و يسوي بيد الفتنة شعره
 
حين مسّت شفتيّ أول قطره
 
خلته ذوّب في كأسي عطره
 
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال 
ذهبي الشّعر، شرقيّ السّمات
مرح الأعطاف، حلو اللّفتات 
كلّما قلت له: خذ . قال : هات
 يا حبيب الرّوح ياأنس الحياة 

أنا من ضيّع في الأوهام عمره
 
نسي التاريخ أو أنسي ذكره
 
غير يوم لم يعد يذكر غيره
 
يوم أن قابلته أول مرّه
 
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال 
قال: من أين؟ و أصغى و رنا
قلت: من مصر ، غريب ههنا 
قال: أن كنت غريبا فأنا
لم تكن فينيسيا لي موطنا 

أين منّي الآن أحلام البحيره
 
و سماء كست الشّطآن نضرة
 
منزلي منها على قمّة صخره
 
ذات عين من معين الماء ثرّه
 
أين من فارسوفيا هاتيك المجالي
 يا عروس البحر، يا حلم الخيال 
قلت ، و النشوة تسري لساني:
هاجت الذّكرى ، فأين الهرمان؟ 
أين وادي السّحر صدّاح المغاني؟
أين ماء النّيل؟ أين الضّفتان؟ 

آه لو كنت معي نختال عبره
 
بشراع تسبح الأنجم إثره
 
حيث يروي الموج في أرخم نبره
 
حلم ليل من ليالي كليوبتره
 
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال 
أيّها الملاح قف بين الجسور
فتنة الدنيا و أحلام الدّهور 
صفّق الموج لولدان و حور
يغرقون اللّيل في ينبوع نور 

ما ترى الأغيد وضّاء الأسرّه ؟
 
دقّ بالسّاق و قد أسلم صدره
 
لمحب لفّّ بالساعد خصره؟
 
ليت هذا اللّيل لا يطلع فجره !
 
أين من عينيّ هاتيك المجالي
يا عروس البحر، يا حلم الخيال 
رقص الجندول كالنّجم الوضيّ
فاشد يا ملاح بالصّوت الشّجيّ 
و ترنّم بالنّشيد الوثنيّ
هذه اللّيلة حلم العبقري 

شاعت الفرحة فيها و المسرّه
 
و جلا الحبّ على العشّاق سرّه
 
يمنه مال بي على الماء و يسره
 
إنّ للجندول تحت اللّيل سحره
 
أين يا فينيسيا تلك المجالي؟
أين عشّاقك سمّار اللّيالي؟ 
أين من عينيّ يا مهد الجمال؟
موكب الغيد و عيد الكرنفال؟ 
يا عروس البحر، يا حلم الخيال !!

**
على الصّخرة البيضاء

صخرة الأحلام
على الصّخرة البيضاء ظلّلني الدّجى
أسرّ إلى الوادي نجيّة شاعر 
سمعت هدير البحر حولي فهاج بي
خوالج قلب مزبد اللّج هادر 
وقفت أشيع الفكر فيها كأنّما
إلى الشّاطئ المجهول يسبح خاطري 
و قد نشر الغرب الحزين ظلاله
على ثبج الأمواج شعث الغدائر 
من خلفها تبدو النّخيل كأنّها
خيالات جنّ أو ظلال مساحر 
ألا ما لهذا البحر غضبان مثلما
تنفس فيه الرّيح عن صدر ثائر 
لقد غمر الأكواخ فوق صخوره
ولجّ بها في موجه المتزائر 
و أنحى عن قطّانها غير مشفق
بهم أو مجيل فيهمو عين باصر 
و مالي كأنّي أبصر اللّيل فوقه
يرفّ كطيف في السّماوات حائر 
ألا أين صيّادوه فوق ضفافه
يهيمون في خلجانه و الجزائر 
و بحّارة الوادي تلفّع بالدّجى
و تنشد ألحان الرّبيع المباكر 
لقد غرقوا في إثر أكواخهم به
و ما لمسوا من حكمه عفو قادر 
و سجّاهم باليمّ زاخر موجه
و أنزلهم منه فسيح المقابر 
أصخ أيّها الوادي ! أما منك صرخة
يدوّي صداها في عميق السّرائر !؟ 
أتعلم سرّ اللّيل ؟ أم أنت جاهل ؟
بلى إنّه يا بحر ليل المقادر !!
**
مخدع مغنية  
للشاعر علي محمود طه

شاعَ في جوّه الخيالُ ورفَّ الْـ ـحُسنُ والسحر والهوى والمِراحُ
ونسيمٌ معطَّرٌ خفقتْ فِيـ          ـهِ قلوبٌ، ورفرفتْ أرواح
ومُنىً كلّهنّ أجنحةٌ تَهْـ          ـفو، ودنيا بها يدفُّ جناح
ومن الزهر حولها حَلَقاتٌلا    طاب منها الشذا ورقَّ النُّفَاح
حملتْ كلُّ باقةٍ دمعَ مَفْتو    نٍ، كما تحمل الندى الأدواح
وَهْيَ في ميعة الصِّبا يزدهيها       ضَحِكٌ لا تملّه ومِزاح
وغناءٌ كأنَّ قُمريّةً سَكْـ          ـرَى، بألحانها تَشيع الراح
أخلصتْ ودَّها المرايا فراحتْ    تتملّى فتُشرق الأوضاح
كشفتْ عن جمالها كلَّ خافٍ    وأباحتْ لهنّ ما لا يُباح
معبدٌ للجمال، والسحر، والفِتْـ   ـنَةِ يُغدَى لقُدسِه ويُراح
نام في بابه العزيزُ (كُيوبيـ   ـدُ) ولكنْ في كفّه المفتاح
إنْ ينم فالحياةُ شدوٌ ولهوٌ    أو يُنبَّهْ فأدمعٌ وجراح !
*****
دخلتْ بي إليه ذاتَ مساءٍ   حيثُ لا ضجّةٌ ولا أشباح
لم نكن قبلُ بالرفيقين لكنْ   هي دنيا تُتيح ما لا يُتاح
وجلسنا يهفو السكونُ علينا   ويُرينا وجوهَنا المصباح
هتفتْ بي: تراكَ من أنتَ يا صا حِ؟ فقلتُ المعذَّبُ الـمُلتاح
شاعرُ الحبِّ والجمال: فقالتْ   ما عليه إذا أحبَّ جُناح
واحتوى رأسيَ الحزينَ ذراعا  ها، ومرّتْ على جبينيَ راح
ورأتْ صفرةَ الأسى في شفاهٍ أحرقتْها الأنفاسُ والأقداح
فمضتْ في عتابها: كيف لم نَدْ  رِ بما برَّحتْ بكَ الأتراح؟
إنْ أسأنا إليكَ فاليومَ يَجْزِيـ  ـكَ بما ذُقتَه رضاً وسماح
ولكَ الليلةُ التي جمعتْنا  فاغْتَنمْها حتى يلوحَ الصباح !
*****
قلتُ حسبي من الربيع شذاهُ  ولعينيَّ زهرُه اللمَّاح
نحن طيرُ الخيالِ والحسنُ روضٌ  كلُّنا فيه بلبلٌ صدّاح
فنيتْ في هواه منّا قلوبٌ  وأصابتْ خلودَها الأرواح !
**
في الشتاء
ذكِّريني فقدْ نسيتُ ويا رُبَّ ذكرى تعيدُ لي طربي
وارفعي وجهَكِ الجميلَ.. أرى كيف هذا الحياءُ لم يذُبِ
أسندي رأسَكِ الصغيرَ إلى  ثائرٍ في الضلوع مضطرب
ذلك الطفلُ، هدهديه فما  ثاب من ثورةٍ ومن صخبِ
وامنحي عينيَ النُّعاسَ على خُصَلات من شعركِ الذَّهبي
ظمئي قاتلي! فما حذري   موردي منكِ موردَ العطب
ثرثري، واصنعي الدموعَ ولا  تحفلي إنْ هَممتِ بالكذب
بي نزوعٌ إلى الخيال، وبي  للتمنِّي حنينُ مغترب
وا عَجَبي منكِ إنْ نسيتِ! وما  أسفي نافعٌ ولا عجبي
لم أزل أرقب السماءَ إلى  أنْ أطلَّ الشتاءُ بالسُّحُب
موعدنا كان في أصائلهِ   ضفَّةٌ سندسيةُ العُشُب
نرقبُ النيلَ تحت زورقنا  وخفوقَ الشراعِ عن كثب
وظلالَ النخيلِ في شفقٍ  سالَ فوق الرمالِ كاللَّهب
كأسُنا مترعٌ وليلتُنا            غادةٌ من مضارب العرب
ويكِ! لا تنظري إلى قدحي  نظراتِ الغريبِ، واقتربي!
شفتاكِ الندَّيتان بهِ              فيهما روحُ ذلك الحَبَب
شهد المنتشي بخمرهما  أنَّ هذا الرحيقَ من عنبي!!
****
ميلاد شاعر
هبط الأرض كالشعاع السنيّ بعصا ساحر و قلب نبيّ
لمحة من أشعّة الرّوح حلت في تجاليد هيكل بشريّ
ألهمت أصغريه من عالم الحكـ ـمه و النّور كلّ معنى سريّ
و حبته البيان ريّا من السحـ ـر به للعقول أعذب ريّ
حينما شارفت به أفق الأر ض زها الكون بالوليد الصّبيّ
و سبى الكائنات نور محيّا ضاحك البشر عن فؤاد رضيّ
صور الحسن حوّم حول مهد حفّ بالورد و العمار الزّكيّ
و على ثغره يضيء ابتسام رفّ نورا بأرجوان ندي ّ
و على راحتيه ريحانة تنـ ـدى و قيثارة بلحن شجيّ
فحنت فوق مهده تتملّى فجر ميلاد ذلك العبقريّ
و تساءلن حيرة : ملك جا ء إلينا في صورة الإنسيّ؟
من ترى ذلك الوليد هـ ـشّ له الكون من جماد و حيّ؟
من تراه؟ فرّن صوت هتوف من وراء الحياة شاجي الدّويّ
إنّ ما تشهدون ميلاد شاعر
***
كان وجه الثّرى كوجه الماء را ئق الحسن مستفيض الضّياء
حين ولّى الدّجى و أقبل فجر واضح النّور مشرق اللألاء
بهج في السّماء و الأرض يهدى من غريب الخيال و الإيحاء
صفّقت عنده الخمائل نشوى و شدا الطّير بين عود و ناء
مظهر يبهر العيون و سحر هزّ قلب الطّبيعة العذراء
و جلا من بدائع الفنّ روضا نمّقته أنامل الإغراء
ما الرّبيع الصّناع أوفى بنانا منه في دقّة و حسن أداء
نسق الأرض زينة و جلاها قسمات من وجهه الوضّاء
ربوة عند جدول عند روض عند غيض و صخرة عند ماء
فزها الفجر ما بدى و تجلّى و ازدهى بالوجود أيّ ازدهاء
قال:لم تبد لي الطّبيعة يوما حين أقبلت مثل هذا الرّواء
لا و لم يسر ملء عيني و أذني مثل هذا السّني و هذا الغناء
أيّ بشر لها تجمّلت الأر ض و زافت في فاتنات المرائي؟
علّها نبّئت من الغيب أمرا حملته لها نجوم المساء
قال ماذا أرى ؟ فردّد صوت كصدى الوحي في ضمير السّماء
إنّ هذا يا فجر ميلاد شاعر
 
كان فجر و كان ثمّ صباح فيه للحسن غدوة و رواح
بكرت للرّياض فيها عذارى تزدهيهنّ صبوة و مراح
حين لاحت لهنّ رنّ هتاف و علت بالدّعاء منهنّ راح
قلن : ما لأجمل الصّباح فما حـ ـلّ على الأرض مثل هذا صباح
فتعالوا بنا نغنّي و نلهو فهنا اللّهو و الغناء يتاح
و هنا جدول على صفحتيه يرقص الظّلّ و السّني و الوضّاح
و على حافتيه قام يغنّيـ ـنا من الطّير هاتف صدّاح
و فراش له من الزّهر ألوا ن و من ريق الشّعاع جناح
دفّ في نشوة يناديه نوّا ر و عطر من الثّرى فوّاح
و هنا ربوة تلألأ فيها خضرة العشب و النّدى اللماح
و نسيم كأنه النّفس الحا ئر تصغي لهمسه الأدواح
مثل هذا الصّباح لم يلد الشّر ق و لم تنجب الشّموس الوضاح
لكأّنا بالكون أعلام ميلا د و عرس قامت له الأفراح
أيّ حسن نرى؟ فردّد صوت شبه نجوى تسرّها أرواح
إنّ هذا الصباح ميلاد شاعر
 
و تجلى المساء في ضوء بدر و شفوف غرّ الغلائل حمر
و سماء تطفو و ترسب فيها الـ ـسّحب كالرّغو فوق أمواج بحر
صور جمّة المفاتن شتّى كرؤى الحلم أو سوانح فكر
لا ترى النّفس أو تحسّ لديها غير شجو يفيض من نبع سحر
أفق الأرض لم يزل في حواشيـ ـه صدى حائر بألحان طير
و بأحنائه يرفّ ذماء من سني الشّمس خافق لم يقرّ
و على شاطئ الغدير ورود أغمضت عينها لمطلع فجر
وسرى الماء هادئا في حوا فيه يغنّي ما بين شوك و صخر
و كأنّ النجوم تسبح فيه قبلات هفت بحالم ثغر
و كأنّ الوجود بحر من النو ر على أفقه الملائك تسري
هتفت نجمة: أرى الكون تبدو في أساريره مخايل بشر
و أرى ذلك المساء يثير السّحـ ـر و الشّجو ملء عيني و صدري
ترانا بليلة الوحي و التّنـ ـزيل؟ أم ليلة الهوى و الشّعر؟
ما لهذا المساء يشغفنا حبّـ ـا و يروي بنا الفتون و يغري
أيّ سرّ ترى؟فرنّ هتاف بنجيّ من الصدى مستسرّ
إنّ هذا المساء ميلاد شاعر
 
قمر مشرق يزيد جمالا كلّما جدّ في السّماء انتقالا
و سكون يرقى الفضاء جناحا ه على الأرض يضفوان جلالا
هذه ليلة يشفّ بها الحسـ ـن و يهفو بها الضّياء اختيالا
جوّها عاطر النّسيم يثير الـ ـشّجو و الشّعر و الهوى و الخيالا
و إذا النّهر شاطئا و نميرا يتبارى أشعّة و ظلالا
و سرى فيه زورق لحبيبـ ـن شجيّين ينشدان وصالا
يبعثان الحنين في صدر ليل ليس يدري الهموم و الأوجالا
شهد الحبّ منذ كان روايا ت على مسرح الحياة توالى
و جرت ملء مسمعيه أحاديـ ـث عفا ذكرها لديه و دالا
ذلك الباعث الأسى و المثير الـ ـنّار في مهجة المحبّ اشتعالا
لم يجب قلبه لميلاد نجم لا و لم يبك للبدور زوالا
بيد أنّ القضاء أوحى إليه ليذوق الآلام و الآمالا
فأحسّ الفؤاد يخفق منه و رأى النّور جائلا حيث جالا
و استخفّته من شفاه الحبيـ ـبين شؤون الهوى فرقّ و مالا
و تجلّت له الحياة و ما فيـ ـها فراعته فتنة و جمالا
فجثا ضارعا: أرى الكون ربّي غير ما كان صورة و مثالا
لم يكن يعرف الصّبابة قلبي أو تعي الأذن للغرام مقالا
أتراها تغيّرت هذه الأر ض أم الكون في خيالي حالا
ربّ ماذا أرى؟ فرنّ هتاف مستسرّ الصّدى يجيب السّؤالا
إنّ هذا يا ليل ميلاد شاعر
***
و تجلّى الصّدى الحبيب السّاحر في محيط من الأشعّة غامر
و سكون يبثّ في الكون روعا وقفت عنده اللّيالي الّدوائر
و ستكان الوجود و التف الدّهـ ـر و أصغت إلى صداه المقادر
لم يبن صورة و لكن راته بعيون الخيال منّا البصائر
قال: يا شاعري الوليد سلاما هزّت الأرض يوم جئت البشائر
فإليك الحياة شتّى المعاني و إليك الوجود جمّ المظاهر
**
يوم الملتقى

هذي سماؤك أنغام و أضواء غنّاك داود أم حيذاك سيناء
أم النّبيّون قد أزجت سفئنهم موعودة من ليالي النّيل قمراء
أم طالعتك من السّحر القديم رؤى يشدو بهنّ الثّرى و الرّيح و الماء
أم جاء طيبة من أربابها نبأ أم أنّ كهّانها بالوحي قد جاؤوا
أم سار عمرو بنور الفتح فائتلقت به زبرجدة في الشطّ خضراء
ماجت خمائل بالبشرى و أدوية فهن فاكهة تندى و صهباء
يا مصر ، ذلك يوم الملتقى ، و على صباحه قدم الرّسل الأجلاّء
أسرت إليك بهم روح و عاطفة و كم إليك بسرّ الرّوح إسراء
دعا فلبّوه ، صوت من عروبتهم كم يلبّي هتاف الأمّ أبناء
لا بل أهاب بهم يوم صنائعه من أمرها النّاس أموات و أحياء
إن لم تصن فيه أيديهم تراثهمو فقد تبدّد ، و الأيام أنواء
طاحت بناصية الضّعفى ، و سخرها كما يشاء الأشدّاء الألبّاء
أحرار دهر همو المستيقظون لها و من عفوا فهمو الموتى الأرقاء
***

بنى العروبة دار الدّهر و اختلفت عليكمو غير شتّى و أرزاء
مضى بضائقيها الأمس و انفسحت أمام أعينكم للمجد أجواء
اليوم شيدوا كما شادت أبوتكم شرقا دعائمه كالطّود شمّاء
دستوره وحدة مثلى ، و شرعته بالحق ناطقة بالحبّ سمحاء
لكم بحاضركم من دهركم نهز فيها لغابركم بعث و إحياء
شدّوا على العروة الوثقى سواعدكم لا يصدعنّكمو بالخلف مشّاء
لم تنأ بغداد عن مصر ، و لا بعدت لبنان، و المسجد الأقصى ، و شهباء
أيّ التّخوم تناءت بين أربعها لها من الرّوح تقريب و إدناء
أرض عليها جرى تاريخنا ، و جرى دم به كتب التّاريخ آباء
مبارك غرسه ، منه بأندلس و القادسيّة ، و اليرموك أجناء
خوالد النّفح لم يذهب بنضرتها حرّ ، و قرّ ، و إصباح ، و إمساء
إيه بني الشّرق ! فالأبصار شاخصة لما تعدّون ، و الآذان إصغاء
يستطلع الشّرق مايجري به غده يا شرق إنّ غدا هدم و إنشاء
بصيحة السّلم لا يأخذك إغراء فللمطامع إغراء و إغواء
تفتّحت صحف الأيّام و انبعثت أقلامها و صغت كتب و أنباء
و طأطأت أمم مقهورة ، و رنا أنصار حقّ على الجلّى و أدّاء
مسّتهمو الحرب مسّ المرمضين بها فما تشكو ، و لا شكّوا ، و لا راؤا
في عالم الغد ماذا قد لأعدّ لهم و ما ترى أمم في الحرب غلباء
خطت مواثيق للإنسان و اشترعت بناء دنيا لها الإحسان بنّاء
إنّي أخاف عليها أن تضيّعها يد مبرّأة للسّلم بيضاء
في ساعة من خمار النّصر سامرها لما جرى من عهود الأمس نسّاء
فقد شراعك لا تسلم أزّمته لغير كفّك إنّ الرّيح هوجاء
يا شرق مجدك إن لم ترس صخرته يداك أنت ، فقد أخلته أهواء
يا شرق حقّك إن لم تحم حوزته صدور قومك لم تنقذ آراء
و الكون ملحمة كبرى جوانبها دم ، و نار ، و إعصار ، و ظلماء
أكان عندك هذا الموت يصنعه بكفّه آدم العاصي ، و حوّاء
من ذات أجنحة يخشى مسابحها غول ، و نسر ، و تنّين ، و عنقاء
شأت خطاها بساط الرّيح و انطلقت و الأرض من هولها سوداء حمراء
تعلو و تنقضّ و شك اللّمح صاعقة يكاد منها يصيب النّجم إغماء
و زاحفات من الفولاذ قد صهرت من ثقلهنّ لصدر الأرض أحناء
إن صعّدت فالجبال الشّم هاوية أو عربت فالصّخور الصّم أشلاء
لم يخل من شرها ماء و يابسة أو تنج من غدرها غاب و صحراء
يا شرق يومك لا تخطئ سوانحه فليس تغفر بعد اليوم أخطاء
في عهدفاروق طاب الملتقى ، و على جنّاته لقى القرب الأحبّاء
حمى العروبة أعراقا ، و مدّ لها خصبا لها فيه إنبات و إزكاء
و باكرتها سماء من مآثره فيها لكلّ صنيع منه لألاء
عباقر الشّرق هم آباؤه ، و همو ملوكه الصّيد ، و الشّم الأعزاء
يا عصبة الوحدة الكبرى و عصمتها هذي طوالعكم جلواء غرّاء
وددت لو شدّت بالأسماء شادية بها ربوع حبيبات و أرجاء
و ما أسمّي فتى شتّى مناقبه إنّ المناقب للفتيان أسماء
المصطفى و حواريّوه إن ذكروا فالشّرق منهبة ، و الغرب أصداء
و كلكم عن حمى أوطانه بطل مستقتل قرشيّ الرّوح فداء
بالله إن جئتمو الوادي و ناسمكم ثراه ، فهو أزاهير و أنداء
و طاف بالذكريات الأمس و استبقت بالدّمع عين ، و بالأشواق حوباء
فاقضوا حقوق إخاء تستخير به أخت لكم في صراع الدّهر عزلاء
طعامها من فتات العيش مسغبة و ريّها منه إيلام و إشقاء
أحلّها ذهب الشّاري ، و حرّمها عصر به حرّر القوم الأذلاء
حربان أثخنتاها أدمعا و دما تنزو بها مهجة كلمى و أحشاء
هذي فلسطين أو هذي روايتها ماذا تقولون إن لم يحسم الدّاء
تطلّعت لكمو و لهى أليس لها على يديكم من العلات إبراء ؟
حملتمو العهد فيها أبوّتكم إنّ البنين لحمل العهد أكفاء
********
إلى أبناء الشرق

دعوها مني و اتركوه خيالا فما يعرف الحقّ إلاّ النّضالا
بني الشرق ماذا وراء الرّعود نطلّ يمينا و نرنو شمالا
و ما حكمة الصّمت في عالم تضجّ المعالم فيه اقتتالا
زمانكمو جارح لا يعفّ رأيت الضعيف به لا يوالى
و يومكمو نهزة العاملين و مضيعة الخاملين الكسالى
خطا العلم فيه خطى صائد توقّى المقادر منه الحبالا
توغّل في ملكوت الشّعاع و صاد الكهارب فيه اغتيالا
و حزّبها فهي في بعضها تحطّم بعضا و تلقى نكالا
رمى دولة الشّمس في أوجها فخرّت سماء و دكّت جبالا
مدائن كانت وراء الظّنون ترى النّجم أقرب منها منالا
كأنّ سليمان أخلى القماقم أو فكّ عن جنهنّ اعتقالا
و أوما إليها فطاروا بها مدى اللّمح ثمّ تلاشت خيالا
و حتّام نشكو سواد الحظوظ و من أفقنا كلّ فجر تلالا !
ألسنا بني الشّرق من يعرب أصولا سمت و جباها تعالى ؟
أجئنا نسائل عطف الحليف و نرقب منه النّدى و النوالا ؟
نصرناه بالأمس في محنة تمادى الجبابر فيها صيالا
سبحنا إليه على لجّة من النّار لم نذك منها ذبالا
فكيف تناسا حواريّه غداة السّلام و أغضى مالا ؟
أردّ الحقوق لأربابها ؟ و أعفاهمو من طلاب سؤالا ؟
و رفّت على الأرض حريّة تألّق نورا و تندى ظلالا ؟
نبيّ الحقيقة ، كم قلت لي بربّك قل لي وزدني مقالا
رأيتك أندى و أحنى يدا على أمم جشمّتك النّزالا
فم لك تقسو على أمّة سقتك الوداد مصفّى زلالا
و عدت الشّعوب بحقّ المصير فما لك تقضي و تملي ارتجالا
أتغصب من أهلها أرضهم و تسلم للغير نهبا حلالا؟
أليست لهم أرضهم حرّة يسودون فيها الدّهور الطوالا ؟
فلسطين مالي أرى جرحها يسيل و يأبى الغدة اندمالا
تنازها حيرة الزّاهدين و تنهشها شهوات تقالى
أعزّت أساتك أدواؤها ؟ هو الحقّ ! ما كان داء عضالا !
هو الحقّ إن رمتمو عالما يشفّ صفاء و يزكو جمالا
أقيمو عليه مودّاتكم و إلاّ فقد رمتموه محالا
فيا للبريئة ماذا جنت فتحمل مالا يطاق احتمالا
هي الشّرق ، بل هي من قلبه و شائج ماض تأبّى انفصالا
و تاريخ دنيا و أمجادها بنى ركنها خالد ثمّ عالى
وعى الحقّ للمصطفى دعوة لنصرتها و العوادي توالى
تبارى لها المسلمون احتشادا و هبّ النّصارى إليها احتفالا
من الشّام و الأرز و الرافدين و أقصى الجزيرة صحبا و آلا
و إفريقيا ما لإسلمها يسام عبوديّة و احتلالا !؟
على تونس و بمرّاكش تروح السّيوف و تغدو اختيالا
ألم تخب في الأرض نار الحروب و يلق الطّغاة عليها و بالا ؟
ألم يتغيّر بها الحاكمون ؟ ألم تتبدّل من الحال حالا
هم العرب الصّيد لا تحسبنّ بهم ضعة أو ضنى أو كلالا
نماهم على البأس آباؤهم قساورة و سيوفا صقالا
بناة الحضارة في المشرقين درى يخشع الغرب منها جلالا
ألا أيّها الشّامخ المطمئن رويدا فإنّ الليالي حبالى
و مالك تنسى على الأمس يوما به كاد ملكك يلقى زوالا
فتقذف بالنّار سورية و ترمي بلبنان حربا سجالا
شباب أميّة طوبى لكم أقمتم لكلّ فداء مثالا
دعتكم دمشق فما استنفرت سوى عاصف يتخطّى الجبالا
و في ذمّة المجد من شيبكم دم فوق أروقة الحقّ سالا !
بني الشّرق كونوا لأوطانكم قوى تتحدّى الهوى و الضّلالا
أقيمو صدوركمو للخطوب فما شطّ طالب حقّ و غالى
فزعت لكم من وراء السّقام و قد جلّل الشّيب راسي استعالا
و ما أن بكيت الهوى و الشّباب و لكن ذكرت العلى و الرجالا ! !
****
يوم فلسطين

فلسطين لا راعتك صيحة مغتال سلمت لأجيال و عشت لأبطال
و لا عزّك الجيل المفدّى و لا خبت لقومك نار في ذوائب أجبال
صحت باديات الشّرق تحت غبارهم على خلجات الرّوح تربك الغالي
فورارس يستهدي أعنّة خيلهم دم العرب الفادين و السؤدد العالي
بكلّ طرق منه صخر منضّر و كلّ سماء جمرة ذات إشعال
غداة أذاعو أنك اليوم قسمة لكلّ غريب دائم التّيه جوّال
قضى عمره ، جمّ المواطن – و اسمه مواطنها – مابين حلّ و ترحال
و ما حلّ دارا فيك يوما ، و لا هفت على قلبه ذكراك من عهد إسرال
محا الله وعدا جطّه الظام لم يكن سوى حلم من عالم الوهم ختّال
حمته القنا كيما يكون حقيقة فكان نذيرا من خطوب و أهوال
و فتّح بين القوم أبواب فتنة تطلّ بأحداث و تومي بأوجال
أراد ليمحو آية الله مثلما أراد ليمحو اللّيل نور الضّحى العالي
فيا شمس كفّي عن مدارك و اخمدي و يا شهب غوري في دياجير آجال
و يا أرض شقّي من أديمك و ارجعي كم كنت قبل الرّسل في ليلك الخالي
ضلالا رأوا أن يسلموا الشرق مجده و ماهو بالغافي و ما هو بالسّالي
ألا يا ابنة الفتح الذي نوّره الثّرى و طهّر دنيا من طغاة و ضلاّل
و اكرم قوما فيك كانوا أذّلة فحرّرهم من بعد رقّ و إذلال
لك الشّرق ، يا مهد القداسة و الهدى قلوبا تلبّي في خشوع و إجلال
لك الشّرق ، يا أرض العروبة و العلى شعوبا تفدّي فيك ميراث أجيال
و ماهو من مستعمر جاء بالهوى و لا هو من مستثمر في قيود و أغلال
سليه ، تهج ما بين عينيك أرضه مخالب نسر أو براثن رئبال
سليه ، يمج ما بين سمعيك أفقه زئير أسود أو زماجر أشبال
سليه الدّم المهراق بذله غاليا و يضرب به الحقّ أروع أمثال
***

ألا أيّها الشّادي الذي طرب الورى بحلو حديث عن حقوق و آمال
و قال لنا : في عالم الغد جنّة غزيرة أنهار و ريفة أظلال
سمعنا خدعنا ، و انتبهنا ، فحسبنا لقد ملّت الأسماع قيثارك البالي
و ياأيّها الغرب المواعد لا تزد كفى الشّرق زادا من وعود و أقوال
شبعنا و جعنا من خيال منمّق ز منه اكتسينا ، ثم عدنا بأسمال
فلا تندب الضّعفى و تغصب حقوقهم فتلك إذا كانت ، شريعة أدغال !!
***
من الأعماق

حيّتك في الشرق آمال و أحلام و قبّلتك جراحات و آلام
و استقبلتك على الوادي و ضفّته عروبة وثبت فرحى و إسلام
و حقبة من جهاد أشرقت و هفت بها ليال من الذّكرى ة أيّام
تعانق العائد المنفيّ في بلد حماه للحرّ إعزاز و إكرام
ديار فاروق من يلجأ لساحتها فقد حمته من الأحداث آجام
يطيب للعربيّ المستجير بها معاشه و يرقّ الماء و الجام
و يحطم القلم العاني بحومتها أصفاده ، و يفكّ القيد ضرغام
يا أيّها البطل الصّنديد جئت بما تحدثت عنه أدهار و أقوام
هزّت فلسطين أنباء يطير بها برق على جنبات الليل بسّام
عادت لها ذكريات الأمس و انبعثت بها صحائف من نور و أقلام
و أنفس قرشيّات يطرّبها صوت يرنّ به رمح و صمصام
نصّت على اللّيل آذانا تغازلها من صوتك الجهوريّ العذب أنغام
قد أقسمت لا ينال الّدار مغتصب حتّى و إن شرقت بالنار أعلام
في الله ، في الحقّ ، في الإسلام كلّ دم يسيل فيها ، و جرح ليس يلتام
ظنّوك أقصيت عنها فهي نائمة و كيف ! هل في ربوع القدس نوّام !
و تلك أطماعهم في كلّ ناحية ألسيف منهنّ فوق الخلق قوّام
قالوا غدرت و لم أفهم لمنطقهم حكما و لكنّما للقوم أحكام
أفي دفاعك عن أهل و عن وطن غدر ؟ إذن فجهاد الظّلم إجرام !
قالوا هو الحقّ ما نسعى لنصرته يا بؤسه كم هوان أهله سامو
يا شرق يا شرق لا تخدعك دعوتهم و اقبض يدا ، فحديث الحقّ أوهام
أكان غير عيون الزّيت دافقة من قلبك الغضّ يجريهنّ سجّام
و كان غير أنابيب يحوط بها ضلوع صدرك قهّار و ظلاّم
قد قسّموك مطارات و ما عملوا إلاّ لحرب لها في الكون إضرام
أكنت غير الفدى في غير تضحية إن هم عليك بسرب للرّدى حاموا
يا شرق سل بالحسينيّ الذي صنعوا واسمع لحفّك ، لا يخدعك هدّام
سلهم عن الشّرف الموعود كم غدروا به ؟ كم اجترحت في السّلم آثام
و أنت أيّها الفادي عروبته إسلم فديتك ، لا غبن و لا ذام
جهادك الحقّ مظلوما و مغتربا و حي لكلّ فتى حرّ و إلهام
***
مصر

هوى لك فيه كلّ ردى يحبّ فديتك ! هل وراء الموت حبّ ؟
فديتك مصر ، كلّ فتى مشوق إليك ، و كلّ شيخ فيك صبّ
و يحلم بالفدى طفل فطيم و كلّ رضيعة في المهد تحبو
أراك و أينما و ليّت وجهي أرى مهجا لوجهك تشرئبّ
و أرواحا عليك محوّمات لها فوق الضّفاف خطى و وثب
عليها من دم الفادين غار له بيديك تضفير و عصب
حمتك صدورها يوم التّنادي ووقّتك اللّيالي و هي حرب
إذا رامتك عادية و شقّت فضاءك غيلة و رماك خطب
دعت بالنّهر فهو لظى و وقد و بالنّسمات فهي حصى و حصب
و بالشجر المنوّر غيل و كلّ غصونه ظفر و خلب
حقائق عن يد الأيمان ترمي صواعق و مضها ظفر و خلب
حقائق عن يد الإيمان ترمي صواعق ومضها رجم و شهب
لها في مهجة الجبّار فتك و في عينيه إيماض و سكب
صنائع الغانائيّات يشدو بها شرق ، و يلقي السّمع غرب
و يبعث في الحياة على صداها فراعين أو حواريّون عرب
أهلّوا بالصّباح فثمّ ركب تموج به الضّفاف و ثمّ ركب
بأرواح مجنحة نشاوى إليك بكلّ جارحة تدبّ
لقد بعثت من الأحقاب مصر أجل بعثت ، و هبّ اليوم شعب
توحّد في الزعامة فهو فرد و أفرد بالأمانة فهو صلب !
***

فيا لك مصر ! ما لجلال أمس علته غبرة و طوته حجب
و ابهم فهو رجع صدى و طيف بعيد ليس يستجليه قرب
دوت ريّا ملامحه و حالت مناقبه فهنّ أذى و ثلب
أكان دم الفدائيّين صدقا و أصبح و هو بعد الأمس كذب
فيهدم ما بنى و يقال شادوا و تصدع وحدة و يقال رأب ؟
علام إذن اريق بكلّ واد فأورق مجدب و أنار خصب ؟
و جاد به شباب عبقريّ و ولدان كفرخ الطّير زغب ؟
أحقّا ما يقال شيوخ جيل على أحقادهم فيه أكبّوا
و كانوا الأمس أرسخ من جبال إذا ما زلزلت قمم و هضب
فمالهمو وهت منهم حلوم لها بيد الهوى دفع و جذب
أأرحام مقطّعة و ارض تعادى فوقها أهل و صحب
و اسواق تباع بها و تشترى ضمائر هنّ للأهواء نهب
يطوف بها النّفاق و في يديه صحائف أفعمت زورا و كتب
يكاد اللّيل أن ينسى دجاه إذا نشرت و يأخذ منه رعب
تعالوا يا بني قومي تعالوا إلى حقّ و حسب الشعب حسب
هو الدستور منه جنى قطفنا و نهر حياتنا ملآن عذب
فما للشّرب و الجانين ثاروا عليه بعد ما طعموا و عبّوا
فأهدر مرّة و أبيح أخرى و عيب ، و ما له عيب و ذنب
إذا ما الأكثرية فيه فازت تحرّكت الدّسائس و هي إلب
و إن هي حوربت عنه و ذيدت تحدّث باسمه فرد و حزب
عجائب لم تقع إلاّ بمصر و أحداث لهن يطيش لبّ
تعالوا يا بني قومي إليه فما في حكمه قسر و غصب
و ما هو اسطر كتبت و لكن معان في القلوب لهنّ علب
تحررت الشّعوب فكلّ شعب طليق و المجال اليوم رحب
و هبّت في نواحي الأرض دنيا لحقّ يجتبى و منى تلبّ
أتلعب و الزمان يقول جدّوا و نرقد و الحياة تصيح هبّوا ؟
فلا تقفوا بحريّات شعب و آمال له للمجد تصبو
فما تثني خطى شعب طموح زعازع في ظلام الليل نكب
إذا عصفت تلقّاها بصدر وراء ضلوعه نار تشبّ
سألتكمو اليمين و حبّ مصر ألم يخفق لكم بالحبّ قلب ؟ !
إذا عبس الزمان لمصر أومت إلى الفاروق و هي رضى و حبّ
فقبّلها و ظلّلها هواه و ندّى قلبها و العيش جدب
و باسمك أيها الملك المفدّى تقشّع غمّة و يزول كرب
و باسمك لا يضام لمصر حقّ و باسمك لا يضار بمصر شعب
و باسمك من عضال الدّاء تشفى و باسمك كلّ داء يستطبّ
بحقّ علاك وهو هدى و نور و حقّ هواك و هو علا و كسب
إليك توجّهت بالرّوح مصر و أنت لمصر بعد الله ربّ
****
لقاء و دعاء

لقاؤكما قد كان حلم زماني و عهدكما للشّرق فجر أماني
و لا عهد إلاّ للعروبة و العلى لقلبين في كفّين يعتنقان
تحدّثني عيني ، و قد سرتما معا حبيبان سارا ، أم هما أخوان !
و يسألني قلبي ، و قد لاح موكب من الأحمر اللجيّ أشرق داني
على ملكي من شراع و لجّة تطامن في صفو له و أمان
تناسمه بين العشّيات و الضّحى سرائر من أرض الحجاز حواني
و أفئدة من أرض مصر مشوقة شواخص في الثّغر المشوق رواني
إلى افق فيه من الرّوح هزّة و فيه من الوحي القديم معاني
أتسأل يا قلبي و أنت بجانبي ؟ و كيف ؟ ألم تعلم من الخفقان
و أنت الذي تصغي ، و أنت الذي ترى و تنطق منّي خاطري و لساني
و منك الذي أوحى إليّ فهزّني و فجّر شعري من سماء بياني
أنال جلال اليوم منك ، فخلته رؤى يقظة ؟ بل ذاك رأي عيان
هو الملك فاروق في موقف الهدى تسير إليه الفلك دون عنان
يؤم بها ربّ الجزيرة مصره و ما هي إلاّ فرحة و أغاني
هما عاهلا الشّرق العريق و ركنه هما حصنه الواقي من الحدثان
هما الحبّ و الإيمان و المجد و النّدى تمثّل في آياتها ملكان !
***

سلاما طويل العمر مصر تبثّه بأعذاب ما رفّت به شفتان
و للنّيل أمواج يثبن صبابة بأفراح دور فوقه و مغاني
تجلّى طرازا في لقائك مفردا رفارف خضرا في ظلال الجنان
يحيّ بك الشّعب الحجازيّ شعبه و فيك يحيّ القبلة الهرمان
تساءل فيهاالصّحبان و قد بدت مخاضرها من لؤلؤ و جمان
و آفاقها مكّية النّور و الشّذى يضئن بأقمار بهنّ حسان
جلاها المساء القاهريّ صباحة تغاير في لألائها القمران
سعودية الإشراق تزهى بنورها مطالع فاروقية اللّمعان
أفي مصر ؟ أم بطحاء مكة يومنا ؟ هنا وطن أم ههنا وطنان
و تلك قطوف النّيل دانية الجنى أم أنّ قطوفا للرياض دواني
هوى لك يا عبد العزيز أصارها و ما اختلفت في صورة و مكان
و أنت أخو الفاروق دارك داره على الرّحب ، و الدّاران تلتقيان
فإن تذكر الأوطان و الأهل عندها فما مصر إلاّ موطن لك ثاني
و ما هي إلاّ أمّة عربيّة موحّدة في فكرة و لسان
أينصت لي الضّيف العظيم هنيهة و يسمع لي الفاروق صوت جناني ؟
يقولون نار الحرب في الغرب اخمدت فمالي أرى الشرق سحب و دخان !
مشت بالشّتاء الجهم فوق تخومه برعد حسام و التماع سنان
بإيران صيحات ، و في الشّام ضجة و في القدس جمر موشك الثّوران
و في السّاحل الغربيّ من آل طارق جريحا إباء في دم غرقان
طماعية فيه زالت قناعها و ما سترت وجها لها ببنان
رمت عن يد قفّازها و تحفّزت مخالب ضار أو براثن جاني
فإن قيل هذا مجلس الأمن فاسألوا علام تضجّ الأرض بالشّنآن
و فيم دعاة السّلم طال حديثهم على غير معنى من رضى و أمان
و أبهم حتى بان كاظّلّ طامسا و داور حتى راغ في الدّوران
أرى اليوم مثل الأمس صورة غاصب و إن حوّرت في صبغة و دهان
***

إليكم ملوك الشّرق كم عن مقالة ثنائي حيائي و الوفاء دعاني
أشدت بما شدت فرادى ، و كلكم يفاخر جيل بالذي هو باني
أناشدكم و الشّرق بين مطامع تهدده في حوزة و كيان
فهلاّ جمعتم أمره و استعنتمو بكلّ فتى بالطيّبات معان
أرى حلفاء الأمس لم يحلفوا به و ما زال من خلف الوعود يعاني
و ما قرّ في ظلّ السلام بحقّه و لا فاز من حرّية بضمان
و تلك أمانيه على عتبايهم مطرّحة في ذلّة و هوان
أنقنع من حقّ و جامعة له بجمع يدير الراي حول خوان ؟
و ليس لها من قوّة غير ألسن و أقلام كتّاب و سحر بيان
و ماذا يفيد الرأي لا سيف عنده و ماذا يصيب القول يوم طعان
على البأس فابنو ركنها و تأهّبوا بمستقتل من حولها متفاني
تلاقي بها رايات كلّ شعوبه و أسيافهم من صلبة ولدان
كأمواج بحر زاخر متلاطم ينابيعه شتّى ذرى ورعان
ضمنت بكم مجد العروبة خالدا على كرّ دهر و اختلاف زمان
****
بطل الريف

لا السّيف قرّ و لا المحارب عادا ويح البشير ! بأيّ سلم نادى ؟
الأرض من أجساد من قتلوا بها تجني العذاب و تنبت الأحقادا
فاض السّحاب لها دما – مذ شيّعت شمس النهار
رأت الحداد به على أحيائها أتراهمو صبغوا السّماء حدادا ؟
ودّ الطّغاة بكا مطلع كوكب لو أطفأوه و أسقطوه رمادا
و تخوّفوا و مض الشّهاب إذا هوى و بروق كلّ غمامة تتهادى
و لو أنهم وصلوا السّماء بعلمهم ضربوا على آفاقها الأسدادا
لولا لوامع من نهى و بصائر تغزو كهوفا أو تؤمّ و هادا
لم يرق عقل أو ترقّ سريرة و قضى الوجود ضلالة و فسادا
راع الطغاة شعاعه فتساءلوا من نصعلى هذا الكوكب الوقّادا ؟
إن تجهلوا فسلوا به آباءكم أيّام شعّ عدالة و رغادا
هل أبصروا حرّية إلاّ به أو شيّدوا لحضارة أوتادا
حملت سناه لهم يد عربيّة تبني الشعوب و تنسج الآبادا
هي أمّة بالأمس شادت دولة لا تعرف العبدان و الأسيادا
جرتم عليها ظالمين بعدّكم و عديدكم تتخايلون عتادا
و منعتموها من مواهب أرضها ماء به تجد الحياة وزادا
في المغرب الأقصى فتى من نورها قدخت به كفّ السّماء زنادا
سلّته سيفا كي يحرّر قومه و يزيل عن أوطانه استعبادا
ما بالكم ضقتم به و حشدتمو من دونه الأسياف و الأجنادا
أشعلتموها ثورة دمويّة لا تعرفون لنارها إخمادا
حتّى إذا أوهى القتال جلادكم و مضى أشدّ بسالة و جلادا
جئتم إليه تهادنون سيوفه و سيوفه لم تسكن الأغمادا
و كتبتموا عهدا – بحد سيوفكم - مزّقتموه و لم يجفّ مدادا
***

الأهل أهلك ، يا أمير ، كما ترى و الدّار دارك فبّة و عمادا
أنى نزلت بمصر و جاراتها جئت العروبة أمّة و بلادا
مدّت يديها ، و احتوتك بصدرها أمّ يضمذ حنانها الأولادا
و لو استطاعت ردّ ما استودعتها ردّت عليك المهد و الميلادا
و أتتك بالذّكر الخوالد طاقة كأجلّ ما جمع المحبّ و الهادي
و بلوت من صلف الطّغاة و عسفهم فيها الليالي و السنين شدادا
جعلوا البحار ، و مثلهنّ جبالها سدّا عليك و أوسعوك بعادا
دعهم ! فأنت سخرت من أحلامهم و أطرتهنّ مع الرّياح بدادا
عشرين عاما ، قد حرمت عيونهم غمض الجفون ، فما عرفن رقادا
يتلفّتون وراء كلّ جزيرة و يسائلون الموج و الأطادا
من أيّ واد .. موجة هتفت به و مضى ، فحمّلها السلام ، و عادا
لو أنصفوا قدروا بطولة فارس لبلاده بدم الحشاشة جادا
نادى بأحرار الرجال فقرّبوا مهجا تموت وراءه استشهادا
يدعو لحقّ أو لإنسانيّة تأبى السّجون و تلعن الأصفادا
شيخ الفوارس حسب عينك أن ترى هذي الفتوح و هذه الأمجاد
الرّيف هبّ منازلا و قبائلا يدعو فتاه الباسل الذّوّادا
حنذ الحسام لقبضتيك ، و حمحمت خيل تقرّب من يديك قيادا
و على الصّحارى من صداك ملاحم تشجي النّسور و تطرب الآسادا
أوحت إلى العرب الحداء، و ألهمت فرسانهم تحت الوغى و الإنشادا
عبد الكريم انظر حيالك هل ترى إلا صراعا قائما و جهادا
الشّرق أجمعه لواء واحد نظم الصفوف و هيّأ القوّادا
لم يترك السّيف الجواب لسائل أو ينس من مترقّب ميعادا
سالت حلوق الهاتفين دما ، و ما هزّوا لطاغية الشّعوب وسادا
فصغ البيان به ، و أنطق حدّه يسمع إليك ، مكرّرا و معادا
كذبت مودّات الشّفاه و لم أجد رغم العداوة كالسّيوف ودادا
***

لهجت قلوب بالذي صنعت يد شدّت لجرح المسلمين ضمادا
حملت ندى ملك ، و نجوة أمّة صانت بها شرفا أشمّ تلادا
و حمت عزيزا لا يقرّ ، و أمّنت حرّا يقاسي الجور و الإبعادا
فاد من الغرّ الكماة مجاهد تتنازع الآلام منه فؤادا
جارت عليه الحرب ثم تعقّبت في السّلم تحت جناحه أكبادا
زغب صغار مثل أفراخ القطا و حرائر بتن السنين سهادا
هو من رواسي المجد إلا أنّه عصف الزمان بجانبيه فماذا
رجل رأى شرا ، ففادى قومه و أحس عادية ، فهب ّ ، ورادى
ظلموه هواه إذ أحبّ بلاده ما كان ذنبا أن أحبّ ففادى !
****
شهيد ميسلون
وزير حربية سوريا يوسف العظمة
هبْ ذا الكميّ على النفير الصّادح مهلا ! فديتك ، ما الصّباح بواضح
أيّ الملاحم بين أبطال الوغى فجئتك بالشوق الملحّ البارح
فقضيت ليلك لا هدوء و لا كرى و وثبت في غسق الظّلام الجانح
و الشّرق من خلف الجبال غمامة حمراء ترعش في وميض لامح
سلت حراب البرق فوق سمائه هوجاء تنذر بالقضاء الجائح
هي صيحة الوطن الجريح و أمة هانت على سيف المغير الطّامح
قرنت بحظّك حظّها فتماسكت ترعى خطاك علر ربى و أباطح
في موكب الفادين مجد أميّة بجوانح مشبوبة و جوارح
لو قستهم بعدوّهم و سلاحه أيقنت أنهمو فريسة جارح
الخائضون الفجر بحر مصارع السّابحون على السّعير اللافح
النّاهضون على السّيوف و تحتها شتّى جماجم في التّراب طرائح
الرّابضون على الحصون خرائبا مهجا تضرّم في حطام صفائح
صرعى ولو فتّشت عن أجسادهم ألفيت ، ما ألفيت غير جرائح
يا ميسلون شهدت أيّ رواية دموية ، و رأيت أيّ مذابح
و وقفت مثخنة الجراح بحومة ماجت بباغ في دمائك سابح
تتأملين دمشق يالهوانها ! ذات الجلالة تحت سيف الفاتح !
جرّت حديد قيودها و تقدّمت شمّاء من جلاّدها المتصايح
نسيت أليم عذابها و تذكرت في ميسلون دم الشّهيد النّازح
من هبّ في غسق الظلام يحوطها بدراع مقتتل و صدر مكافح
و تسمّعت صوتا كان هتافه يا للحبيب المحب لبائح !
أمّاه ! خانتني المقادر فاغفري قدري ، و إن قلّ الفداء فسامحي !
***

فيحاء إن نصّت حواليك القرى أعلامها فتزيّنت بمصابح
و تواكب الفرسان فيك و أقبلوا بالغار بين عصائب و وشائح
و شدا الرعاة الملهمون و أغرقوا أبهاء ليلك في خضمّ مفارح
أقبلت بين صفوفهم متقرّبا بأواهري ، مترنما بمدائحي
حيث الشّهيد رنا لمطلع فجره و رأى الغمائم في الفضاء الفاسح
و تلفّتت لك روحه فتمثلت وجه البطولة في أرقّ ملامح
حيث الرّبى في ميسلون كأنّما تهفو إليه بزهرها المتفاوح
و كأنما غسلته بغدادية بدموع ملك في ثراك مراوح
اسعى إليه بكل ما جمعت يدي و بكلّ ماضمّت غليه جوانحي
و هو الجدير بأن أحيّي باسمه في الشرق كلّ مناضل و منافح
من كلّ حرّ ، نافض مما اقتنى يده ، و وهّاب الحشاشة مانح
أو كلّ فاد بالحياة عشيره لا القول في خدع الخيال السّانح
***

قل للدعاة المحسنين ظنونهم بالغرب ماذا في السّراب لماتح ؟
لا تغرينكمو وعود محالف يطأ الممالك بادّعاء مصالح
تمضي السنون و أنتمو من وعده تتقبلون على ظهور أراجح
و الله لو حسر القناع لراعكم قبر أعدّ لكم و خنجر ذابح
من كلّ مصاص الدّماء منوّم يدعى بمنقذ أمة و مصالح !
يا يوسف العظمات غرسك لم يضع و جناه أخلد من نتاج قرائح
قم لحظة و انظر دمشق و قل لها عاد الكميّ من النّفير الصّادح
و دعاك يا بنت العروبة فانهضي و استقبلي الفجر الجديد و صافحي
**

لقراءة المزيد من قصائد علي محمود طه

اضغط هنا

واضغط هنا أيضا

وهنا أيضا

**


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16407364
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة