العنوان: من تاريخ أصول الفقه الاسلامي قبل التدوين . الاجتهاد في الخلافة ... في مرحلة استشهاد أمير المؤمنين الخليفةعثمان بن عفان رضي الله عنه، والتحكيم
الكاتب: محمود السيد الدغيم – الحلقة السادسة
جريدة الحياة، العدد: 13625،الصفحة: 21
تاريخ النشر: 29 ربيع الأول 1421هـ/ 1 تموز/ يوليو 2000م
أوضحنا في الحلقة السابقة منهاج الفرقة الأموية في الجدل والمناظرة، وأساليبها في استنباط الأحكام الشرعية لتدعيم آرائها في مسألة قصاص قتلة الخليفة عثمان، وأسباب عدم مبايعة علي بالخلافة التي نالت اجماع المسلمين على عقد البيعة للخلفاء الثلاثة الذين سبقوه.
وعلى رغم عدم انعقاد الاجماع على بيعته فإن المسلمين السُّنة يُقرُّون خلافته الراشدة، ولا يعـتـرفـون بـخـلافة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في أيام علي لأن معاوية لم يعلن خلافته ولم يبايعه المسلمون كافة إلا بعد مقتل أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه -، وكـان لـفرقة الإمام علي - رضي الله عنه - مـدرسة أصـولـيـة بـايعه أقطابُها بالخلافة »قبل أن يُدْفَن عثمانُ بن عفان - رضي الله عنه - وقيل بعد دفنه (...) ويقال: إن أول من بايعه طلحة (...) ثم بايعه الناس (...) ويقال: ان طلحة والزبير إنما بايعاه بعد أن طلبهما، وسألاه أن يؤمرهما على البصرة والكوفة، فــقـال لـهـما: بـل تـكـونـا عـنـدي أستأنس بكما، ومن الناس من يزعم: انه لم يبايعه طـائـفـة مـن الأنـصـار(...) وتربّص سبعة نفر لم يُـبـايـعـوا، مـنهم: عبدالله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وصُهيب الرومي، وزيد بن ثابت، ومحمد بن أبي مسلمة، وسَلَمة بن سلامة بن وقش، وأسامة بن زيد« - مشاهير علماء الأمصار ص: ٦٨، البداية والنهاية ٧/٤١ -.
وبعدما تولى عليّ الخلافة أرسل وُلاةً على الأمصار بدلاً من الولاة الذين عينهم الخليفة الراحل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. ولكن أهل الشام رفضوا واليه سهل بن حنيف وأيدوا واليهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكذلك أهل الكوفة ردوا واليَه عمارة بن شهاب وانقادوا الى طُليحة بن خُويلد وقالوا: »لا نبايع حتى نقتُلَ قَتَلَةَ عثمان« - البداية والنهاية ٧/٧١٢ -. وامتنع بعض أهل البصرة وبعض أهل مصر عن البيعة.
وانتشرت الفتنة، واستنفر علي بن أبي طالب المصريين والبصريين وعزم على قتال الأمويين »وخرج من المدينة، وهو عازم أن يُقـاتـل بمـن أطـاعـه مَـنْ عصاه وخرج على أمـره ولـم يـبـايـعـه مـع النـاس. وجـاء اليه ابـنـه الحـسـن رضي الله عنه. وقـال: يـا أبـتِ دعْ هـذا فــإن فيه سفك دماء المسلمين، ووقوع الاختلاف بـيـنهم، فلم يقبل منه ذلك، بل صمم على القتال، ورتب الجيش...« - البداية والنهاية ٧/٧١٢ -.
وهنا نلاحظ اختلاف الاجتهاد بين الامام علي بن أبي طالب وابنه الحسن رضي الله عنهما، فالامام يقرر القتال. والحسن يرفض القتال. وحجّة علي حرصه على جمع الجميع تحت راية الخلافة. وحجة الحسن أن حقن الدماء أولى وفيه مصلحة المسلمين. وهذا يدل على اختلاف الاجتهاد في ذلك الوقت.
امتنع الكثيرون من أهل المدينة عن الانضمام الى جيش علي ابن أبي طالب. ومع ذلك قصد علي بجيشه البصرة وهناك خاض معركة الجمل ضد ام المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها وعن أبيها - وكان معها طلحة والزبير وعدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم. وأسفرت معركة الجمل عن استشهاد طلحة والزبير رضي الله عنهما وعدد كبير من الصحابة وذلك سنة 36 هـ. وبعد معركة الجمل وقعت معركة صفين. وحصل التحكيم سنة 37 هـ وخلع علي. وخاض حروبه مع الخوارج الذين اغتالوه سنة 40 هـ.
وهكذا نجد أن خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كانت مرحلة ضعف الدولة الاسلامية. بل كانت مرحلة الفتنة حيث قتل المسلمون بعضهم بعضاً. وقد أسفرت تلك الفترة عن تنوع الاجتهاد، وتجاوز المجتهدون حدود الخلاف اللفظي الى درجة استباحة الدماء، حيث نجد كل فريق قد برّر قتلَه أبناء الفريق الذي يخالفه، ولم يعجز أيُّ فريق عن دعم رأيه بالحجج الشرعية. بعدما وقعت معركة الجمل بين أنصار علي وأنصار أمير المؤمنين عثمان بقيادة عائشة، ومعركة صفين بين انصار أمير المؤمنين علي وأنصار أمير المؤمنين عثمان بقيادة أمير المؤمنين معاوية.
انقسم أنصار علي الى عدد من الفرق، كلٌ بحسب اجتهاده.
آ - قسم التحق بالذين اعتزلوا الفتنة.
ب - قسم انقاد لعبدالله بن سبأ وضمّ قتلة عثمان ومَن والاهم. وهذا القسم شكّل أساس الغُلُوِّ المتطرف المعادي للاسلام الصحيح ونهج هؤلاء منهجاً مخالفاً للمسلمين في أصول الفقه. حيث يؤولون القرآن كما يحلو لهم. ويأخذون بالأحاديث الموضوعة ويرفضون الأحاديث الصحيحة. ولا يأخذون بالاجماع، وينكرون القياس، كما ينكرون النسخ ويقولون بالبداء الذي يقول به اليهود وبهذا نستطيع القول: إن أصول فقه هؤلاء اعتمدت اصول الفقه اليهودي.
ولذلك لا يمكننا اعتبارهم من المسلمين، والدليل: ان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حاربهم واستباح دماءهم وحرّق بعضهم، لأنهم ألّهوهُ ولكنه عجز عن القضاء عليهم نهائياً. وضمّ هذا الفريق عدداً كبيراً من اليهود الذين اعتنقوا الاسلام نفاقاً الى جانب عدد من الأعراب والفرس.
ولذلك لا يمكننا اعتبار هؤلاء من المسلمين، وإن ما عملوه من أصول لا تندرج تحت أصول الفقه الاسلامي. ونحن نذكرهم ها هنا من أجل التنبيه الى خطرهم وليس من أجل التأريخ لهم كمدرسة من مدارس أصول الفقه الاسلامي.
وقد قال المالطي: انقسم »أهل الضلال الرافضة ثماني عشرة فرقة يتلقبون بالإمامية، أربع فرق سبأية، والقرامطة، وثلاث فرق حلولية تقول بالتناسخ، والمختارية، والسمعانية، والجارودية، والهشامية والاسماعيلية، والقُمِّيه، والجعفرية، والقطعية فرقتان، والزيدية وهم أربع فرق.
وجميع هؤلاء أبناء الفرق يُفسِّقون بعضهم بعضاً. ومعظم هذه الفرق يكفِّرُ عدداً كبيراً من الصحابة« - التنبيه والرد ص: 60 وما بعدها -. ولو جمعنا جميع أبناء هذه الفرق فإن عددهم لن يساوي عشرة في المئة من عدد المسلمين السنّة في العالم.
ج - الخوارج: وهم الذين قرروا متابعة القتال على رغم التحكيم، ورفعوا شعار » لا حُكم إلا لله « وانقلبوا ضد أمير المؤمنين علي و أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنهما - بعدما كانوا من شيعته وخرجوا من الكوفة، فأُطلِقَ عليهم اسم الخوارج. وخاضوا حرباً طاحنة مع علي - رضي الله عنه -، بعدما كفَّروه »وصرحوا بكُفره(...) وقالوا له: تُبْ من خطيئتك واذهبْْ بنا الى عدوِّنا حتى نقاتلهم حتى نلقى ربَّنا.
فقال علي: قد أردتكم على ذلك فأبيتُم، وقد كتبنا بيننا وبين القوم عُهوداً(...) فقالوا: ذلك ذنب يجب أن تتوب منه، فقال علي: ما هو بذنب ولكنه عجزٌ من الرأي - البداية والنهاية ٧/٩٦١ - ٠٧١ -.
بـعد ذلـك جـاهر الخـوارج بعدائهم لعلي بن أبي طالب »وأسمعوه السَّبَّ والشتم والتـعـريـض بـآيـات مـن القـرآن الكريم - البداية والنهاية: ٧/٠٧١ - ثم تجمعوا في النـهـروان وهـنـالـك انـتـصـر عليهم علي بن أبي طالب. ونـظـراً لمـا لحـقـهـم مـن أضـرار قــرروا قـتـل عـلـي ومـعاوية وعمرو بن العاص، ولم يتمكنوا الا من قتل علي رضي الله عنه.
ثم خاض الخوارج حروباً أخرى مع الأمويين - وليس الخوارج فرقة واحدة وإنما هم عشر فرق: المحكمية، والأزارقة، والشبيبية، والنجدية، والاباضية، والصفرية، والحرورية، والحمزية، والصليدية، والشراة -. وجميع الخوارج يعترفون بالقرآن مصدراً من مصادر الفقه الاسلامي، ويأخذون بسُنّة أبي بكر وعمر، ولكنهم يكفرون عثمان وعلي - التنبيه والرد للمالطي ص: 65 -. وبذلك خالفوا اجماع المسلمين، وأدخلوا في الاسلام ما ليس منه. ولذلك لا نعتبرهم من مدارس أصول الفقه الاسلامي. "السُّنّي"
٣ - فرقة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -.
حينما قُتل الخليفة الثالث أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كانت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها وعن أبيها - في مكة المكرمة تؤدي فريضة الحج ومعها أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكُنَّ »قد خرجن الى الحج في هذا العام فراراً من الفتنة، فلما بلغ الناس أن عثمان قُتِلَ، أقمْنَ بمكة(...) فلما بُويِعَ لعليّ وصار حظُّ الناس عنده بحكم الحال وغلبة الرأي. لا عن اختيار منه لذلك(...) فرّ جماعة من بني أمية وغيرهم الى مكة المكرمة، واستأذنه طلحة والزبير في الاعتمار - أداء العُمرة -، فأذن لهما فخرجا الى مكة وتبعهما خلقٌ كثير، وجمُّ غفير(...) ثم تجهّز ابن عمر وخرج الى مكة(...) فقامت عائشة - رضي الله عنها - في الناس تخطبهم وتحثُّهم على القيام بطلب دمِّ عثمان - رضي الله عنه - وذكّرت ما افتأت به أولئك من قتله في بلد حرام، وشهر حرام(...) فاستجاب الناس لها، وطاوعوها على ما تراه من الأمر بالمصلحة.
وقالوا لها: حيثما سرت سرنا معك(...) وسار الناس صحبة عائشة في ألف فارس من أهل المدينة ومكة ثما صاروا ثلاثة الاف(...) وقصدوا البصرة « - البداية والنهاية ج ٧/ص 218 - 219 -. وفي مربد البصرة دارت المعركة بين أنصارها وأنصار علي بن أبي طالب وسُمِّيت تلك المعركة بمعركة الجمل - نسبة الى الجمل الذي كانت تركبه أم المؤمنين عائشة واسمه عسكر -، وكانت تلك المعركة سنة 36 هـ/ ٦٥٦ م وقد أسفرت عن انتصار جُند عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقُتل في تلك المعركة »نحو من عشرة آلاف(...). وممّن قتل يوم الجمل في المعركة(...) طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام رضي الله عنهما« - البداية والنهاية ٧/٤٣٢ - ٧٣٢ – وهما من العشرة المبشرين بالجنة. وبعد المعركة رُدّت أم المؤمنين الى المدينة. ولما وُلّيَ معاوية بن أبي سفيان الخلافة أكرمها واستنار برأيها السديد. ولم يأمر عليٌّ بن أبي طالب بقتلها لأنه رأى أن اجتهادها أدى بها الى قتاله، مثلما أدى به اجتهاده الى قتال مَن عارضه من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -.
٤ - فريق الحياد: وهو فريق اعتزل الفتنة بكل مراحلها، فرفض هذا الفريق الالتحاق بالجيوش المتصارعة، والتي قاد أحدها علي بن أبي طالب، وثانيها قادته أم المؤمنين عائـشـة، وثـالثها بقيادة معاوية بن أبي سفيان. رض الله عنهم أجمعين
فمن البارزين الذين عارضوا الحروب الاسلامية الداخلية الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، الذي قال لوالده: »يا أبت دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين، ووقوع الاختلاف بينهم. فلم يقبل - عليّ - منه ذلك بل صمم على القتال...« - البداية والنهاية ٧/217 -. ولما »ندَبَ علي أهل المدينة الى الخـروج مـعـه أبوا عليه، فطلب عبدالله بن عمر بـن الخطـاب وحـرّضـه عـلـى الخـروج معه، فقـال: إنمـا أنـا رجـل مـن أهـل المـديـنـة. إن خـرجـوا خـرجـت على السمع والطاعة. ولكن لا أخرج للقتال في هذا العام، ثم تجهز ابن عمر وخرج الى مكة« - البداية والنهاية ٧/218 -.
وعندما وافقت أم المؤمنين حفصة على المسير مع عائشة الى البصرة » منعها أخوها عبدالله من ذلك، ورفض أن يسير معهم الى غير المدينة المنورة...«. كما اعتزل الفتنة عبدالله بن سلام الذي نصح علياً بعدم الخروج من المدينة المنورة. واعتزلها زيد بن ثابت - انظر المراغي، الفتح المبين في طبقات الأصوليين ج ١/ ص: 89 -. وهكذا نجد إن هذا الفريق الحيادي هو أصوب فريق اجتهاداً لأنهم لم يسفكوا دماً، وانما اعتزلوا - تـلك الفتنة التي أثارها المنافقون -، ودفع ثمنها المسلمون دماء بريئة، وتفرقة وتمزّقاً. وما زالت آثار تلك الفتنة ماثلة الى يومنا هذا والدليل على ذلك وجود عدد كبير من الفرق التي تدّعي الاسلام، والانتصار لهذا الفريق وذاك.
ونستطيع القول: ان الذين اعتزلوا الفتنة قد أحسنوا الرأي وأصابوا الاجتهاد وأخطأ الآخرون في اجتهادهم وهم غير معصومين، فذهب المخطئون بأجر واحد وذهب المصيبون بأجرين اثنين.
انتهت فترة الخلفاء الراشدين ومدتها ثلاثون سنة وأسفرت عن بروز مناهج أصول الفقه الاسلامي، وانقسم الناس في العالم الاسـلامـي الـى فـريـقـين رئـيـسـيين فريق تمـسـك بالشريعة الاسلامية وهو الذي ضم أهل السُّنـة والجـماعـة. وفريق ضمّ أهل الأهواء والبدع، وانقسم أتباع فريق الضلال الـى اثـنـتين وسبعين فرقة مُتناحرة مع بعضها.
وأدخلت هذه الفرق في فقهها وأصولها ما ليس من الاسلام في شيء حيث يبرز التأثر واضحاً باليهودية والنصرانية والمجوسية والهـنـدوسـيـة حـيـث ان مـعظم تلك الفرق تـؤمن بالـتـنـاسـخ، وبـعـضـهـا يُقرُّ الاباحية الجنسية، والاشتراكية في المال، وأكثرها يقول بالتقية، ولـذلك لا يمـكـنـنـا الأخـذ بما قـررتـه لأنــه يُنافي الشريعة الاسلامية ويعارض أصول الفقه. وعلى رغم تعدُّد وجهات النظر في عهود الخلفاء الراشدين فإن نواة مدارس أصول الفقه الاسلامي تشكلت في ذلك العهد أي: مرحلة ما قبل التدوين. المدارس في العهد الراشدي برزت في عهد الخلفاء الراشدين نواة طريقة أهل الحجاز، وطريقة أهل العراق في أصول الفقه الاسلامي.
١ - طريقة أهل الحجاز في المدينة المنورة، واستاذها عبدالله بن عمر بن الخطاب - ت 73 هـ/692 م - وتلميذه سعيد بن المسيب - ت 94 هـ/712 م -.
ونَحَتْ هذه المدرسة منحى الأخذ بظواهر الألفاظ، وتوقف أتباعها عند ظواهر النصوص من كتاب وسُنّة. ولم يلجأ هؤلاء الى الأخذ بالرأي الا في حالات نادرة جداً. والنص مُقدّم على العقل عند أتباع طريقة أهل الحجاز.
وانتقد أتباع هذه الطريقة أتباع طريقة الرأي لأنهم يقولون في الدين بآرائهم، ويتجاوزون ما جاءت به النصوص.
* ٢ - طريقة أهل العراق في الكوفة، وهم أهل الرأي الذين اهتموا بالبحث عن علّة الحُكم. لأنهم رأوا أن معظم الأحكام الشرعية معقولة المعنى، وقد شُرعت من أجل مصالح الناس. وكان استاذ هذه الطريقة عبدالله بن مسعود الهُذلي - ت ٣٣ هـ/652 م - ومن تلاميذه عقمة النخعي - ت 62 هـ/ 681 م -. وابراهيم النخعي - ت 96 هـ/ 715 م -. وانتقد أتباع هذه الطريقة، أتباع طريقة أهل الحجاز، وقالوا: إن أتباع طريقة أهل الحجاز لا يشغلون عقولهم، ولا يُفكرون في الاستنباط، ووصفوهم بالجمود عند ظواهر النصوص.
ويمكننا القول: ان الفريقين تأثرا بالعوامل الجغرافية
فالحجاز بقيت على ما كانت عليه في عهد النبوة وما تلاها من أيام الخلفاء الراشدين، وقضاياها لم تتطلب أحكاماً أكثر من تلك التي يُمكن استنباطها من النصوص بكل سهولة. وهذا ما اكتفى به أتباعُ طريقة أهل الحجاز. أما العراق فقد صار مقرّ العاصمة الجديدة الكوفة لأن علياً نقل العاصمة من المدينة المنورة الى الكوفة، وبذلك صار مركزاً للصراع واتسعت قضايا مركز الخلافة مع تنوع السـكـان وتـنـوع مشكلاتهم، ولذلك فإن المقيمين في العراق وجدوا أن إعمال الفكر والرأي ضرورة شرعية تقتضيها الحوادث الطـارئـة.
ولا يمكـننا اعتبار نشوء طريقة الـرأي مـكـرُمة لأهـل العـراق. ولا اعـتـبـار نشـوء طـريـقـة أهل الحديث مَذمّة لأهل الحجاز. ولكننا نرى أن الطريقتين تتكاملان. وهذا ما حصل في العهود اللاحقة، وما سنتحدث عنه في وقـت لاحـق في معرض حديـثـنـا عـن المـذاهــب الاسـلامـيـة الأربعة.
والخلاصة: أسفرت الفتنة عن ظهور ثلاث طوائف: هي
المرجئة الذين قالوا بإرجاء أمر الطائفتين الى يوم القيامة.
والخوارج الذين قالوا: لا حاجة الى الإمام،
والشيعة الذين حصروا الخلافة في علي بن أبي طالب وآل بيته.
وهكذا تنوعت مدارس أصول الفقه الاسلامي قبل التدوين كما تنوعت مدارس علم الكلام أيضاً إذ أن مسألة الخلافة من مسائل أصول الدين الذي دُوِّن في ما بعد. د. محمود السيد الدغيم٭ زميل باحث في مركز الدراسات الاسلامية، كلية الدراسات الشرقية والافريقية، جامعة لندن - ساواس -. 19666 - الحياة -...........عام - العنوان: من تاريخ أصول الفقه الاسلامي قبل التدوين . الاجتهاد في الخلافة
****
سلسلة تاريخ أصول الفقه الإسلامي
تاريخ أصول الفقه-1/7 |
تاريخ اصول الفقه-2/7 |
تاريخ أصول الفقه-3/7 |
تاريخ أصول الفقه-4/7 |
تاريخ أصول الفقه-5/7 |
تاريخ أصول الفقه-6/7 |