العنوان: في مقابل قصور الدراسات النحوية والبلاغية. المفهوم :كيف طور دراسته علماء أصول الفقه ؟ (١ من ٢، ) (الكاتب: محمود السيد الدغيم) (ت .م:26-08-1994) (ت .هـ:19-03-1415)(العدد:11513) (الصفحة:21)
يجري في أيامنا تداول رموز ومصطلحات، غالباً بشكل عشوائي . فكلما أصغينا الى محادثة أو مجادلة أو مناقشة أو معارضة أو مماحكة أو مشاجرة، نسمع خلطاً في اطلاق الكلام عن جهل بمعانيه . ومن الكلام المتداول كلمة: »المفهوم« على سبيل المضاف، ثم يتم اثقالها بما يضاف اليها من اضافات تطرق أسماعنا وتسكّها مثل: المفهوم الفلسفي، والمفهوم السياسي، والمفهوم غير المفهوم الخ… ولو سألنا عن معنى المفهوم، لسمعنا إجابات شتى، والسبب في ذلك ما نشاهده من قطيعة بين التراث العربي، وهذا الجيل الذي، بالحداثة أو المعاصرة، يملك أسباب انصرافه عن التراث . ولو بحثنا عن معنى المفهوم في معاجمنا اللغوية فلن نجد بغيتنا، فالقاموس المحيط اقتصر على تقديم معنى:الفهم . ولم يذكر المفهوم، أما أحمد بن فارس (ت 395 هـ، فقال في مجمل اللغة:»فهم:الفهم:عِلمُ الشيء، كذا يقول أهل اللغة والعلم . وَفَهمٌ: قبيلة« . ولم يزد ابن فارس شيئاً غير هذا . ولكن أبو هلال العسكري قال:»الفرق بين فحوى الخطاب، ودليل الخطاب:ان فحوى الخطاب: ما يعقل عند الخطاب لا بلفظه، كقوله تعالى »فلا تقل لهما أف« (سورة الاسراء:23، فالمنع من ضربهما يُعقل عند ذلك . ودليل الخطاب: »هو ان يُعلَّق بصفة الشيء أو بعدد أو بحال أو غاية . فما لم يوجد ذلك فيه فهو بخلالف الحكم…« (الفروق في اللغة ص:51، وهكذا نجد العسكري أوضح لنا دليل الخطاب، وأبهم فحوى الخطاب اذ أوشك ان يلحقه بدليل الخطاب، حيث قال:»ما يعقل عند الخطاب لا بلفظه (…، فالمنع من ضربهما يعقل عند ذلك« . والحقيقة الساطعة هي قول محيي الدين ابن الجوزي:»وأما مفهوم الموافقة فهو فحوى الخطاب، ولحنه، وحقيقتُهُ: ان يكون حكم مسكوتِهِ موافقاً لحكم منطوقه، ويكون أولى به، كقوله تعالى:»فلا تقل لهما أفٍّ« فإن تحريم التأفيف يدل على تحريم الضرب العنيف، بطريق الأولى (…، . المفهوم:ما يفهم من اللفظ من غير محل النطق، كانتفاء الصوم على من لم يشهد الشهر . ويسمى مفهوم المخالفة، لأن حكم المسكوت عنه يخالف حكم المنطوق به . والمنطوق:هو ما يُفهم من اللفظ في محل النطق . كوجوب الصوم على المنفرد برؤية الهلال، من قوله تعالى:»فمن شهد منكم الشهر فليصمه« (سورة البقرة:185، (كتاب الايضاح لقوانين الاصطلاح في الجدل، الورقة ٩- آ - ب، . وممن ذكر المفهوم الشريف الجرجاني في كتاب التعريفات (ص:224، حيث قال:»مفهوم الموافقة:هو ما يُفهم من الكلام بطريق المطابقة . مفهوم المخالفة:هو ما يُفهم منه بطريق الالتزام، وقيل:هو ان يثبت الحكم في المسكوت على خلاف ما ثبت في المنطوق« . ولم يزد الشريف على هذا شيئاً . وفي المعاجم الحديثة نجد المعجم الوسيط، الصادر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة:يتضمن المفهوم في سياق مادة:فهم: »المفهوم:مجموع الصفات والخصائص لمعنى كلي، ويقابله:الماصدق . (مج،« ومج: تعني: ان مجمع اللغة العربية في القاهرة قد أقر هذا اللفظ . ولن نناقش هذا القرار في هذا المقال . ولكننا نشير الى ان المعجم الوسيط ضم معنى »الماصَدَق« في حرف الصاد ص:511، وجاء فيه »الماصَدَق: عند المناطقة: الأفراد التي يتحقق فيها المعنى الكلي« . وأظن هذا التفسير بحاجة الى تفسير أوضح . وهذا »الماصَدَق« ليس له وجود في القاموس المحيط . ولكنه موجود في المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا ج٢- ص:311، وهو في اللغة الانكليزية:»Extension, denotation« وفي الفرنسية:»Extension« وفي اللاتينية: »Extenio« ومعنى »الماصدق - عند المنطقيين - مجموع الموضوعات التي يدل عليها المعنى . أو مجموع الأفراد الداخلين تحت صنف، أو كلي، على عكس المفهوم »Comprehension« الذي يدل على مجموع الصفات المشتركة بين الأفراد . والماصدق والمفهوم متناسبان تناسباً عكسياً، كلما ازداد الماصدق نقص المفهوم، والعكس بالعكس . والمنطقيون يفرقون بين ماصدق اللفظ، وماصدق القضية، وماصدق العلاقة (…، وتنقسم الألفاظ - بحسب الماصدق - الى كلية، ومفردة وجمعية…« . والمفهوم في الانكليزية: »Comprehension« وفي الفرنسية:»Comprehension« وفي اللاتينية: »Comprehensio« وعرفه التهانوني في كشاف اصطلاحات الفنون بقوله:»المفهوم:ما يمكن تصوره - وهو عند المنطقيين - ما حصل في العقل، سواء أحصل فيه بالقوة، أم بالفعل« . والمفهوم والمعنى: متحدان بالذات . فإن كُلاً منهما هو الصورة الحاصلة في العقل أو عنده، وهما مختلفان باعتبار القصد والحصول، فمن حيث ان الصورة مقصودة باللفظ سميت:معنى، ومن حيث انها حاصلة في العقل سُميت:بالمفهوم« . ان الرائج من المعلومات حول المفهوم عندنا هو خليط من المواد المترجمة يرمي الى تضليل الجيل الذي أقيم بينه وبين تراثه سدّ من المواد الرائجة ليمنعه عن التفاعل مع التراث . ومن أجل عرض معاني المفاهيم عند علماء الاسلام نقدم هذا البحث . ان دلالة اللفظ على المعنى اما ان تكون واضحة، واما ان تكون غير واضحة، اما اللفظ الواضح الدلالة فله أربعة أحوال، فإما ان يكون ظاهراً، أو يكون نصاً، أو يكون مُفسراً، أو يكون مُحكماً . أما اللفظ غير الواضح الدلالة، فله أربعة أحوال أيضاً، فإما ان يكون اللفظ خفياً، أو يكون مُشكلاً، أو يكون مُجملاً، أو يكون متشابهاً . وقد اطلق على هذه الدلالات اسم: المنظوم أو المنطوق، وقد قسم المتكلمون المنظوم المنطوق الى قسمين هما: المنطوق الصريح، الذي سماه الأحناف (أصول البزدوي 1-68،: عبارة النص - وهي »العمل بظاهر ما سيق الكلام له« - ويكون المنطوق صريحاً عندما يدل اللفظ على مذكور فيه ومنطوق به، اما مطابقة، وذلك بتطابق اللفظ معنى ووضعاً، أو تضميناً، وذلك بتضمن اللفظ جزءاً من معنى الحكم .والمنطوق غير الصريح هو الحاصل اذا دلَّ اللفظ على حُكم بطريق الالتزام، ويكون ذلك بدلالة اللفظ على حكم لازم خارج عن المعنى الوضعي لكن اللفظ مستلزم لذلك الحكم . وللمنطوق غير الصريح ثلاثة أنواع في الدلالة على الحكم هي:(دلالة الاقتضاء، و(دلالة الايماء، و(دلالة الاشارة، . وهكذا نجد ان تحصيل الحكم الشرعي يتم بأخذه من (المنطوق، مباشرة أو من (دلالة المنطوق، وان كان الحكم المدلول عليه بالالتزام مقصوداً للمتكلم فله طريقان: ١ - ان يرتبط استخلاص الحكم المدلول عليه بما يقتضيه صدق اللفظ، أو صحته الشرعية أو العقلية، وفي هذه الحالة تسمى دلالة اللفظ عليه:(دلالة الاقتضاء، (بديع النظام لابن الساعاتي 114-آ، لأن اللفظ اقتضى ذلك الحكم المدلول عليه من غير النص عليه بشكل صريح . ودلالة الاقتضاء هي:»ما كان المدلولُ فيه مضُمراً، اما لضرورة صدق المتكلم، واما لصحة وقوع الملفوظ به، فان كان الأول فهو كقوله - صلى الله عليه وسلم - »رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه« وقوله - عليه السلام - »لا عمل الا بنية« وقوله - عليه السلام - »لا صيام لمن لم يُبيِت الصيام من الليل« فإن رفع الصوم والخطأ، والعمل مع تحققِه مُمتنِع، فلا بدّ من اضمار نفي حكم يمكن نفيه كنفي المواخذة والعقاب في الخبر الأول، ونفي الفائدة والجدوى في الخبر الثاني، ونفي الصحة أو الكمال في الخبر الثالث . ضرورة صدق الخبر . واما ان كان لصحة الملفوظ به، فإما ان تتوقف صحته عليه عقلاً أو شرعاً . فان كان الأول، فكقوله تعالى:»واسأل القرية« (سورة يوسف- 82، فانه لا بُدّ من اضمار اهل القرية لصحة الملفوظ به عقلاً . وان كان الثاني، فكقول القائل لغيره: »اعتق عبدك عني بألف درهم« فإنه يستدعي تقدير سابقة انتقال الملك اليه ضرورة توقف العتق الشرعي عليه« . (الاحكام للآمدي ٣-60، . 2 - ان لا يرتبط استخلاص الحكم المدلول عليه بصدق الكلام أو صحته مع انه مقصود للمتكلم ، ومفهوم في محل تناوله اللفظ نُطقاً . وفي هذه الحالة تسمى دلالة اللفظ على الحكم (دلالة التنبيه، أو (دلالة الايحاء، وتحصل عندما »يكون التعليل لازماً من مدلول اللفظ وضعاً لا أن يكون اللفظ دالاً بوضعه على التعليل« . 3 - ان لا يرتبط استخلاص الحكم المدلول عليه بصدق الكلام أو صحته - مع انه مقصود للمتكلم، ولكنه لا يكون مفهوماً في محل تناوله اللفظ نُطقاً . وفي هذه الحالة تسمى دلالة اللفظ على الحكم (دلالة المفهوم، . معنى المفهوم: »ان المفهوم مُقابل للمنطوق، والمنطوق أصلٌ للمفهوم (…،« . اما المنطوق:هو ما فُهم من دلالة اللفظِ قطعاً في محلِّ النطق . وذلك كما في وجوب الزكاة المفهوم من قوله - صلى الله عليه وسلم - »في الغنم السائمة زكاة« وكتحريم التأفيف للوالدين من قوله تعالى »فلا تقل لهما أف« (سورة الاسراء:23، . واما المفهوم:فهو ما فُهِمَ من اللفظ في غير محل النطق، والمنطوق، وان كان مفهوماً من اللفظِ، غير انه لما كان مفهوماً من دلالة اللفظِ نُطقاً، خُصَّ باسم المنطوق، وبقي ما عداه معرفاً بالمعنى العام المشترك، تمييزاً بين الأمرين (…، وينقسم الى قسمين، مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة . - مفهوم الموافقة:ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقاً لمدلوله في محل النطق، ويسمى أيضاً:فحوى الخطاب، ولحن الخطاب . وقد سَمَّاه ابن فورك: مفهوم الخطاب . والمراد من معنى الخطاب - ومنه قوله تعالى »ولتعرفنّهم في لحن القول« (سورة محمد: 30، أي في معناه . وقد يطلق اللحنُ ويراد به اللغة، ومنه يقال:(لحن فلانٌ بلحنِهِ، اذا تكلم بلُغته، وقد يطلق اللحن، ويراد به الفِطنة (…، وقد يطلق ويُراد به الخروج عن ناحية الصواب، ويدخل فيه ازالة الاعراب عن جهة الصواب (أحكام الآمدي 3-62 - 63، وقد يطلق ويراد به المسكوت عنه وذلك اذا كان الحكم المفهوم من اللفظ في محل السكوت موافقاً للحكم المفهوم في محل النطق، ومثاله تحريم شتم الوالدين وضربهما من دلالة قوله تعالى:»فلا تقل لهما أف« (سورة الاسراء: 23، . »والدلالة في جميع هذه الأقسام لا تخرج من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى، وبالأعلى على الأدنى، ويكون الحكم في محلِّ السكوت أولى منه في محل النطق . وانما يكون كذلك إن (لَو، عُرِفَ المقصود من الحكم في محلِّ النطق من سياق الكلام . وعُرِفَ انه أشدُّ مناسبةً واقتضاءَ للحكم في محل السكوت، من اقتضائه له في محل النطق…« . (أحكام الأمدي 3- 63، وفحوى الدلالة اللفظية هن مستند الحكم في محلّ السكوت . وهو ينقسم الى فحوى قطعي وفحوى ظني . القطعي:مثاله في الآية القرآنية »فلا تقل لهما اف« (سورة الاسراء:23، فالحكمة من تحريم التأفيف تحريم ما هو أشد منه كالشتم والضرب . الظني:ومثاله: عدم لزوم رفع الجناية الأعلى بما يرفع الجناية الأدنى، ومثاله قوله تعالى »ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة« (سورة النساء:92، . فهذا يدل على وجوب الكفارة في القتل العمد . لأن وجوبها على المخطئ يفيد الوجوب على المتعمد، وهي رافعة لإثم المخطئ، ولكنها لا ترفع إثم المتعمد
. 10723 (الحياة، . . . . . . . . . . .عام (العنوان:في مقابل قصور الدراسات النحوية والبلاغية . » المفهوم « :كيف
العنوان:أصول الفقه في مقابل قصور الدراسات النحوية والبلاغية (٢ من ٢، . مفهوم المخالفة او دليل الخطاب موضع سجال المذاهب والعلماء المسلمين) (الكاتب:محمود السيد الدغيم) (ت .م:27-08-1994) (ت .هـ:20-03-1415) (الواصفات: ) (العدد:11514) (الصفحة: 20) مفهوم المخالفة مخالف لمفهوم الموافقة، لأنه يحصل اذا كان »مدلول اللفظ - في محل السكوت - مخالفاً لمدلوله في محل النطق، ويسمى، دليل الخطاب أيضاً« . ويتوقف ذلك على انتفاء قيد من القــيود المعــتبرة في الحــكم . وسبب تسميته:مفهوم المخالفة هو:المخالفة بين حكم المذكور في الكلام، وغير المذكور، أما تسـميته:دليل الخــطاب . فلأن دليله وخطابه من جنــس واحد، أو لأن الخـطاب يدل على الدليل، أي المفهوم . وقد أطلق عليه الأحناف اسم:»المخــصوص بالذكر« واعــتبروه فاســداً لا يجوز التمسك به . ولمفهوم المخالفة - عند الامدي (الأحكام 3-66 - 67، عشرة أنواع . 1- مفهوم الصفة، ويحصل عند »ذكر الاسم العام مقترناً بصفة خاصة« (آمدي 3-66، كقوله صلى الله عليه وسلم:(في الغنم السائمة زكاة،« فمنطوق هذا الحديث يدل على وجوب الزكاة في الغنم السائمة . أما مفهوم المخالفة في هذا الحديث فيدل على أن لا زكاة في الغنم المعلوفة لأنها خالية من صفة السائمة (السارحة، التي قيد بها وجوب الزكاة في الحديث المنطوق . 2- مفهوم الشرط والجزاء، وهو حاصل بوجود دلالة اللفظ على ثبوت نقيض الحكم المتعلق بالشرط للمسكوت الذي يفتقر الى الشرط المذكور كقوله تعالى:»وإن كُنَّ أولات حمل فانفقوا عليهن« (سورة الطلاق:6، فالمنطوق في الآية يدل على وجوب النفقة للمرأة المطلقة طلاقاً بائناً، إن كانت حاملاً . ويدل (مفهوم المخالفة، في هذه الآية أيضاً على عدم وجوب النفقة للمطلقة طلاقاً بائناً إذا لم تكن حاملاً . لأن وجوب النفقة متعلق باشتراط الحمل الذي عُلِّق عليه حكم النفقة في المنطوق في الآية الكريمة . فالنفقة حكم مشروط بالحمل للمطلقة، تثبت بثبوت الحمل، وتنتفي بانتفائه . 3- مفهوم الغاية:هو دلالة المنطوق - الذي تم تقييد الحكم فيه بغاية - على ثبوت نقيض الحكم بعد انتهاء الغاية، أي مخالفة ما بعد الغاية لما هو قبل انتهائها، وبذلك يدل المنطوق - في هذه الحالة - على حكم المسكوت عنه . وللغاية حرفان هما:»إلى« و»حتى« ومن أمثلة مفهوم الغاية، قوله تعالى »وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل« (سورة البقرة:187، في هذه الآية يدل مفهوم المخالفة على تحريم الأكل والشرب بعد بلوغ الغاية وهي طلوع الفجر . وقد دل المنطوق على عكس ذلك وهو إباحة الأكل والشرب قبل بلوغ الغاية . فالحد الـفاصل بين إباحة وتحريم تناول المفطرات هو بلوغ الغاية وهي طلوع الفجر، صباحاً، ودخول الليل مساء عند المغرب . 4- مفهوم العدد:هو دلالة المنطوق المقيد الحكم بعدد محدد على ثبوت الحكم في ذلك العدد، وعلى نفيه في ما عداه من أعداد، وينتج عن ذلك أن حكم المسكوت مخالفٌ لحكم المنطوق به في العدد المحدد، وسبب ذلك انتفاء القيد الذي ربط الحكم بالمنطوق وهو العدد المحدد . ومثاله قوله تعالى:»الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة« (سورة النور ٢، فالمفهوم من المنطوق هو تحديد عدد الجلدات بمئة جلدة، ودلالة المنطوق هي مفهوم مخالف يدل على عدم وجوب الزيادة أو النقص عن عدد المئة جلدة . 5- مفهوم اللقب:(الاسم، هو دلالة المنطوق - المعبّر به عن الذات، كاسم الجنس مثل الذهب والفضة، واسم العلم مثل يزيد، أو الاسم الدال على الصفة أو النوع - على نفي حكمه الخاص به عما عداه . »اتفق الكل على أن مفهوم اللقب ليس بحجة خلافاً للدقاق، وأصــحاب الامام أحمد بن حنبل - رحمه الله - وصورته:ان يُعلّق الحكم اما باسم جنس كالتنصيص على الأشياء الستة بتحريم الربا، أو باسم علم، كقــول القــائل:زيـد قائم أو قام . والمخــتار:انما هو مذهب الجمهور« (أحكام الآمدي 3-89، . وقد رد ابن الساعاتي الحنفي مفهوم اللقب بقوله:»المقتضي للمفهوم معدوم، لأن الشرط في مفهوم المخالفة:انه لو حُذِفَ مُتَعَلَقُ الحكم لم يختلّ الكلام . وها هنا يختلُّ باسقاط اللقب . . .« (بديع النظام الورقة 179-ب، . 6- مفهوم الحصر:وهو »المشتمل على نفي الحكم عن غير المذكور، نحو:انما قام زيد، أي:لا عمرو . أو نفي غير الحكم عن المذكور . نحو:انما زيد قائم . أي:لا قاعد« (شرح المحلي على حجم الجوامع 1-259، . والمفهوم الذي يفيد الحصر ناتج عن لفظ يدل على الحصر، ويُفهم الحصر منه بطريق المنطوق أو بطريق المفهوم . ومن صيغ مفهوم الحصرِ:الحصرُ بانَّما، كقول القائل:انما زيد في الدار، فهذا القول يدل على وجود في الدار، وعكسه عدم وجوده في غيرها . ومن صيغ مفهوم الحصرِ:»حَصْرُ المبتدأ في الخبر سواء أكان الخبر مقروناً باللام نحو العالم زيد، أو مضافاً نحو صديقي زيد، يفيد حصر المبتدأ في الخبر عند عدم قرينة عهد . . .« (البحر المحيط 4-52، . ومن ألفاظ الحصر:(ذلك، كقوله تعالى:»ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام« (سورة البقرة:169، . ومن ألفاظ الحصر:(لام التعريف، وهي تقتضي حصر الخبر في المبتدأ، وهذا عكس مفهوم الحصر في المبتدأ »فإن الأول يكون محصوراً في الثاني:فإذا قلت:الصِّدِّيق هو الخليفة، وزيد هو المحدِّث . أي:لا يتكلم فيها غيره . واللازم ثبوته في هذه المفهومات هو النقيض لا الحصر، ولا الخلاف« (البحر المحيط 4-59، . 7- مفهوم الاستثناء:»وهو يدل على ثبوت ضد الحكم السابق للمستثنى منه، للمستثنى« (البحر المحيط 4-49، فإذا كان الحكم السابق للمستثنى:نفياً، كان الحكم الخاصُّ بالمستثنى:مثبتاً . وإذا كان الحكم السابق للمستثنى:إثباتاً، كان الحكم الخاصُّ بالمستثنى:نفياً . ومثاله:»لا إله إلا الله« . لا عالم في المدينة إلا زيد . 8- مفهوم الحال:وهو »تقييد الخطاب بالحال، كقوله تعالى:»ولا تباشروهن، وأنتم عاكفون في المــساجد« (سورة البقرة 187،، وهو كالصفة . قاله ابن السمعاني، ولم يذكره المتأخرون لرجوعه الى الصـفة ( . . .، وهذه الواو (في:ولا تباشروهن، تنبئ عن حال مَن وقع عليه . كما تقول:لا تأكل السمك، وتشرب اللــبن (بالرفع، أي في حال شربك اللبن . فيــكون تخصيصاً للحال، فيدلُّ على أن ما لا حالَ فيه حُكــمهُ بخلافِهِ« (الــبحر المحيط 4-44، . وورد مفهوم الحال عند السمعاني عند ذكره »القول في دليل الخطاب وبيان اختلاف العلماء في ذلك ووجه كونه حجة، وذكر ما يتصل به، وما قيل في بــيان مذاهب العلماء في دلــيل الخــطاب« (قواطع الأدلة الورقة 70-آ، وقد عقد السمعاني فصلاً لأنواع الخـطاب فقال:»وإذا ثبت القول بدليل الخطاب، فنقول:الخطاب سبعة أنواع:الشرط، والغاية، والصفة، والحال، والاسم، والعين، والعدد . . .« (قواطع الأدلة 75-آ، وبعد ذكره تَعَلُّق الحكم بالصـفة، قال:»والحالُ كالصفة في ثبوت الحكم بوجودها، وانتفائه بعدمها، فيكون نصُّهُ مستعملاً في الاثبات، ودليله مستعملاً في النفي مثل الصفة« (قواطع 75-ب، . وهكذا نجد ان مفهوم الصفة لا يضمُّ تحته مفهوم الحال، والتفريق بينهما يؤدي الى زيادة الايضاح وتسهيل الفهم والادراك . فبينما يقتصر مفهوم الصفة على صفة خاصة، نجد ان مفهوم الحال مقيد الصفة على صفة خاصة، نجد أن مفهوم الحال مقيد بحالة محددة . والفارق بين المفهومين واضح وضوح الفارق بين الصفة والحال . والجامع المشترك بين المفهومين هو ارتباط حكم مفهوم الصفة بثبوت الصفة، وارتباط حكم مفهوم الحال بثبوت الحال . 9- مفهوم الزمان:ذكر الغزالي:ان الشافعي - رضي الله عنه - »لم يَرَ التخصيص باللقب مفهوماً، ولكنه قال بمفهوم التخصيص بالصفة، والزمان، والمكان، والعدد« (المنخول ص 207، . ومثَّل الغزالي بمثال لتخصيص »المكان، والوقت (الزمان، والعدد« بقوزله:»أجَّرتك هذه الأرض، من هنا الى الشجرة، بألف درهم، الشهر الفلاني« (المنخول ص 215، . ومن أمثلة مفهوم الزمان قوله تعالى:»الحج أشهر معلومات« (سورة البقرة 197، فالمفهوم من المنطوق وجوب الحج في زمان معين، والمفهوم المخالف هو عدم جواز الحج في غير الزمان المحدد له . وبهذا يخالف حكمُ المنطوقِ حكمَ المسكوت . أي ان دلالة المنطوق تتجاوزه الى المسكوت . 10- مفهوم المكان:»نحو:جلست أمام زيد، مفهومه:انه لم يجلس عن شماله« (البحر المحيط 4-45، وهكذا يكون حكم المنطوق جلوس الجالس أمام زيد، أما دلالة المنطوق فهي مفهوم المخالفة الدال على عدم جلوسه على يمين زيد أو شماله أو خلفه . وذكر الشوكاني ان مفهومي الزمان والمكان يرجعان الى مفهوم الصفة لأن (مفهوم الزمان، »داخل في مفهوم الصفة باعتبار متعلق الظرف المقدر« . و(مفهوم المكان، »أيضاً راجع الى مفهوم الصفة« (ارشاد الفحول ص 170، باعتبار متعلق الظرف المقدر، وذكر الزركشي رجوع مفهومي الزمان والمكان الى مفهوم الصفة »لأن الظرفين يُقدَّر فيهما الصفة، فإذا قُلتَ:زيدٌ في الدار . فالمُرادُ:كائن فيها . وإذا قُلْتَ القيامُ يوم الجمعة . فالمُرادُ واقعٌ يوم الجمعة، والكون والوقوع صفتان« (البحر المحيط 4-46، . صحيح ان الكون والوقوع صفتان، ولكن بين مُؤوَّلِ الصفتين فارقاً، فهما مؤولتان من ظرف زمان، وظرف مكان، والفارق بين الزمان والمكان واضح، وادراج مفهوم الزمان ومفهوم المكان تحت مفهوم الصفة جائز على وجه العموم، ومتميز على وجه الخصوص . وفصل هذه المفاهيم عن بعضها أقرب للفهم مما يساعد على استنباط الأحكام بصورة أسهل وأوضح . قطعاً لدابر الشك، وتخلصاً من الشبهات . وهناك أيضاً مفهوم العلة، الذي لم يذكره الآمدي، ويعني دلالة العلة على الحكم، كقولنا:حُرِّمت الخمرة لإسكارها . فهذا الكلام المنطوق يدل على تحريم الخمر، وعلة التحريم هي الإسكار، أما مفهوم المخالفة:فهو يدل على عدم تحريم ما ليس مسكراً، لأن مفهوم المنطوق ضد المسكوت الذي دل عليه المنطوق . ومفهوم العلة موضع خلاف حيث لم يجعله الغزالي من المفهوم، وألحقه بدلالة الاشارة . أما ابن الحاجب فأدرجه في أقسام المنطوق غير الصريح . والفرق بين مفهوم العلة، ومفهوم الصفة هو »ان الصفة قد تكون علة كالاسكار، وقد لا تكون، بل تكون تتــمة للعلة كالــسوم . فإن العين - الغنم - هي العلَّة، والسَّوم مُتمم، والخلاف فيه، وفي مفهوم الصفة واحد . . .« (البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي 4-36، . ان مفهوم المخالفة موضع خلاف بين العلماء فمنه من رَفضَهُ، ومنهم من قَبِلَهُ، والذين قبلوا مفهوم المخالفة مختلفون أيضاً حول أنواعه . فبعضهم قال:»أنواعه عشرة:اقتصر الأصوليون منها على ذكر أربعة أو خمسة، وحصرها الشافعي في خمسة:فذكر:الحدَّ، والعدد، والصفة، والمكان، والزمان، وأشار امام الحرمين الى شمول التعبير عنها بالصفة، وهو صحيح لأن الصفة مقدَّرة في ظرف الزمان والمكان، ككائن، ومستقر، وواقع، من قولك:زيد في الدار، والغسل يوم الجمعة . والجميع عندنا حجة الا اللقب . وأنكر أبو حنيفة الجميع« (البحر المحيط 4-14، . ولم يذكره البزدوي في أصوله حيث اكتفى بذكر دلالة الاقتضاء، وقال:»وأما الثابت بدلالة النص:فما ثبت بمعنى النص، لغة لا اجتهاداً، ولا استنباطاً، مثل قوله تعالى »ولا تقل لهما أفٍ« (سورة الاسراء:23، . هذا قول معلوم بظاهره، معلوم بمعناه . وهو الأذى، وهذا معنى يُفهم منه لغة، حتى شارك فيه غير الفقهاء أهل الرأي والاجتهاد . كمعنى الإيلام من الضرب، ثم يتعدى حكمه الى الضرب والشتم، بذلك المعنى، فمن حيث انه كان معنىً، لا عبارةً . لم نُسَمِّهِ نصّاً . ومن حيث أنه ثبت به لغة لا استنباطاً يسمى:دلالة، وانه يعمل عمل النص . وأما الثابت باقتضاء النص:فما لم يعمل إلا بشرط تقدم عليه . فإن ذلك أمر اقتضاه النص لصحة ما تناوله، فصار هذا مضافاً الى النص بواسطة المقتضى، وكان كالثابت بالنص . وعلامته:ان يصح به المذكور . ولا يُلغى عند ظهوره . ويصلح لما أريد به . فأما قوله تعالى:»واسأل القرية« (سورية يوسف:82، فإن الأهل غير مقتضى . لأنه اذا ثبت لم يتحقق في القرية ما أضيف اليه، بل هذا من باب الاضمار، لأن صحة المقتضى ان يكون لصحة المقتضي . ومثاله:الأمر بالتحرير، للتكفير مقتضٍ للملك . ولم يُذكر هذا لبيان معرفة تفسير هذه الأصول لغة، وتفسير معانيها، وبيان ترتيبها« . (أصول البزدوي 1-72 - 78، وللتفرق بين المقتضى، والمقتضي، نقول:في قوله:»اعتق رقبة« . أ - الأمر بالعتق - في الكفارة - هو:المقتضي للزيادة . ب - وصحة مُلْكِ العبد هي:المقتضى للتكفير . والمقتضى، بمعنى المفعول . وهو الزيادة . ج - دلالة الشرع على ان الكلام لا يصح إلا بالزيادة هو: الاقتضاء . وتعريف المقتضى:»هو الشيء الذي لم يعمل النص - اي لم يُفد شيئاً، ولم يوجب حكماً إلا بشرط تقدم ذلك الشيء على النص . وإنما سمي هذا الشيء:بالمقتضى، لأنه أمرٌ اقتضاه النص، وانما شرطه:تقدمه عليه . لأن ذلك أمر اقتضاه النص، لصحة ما تناول النص إياه . فتكون صحة النص متوقفة عليه، توقف المشروط على الشرط . فيقدم لا محالة، ولما اقتضى النص ذلك الشيء لصحته صار ذلك الشيء مضافاً الى النص بواسطة اقتضاء النص إياه . أي:المقتضى:عبارة عن زيادة على المنصوص بشرط تقديمه ليصير المنظوم مفيداً، أو موجباً للحكم، وبدونه لا يمكن إعمال المنظوم« . (شرح البزدوي 1-75، وهذا رأي الأحناف بدلالة الاقتضاء . أما الآمدي الشافعي المتكلم فقد قسم دلالات الألفاظ الى دلالات المنظوم، ودلالات غير المنظوم، وعرف دلالة غير المنظوم بقوله:»وهو ما دلالته لا بصريح صيغته ووضعه . وذلك لا يخلو إما ان يكون مدلوله مقصوداً للمتكلم، أو غير مقصود . فإن كان مقصوداً، فلا يخلو إما ان يتوقف صدق المتكلم، او صحة الملفوظ به عليه . أو لا يتوقف . فإن توقف:فدلالة اللفظ عليه تسمى:دلالة الاقتضاء . وان لم يتوقف، فلا يخلو إما ان يكون: مفهوماً في محل تناوله اللفظ نطقاً، أو لا فيه . فإن كان الأول:فتسمى دلالته:دلالة التنبيه والايماء . وان كان الثاني:فتسمى دلالته:دلالة المفهوم . وأما ان كان مدلوله غير مقصود للمتكلم، فدلالة اللفظ عليه تسمى:دلالة الاشارة« . (أحكام الآمدي 3-60، وقد ذكر الآمدي من أنواع مفهوم المخالفة:مفهوم الصفة، ومفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم الحصر، ومفهوم اللقب، ومفهوم الاسم المشتق الدال على الجنس، ومفهوم التخصيص بالأوصاف، ومفهوم الاستثناء، ومفهوم العدد، ومفهوم حصر المبتدأ في الخبر . وجاء ابن الساعاتي (الحنفي، فجمع في كتابه بين أصول البزدوي واحكام الآمدي، وعقد فصلاً »في وجوه اقتناص الحكم من النظم« (بديع النظام الورقة 172-ب، وضمنه العبارة، والاشارة، و»الدلالة المسماة مفهوم الموافقة، وفحوى الخطاب« (بديع النظام 173-آ، ودلالة الاقتضاء، وعقد فصلاً في المفــهوم »وهو ما دل علــىه اللفــظ في غير محل النــطق . وهو نوعان: موافــقة وهو الـدلالة كما مر، ومخــالفة وهو:ان يكون المــسكوت عنه مخالفاً للمنطوق في الحكم، ويسمى مفهوم دليل الخطاب، وليــس شيء منه حجة عندنا وهو أقسام منها: مفهوم الصـفة 176- ب ( . . .، ومفهوم الشرط 178-آ ( . . .، ومفهوم اللقب 179-ب ( . . .، ومــفهوم الحصر بانما 180-آ ( . . .، ومفهوم قران العطف 181-آ« . وهكذا نجد ان مفهوم المخالفة موضع خلاف بين المذاهب الاسلامية، كما انه موضع خلاف بين العلماء . وقد نتج عن ذلك الخلاف وما أعقبه من جدل تقديم معلومات قيمة في مجال استنباط الاحكام من دلالات المنطوق، وبذلك تعمق علماء الأصول - اكثر من علماء باقي العلوم - بدراسة ما يدل عليه المنطوق من معانٍ غير منطوقة، فإذا كانت دلالة المنطوق المباشرة هي لحن الخطاب وفحوى الخطاب، فدلالته غير المباشرة هي دليل الخطاب الذي يسمى مفهوم المخالفة . 10759 (الحياة، . . . . . . . . . . .عام (العنوان:أصول الفقه في مقابل قصور الدراسات النحوية والبلاغية (٢ من ٢،