(العنوان: قضية البوسنة تتأرجح بين خطط التقسيم والعناد الصربي  . لماذا هددت الأمم المتحدة بسحب قواتها ؟) (الكاتب:محمود السيد الدغيم)(ت .م:26-08-1994)(ت .هـ:19-03-1415(الحياة : العدد:11513) (الصفحة:7)

 

انصرم شهر تموز (يوليو، ٤٩٩١ حاملاً معه قرارات اقليمية ودولية شكلت ملهاة ضمن اطار مأساة البوسنة - الهرسك . وأبرز اللجان كانت »لجنة مجموعة الاتصال الدولية« التي تمثل اميركا وروسيا والمانيا وبريطانيا وفرنسا، فعقدت اجتماعاً دولياً في جنيف، وخرجت بقرار يحرم مسلمي البوسنة حق التصرف بما نسبته ٩٤ في المئة من أراضيهم التي تمنح للصرب، وتشرك معهم الكروات بما نسبته ١٥ في المئة من البوسنة . وافق المسلمون على خطة التقسيم ادراكاً منهم لضعف العالم الاسلامي، وما يبيته لهم العالم الغربي لكي ينقضّ عليهم . وفي خطوة اعلامية ترمي الى تحذير الرأي العام العالمي هدد الحلف الأطلسي، ومن خلفه الأمم المتحدة بقيادة بطرس غالي بضرب من يرفض خطة التقسيم . وأسفرت الخلوات المركزية والجانبية عن وضع صربيا »الكبرى« بقيادة سلوبودان ميلوشيفتش، أمام خيارين، فإما رفع الحظر عن »يوغوسلافيا - صربيا« المشروط بالاعتراف بالخطة الجديدة (٩٤ - ١٥، او استمرار الحظر ومضاعفته اذا لم تؤيد صربيا »الخطة الدولية« . ورفع الستار عن زيارة وزير الخارجية الروسي اندريه كوزيريف الى بلغراد، وأعقب ذلك خلاف ظاهري بين صربيا الأم (بلغراد، وصربيا البنت (بالي، وبدأت مسحات التجميل لتزيين وجه ميلوشيفتش الذي لا يقل اجراماً عن طيفه رادوفان كاراجيتش رئيس صرب البوسنة . وشيئاً فشيئاً أصبح ميلوشيفتش حمامة سلام في ربوع البلقان الدامي . زمّر وطبّل المرجون للسلام وضخموا الخطوات التي اتخذتها بلغراد كقطع خطوط الاتصالات الهاتفية، علماً ان الاتصالات تتم بالأجهزة اللاسلكية، والخطوط التي تحدثوا عن قطعها لم تكن موجودة بالأصل منذ بداية الحرب . واثنى الداعون الى مسامحة مجرمي الحرب وضخموا تصريحات المتطرفين الصرب . تداخلت التيارات الدولية والاقليمية في خضم قضية البوسنة منذ بداية اندلاع الأزمة، وبما ان المصالح تقود السياسة فقد تنوّعت المواقف وتباينت الآراء وتناقضت القرارات، وحلّت خطط التقسيم محل بعضها . ونقدِّم هنا عرضاً للمواقف من بداية شهر آب (اغسطس، ٤٩٩١ وحتى ٩١ منه . عبرت الحدود المقدونية الصربية باتجاه صربيا المفترض انها محاصرة دولياً خلال الأسبوع الأخير من شهر تموز الماضي ٨١٠١ شاحنة و٨٤١ قطار بضائع وجميعها محملة بما يطلبه الصرب من مواد ضرورية تساعدهم على مواصلة العدوان . ومعظم هذه المواد منقول من الموانئ اليونانية . وفي الوقت نفسه غادرت الحدود الصربية نحو مقدونيا ٧٣١١ شاحنة و١٥٣ قطاراً . والأمم المتحدة على علم تام بذلك والدليل ان الوسيط البريطاني ديفيد أوين دعا الى »منح مقدونيا مساعدات مالية سخيّة اذا اغلقت الحدود مع صربيا« كما دعا الى »قطع امدادات النفط من حقل بترول ديليتوفيشي الواقع جنوب فوكوفار بأقصى شرق كرواتيا« . وتفيد التقارير »ان حوالي ٠٠٤ طن من النفط تصل يومياً الى نوفي ساد، وباتشيف بالقرب من بلغراد من الحقل الذي يسيطر عليه الصرب، ذلك عبر خط أنابيب يمر تحت مياه نهر الدانوب الفاصل بين صربيا وكرواتيا« . هذه حقائق لا تستطيع أجهزة الأمم المتحدة انكارها لكنها لا تطبق ما يتاح من وسائل قانونية لايقاف هذه المهزلة لكنها تكتفي بالتهديد بسحب قواتها بين حين وآخر، كما تقوم بسحب العناصر التابعة لمنظمات الاغاثة . اما الجمعيات الانسانية المهتمة برعاية أطفال البوسنة فحدث عن انسانيتها ولا حرج، ونخص بالذكر ما يسمى »سفارة الأطفال« . وتحت هذا الشعار نقلت الى خارج البوسنة ما بين عشرين وخمسين ألف طفل منذ تأسيسها سنة ٢٩٩١ . وكان خروج القافلة الأولى من الأطفال في ٨١-٥-٢٩٩١ متجهة الى مدينة سبليت الكرواتية الواقعة على ساحل البحر الادرياتيكي اذ استبقلتهم السيدة فيستابيليتش . وممن اتهم بتجارة الأطفال الصربي دوشكو توميتش المعتقل في ساراييفو منذ نهاية نيسان (ابريل، ٤٩٩١، كما طلب المدعو تيرفي الجنوب افريقي رخصة من حكومته لفتح وكالة لتبني (بيع، أطفال البوسنة بمبلغ ستة آلاف مارك ألماني للطفل الواحد، كما جاء في طلب الترخيص المقدم في شهر تشرين الأول (اكتوبر، ٣٩٩١ . ولم توافق حكومة جنوب افريقيا على طلبه . وتنفذ هذه المؤامرة بعلم هيئة الأمم المتحدة عبر مطارات زغرب وفيينا واسبانيا وايطاليا واميركا . والوثائق المرعبة موجودة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية واللاجئين في حكومة البوسنة التي ارسلت مندوبيها الى كرواتيا لمنع بيع الأطفال في سوق النخاسين في دول اوروبا واميركا . ويذكر ان آخر احصاءات وزارة اللاجئين في البوسنة والهرسك تفيد ان مليوناً وسبعين ألف طفل قد تشردوا، وجُرح ثمانون ألفاً، وقُتل ٦١ ألفاً، وفَقَد ٥٥ ألفاً أحد الأبوين، وفَقَدَ ثمانية آلاف الوالدين وجميع الأقارب . الى ذلك عندما رفض صرب البوسنة خطة التقسيم التي أقرتها »لجنة الاتصال الدولية« صعّدوا حملات التطهير الديني والقومي في المناطق التي يسيطرون عليها حسبما ذكرت صحيفة (بوربا، الصادرة في بلغراد في ٢-٨-٤٩٩١ . وشملت حملات التصفية مدينة سانسكي موست ومدينة بيلينا، وتم اقتياد عدد من المسلمين الى الجبهة في لوبار جنوب بريتشكو لاستخدامهم كدروع بشرية، ثم أدخل الصرب اسلحة ثقيلة الى المناطق الآمنة التي تعتبر تحت حماية الأمم المتحدة . وشن الصرب صباح ٢-٨-٤٩٩١ هجوماً بالمدفعية على المواقع الاسلامية الواقعة في المناطقة المحظورة حول العاصمة والمناطق المحيطة بمدن بيخاتش، وبوسانسكا كروبا، وتسازين ضمن اطار تقديم الدعم للمنشق فكرت عبديتش . وامتد القصف الصربي الى مرتفعات أوزرن، ودبوي، وفيسوكو، وكلادني، وأولوفو، وبرتشكو، ونافيدوفيتشي وغوراجدا موقعين بذلك العديد من الاصابات في صفوف المدنيين . وفي ٢-٨-٤٩٩١ صرح الميجر روب انينك المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة قائلاً: »ما يزال الوضع متوتراً وانتهاكات الهدنة تتكرر كثيراً بما في ذلك اعمال القنص التي امتدت الى مناطق جديدة لم تنتهك قبل هذا التاريخ« . ورداً على تهديدات الصرب في ٣-٨-٤٩٩١ أفاد الناطق باسم القوات الدولية »ان القائد الدولي للبوسنة والهرسك الجنرال مايكل روز حذر الصرب من تنفيذ محاولة الاستيلاء على اسلحتهم الثقيلة التي هي تحت اشراف الأمم المتحدة في المنطقة المحظورة حول ساراييفو . وهدد (، بأن القوات الدولية ستضطر الى استخدام القوة اذا اقدم الصرب على اي عملية من هذا النوع« . لكن الصرب حاولوا الاستيلاء على الاسلحة من مخازن الأمم المتحدة في ٤-٨-٤٩٩١ بالقرب من العاصمة فتصدت لهم القوات الفرنسية، وكانت المحاولة هي الثانية للاستيلاء على الاسلحة خلال ٤٢ ساعة . ويذكر ان الأسلحة الثقيلة موجودة في تسعة مخازن بحراسة الأمم المتحدة، لكن الصرب الذين فشلوا في مهمتهم مع الفرنسيين تجرأوا على الأوكرانيين في موقع ايليدزا الغربية فسلبوا منهم دبابة من طراز ت ٥٥، ومدفعاً ثقيلاً، وعربتين مصفحتين من مستودع ايليجا الواقع على مسافة ٠١كلم شمال العاصمة . وازاء هذه الاهانات شنت طائرتان اميركيتان وطائرتان فرنسيتان وطائرة هولندية (وقيل ثماني طائرات، غارة يوم الجمعة ٥-٨-٤٩٩١ لكنها لم تردع الصرب اذ منعوا قافلة للاغاثة تابعة للمفوضية العليا للاجئين من الوصول الى غوراجدا المحاصرة . وضمن اطار اعمال الأمم المتحدة أفاد ممثلها لشؤون حقوق الانسان تاديوش مازويفسكي في مناطق يوغوسلافيا المنهارة: »ان الظروف الحياتية صعبة جداً في معسكر الأسرى في فيليكا كلادوشا القريبة من بيخاتش الذي أقامه فكرت عبدتيش« واحتجز فيه المسلمين الذين رفضوا تأييده ضد الحكومة الشرعية . ضخم بعض المتفائلين قيمة الغارة الجوية على صرب البوسنة بعد سرقة السلاح من مستودعات الأمم المتحدة لكن مفعولها لم يتجاوز حدود الدعاية اذ صدر بيان عن قيادة قوات صرب البوسنة جاء فيه:»ان طائرات الحلف الأطلسي قامت بطلعات فوق أراضي جمهورية صربسكا (جمهورية صرب البوسنة، لكنها لم تسفر عن اية خسائر في الارواح، ولم تحدث الغارة أية خسائر مادية« . وقال مانويلو ميلوفانوفيتش رئيس أركان جيش صرب البوسنة - في حديث اذاعي نقلته رويتر - »ان طائرات حلف الأطلسي أصابت شاحنة قديمة« . ولكي تكتمل فصول المسرحية اعاد صرب البوسنة خامس قطعة سلاح مسروقة للأمم المتحدة يوم السبت ٦-٨-٤٩٩١ . وصرح مسؤولون في الأمم المتحدة في ساراييفو »ان قوات صرب البوسنة التزمت بشروط الأمم المتحدة لتجنب توجيه ضربات جوية أخرى«، والسؤال هل اعاد الصرب قطع السلام نفسها ام بدلوها بقطع سلاح غير صالحة للاستعمال؟ وحده اللفتنانت كولونيل جيمي دانييل احد مساعدي قائد قوات الامم المتحدة في البوسنة اللفتنانت جنرال مايكل روز يعرف الحقيقة المرة . وفي اليوم (٦-٨-٤٩٩١، الذي صدرت فيه بشرى عدم توجيه ضربات جوية بعد تسليم قطع السلاح المسروق، أعلنت الأمم المتحدة »ان القوات الصربية اطلقت قذائف مدفعية الهاون على العاصمة للمرة الثانية هذا الاسبوع« . ورفضت الأمم المتحدة »التكهن بعدد الأسلحة من هذا النوع الموجودة لدى الصرب حول ساراييفو« . وصرح المتحدث باسم قوة الحماية الدولية روب انينك ان ثلاث قذائف اطلقت صباح الجمعة ٥-٨-٤٩٩١ من منطقة لوكافيتشا، وهي منطقة تقع تحت سيطرة الصرب في جنوب غرب العاصمة باتجاه الاحياء التي تحيط بالمدينة غير انه لم يشر الى سقوط ضحايا« . وتشكل هذه التصريحات اعترافاً صريحاً بانتهاك الصرب المتكرر لوقف اطلاق النار، واختراق منطقة الحظر على الاسلحة الثقيلة التي أقيمت في شباط (فبراير، ٤٩٩١، ويبلغ نصف قطرها ٠٢ كلم حول العاصمة . ولكي لا ينزعج القناصة من القوات الدولية أوكلت مهمة التعامل معهم للجنود الروس الذين كلفتهم قيادة القوات الدولية »بتمشيط مناطق في جربافيتشا الواقعة تحت سيطرة الصرب بحثاً عن القناصة« . وبدلاً من اظهار الاذعان للارادة الدولية قام صرب البوسنة باتخاذ اجراءات تصعيدية جديدة بتعبئة السكان الخاضعين لسيطرتهم على سبعين في المئة من أراضي البوسنة . وأعلن صرب البوسنة عن اجراء استفتاء على احدث خطط تقسيم البوسنة - الهرسك، والسؤال موضوع الاستفتاء هو:»هل توافق على خرائط ترسيم الحدود التي وضعتها مجموعة الاتصال«؟ وحددت موعد الاستفتاء في ٧٢ و٨٢ آب (اغسطس، ٤٩٩١ وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية غريفوري كراسين بتاريخ ٩-٨-٤٩٩١ »انه يحق لصرب البوسنة اجراء استفتاء لأن الاستفتاء يعتبر مسألة ضمن صلاحياتهم« . لقد جرَّدَتْ قوات الأمم المتحدة المسلمين من اسلحتهم في مدينة غوراجدا المحاصرة في العام الماضي ٣٩٩١ وأعلنتها منقطة آمنة تنعم بحماية القوات الدولية، لكن ذلك لم يمنع الصرب من الهجوم عليها في ما بعد كذلك مأساة سيربيرنيتسا ما زالت ماثلة في الأذهان . وتفتقت خمائل الامم المتحدة عن خطة جهنمية جديدة تكرر مأساة غوراجدا وسيربيرنيتسا وموستار، وهذه المرة في العاصمة . والحكاية ان قائد قوات الامم المتحدة في البوسنة الجنرال مايكل روز »اقترح نزع سلاح ساراييفو، وحظر الأسلحة الثقيلة من منطقة حرب رئيسية بين الصرب والمسلمين لتجنب تصعيد القتال بعد ان تبرأت يوغوسلافيا من صرب البوسنة« على حد زعمه . وقال روز »الأمور لا تبدو جيدة على الاطلاق في الوقت الراهن . وقد اتخذنا بالتأكيد بعض الخطوات، والشيء الذي يمكننا عمله هو خلق مبادرات وقوى دافعة على المستوى التكتيكي« . وقال في 8-8-1994م »سنسعى الى نزع سلاح ساراييفو بالكامل، وعدم السماح بأكثر من رجال شرطة بحوزتهم مسدسات، وذلك في خطوة كبيرة لدعم منطقة مستقرة تحظر فيها الأسلحة الثقيلة« . وأفادت التقارير ان روز »يزمع ان يقترح على الجانبين ان تنشئ الامم المتحدة منطقة ثالثة خالية من الأسلحة الثقيلة بعد ساراييفو وغوراجدا حول توزلا التي قصفها الصرب رغم انها منطقة آمنة . ويرى وجوب تحديدها حتى ممر بريتشكو الذي يسيطر عليه الصرب . جاءت تصريحات روز بعدما حقق المسلمون بعض الانتصارات على الصرب من أبرزها »السيطرة على بعض الأراضي حول مدينة فاريش في وسط البوسنة إثر تراجع الصرب أمام المقاومة الاسلامية في 8-8-1994م« . لكن روز لا يهمه ما حدث في بيلينا المحتلة على رغم ان ممثلي الامم المتحدة قد صرحوا في 8-8-1994م »ان صرب البوسنة بدأوا جولة جديدة من التطهير العرقي في المناطق التي يسيطرون عليها، وانهم خلال 24 ساعة الاخيرة طردوا من مدينة بيلينا في شمال شرق البوسنة 64 نسمة من النساء والاطفال والعجزة المسلمين، وبذلك يكونون قد طردوا منذ أواسط شهر تموز (يوليو، الماضي نحو 300 مسلم وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم، فيما أُخِذ الرجال الى مناطق العمل الاجباري« . إذن، ترمي الخطة الجديدة الى تجريد المسلمين من اسلحتهم وترك مصيرهم مرهوناً بأيدي القوات الصربية . وفي أحسن الأحوال تشكل »مجالس شعبية مكونة من 15 عضواً لمساعدة الادارة الأوروبية في إدارة المدن الاسلامية« كمجلس موستار (5 كروات و5 مسلمين و3 صرب 1 يهودي 1 مختلط، . ومن جهة اخرى تراجعت سيطرة المنشق فكرت عبديتش، قبل هزيمته وهربه، ولم يعد بيده سوى 20 في المئة من جيب بيخاتش، وإزاء ذلك أطلق صيحات الاستغاثة في 11-8-1994م من ملجئه في فليكا كلادوشا (شمال بيخاتش، واقترح على رئيس الشؤون المدنية لقوة الحماية الدولية في يوغوسلافيا السابقة سيرجيو فييرا دي ميلو »توفير حماية دولية لجيب بيخاتش« وقال انه يتمنى »ان يخضع جيب بيخاتش لادارة أوروبية على غرار مدينة موستار عاصمة الهرسك« .  ومن جهة اخرى، اعتبر أقرب معاوني عبديتش، رئيس حكومته زلاتكو يوسيتش، ورئيس برلمانه بوزيدار سيسل، في تصريح لهما من زغرب في 11-8-1994م »أنه لا يمكن حل أزمة بيخاتش إلا على أعلى مستوى، أي عبر مفاوضات مباشرة بين عبديتش وسلطات ساراييفو« . ورفضت حكومة البوسنة الاقتراح المذكور . وبدلاً من قيام قوات الامم المتحدة بمراقبة حدود البوسنة لمنع امدادات السلاح للصرب والكروات، أفلتت الحبل على الغارب . وبدلاً من تحمل مسؤولية السلام بشكل جدي أعلنت قوة الامم المتحدة في ساراييفو يوم الجمعة 12-8-1994 »ان الامم المتحدة وضعت اللمسات الاخيرة على خطط انسحابها من البوسنة في حال أصبح الوضع خطيراً جداً بالنسبة الى الجنود الدوليين« . وقال الميجور روب انينك الناطق العسكري باسم قوة الحماية »لقد انتهت مرحلة التحضير مطلع الاسبوع الماضي لكننا نعيد النظر في الخطط بشكل دوري« . ومناسبة الاحاديث عن انسحاب الامم المتحدة هو اعلان الرئيس الاميركي كلينتون يوم الخميس 11-8-1994 »أنه يفكر برفع الحظر المفروض على الاسلحة في البوسنة اذا لم تتم الموافقة على خطة السلام التي اقترحتها القوى العظمى بحلول 15 تشرين الأول (اكتوبر، 1994« . وهكذا يتضح عدم حياد المنظمة الدولية التي صارت طرفاً معادياً للمسلمين في البوسنة . وخطة الامم المتحدة هي الآتية:اذا قررت اميركا أو غيرها خرق حظر تصدير السلاح الى مسلمي البوسنة والهرسك، فستقوم الامم المتحدة بسحب قواتها قبل وصول أي شيء من الاسلحة خلالها يشن الصرب هجوماً معززاً بجيش صربيا الكبرى وتجتاح المناطق الاسلامية بدعم روسي خفي وتواطؤ أوروبي . وبمجرد اتخاذ قرار سحب قوات الامم المتحدة تتوقف أعمال الاغاثة الانسانية عموماً فيصبح المسلمون بين نارين:الجوع والصرب . وهكذا تكون اميركا قد اصدرت قراراتها الانسانية لكسب الرأي العام في وقت تكون قرارات الامم المتحدة المضادة هي تصفية الوجود الاسلامي في البوسنة وسط تصفيق حاد من قبل اجهزة اعلام الدول العربية والاسلامية لدور واشنطن الايجابي . ولعل أغرب التصريحات ما أطلقه الجنرال روز الذي هدد في 10-11-1993 بأن الامم المتحدة مستعدة لاستخدام كل الوسائل المتوافرة لديها، بما فيه الضربات الجوية من اجل انهاء المعارك في المنطقة المحظورة حول ساراييفو« . ورد عليه نائب الرئيس البوسني ايوب غانيتش قائلاً »ان المسلمين لم يخرقوا قرارات الامم المتحدة بخصوص سحب الاسلحة الثقيلة من المنطقة المحظورة في حين ان الصرب هم الذين واصلوا انتهاك كل القرارات الدولية . وما يصدر من نيران عن المسلمين سببه متطلبات الدفاع عن النفس« . وتأتي تصريحات روز المنحازة إثر تحقيق القوات الاسلامية انتصاراً على المنشق عبديتش في بيتشي غراد، وترزاتس، وستورليتس على مشارف فيليكاكلادوشا في بيخاتش، وانتصاراً محدوداً على الصرب في منطقة بريتشكو ما أدى الى نشوب معارك قصفت المدفعية الصربية خلالها مواقع المسلمين في مدن:فيسكو، وتيشاني، ودوبوي، زافيدوفيتشي وغيرها . وليست الامم المتحدة وحدها في موقع المعارض لرفع الحظر عن المسلمين، وانما هناك الرئيس الكرواتي فرانيو تودجمان ويفترض انه حليف للبوسنة، اذ صرح انه »ضد قرار رفع حظر الاسلحة للبوسنة والهرسك« وقال »ان قرار رفع الحظر يعني تسليح المسلمين« . وفي تطور لافت للانتباه أصدرت رئاسة الكنيسة الارثوذكسية الصربية التي تتخذ من بلغراد مقراً لها بياناً يوم الجمعة 12-8-1994 أعلنت فيه »وقوفها الى جانب صرب البوسنة الرافضين لخطة السلام الدولية، وطالبت برفع الحصار الذي فرضته جمهوريتا صربيا والجبل الأسود على صرب البوسنة« على حد زعمها . وبدلاً من ردع الصرب عسكرياً حاورتهم الامم المتحدة فأرسلت الوسيط ثورفالد ستولتنبرغ لكي يحاورهم في »عاصمتهم« بالي يوم السبت 13-8-1994، وصرح ستولتنبرغ لدى وصوله قائلاً:»إنني جئت للاطلاع على الوضع الحالي بغية اعلام الامين العام للامم المتحدة بطرس غالي بموقف الصرب من خريطة التقسيم« . وبعد اجتماع الوسيط مع رادوفان كاراجيتش، ونائب رئيسه نيقولا كوليفيتش، ورئيس برلمانه مومتشيلو كراييسنيك، قال كاراجيتش:»لا يمكننا الموافقة على الخرائط في صيغتها الحالية على رغم طلب بطرس غالي الموافقة عليها . ونطالب بادخال التعديلات التي اقترحناها والقاضية بالحصول على ضمانات بقائنا في منطقة ساراييفو وحصولنا على منفذ على البحر الادرياتيكي« . وبينما كان الوسيط الدولي يترجى قادة صرب البوسنة صعّدت قواتهم هجماتها على المواقع الاسلامية في منطقتي العاصمة وبريتشكو . وازاء تواطؤ الأمم المتحدة أعلن غانيتش نائب الرئيس البوسني ان حكومته »تفضل رفع الحظر عن السلاح، وسحب القوات الدولية . اذا لم يكن أمامها سوى هذين الخيارين« . وحول قوات الأمم المتحدة قال: »اننا لن نطلب انسحابها، لكن اذا فرض علينا ان نختار، فإننا سنلجأ الى خيار رفع الحظر عن الأسلحة« . وعاد الوسيط الدولي يجر أذيال الخيبة واستمر الصرب بقصف المناطق الاسلامية يوم الاحد ٤١-٨-٤٩٩١، وفي الآن نفسه تم توقيع اتفاق مبادئ بين البوسنيين والصرب يحظر نشاط القناصة في قطاع ساراييفو على ان يبدأ التطبيق يوم الاثنين ٥١-٨-٤٩٩١ . ووقع الاتفاق وزير العلاقات البوسنية مع الأمم المتحدة حسن مرادوفيتش، وقائد الفيلق الأول الجنرال وحيد قره فيليتش، وعن الجانب الصربي وقع أحد نواب رئيس صرب البوسنة نيقولا كوليفيتش والجنرال دراغومير ميلوسوفيتش قائد القوات الصربية في قطاع ساراييفو . واعتباراً من يوم الاثنين ٥١-٨-٤٩٩١ بدأت الدوريات المشتركة من جنود الأمم المتحدة وجيش البوسنة والصرب بمراقبة وقف أعمال القنص في العاصمة . مع ذلك نكث الصرب عهدهم وقامت قواتهم باطلاق النار على القوات الحكومية باستخدام مدافع مضادة للطائرات كانت في مخزن أسلحة قوات حفظ السلام قرب ساراييفو وأعلنت »المفوضية العليا للاجئين« في ٦١-٨-٤٩٩١ »ان الصرب طردوا ٦٨ مسلماً من بلدة بيلينا في شمال شرق البوسنة حيث شرعوا في حملة تصفية دينية منذ منتصف تموز ٤٩٩١« . وأوضح بيتر كيسلر المتحدث باسم المفوضية »ان النساء والأطفال والرجال الذين طردوا جردوا من ممتلكاتهم وبذلك يصبح عدد المسلمين الذين طردوا من هذه البلدة منذ منتصف تموز ٤٩٩١ ٥٨٣ نسمة« . وحول ايقاف نيران القناصة جاء في بيان الجيش البوسني »ان الصرب خرقوا اتفاق وقف نيران القناصة في محيط ساراييفو ٥١ مرة من صباح الاثنين لغاية صباح الثلثاء ٦١-٨-٤٩٩١ . كما واصلوا حشد الجنود والمعدات الحربية داخل المنطقة المحظورة والقيام بالتحصينات الهندسية حول العاصمة« . وذكر البيان »ان الصرب استمروا في قصف المواقع الحكومية في مناطق بريتشكو وتيشاني ودوبوي وزوفيدوفيتشي وغراتشانيتسا وماغلاي« . وازاء موجة التطهير الديني قدم مندوب البوسنة محمد شاكر بيه طلباً لعقد جلسة لمجلس الأمن لمعالجة الموقف، ولم يكذب المجلس العتيد خبراً بل اجتمع، لكنه لم يتخذ قراراً لأن روسيا عارضت اصدار قرار ضد الصرب وادعت »ان ممارسة الضغوط الاضافية على الصرب من شأنها ان تسبب ردود فعل صربية« . وفي موقف مدهش صرح ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص في البوسنة انه »دعا الحكومة البوسنية الى وقف الهجمات على الصرب خصوصاً في شمال ساراييفو وأنه تلقى منها تأكيدا على انها ستمتنع عن ذلك« . وفي تصريح أشد اثارة قال الناطق الدولي الرائد روب أنينك »ان صرب البوسنة اشترطوا على القوات الدولية تزويدهم النفط مقابل السماح بمرور قوافلها، وأرسلوا طلبهم خطياً، ورفضت الأمم المتحدة هذا الطلب« . ولم ينس انينك التعبير عن حزنه على »مقتل جندي بريطاني قرب مدينة غورني فاكوف (الوقف الكبير، في وسط البوسنة« . وتابع الصرب عدوانهم في ٧١ و٨١-٨-٤٩٩١ على منطقة تيشاني (وسط البوسنة، فأطلقوا عليها اكثر من ٠٠٣ قذيفة مدفع ودبابة وقصفوا ايضاً المواقع الحكومية في دوبوي ومرتفعات أوزرن اضافة  الى القاء القنابل اليدوية على العاصمة وضواحيها . وتم رصد دبابتين صربيتين تنتهكان منطقة شرق بلدة بريزا التي تسيطر عليها الحكومة البوسنية وقالت قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة »انها ستحتج لدى القيادة العليا للصرب لكنها بخلاف ذلك تقوم بتقويم الموقف، ولا تجري الترتيب لاجراءات مضادة« . وصعّد الصرب عدوانهم فقصفوا يوم ٨١-٨ منطقة تيشاني الاسلامية بأكثر من ألف قذيفة، واستمرت أعمال القنص في ساراييفو، كذلك قصفوا ضواحي بريتشكو ودوبوي، وماغلاي وزافيدوفيتشي وأولوفو وفاريش وغوراجدا . وحاول المنشق عبديتش استرجاع مواقعه بدعم صربي في بيخاتش لكنه لم يحقق انتصاراً يذكر، واستمرت القوات الحكومية تسيطر على اكثر من ٠٨ في المئة من أراضي الجيب . ونظراً لخطورة ما يقوم به المتمرد عبديتش فقد وجّه له الجيش البوسني انذاراً بوجوب الاستسلام خلال سبعة أيام من تاريخ صدور الانذار في ٨١-٨ . وفي الوقت نفسه (٨١-٨، اتخذ برلمان صرب البوسنة قراراً بالاتحاد مع جمهوريتي صربيا والجبل الأسود وكرايينا الكرواتية والعمل على بدء تنفيذ ذلك خلال ثلاثين يوماً . وكان برلمان صرب كرايينا قد اتخذ قراراً مشابهاً . ويضع هذا القرار حداً للدعايات التي نشرت حول ضغوط صربيا الأم على صرب البوسنة وتواصل التوتر في العاصمة بعد مقتل جندي فرنسي بنيران القناصة الصرب يوم ٩١-٨ . وظل مطار العاصمة مغلقاً بسبب تعرضه للقصف الصربي على رغم اتفاق المبادئ على وقف العدوان في ساراييفو . وتعرض المطار لرمايات مدفعية الهاون من عيار ٢٢١ملم، فيما حقق المسلمون انتصاراً على الصرب بتحرير قرية خوسان قرب مدينة تيسليتش، (في شمال وسط البوسنة، وتقهقر الصرب نحو مدينة تيسليتش . كما استمر القتال في جنوب جبهة دوبوي ذات الموقع الاستراتيجي وجول بريتشكو في شمال البوسنة . وبدأت ساراييفو تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية . وأدى تفاقم الأزمة الى الغاء اجتماع مبعوث الأمم المتحدة ياسوشي أكاشي مع قادة صرب البوسنة، ورفض الصرب السماح بترحيل ١١ مريضاً متعباً من بلدة غوراجدا المحاصرة فأدانت موقف الصرب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين . ولم تزد على الادانة شيئاً . لم تكن لجنة الاتصال الغربية هي الوحيدة فبعد تحركها تحركت »لجنة الاتصال الاسلامية« أيضاً . ففي يوم ٣-٨ »غادر القاهرة وزير الخارجية المصري عمرو موسى متوجهاً الى جنيف لحضور اجتماعات مجموعة الاتصال الاسلامية الخاصة ببحث مشكلة البوسنة«، وقال الوزير المصري قبيل مغادرته مطار القاهرة »ان هناك أفكاراً لمشروع قرار لعرضه على مجلس الأمن  لتصعيد العقوبات على الصرب، من أهمها تجميد الأرصدة في الخارج، وتضييق الخناق على التبادل التجاري« . ووصل وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الاسلامي الى جنيف وعقدوا اجتماعاً يوم ٥-٨ خصصوه لقضية »البوسنة والهرسك« وحضوا المجتمع الدولي على رفع حظر التسليح عن ساراييفو، وشارك في الاجتماع رئيس وزراء البوسنة . ودعا الوزراء المجتمعون في اطار »لجنة الاتصال الاسلامية« الى تشديد العقوبات على بلغراد على رغم قرارها قطع العلاقات مع صرب البوسنة، وتتألف »لجنة الاتصال الاسلامية« من وزراء البوسنة وتركيا والسعودية وايران ومصر وماليزيا وباكستان وبنغلادش، وأسفر اجتماع اللجنة عن تصريح لوزير خارجية باكستان سردار اصف قال فيه: »ان على منظمة المؤتمر الاسلامي ان تشارك لجنة الاتصال الدولية في التوصل الى اتفاق سلام في البوسنة«، وأوضح الوزير الباكستاني، الذي رأس اجتماع جنيف »ان منظمة المؤتمر الاسلامي درست العقوبات الاقتصادية ضد الدول التي تشجع العدوان الصربي« . وتطرق الى امكان عقد قمة لمنظمة المؤتمر الاسلامي في موعد غير محدد بعد لاتخاذ موقف حازم حول البوسنة - الهرسك . 10728 (الحياة، . . . . . . . . . . .عام (العنوان:قضية البوسنة تتأرجح بين خطط التقسيم والعناد الصربي 

 


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16430800
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة