حكم الثعالب

لندن -الأربعاء 2/ 1/ 2005م

تَفَرَّقَ عَنْ أَرْضِ الأَحِبَّةِ مَوْكَبُ
وَوَزَّرَ أَبْنَاْءَ الأَرَاْنِبُ ثَعْلَبُ

وَغَاْبَ عَنِ الأَوْطَاْنِ شَهْمٌ مُكَاْفِحٌ
وَغَلَّفَ أَنْوَاْرَ الْحَقَاْئِقِ غَيْهَبُ(1)

حكم الثعالب

لندن -الأربعاء 2/ 1/ 2005م

تَفَرَّقَ عَنْ أَرْضِ الأَحِبَّةِ مَوْكَبُ
وَوَزَّرَ أَبْنَاْءَ الأَرَاْنِبُ ثَعْلَبُ

وَغَاْبَ عَنِ الأَوْطَاْنِ شَهْمٌ مُكَاْفِحٌ
وَغَلَّفَ أَنْوَاْرَ الْحَقَاْئِقِ غَيْهَبُ(1)

وَعُطِّلَتِ الأَحْكَاْمُ فِيْ عَهْدِ صِبْيَةٍ
وَمَاْ عَاْدَ يَخْشَىْ سَطْوَةَ الْعَدْلِ مُذْنِبُ

لأَنَّ قُضَاْةَ الْقُطْرِ لِصٌّ وَقَاْتِلٌ
وَقَاْضِيْ قُضَاْةِ الْحِزْبِ يَقْضِيْ وَيَنْهَبُ

يُرِيْقُ دِمَاْءَ الشَّعْبِ مِنْ غَيْرِ مِنَّةٍ
وَمِنْ حَوْلِهِ جَيْشٌ يَمُصُّ وَيَحْلُبُ

وَأَمَّاْ زَعِيْمُ الزُّعْرِ(2) فَهْوَ مُخَنَّثٌ
جَبَاْنٌ عَلَىْ لَحْنِ الْهَزِيْمَةِ يَطْرَبُ

تَحَكَّمَ آلاْفُ اللُّصُوْصِ بِشَعْبِنَاْ
كَأَنَّ بِلاْدَ الشَّاْمِ لِلِّصِّ مَلْعَبُ

فَفِيْ كُلِّ قُطْرٍ يَسْرِقُ الْمَاْلَ حَاْكِمٌ
دَنِئٌ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلشَّعْبِ مَهْرَبُ

تُحَاْصِرُ أَبْنَاْءَ الشُّعُوْبِ جُيُوْشُهُا
وَقَاْئِدُهَاْ الأَعْلَىْ يَخُوْنُ وَيَكْذِبُ

يُصَاْدِرُ أَمْوَاْلَ الْيَتَاْمَىْ كَأَنَّهَاْ
حَلاْلٌ زَلاْلٌ "لِلسَّعَاْدِيْنِ"(3) طَيِّبُ

رَفِيْقٌ صَفِيْقٌ(4) خَاْئِنُ الْعَهْدِ غَاْدِرٌ
لَهْ كُلَّ يَوْمٍ بِالْجَمَاْهِيْرِ مَقْلَبُ(5)

يُخَطِّطُ لِلإِفْسَاْدِ فِيْ كُلِّ لَحْظَةٍ
وَيُعْدِيْ كَمَاْ يُعْدِيْ بِعَدْوَاْهُ أَجْرَبُ

لَهُ طَبْعُ أَفْعَىْ مِلْؤُهَا السُّمُّ وَالأَذَىْ
وَفِيْ سُرْعَةِ الإِيْذَاْءِ صِلٌّ(6) وَعَقْرَبُ

يَصُوْلُ عَلَى الأَحْرَاْرِ صَوْلَةَ مُجْرِمٍ
وَلَكِنَّهُ فِيْ سَاْحَةِ الْحَرْبِ أَرْنَبُ

سَلِيْلُ قُرُوْدٍ مِنْ قُرَيْظَةَ(7) أَصْلُهُ
وَأَجْدَاْدُهُ الأَوْغَاْدُ مُوْشِيْ وَمِرْحَبُ(8)

لَئِيْمٌ زَنِيْمٌ(9)، فَاْسِقٌ مُتَحَذْلِقٌ
رَهِيْبٌ مُرِيْبٌ، لِلظُّنُوْنِ مُخَيِّبُ

يُرَوِّعُ أَطْفَاْلاً، وَيَنْهَبُ ثَرْوَةً
وَيَأْتِيْ كَمَاْ جَاْءَ اللُّصُوْصُ وَيَذْهَبُ

وَيَتْرُكُ لِلأَحْزَاْنِ شَعْباً مُعَذَّباً
وَيَرْفُضُ أَفْعَاْلَ الْكِرَاْمِ، وَيَشْجُبُ(10)

وَيُبْعِدُ أَشْرَاْفَ الْبِلاْدِ سَفَاْهَةً
وَمَاْ لَهُ - إِلاَّ الْمَكْرَ وَالْغَدْرَ - مَذْهَبُ

فَأَحْكَاْمُهُ: زُوْرٌ، وَجَوْرٌ، وَنِقْمَةٌ
وَأَفْعَاْلُهُ الشَّنْعَاْءُ: تُرْوَىْ وَتُكْتَبُ

وَتَحْفَظُهَا الأَجْيَاْلُ لِلنَّاْسِ عِبْرَةً
يُدَرِّسُهَاْ فِيْ حَلْقَةِ الدَّرْسِ أَشْيَبُ

وَيَصْرُخُ: قَدْ خَاْنَ الْبِلاْدَ مُقَاْمِرٌ
سَفِيْهٌ كَرِيْهٌ فِيْ مَسَاْعِيْهِ مُغْضِبُ

يَنَاْمُ وَيَصْحُوْ سَاْرِقاً، وَمُهَرِّباً
كَأَنَّ جَمِيْعَ الْمَاْلِ لِلِّصِّ مَكْسَبُ

لَعَمْرِيَ ضُبَّاْطُ الْجُيُوْشِ عِصَاْبَةٌ
وَقَاْئِدُهَاْ النَّشَّاْلُ؛ لِلِّصِّ يَغْضَبُ

تَنَصَّلَ مِنْ قَحْطَاْنَ كَالنَّصْلِ مَاْرِقاً
فَلَمْ يُغْنِهِ شَيْئاً نِزَاْرٌ وَيَعْرُبُ

وَمَاْزَاْلَ مَذْمُوْماً مَلُوْماً مُنَاْفِقاً
لَهْ النَّهْبُ مِنْهَاْجٌ عَقِيْمٌ وَمَطْلَبْ

يُغَاْزِلُ أَعْدَاْءَ الْبِلاْدِ جَمِيْعَهُمْ
وَفَوْقَ رِقَاْبِ النَّاْسِ كَالْقِرْدِ يَرْكَبُ

وَيَسْرِقُ أَمْوَاْلاً، وَيَقْتُلُ فِتْيَةً
فَيَرْحَلُ عَنْ أَرْضِ الأَحِبَّةِ مَوْكِبُ

وَيَبْقَىْ بِهَاْ شَعْبٌ ضَعِيْفٌ مُعَذَّبٌ
وَيَرْأَسُ سُرَّاْقَ الْحُكُوْمَةِ ثَعْلَبُ
هذه القصيدة من البحر الطويل

الهوامش

1 : الغَيْهَبُ: الظّلام الشَّديد؛ والجمع: غَياهِبُ.

2 : زَعِرَ يَزْعَرُ زَعَراً : الشَّعْرُ أو الريشُ أو الوبر: قلَّ وتفرّق حتى كاد الجلدُ يبدو؛ وزعر الشخصُ: ساء خلقه وقلَّ خيره؛ مَن يزعرْ لا يحترمْه الناس، والزُّعر: جماعة الزعران، ومن مشاهيرها عصابة علي الزيبق بن رأس الغول صاحب القصة المشهورة.

3 : السَّعْدَانُ : شَوْك النّخْل، والسعدان: القِرد، والجمع: سَعادينُ.

4 : الصَّفِيقُ من الناسِ: الوقِحُ الغليظ؛ وصفيقُ الوجه: فاقد الحياء. والجمع: صِفاقٌ.

5 : قَلَبَ الشيءَ، قَلْبًا: جعل أَعلاه أَسفلَه، أو يمينَهُ شِمالَه، أَو باطنَهُ ظاهَره. ويقال: قَلَبَ الأَمْرَ ظَهْرًا لبطن: اختبره. وقَلَبَ عينه وحملاقه: غضِب وتهدَّد. والمِقْلَب: فأْسُ حديدٍ تُقلب بها الأرض للزراعة، والجمع:مقالِبُ، واستعيرت مجازاً لكل عمل يسفر عن الأذى.

6 : و الصِّلُّ: الحيّة التي تَقْتُل إِذا نَهَشتْ من ساعتها، ولا تنفع فيها الرُّقْية, ويقال للرجل إِذا كان داهِياً مُنْكَراً: إِنه لصِلُّ أَصْلالٍ، أَي: حَيّة من الحيّات.

7 : قرَظ القَرَظ يقرِظهُ قَرْظًا: جناهُ أو جمعهُ، والأديم: دبغهُ بالقَرَظ. وبنو قريْظة: حَيٌّ من يَهُودَ, وهم والنَّضِير قبيلتان من يهود خيبَرَ , وقد دخلوا في العرب على نَسَبِهم إِلى هارون أَخي موسى , عليهما السلام , وبنو قُرَيْظةَ : إِخوة النَّضِير, وهما حَيَّانِ من اليهود الذين كانوا بالمدينة , فأَمّا قريظة فإِنهم أُبِيروا لنَقْضِهم العهدَ ومُظاهَرتِهم المشركين على رسول اللّه,  أَمر بقتل مُقاتِلتهم وسَبْيِ ذراريِّهم, وأَما بنو النضير فإِنهم أُجْلُوا إِلى الشام, وفيهم نزلت سورة الحشر.

8 : عن جابر رضي الله عنه، قال: "خرج مِرْحَبُ اليهودي من حصن خيبر، وقد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول: من يبارز ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لهذا ؟

فقال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتلوا أخي بالأمس، يعني: محمود بن مسلمة، وكان قُتِلَ بخيبر.

فقال رسول الله: قم إليه، اللهم أعنه عليه، فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة، فجعل كل واحد منهما يلوذ بها من صاحبه، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرَّجُل القائم ما فيها فنن، ثم حمل على محمد فضربه، فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه فيها فعضت به، فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة فقتله، وكذلك قال سلمة بن سلامة، ومجمع بن حارثة : إن محمد بن مسلمة قتل مِرْحَبًا". وقيل إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما، ومر به علي رضي الله عنه فضرب عنقه.

ثم خرج إلى الميدان بعد مرحب أخوه ياسر، فبرز إليه الزبير بن العوام، فقالت صفية أمّه: يا رسول الله يقتل ابني؟ فقال رسول الله: " بل ابنك يقتله إن شاء الله " فقتله الزبير.

9 : الزَّنِيمُ : الدَّعِيُّ، الذي ينسب نفسه إلى قوم هو ليس منهم أصلاً. والزنيم: اللئيم المعروف بلؤمه، أو شرّه.

10 : شَجِبَ يَشْجَبُ شَجَباً : هَلَكَ، وحَزِنَ. وشَجَبَ يَشْجُبُ شُجُوباً: فلانٌ: هَلَكَ، وحَزِنَ؛ وأَخفقَ في الامتحان فَشَجَبَ. وشجب الغُرابُ شَجيباً: نَعَقَ بالبَيْن. وشجبَ الرّأيَ أو المَوقِفَ: استنكره ونقده بحدّة؛ يقال: شَجَبَت الصّحافةُ المواقفَ المُعاديةَ للشَّعب.

11 : نَصَلَ يَنْصُلُ نَصْلاً ونُصُولاً : اللونُ: زال؛ ونَصَلَ من كذا: خرجَ؛ ونَصَل السَّهمَ والرُّمحَ ونحوهما: جعل فيهما نَصْلاً، ويقال: نَصَل بِحقي صاغرًا، أي: أَخْرجه.

12 : نِزَار: أَبو قبيلة, وهو نِزارُ بن مَعَدّ بن عَدنان. والتَّنَزُّر: الانتِساب إِلى نِزار بن معد. ويقال: تَنَزَّر الرجل: إِذا تشَبَّه بالنَّزَارية، أَوأَدخَل نفسَه فيهم. وسُمي نِزارٌ نِزاراً: لأَن أَباه لمَّا وُلد له، نظر إِلى نُور النبوّة بين عينيه, وهو النُّور الذي كان يُنقل في الأَصلاب إِلى محمد صلى الله عليه وسلم,  ففرِح فرَحاً شديداً، ونَحَر وأَطعم وقال: إِن هذا كلَّه لَنَزْرٌ في حق هذا المولود, فسُّمِّيَ نِزاراً لذلك.

13 : اخْتَلَفَ الناسُ في العَرَب لِمَ سمُّوا عَرباً؟ فقال بعضُهم: أوَّلُ من أنطق اللهُ لسانَه بلغة العرب: يَعْرُبُ بنُ قَحْطانَ، وهو أبو اليمَن كلهم، وهمْ العَرَب العاربة، ونَشأَ إسمعيل بنُ إبراهيم ، عليهما السلام ، معهم فتَكلّم بلسانهم، فهو وأولاده: العَرَبُ المُستَعربة؛ وقيل: إن أولاد إسمعيل نَشؤوا بعَرَبة، وهي من تهامة، فنُسبُوا إلى بلَدهِم.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم،  أنه قال :  "خمسةُ أنبياءَ من العَرب، وهم: محمد، وإسمعيل، وشعيب، وصالح، وهود، صلوات الله عليهم"  وهذا يدل على أنَّ لسان العرب قديم. وهؤلاء الأنبياء كلهم كانوا يسكنون بلادَ العَرَب؛ فكان شُعَيْبٌ وقومُه بأرْضِ مَدْينَ، وكان صالح وقومه بأرْضِ ثمودَ ينزلون بناحية الحجْر، وكان هُودٌ وقومه عادٌ ينزلون الأحقافَ من رمال اليمَن، وكانوا أهل عَمَدٍ، وكان إسمعيل بن إبراهيم والنبي المصطفَى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم،  من سُكَّان الحَرم. وكلُّ من سَكَنَ بلادَ العرب وجزيرتَها، ونَطقَ بلسانِ أهلها، فهم عَرَبٌ يمنُهم ومَعَدُّهم.