العنوان: تركيا في عصر العلمانية. من الجمهورية الاتاتوركية الى حكومة أربكان الكاتب: محمود السيد الدغيم
الواصفات: جريدة الحياة العدد: 12012 “الصفحة: 18
13 -01 -1996م/ 22 -08 -1416هـ
استقبل الرئيس التركي سلــيمان ديميريل يوم الثلثاء 10 /1 /1996 زعــماء الاحـزاب التي فازت بمقاعد البرلمان في الانتخابات الأخيرة، واستمع للجميع، وبعد انصرافهم عقدوا مؤتمرات صحافية »نارية« ضد حزب الرفاه، لكن زعـيم الرفاه قال »أيدينا ممدودة لكل مؤمن بالله حريص على مصـلحة الوطن« . وفي اليوم نفسه كلف الرئيس التـــركي نجم الدين اربكان تشكيل الحكومة التركية . وبعد التكليف صرّح »الخوجة« اربكان »ان تشـــكيل الحكومة لن يخضع لحــسابات الربح والخسارة بالمنظور السياسي الضيق، وانما ستشكل حسب مقياس التعاون والجدارة والكفاءة والايمان وحب الوطن« . وقال : »سبق لنا الائتلاف مع الأحزاب الأخرى في حكومات سابقة« وتلك اشارة الى ائتلافه مع كل من ديميريل وأجاويد، وأبدى استعداداً للتعاون مع الأخيار . بعد تكليف اربكان بدأ التصدع في حزب بولنت أجاويد، حيث انسحب أحد نواب حزبه الجدد في مدينة أضـنة ليصبح عدد نوابه 75 بدلاً من 76 نائباً . ويرجح ان تستمر ظاهرة انشقاق الأحزاب عن نوابهم خصوصاً الاحزاب التركية التي لم تطرح مشروعاً لحل الأزمات التي تعاني منها البلاد . ويُرجح المراقبون ان تُشكل الحكومة بائتلاف بين حزب الرفاه وحزب الوطن الأم، وإذا رفض مسعود يلماظ الائتلاف فإنه سيخسر أكثر من نصف نواب حزبه الذين سيلتحقون بحزب الرفاه، وآنذاك سيجد نفسه ضعيفاً أمام تانسو تشيلر . لذلك تقضي مصالحه أن يوافق على الائتلاف مع حزب الرفاه . ويتوقع أن يمارس الرئيس ديميريل ضغوطاً على تشيلر كي تدخل في الائتلاف على رغم أنها صرحت بعد تكليف اربكان عن عدم رغبتها بالائتلاف، كذلك لم تُعرب عن استعدادها للتعاون بعد لقاء اربكان يوم الخميس 11 /1 /1996 . هذا يعني ان حزب الطريق الصحيح معرض للتقسيم بين رئيسه العريق المخضرم سليمان ديميريل، ورئيسته الحديثة تشيلر، ولا يستبعد تعاون جناح الرئيس ديميريل مع حزب الرفاه . ويرجح أن يشكل »الخوجة« نجم الدين، كما يلقب، الحكومة، وسيخوض معركة نيل الثقة في البرلمان، وفرص النجاح والفشل متساوية . وإذا لم تنل الحكومة ثقة الأكثرية، سيكلف الرئيس سليمان ديميريل شخصاً آخر ليشكل الحكومة . وفرص نجاح تلك الحكومة تشابه فرص نجاح حكومة الرفاه الائتلافية . وإذا فشل السياسيون في تشكيل الحكومة، وانقضت مدة 45 يوماً، واستمرت حكومة تشيلر المستقيلة بتسيير شؤون البلاد، واستمر التدهور الاقتصادي، فلا يستبعد أن يتحرك العسكر الذين سيغتالون الديموقراطية، أو توجه الدعوة الى انتخابات مبكرة لكسر توازن القوى . عهد أتاتورك “1923 - 1938 “ تم اسقاط السلطنة العثمانية اقتصادياً قبل اسقاطها عسكرياً، فعندما سمحت للبنوك الاجنبية بالنشاط الربوي الى جانب البنوك المحلية، أصبحت ضحية الربا حين اخذت فوائد القروض تمتص الدخل القومي وأصبح من الصعب تأمين ما تحتاجه البلاد . وجاءت الحرب العالمية الأولى فأطلقت رصاصة الخلاص على الخلافة باعتبارها آنذاك رأس العالم الاسلامي . هكذا حلّ النظام الجمهوري محل النظام السلطاني، في 26 /10 /1923 وحلت العلمانية محل الخلافة في 3 /3 /1924 وتمت صياغة الدستور سنة 1924، بشكل يحمي كل أنواع الإلحاد والعلمانية، وطرأت على الدستور الجمهوري تعديلات كثيرة صبت في صالح التيار المعادي للاسلام من دون ان تؤذي غيره . أصدر أتاتورك قانون القيافة “تحديد نماذج الألبسة “ في 25 /12 /1925، وفرض على الأتراك خلع الطرابيش واعتمار أغطية الرؤوس الأوروبية “برنيطة - شابقا - قلنسوة - سيدارة - بيريه الخ . . . “ وفرضت ربطة العنق وألغي غطاء رأس المرأة، وشُجع السفور المخل بالأدب وامتلأت السجون بالذين رفضوا الأزياء الأوروبية وتمسكوا بالأزياء الاسلامية . وفي سنة 1926 حلت القوانين الأوروبية محل القوانين الاسلامية . وفي سنة 1928 حلت الحروف اللاتينية محل الحروف العثمانية - العربية . وفي سنة 1935 ألغيت عطلة يوم الجمعة الاسبوعية، وصارت العطلة في يومي السبت والأحد . وعُدل الدستور سنة 1937 . وبموجب المادة الثانية من ذلك التعديل حددت هوية تركية جديدة بالنص : »إن الدولة التركية هي جمهورية وقومية ودولية وعلمانية وإصلاحية« . وهكذا تم تشويه صورة تركيا بسن قوانين غير شرعية، وتمت محاسبة المواطنين وإنزال أقسى العقوبات بحقهم بدعوى خرقهم للقوانين والدستور . موت أتاتورك وبروز اينونو لفظ مصطفى كمال أتاتورك آخر أنفسه في الساعة التاسعة وخمس دقائق في 10 /11 /1938 في قصر دولما باغجة في اسطنبول . وفي 11 /11 /1938 صار عصمت اينونو رئيساً للجمهورية التركية، ودخل الشعب التركي في صراع أكثر حدة مع العلمانية الجديدة في عهد اينونو ما أجبر عدداً من نواب حزب الشعب الاتاتوركي الحاكم على اعلان معارضتهم للقوى الرامية الى إلغاء الاسلام، وتجلى موقف أولئك النواب في خطاباتهم في 24 /12 /1946 حين طالبوا بحرية التعليم الديني . واحتدت المعركة بين نواب الحزب الحاكم فانقسموا الى قسمين . وبعد جدال نيابي ونضال شعبي أقرت الدولة التركية تدريس التعليم الديني بمعدل ساعتين في الأسبوع . وكان ذلك في مطلع سنة 1949 . جسّد حزب الشعب الحاكم العلمانية في مؤتمر السابع في 2 /12 /1947 حين قرر : »ان الحزب يُعد جميع القوانين منسجمة مع مقتضيات المدنية الحديثة . ومطلوب منع الأفكار الدينية من التسلل الى الشؤون العلمانية في سياسة الحكومة، لأن العلمانية هي العامل الأساسي لتحقيق التقدم والتطور والنجاح . فالحزب لا يقبل الخرافات التي خدرت الشعب عدة قرون تحت ستار الدين . فرجع الشعب الى الوراء وتخلف« . بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية برزت المعارضة التركية وأجبرت حكومة الحزب الحاكم “حزب الشعب “ قبول تعدد الأحزاب سنة 1946 اذ صدر القانون الانتخابي الذي أتاح لأكثرية الشعب التركي المشاركة باختيار النواب . ومع ذلك أعيد انتخاب اينونو رئيساً في 5 /6 /1946 . تمزق الحزب الحاكم تململ النواب من تسلط الأتاتوركية في عهد اينونو وبرزت كتلة »الأربعة« المعارضة، بزعامة نائب أزمير محمود جلال بايار، وعدنان مندريس نائب ولاية آيدن، والبروفسور فؤاد كوبريلي نائب قارص، ورفيق كور آلطان نائب ايتيل . وطُرحت أفكارهم في مؤتمر الحزب الحاكم في نهاية سنة 1945، ثم استقالوا من حزب الشعب الجمهوري “العلماني “، وفي 7 /1 /1946 أعلنوا تأسيس الحزب الديموقراطي، وبرز تفكك الحزب الحاكم فقرر تقديم موعد الانتخابات الى 21 /7 /1946 بدلاً من سنة 1947 خشية ازدياد نفوذ الحزب الديموقراطي مع تقدم الزمن . وأسفرت تلك الانتخابات عن نجاح 404 نواب من حزب الشعب الحاكم و61 نائباً من الحزب الديموقراطي المعارض، فانتقلت المعارضة الى داخل البرلمان التركي، وزالت هيبة الحزب الحاكم فلجأ الى تكليف المتطرف رجب باكير بتشكيل حكومة في آب “اغسطس “ 1946 . وبدأ بسن القوانين التعسفية ما حول البلاد الى ساحات دموية تحت ستار القوانين الوضعية، ما أدى الى التفاف الشعب حول الحزب المعارض، وانشقاق 47 عضواً من نواب الحزب الحاكم وانضمامهم الى المعارض . وإزاء ذلك الوضع تدخل الرئيس اينونو لدعم الحزب الحاكم لكنه فشل فاستقالت الحكومة وحلت في 10 /9 /1947 محلها حكومة موقتة برئاسة حسن سقا، سقطت ايضاً في 16 /1 /1949 . واحتج العلمانيون من النواب على تردد حزبهم فانفصلوا عنه وشكلوا »الحزب الوطني« ويضم ثلاثين نائباً وترأس ذلك الحزب الماريشال فوزي جاقماق . تشكلت حكومة جديدة برئاسة شمس الدين غون ألطاي في 23 /1 /1949، وبعد صراع عنيف بين الأحزاب وافقت الحكومة على وضع قانون انتخابي جديد في 15 /2 /1950 . حملة انتخابية في ظل تعدد الاحزاب طرحت انتخابات 14 /5 /1950 أفكاراً جديدة حين دعا الحزب الديموقراطي علناً الى إلغاء العلمانية وإحياء نظام الحكم الاسلامي . ودعا حزب الشعب الحاكم الى تطبيق الاصلاح الزراعي، وتحرير القطاع الخاص، ووعد باعطاء المزيد من حرية التعبير والديموقراطية . وهكذا نجد ان حزبي المعارضة ركزا على احياء الهوية الاسلامية التركية . واسفرت الانتخابات عن مفاجأة تركية حين حصل الحزب الديموقراطي المعارض على 403 مقاعد من مجموع 482 مقعداً . وحصل حزب الشعب الجمهوري الحاكم على 69 مقعداً، وحصل المستقلون على 9 مقاعد وحصل الحزب الوطني المعارض على مقعد واحد فقط . وخسر الحزب الحاكم مكانته بعد 27 سنة من التسلط والاستبداد شكل خلالها 19 وزارة ترأسها ثمانية أشخاص هم علي اوكيو “وزارتان “ عصمت اينونو “سبع وزارات “ محمود جلال بايار “وزارتان “ رفيق صيدام “وزارتان “ شكري سراج أوغلي “وزارتان “ حسن سقا “وزارتان “ رجب بكر “وزارة واحدة “ وشمس الدين غون الطاي “وزارة واحدة “ . وبسقوط الحزب الحاكم سقط عصمت اينونو، وريث اتاتورك، وطويت صفحة الجمهورية الديكتاتورية، وفتحت صفحة الجمهورية النيابية . الجمهورية النيابية انتخب محمود جلال بايار رئيساً للجمهورية التركية، فكلف عدنان مندريس برئاسة الوزارة فشكلها في 22 /5 /1950 وتكونت من 23 وزيراً، وبدأ تراجع النفوذ الانكليزي ليحل محله النفوذ الاميركي بشكل محدود . وأعاد مندريس تشكيل الحكومة في 9 /3 /1951، وبعد ذلك دخلت في الحلف الاطلسي، وبرز صراع المصالح الخارجية على الساحة التركية فدعم الانكليز حزب الشعب الجمهوري ودعمت الولايات المتحدة الحزب الديموقراطي . وأعاد مندريس تشكيل الحكومة مرة ثالثة في 17 /5 /1954 فأعادت تدريس التربية الاسلامية وأعلن مندريس »ان تركيا دولة مسلمة وستبقى مسلمة« ثم شكل الوزارة الرابعة في 9 /12 /1955 فحلت حزب الشعب الجمهوري المعارض وزجت أقطابه في السجون . تأسس حزب الحرية الذي انفصل نوابه عن الحزب الديموقراطي سنة 1955، وبعدما حُلّ حزب الشعب الجمهوري غير اسمه وظهر باسم جديد هو الحزب القومي الجمهوري، وظهر حزب الفلاحين الجمهوري ثم اندمجت الاحزاب الثلاثة المعارضة في جبهة واحدة وخاضت انتخابات سنة 1957 ففشلت ونجح الحزب الديموقراطي . وشكل عدنان مندريس الوزارة في 25 /11 /1957، وسمحت الحكومة الجديدة بتلاوة القرآن الكريم في الاذاعة التركية بعدما كانت التلاوة محظورة حتى ذلك التاريخ، وافتتحت كلية الإلهيات “الشريعة “ وفتحت العديد من المدارس الشرعية المسماة مدارس الأئمة والخطباء ورخص لمعاهد تحفيظ القرآن الكريم “قرآن كورسو “، وبدأ الاعداد لانتخابات جديدة غير ان الجيش التركي قلب الأوضاع بانقلاب 27 /4 /1960 بقيادة الجنرال جمال غورسيل . وطويت صفحة الحزب الديموقراطي بشكل دموي بعدما حكم عشر سنوات تقريباً شكل خلالها عدنان مندريس خمس وزارات، وترأس الجمهورية الرئيس محمود جلال بايار . شكل العسكر محكمة صورية أعدمت المرحوم عدنان مندريس، ووزير الخارجية فاتن رشدي زورلو، ووزير المالية حسن بولادقان، وحكم على الرئيس محمود جلال بايار بالسجن المؤبد، وتم تسريح خمسة آلاف ضابط من رتبة جنرال حتى رتبة مقدم تحت شعار تنقية الجيش من الأصوليين، وأقالوا 147 استاذاً من أساتذة الجامعات . ويذكر ان الكولونيل آلب ارسلان توركيش تلا البلاغ الانقلابي رقم واحد باعتباره أمين عام مجلس قيادة الثورة للقوات التركية المسلحة، وهو من التيار القومي الطوراني العلماني “ولد في قبرص سنة 1917 “ . العسكر يعيدون العلمانية تولى قائد الانقلاب الجنرال جمال غورسيل رئاسة الحكومة، وأعاد غورسيل تشكيل الحكومة مرة ثانية في ٥ /١ /١٦٩١ . وبدأ الإعداد لانتخاب جديد بغية إعادة العلمانية إلى هرم السلطة بشكل دستوري . وسمح بتشكيل أحزاب فظهر حزب العدالة بزعامة الجنرال غوموش بالا ١٦٩١ . وتم اجراء انتخابات ١٦٩١ ونال حزب الشعب الجمهوري ٣٧١ مقعداً “٧،٦٣ في المئة “ وحصل حزب العدالة على ٨٥١ مقعداً “٧،٤٣ في المئة “ . وورث حزب العدالة الحزب الديموقراطي وحزب تركيا الجديدة “٥٦ مقعداً “ وحزب الفلاحين “٤٥ “ . وبناء على الانتخابات المفبركة شكل عصمت اينونو الوزارة الائتلافية في ٠٢ /١١ /١٦٩١ . وكانت تلك الوزارة ثامن وزارة برئاسة اينونو، فاتجه نحو الولايات المتحدة وغير موقفه وتأييده للانكليز . وصدر الدستور التركي الجديد في مطلع سنة ٢٦٩١، فنص على »ان تركيا جمهورية وطنية علمانية اشتراكية تقوم على مراعاة حقوق الانسان وسيادة القانون، وتديرها جمعية وطنية كبرى مؤلفة من مجلس النواب المكون من ٠٥٤ نائباً ينتخبون كل أربع سنوات، ومجلس الشيوخ المكون من ٤٨١ عضواً، ٠٥١ منهم منتخبون و٥١ عضواً معينون من قبل رئيس الجمهورية، يضاف إليهم اعضاء لجنة الاتحاد الوطني وهم ٩١ عضواً . وتدوم عضوية مجلس الشيوخ ٦ سنوات، ويجدد خلالها باستمرار حيث يتم انتخاب ٠٥ عضواً كل سنتين ليحلوا محل خمسين عضواً من الاعضاء المنتخبين المئة والخمسين . ونص الدستور على انتخاب الرئيس لمدة سبع سنوات من قبل الجمعية الوطنية الكبرى المكونة من مجلسي الشعب والشيوخ، على أن يفوز بثلثي الأصوات في دورة الانتخابات الأولى والدورة الثانية، وبالأكثرية المطلقة في الدورات التالية أي ٨١٣ صوتاً فما فوق، ويشترط ان يكون المرشح للرئاسة من الاعضاء المنتخبين . يلاحظ ان اينونو ادخل في وزارته تلك بولنت أجاويد كوزير للعمل، ثم شكل عصمت اينونو وزارة ائتلافية ثانية من حزبه وحزب الفلاحين الجمهوري في ٥٢ /٦ /٢٦٩١ فأبقى أجاويد في وزارة العمل . وجرت انتخابات في سنة ٣٦٩١ ففاز حزب العدالة، ومع ذلك كلف غورسيل اينونو بتشكيل الوزارة، فشكل وزارة أقلية من حزبه في ٥٢ /٢١ /٣٦٩١ وأبقى أجاويد وزيراً للعمل، وبدأ التنافس بين حزب العدالة المعارض وحزب الشعب الجمهوري الحاكم، وترتب على ذلك اجراء انتخابات نيابية مبكرة، فاستقالت حكومة الأقلية في ٠٢ /٢ /٥٦٩١ . وتشكلت حكومة اشرفت على الاعداد للانتخابات برئاسة عضو مجلس الشيوخ سعاد خيري أوركويلو الذي شكل حكومة تضم مختلف التيارات . أصبح ديميريل نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزير دولة، وأقصي أجاويد عن وزارة العمل وحل محله احسان صبري . اجريت الانتخابات وفاز حزب العدالة بأكثرية النواب “٣٥ في المئة “ فاستقالت الوزارة وشكلت وزارة جديدة برئاسة رئيس الجمهورية الحالي ديميريل، واعلن اسماء وزارته في ٧٢ /٠١ /٥٦٩١ وأثناء ذلك مرض الرئيس غورسيل فاعتزل السياسة ومات سنة ٦٦٩١، وحل محله جودت صوناي . وجرت في سنة ٩٦٩١ انتخابات اسفرت عن فوز حزب العدالة بأكثرية بلغت نسبتها ٦٤ في المئة . وشكل الرئيس ديميريل وزارة جديدة في ٣ /١١ /٩٦٩١، ونتيجة لضغوط العسكر استقال في ٦ /٣ /١٧٩١، لكن الرئيس جودت صوناي كلفه بتشكيل وزارة جديدة لكن الانشقاقات بدأت في حزبه حين انفصل عنه وزير الداخلية آنذاك فاروق سوكان ووزير الصناعة محمد تورغوت ووزير المواصلات فروخ بوز بايلي . واعيد تشكيل الحزب الديموقراطي فانضم إليهم يوكسيت مندريس نجل المرحوم عدنان مندريس، وابنة جلال بايار نيولفر غورصوي بايار . فقوي الحزب وضعف حزب العدالة، فضغط العسكر على ديميريل وأقالوه في ٢١ /٣ /١٧٩١ فبقيت البلاد من دون وزارة ٤١ يوماً ثم شكلت وزارة ائتلافية من حزب العدالة وحزب الشعب الجمهورية والحزب الديموقراطي . وترأس الوزارة نهاد ايريم، غير أن حزب العدالة انسحب من الائتلاف بعد ٩ أشهر فسقطت الحكومة . وشكل نهاد ايريم وزارة جديدة في ١١ /٢١ /١٧٩١ وأصبح حزب العدالة في خانة المعارضة الصامتة . ولد حزب الثقة الجمهوري بزعامة طورهان فيضي أوغلي الذي انفصل عن حزب الشعب الجمهوري، الذي كان يتزعمه بولنت اجاويد حينذاك، ونشأ حزب جديد هو حزب النظام الوطني الاسلامي الواضح في توجهه الاسلامي في كانون الثاني “يناير “ 1971 أسسه نجم الدين ارباكان الذي أصبح نائباً عام 1969 بعد فوزه الكاسح في مدينة قونيا . وبعد سنة عقد الحزب مؤتمره السنوي الأول فقام ضده العلمانيون فاتحد حزب تركيا الجديدة بزعامة مع تحسين بانكو أوغلي، مع حزب الثقة بزعامة فيضي أوغلي، وحزب الأمة بزعامة عثمان بُلُك باشي، شكلوا حزب الثقة والأمة بزعامة طورهان فيضي أوغلي . وخشي العسكر انتصار الاتجاه الاسلامي فحلوا حزب النظام الوطني في نيسان “ابريل “ سنة 1971 وكان مضى على تأسيسه 16 شهراً . وتم تكليف فريد بن محمد مدحت ملان تشكيل وزارة جديدة في 22 /5 /1972 . انتهت مدة الرئيس جودت صوناي ورشح العسكر رئيس الأركان فخري كور تورك ونجحوه، فأقال الحكومة في 15 /4 /1973، وكلف محمد نعيم بن نظام الدين طالو تشكيل حكومة جديدة وجرت الانتخابات في 14 /10 /1973 فأسفرت عن نجاح 7 أحزاب : حزب الشعب الجمهوري بزعامة بولنت اجاويد نال 189 مقعداً وهو أقدم الاحزاب، حزب العدالة بزعامة سليمان ديميريل نال 141 مقعداً، حزب السلامة الوطني بزعامة نجم الدين ارباكان وقام مقام حزب النظام الوطني الملغى في 11 /10 /1972 ونال 49 مقعداً، الحزب الديموقراطي “حزب مندريس سابقا “ نال 40 مقعداً، زب الحركة القومي الطوراني بزعامة آلب ارسلان توكيش وهو حزب التناقضات فهو قومي وإسلامي وطوراني وفاشستي نال 13 مقعداً، حزب الثقة ونال 12 مقعداً، المستقلون نالوا 6 مقاعد . أدخلت نتائج الانتخابات تلك البلاد في مأزق سياسي اذ لم يستطع أي تشكيل وزارة أقلية أو وزارة ائتلافية فبقيت تركيا مئة يوم من دون وزارة . وقامت الوزارة المستقبلية تسير أمور البلاد . بعد تلك الفترة قام ائتلاف بين حزب الشعب الجمهوري بزعامة اجاويد وحزب السلامة الوطني بزعامة ارباكان فشكلا وزارة نالت ثقة 238 نائباً وعارضها الآخرون . صار اجاويد رئيساً للحكومة وحظي حزبه بـ 18 حقيبة وزارية بينما نال حزب السلامة منصب نائب رئيس الحكومة “ارباكان “ الى تسع حقائب . وحظى كوركوت أوزال بحقيبة وزارة الزراعة والثروة الحيوانية . وأهم ما قام به نائب رئيس الحكومة ارسال الجيش للقسم الشمالي من جزيرة قبرص بعدما اعتدى القبارصة اليونان على المسلمين في الجزيرة، فارتفعت اسهم حزب السلامة وزعيمه اربكان . وخشية ازدياد تقدم حزب السلامة تخلى اجاويد عن الائتلاف فقدم اربكان استقالته من الحكومة فسقطت . وكُلِّف سعدي ايرماق تشكيل حكومة في 17 /11 /1974 لكنها سقطت بعد أقل من خمسة أشهر في 31 /3 /1975 . وكلف رئيس الجمهورية فخري ثابت كورتورك زعيم حزب العدالة ديميريل تشكيل وزارة جديدة فلجأ الى اربكان، وشكل حكومة ائتلافية من حزب العدالة وحزب السلامة وحزب الحركة القومي بزعامة توركيش وحزب الثقة الجمهوري بزعامة طورهان فيضي أوغلي، وحصلت الوزارة على ثقة ٥١٢ نائباً . وكانت وزارة أقليات له ثلاثة نواب “وزراء الدولة “ هم اربكان، وفيضي أوغلو، وتوركيش، الى ٢٣ حقيبة وزارية . وتكونت المعارضة من حزب الشعب الجمهوري ٩٨١ نائباً، والحزب الديموقراطي ٠٤ نائباً . غير ان الحزب الديموقراطي انقسم الى جناحين أحدهما متدين التحق بحزب السلامة، والآخر علماني التحق بحزب الشعب . وازاء المعارضة تم تقديم موعد الانتخابات العامة ثلاثة أشهر، واستقالت حكومة ديميريل في ١٢ /٦ /٧٧٩١، فتم تكليف أجاويد تشكيل وزارة لم تستمر سوى شهر واحد حين تم تكليف ديميريل تشكيل وزارة جديدة شكلها في ١٢ /٧ /٧٧٩١ وتحالف مع حزب السلامة الوطني وحزب الحركة القومي، فصار له نائبان هما اربكان وتوركيش، وعين سليمان عارف عمره المعروف بتدينه وزيراً للدولة، وكوركوت أوزال وزيراً للداخلية . وتحت ضغط العسكر استقالت حكومة ديميريل في ٥ /١ /٨٧٩١، وعهد بتشكيل الوزارة الى أجاويد فشكلها من اعضاء حزبه والمنشقين من حزب الثقة الجمهوري، ومن الحزب الديموقراطي . فاستمرت الحكومة ١١ شهراً واستقالت في ٢١ /١١ /٩٧٩١، وكلف ديميريل فشكل الوزارة مرة سادسة . وكانت وزارته الجديدة ضعيفة لكنها سمحت بهامش عريض للحرية ما دفع العسكر الى التدخل وتنظيم انقلاب عسكري بقيادة الجنرال كنعان افرين في ٢١ /٩ /٠٨٩١ . أقام الانقلابيون »محاكم تفتيش« وبلغ عدد المعتقلين ٠٣ ألفاً وعلى رأسهم اربكان وأحيل مع ٣٣ شخصاً من قيادات حزب السلامة الى المحكمة العرفية العسكرية في ٤٢ /٤ /١٨٩١ فطلبت لهم النيابة العامة أحكاماً تتراوح ما بين ٤١ و٦٣ سنة سجن وتم حل الاحزاب . أمر كنعان افرين صائم بولانت أولصو مستشار وزير الدفاع بتشكيل وزارة في ١٢ /٩ /٠٨٩١ فعين الراحل تورغوت أوزال نائباً لرئيس الوزراء، وكا ن اوزال سابقاً من اعضاء حزب السلامة . غير ان اوزال استقال من الوزارة في ٤١ /٧ /٢٨٩١ بعدما تشكيله حزب الوطن الأم . وأسس اللواء المتقاعد تورغوت صون آلب الحزب الديموقراطي، وأسس نجدت جالب الحزب الشعبي . وخاضت تلك الاحزاب انتخابات سنة ٣٨٩١ بعد ان عدل قانون الانتخابات ولم يعد بامكان الاحزاب دخول البرلمان الا اذا حصلت على نسبة عشرة في المئة من مجموع أصوات الناخبين، وما زال ذلك التعديل ساري المفعول حتى الآن، ومنع الانقلابيون زعماء الاحزاب السابقة من ممارسة النشاط السياسي وفاز حزب الوطن الأم بالاكثرية ٥١ .٥٤ في المئة ما حقق له الحصول على ١١٢ مقعداً في البرلما ن فشكل أوزال الوزارة في ٣١ /٢١ /٣٨٩١ . وعين مسعود يلماز زعيم حزب الوطن الأم الحالي وزيراً للدولة وحصلت انتخابات البلديات في ٧٢ /٣ /٤٨٩١ فنال حزب الرفاه ٣ .٤ في المئة وترأس ٧ بلديات، ثم جرت الانتخابات في ٩٢ /١١ /٧٨٩١ ففاز حزب الوطن الأم بنسبة ١٣ في المئة فشكل أوزال وزارة ثانية في ١٢ /٢١ /٧٨٩١ وصار مسعود يلماز وزيراً للخارجية، ويوسف أوزال وزير دولة . ازاء تلك التقلبات فرط حزب الشعب الديموقراطي، وتمزق حزب الشعب الاشتراكي الى جناحين ترأس أحدهما آيدن كون كوركان، تحت اسم حزب الشعب الاشتراكي الذي آلت زعامته الى اردال بن عصمت اينونو، وعُرف الجناح الثاني باسم حزب الاشتراكي الديموقراطي بزعامة أجاويد . وعادت الاحزاب المحظورة فأسس ديميريل حزب الطريق الصحيح محل حزب العدالة، وأسس اربكان حزب الرفاه محل حزب السلامة، وأسس آلب ارسلان توركيش حزب الحركة القومي . وخاضت الاحزاب الانتخابات البلدية في ٨٨٩١، فحاز حزب الشعب الاشتراكي بقيادة اردال اينونو بـ ٣٣ في المئة، وتلاه ديميريل “حزب الطريق الصحيح “ ٦٢ في المئة، وحصل حزب الوطن الأم الحاكم بزعامة اوزال ١٢ في المئة، ونال حزب الرفاه ٩ في المئة، وحصل الحزب الاشتراكي الديموقراطي بزعامة أجاويد على ٨ في المئة . وفي سنة ١٩٩١ اصبح الراحل اوزال رئيساً للجمهورية وحصلت آنذاك انتخابات محلية فنال حزب الرفاه ٠٩ .٦١ في المئة ونال حزب الطريق الصحيح ٤٠ .٧٢ في المئة ونال حزب الوطن الأم ١٠ .٤٢ في المئة . ونال الحزب الشعبي الديموقراطي الاشتراكي بزعامة اردال اينونو نسبة ٥٧ .٠٢ في المئة . ثم حصلت الانتخابات البلدية في ٧٢ و٨٢ نيسان “ابريل “ سنة ٤٩٩١ في ظل حكومة تشيلر الائتلافية مع نائب رئيسة الوزراء اردال اينونو . وخاض تلك الانتخابات ٣١ حزباً، واسفرت عن فوز المستقلين برئاسة ٦١ قضاء وبلديات ٧٢ بلدة . وفشلت احزاب الملة، والحزب الديموقراطي الجديد، وحزب العمال، وحزب الوحدة في احراز اي بلدية . وفاز الحزب الديموقراطي بزعامة آيدن مندريس برئاسة قضائية وأربع بلدات، وفاز حزب اليسار الديموقراطي بزعامة أجاويد وزوجته رهشان برئاسة ٨ أقضية و٤١ بلدية، أما حزب الوحدة الكبير بزعامة محسن يازجي فاز برئاسة ٦ أقضية و٥ بلديات، وحصل حزب الحركة القومي بزعامة آلب آرسلان على ١١ .٨ في المئة، ونجح في رئاسة ٧ محافظات و٧٥ قضاء و٥٥ بلدية . وهكذا حصلت الاحزاب التي ذكرنا مع المستقلين على نسبة ٣٦ .٦١ في المئة من اصوات انتخابات رئاسات البلديات . لم تنل الأحزاب المذكورة أعلاه سوى نسبة 11.30 في المئة من الأصوات سنة 1991، ووصولها الى نسبة 16.63 في المئة سنة 1994 يعني انها تقدمت لكنها لم تصل نحو القمة . أسفرت انتخابات 1994 عن تراجع حزب الطريق الصحيح الحاكم حين نال 21.50 في المئة متراجعاً عن 27.04 في المئة سنة 1991 بخسارة 5.54 في المئة . وتراجع حزب الوطن الأم الى 21.01 في المئة بعدما نال 24.01 في المئة سنة 1991 . وتراجع حزب الشعب الديموقراطي الاشتراكي برئاسة اردال اينونو الى نسبة 13.65 في المئة بدلاً من 20.75 في المئة سنة 1991، فخسر 7.1 في المئة . وبلغت نسبة ما ناله حزبا الائتلاف الحاكم طانسو اينونو 35.15 في المئة فتراجعا عن نسبة 47.79 في المئة سنة 1991 .اعتبر المراقبون حزب الرفاه م نتصراً في انتخابات البلدية 1994 حين حصل على 19.10 في المئة صاعداً من نسبة 16.90 في المئة سنة 1991، وسجل انتصاراً بفوزه برئاسة ست بلديات كبرى، بينما نالت الأحزاب الباقية رئاسة ثماني بلديات كبرى . وعلى مستوى بلديات مراكز الولايات فاز الرفاه برئاسة 22 بلدية بينما فازت باقي الأحزاب برئاسة 27 بلدية فقط من بلديات مراكز الولايات . اعتبر المراقبون انتصار الرفاه في انتخابات 1994 مقدمة واضحة لما ستسفر عنه الانتخابات النيابية وتكهن معظمهم بفوزه لذلك تحركت الأحزاب العلمانية لتطويق الرفاه وتكتلت الأجنحة الثلاثة ضد اربكان . لكن نتائج انتخابات 24 /12 /1995 خيبت آمالهم فاحتل الرفاه المرتبة الأولى . 9248 “جريدة الحياة “ . . . . . . . . . . .عام “العنوان : تركيا في عصر العلمانية . من الجمهورية الاتاتوركية الى حكومة أربكان