زاد المسير في علم التفسير ، تأليف أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي البكري

تحقيق : الدكتور محمد بن عبد الرحمن عبد الله

 

رابط تحميل الكتاب

اضغط icon zaad-al-maseyr-ibn-al-jawzi.zip (2.82 MB)  هنا

*********

زاد المسير في علم التفسير
وهو كتاب متوسط في التفسير يجمع فيها أقوال المفسرين من المتقدمين وغيرهم، وأحيانا لايذكر صاحب القول وإنما يقول وفي قوله تعالى (ثم يذكر الآية) قولان أو ثلاثة ثم يسردها ، وأحيانا يرجح وأحيانا لايرجح ، ويتعرض كذلك للقراءات ، ويتعرض كذلك للمسائل الفقهية واللغوية
يقول الدكتور محمد بن عبد الرحمن عبد الله في مقدمة تحقيقه للكتاب حول منهج ابن الجوزي في التفسير:
زاد المسير في علم التفسير أحد أهم الكتب التي صنفها ابن الجوزي وقد نيفت على الثلاثمائة مصنف ، بل هو من أهم كتب التفسير للقرآن الكريم ، فقد عمد ابن الجوزي حين عقد النية على تأليفه إلى كتب الذين سبقوه في التفسير فقرأها وأشبعها دراسة ، وإلى العلوم المساعدة للمفسر ليلم بموضوعة تمام للالمام ورأى من خلا هذه الدراسة لمؤلفات السلف أن المفسرين قبله قد وقعوا في كثير التطيول تارة ، والتقصير طورا فاستفاد من الثغرات التي كانت في تفاسيرهم وألف تفسيره هذا مخلصا إياه في التطويل الممل ومن الاختصار المخل وقال في خطبة الكتاب : [ فأتيتك بهذا المختصر اليسير ، منطويا على العلم الغزير ، ووسمته بزاد المسير في علم التفسير ] وزاد المسير ببالغ عناية المؤلف في إخراجه له خصائص يمتاز بها : منها : أنه جاء بالالفاظ على قد المعاني ، بل حمل الالفاظ في بعض الاحيان أكبر طاقة لها بمن المعاني .
وقد قال في المقدمة : " وقد بالغت في ا ختصار لفظه "
ومنها : أنه حين تفسير كل آية من الا يات أورد كل روايات أسباب نزولها مما يفيد القارئ إضافة إلى المعنى معرفة في سبب نزول الاية وتعمقا في جوها .
ومنها : أنه تحدث عمن نزلت بعض الايات فيهم
ومنها : أنه ذكر القراءات المشهورة ، وأحيانا الشاذة . ومنها : أنه توقف عند الايات المنسوخة ، والتي اختلف العلماء حولها أمنسوخة هي أم لا ؟ وأورد أقوال العلماء في ذلك .

********

زاد المسير في علم التفسير
ابن الجوزي
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرفنا على الأمم بالقرآن المجيد، ودعانا بتوفيقه على الحكم الى الأمر الرشيد، وقوم به نفوسنا بين الوعد والوعيد، وحفظه من تغيير الجهول وتحريف العنيد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
أحمده على التوفيق للتحميد، وأشكره على التحقيق فى التوحيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يبقى ذخرها على التأبيد وأن محمدا عبده ورسوله أرسله الى القريب والبعيد، بشيرا للخلائق ونذيرا، وسراجا فى الأكوان منيرا، ووهب له من فضله خيرا كثيرا، وجعله مقدما على الكل كبيرا، ولم يجعل له من أرباب جنسه نظيرا، ونهى أن يدعى باسمه تعظيما له وتوقيرا، وأنزل عليه كلاما قرر صدق قوله بالتحدي بمثله تقريرا، فقال: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. الاسراء88 فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأشياعه، وسلم تسليما كثيرا.
لما كان القرآن العزيز أشرف العلوم، كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وإنى نظرت فى جملة من كتب التفسير، فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه، وصغير لا يستفاد كل المقصود منه والمتوسط منها قليل الفوائد، عديم الترتيب، وربما أهمل فيه المشكل، وشرح غير الغريب، فأتيتك بهذا المختصر اليسير، منظويا على العلم الغزير ووسمته ب:
زاد المسير فى علم التفسير
وقد بالغت فى اختصار لفظه، فاجتهد وفقك الله فى حفظه، والله المعين على تحقيقه، فما زال جائدا بتوفيقه.
فصل في فضيلة علم التفسير
روى أبو عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود قال: كنا نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر فلا نجاوزها الى العشر، الآخر حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل:
وروى قتادة عن الحسن أنه قال: ما أنزل الله آية إلا أحب أن أعلم فيم أنزلت وماذا عني بها.
وقال إياس بن معاوية: مثل من يقرأ القرآن ومن يعلم تفسيره أو لا يعلم، مثل قوم جاءهم كتاب من صاحب لهم ليلا، وليس عندهم مصباح، فتداخلهم لمجىء الكتاب روعة لا يدرون ما فيه، فإذا جاءهم المصباح عرفوا ما فيه.
فصل
اختلف العلماء: هل التفسير والتأويل بمعنى، أم يختلفان؟ فذهب قوم يميلون الى العربية إلى أنهما بمعنى،
وهذا قول جمهور المفسرين المتقدمين. وذهب قوم يميلون الى الفقه الى اختلافهما، فقالوا: التفسير: إخراج الشيء من مقام الخفاء الى مقام التجلى. والتأويل: نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج فى إثباته الى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، فهو مأخوذ من قولك: آل الشيء الى كذا، أي صار إليه.
فصل فى مدة نزول القرآن.
روى عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ فى ليلة القدر الى بيت العزة ثم أنزل بعد ذلك فى عشرين سنة.
وقال الشعبى: فرق الله تنزيل القرآن، فكان بين أوله وآخره عشرون سنة.
وقال الحسن: ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة، أنزل عليه بمكة ثمانى سنين.
فصل
واختلفوا فى أول ما نزل من القرآن، فأثبت المنقول: أن أول ما نزل: {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ } العلق: 1 رواه عروة عن عائشة وبه قال قتادة وأبوا صالح.
وروي عن جابر بن عبد الله أن أول ما نزل {يأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ } المدثر: 1 والصحيح أنه لما نزل عليه {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ } رجع فتدثر فنزل: {يأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ } يدل عليه ما أخرج فى «الصحيحين» من حديث جابر قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحى، فقال فى حديثه: فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي، فاذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه رعبا، فرجعت فقلت: زملوني، زملوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى: {يأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ } ومعنى جثثت: فرقت. يقال: رجل مجؤوث ومجثوث وقد صحفه بعض الرواة فقال: جبنت من الجبن، والصحيح الأول. وروي عن الحسن وعكرمة: أن أول ما نزل: {بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }.
فصل
واختلفوا في آخر ما نزل، فروى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس، قال: آخر آية أنزلت على النبى صلى الله عليه وسلم: آية الربا: وفي أفراد مسلم عنه: آخر سورة نزلت جميعا {إِذَا جَاء نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } النصر1: وروى الضحاك عن ابن عباس قال: آخر آية أنزلت {وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } البقرة: 281 وهذا مذهب سعيد بن جبير وأبي صالح وروى أبو إسحاق عن البراء قال: آخر آية نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } النساء: 176 وآخر سورة نزلت {بَرَاءةٌ } وروي عن أبي بن كعب:
أن آخر آية نزلت: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ } التوبة: 138 الى آخر السورة.
فصل
لما رأيت جمهور كتب المفسرين لا يكاد الكتاب منها يفي بالمقصود كشفه حتى ينظر للآية الواحدة فى كتب فرب تفسير أخل فيه بعلم الناسخ والمنسوخ، أو ببعضه، فإن وجد فيه لم يوجد أسباب النزول، أو أكثرها، فإن وجد لم يوجد بيان المكي من المدني، وإن وجد ذلك لم توجد الإشارة الى حكم الآية، فإن وجد لم يوجد جواب إشكال يقع فى الآية، إلى غير ذلك من الفنون المطلوبة.
وقد أدرجت فى هذا الكتاب من هذه الفنون المذكورة مع ما لم أذكره مما لا يستغني التفسير عنه ما أرجو به وقوع الغناء بهذا الكتاب عن أكثر ما يجانسه.
وقد حذرت من إعادة تفسير كلمة متقدمة إلا على وجه الإشارة، ولم أغادر من الأقوال التى أحطت بها إلا ما تبعد صحته مع الاختصار البالغ، فإذا رأيت في فرش الآيات ما لم يذكر تفسيره، فهو لا يخلو من أمرين؛ إما أن يكون قد سبق، وإما أن يكون ظاهرا لا يحتاج الى تفسير.
وقد انتقى كتابنا هذا أنقى التفاسير، فأخذ منها الأصح والأحسن والأصون، فنظمه في عبارة الاختصار. وهذا حين شروعنا فيما ابتدأنا له والله الموفق.
فصل في الاستعاذة
قد أمر الله عز وجل بالاستعاذة عند القراءة بقوله تقالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } النحل 98 ومعناه: إذا أردت القراءة. ومعنى أعوذ: ألجأ وألوذ.
فصل فى:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن عمر: نزلت في كل سورة. وقد اختلف العلماء: هل هي آية كاملة، أم لا؟ وفيه عن أحمد روايتان. واختلفوا: هل هي من الفاتحة، أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان أيضا. فأما من قال: إنها من الفاتحة، فإنه يوجب قرائتها في الصلاة إذا قال بوجوب الفاتحة وأما من لم يرها من الفاتحة، فإنه يقول: قراءتها في الصلاة سنة. ما عدا مالكا فإنه لا يستحب قراءتها في الصلاة.
واختلفوا في الجهر بها في الصلاة فيما يجهر به، فنقل جماعة عن أحمد: أنه لا يسن الجهر بها، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وابن مغفل، وابن الزبير، وابن عباس، وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم: الحسن، والشعبي، وسعيد بن جبير، وإبراهيم، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش، وسفيان الثوري، ومالك، وأبو حنيفة،
وأبو عبيد في آخرين.
وذهب الشافعي إلى أن الجهر مسنون، وهو مروي عن معاوية بن أبي سفيان، وعطاء، وطاووس، ومجاهد.
فأما تفسيرها:
فقوله:«بسم الله» اختصار كأنه قال: أبدأ بسم الله. أو: بدأت باسم الله. وفي الإسم خمس لغات: إسم بكسر الألف، وأسم بضم الألف إذا ابتدات بها، وسم بكسر السين، وسم بضمها، وسما. قال الشاعر:
والله أسماك مباركا   آثرك الله به إيثاركا
وأنشدوا: باسم الذي في كل سورة سمه
قال: الفراء بعض قيس يقولون: سمه يريدون: اسمه، وبعض قضاعة يقولون: سمه. أنشدني بعضهم:
وعامنا أعجبنا مقدمه   يدعى أبا السمح وقرضاب سمه
والقرضاب: القطاع، يقال: سيف قرضاب.
واختلف العلماء في اسم الله الذي هو «الله»:
فقال قوم: مشتق وقال آخرون: إنه علم ليس بمشتق. وفيه عن الخليل روايتان. إحداهما: أنه ليس بمشتق، ولا يجوز حذف الألف واللام منه كما يجوز من الرحمن. والثانية: رواها عنه سيبويه: أنه مشتق. وذكر أبو سليمان الخطابي عن بعض العلماء أن أصله في الكلام مشتق من: أله الرجل يأله: إذا فزع إليه من أمر نزل به. فألهه أي: أجاره وأمنه، فسمي إلها كما يسمى الرجل إماما، وقال غيره: أصله ولاه. فأبدلت الواو همزة فقيل: إله كما قالوا: وسادة و إسادة، ووشاح وإشاح
واشتق من الوله، لأن قلوب العباد توله نحوه. كقوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـئَرُونَ } النحل 53 وكان القياس أن يقال: مألوه، كما قيل: معبود، إلا أنهم خالفوا به البناء ليكون علما، كما قالوا للمكتوب: كتاب، وللمحسوب: حساب. وقال بعضهم: أصله من: أله الرجل يأله إذا تحير، لأن القلوب تتحير عند التفكر في عظمته.
وحكي عن بعض اللغويين: أله الرجل يأله إلاهه، بمعنى: عبد يعبد عبادة.
وروي عن ابن عباس انه قال: {وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ} الأعراف 127 أي عبادتك. قال: والتأله: التعبد. قال رؤبة:
لله در الغانيات المده   سبحن واسترجعن من تألهي
فمعنى الإله: المعبود.
فأما«الرحمن»:
فذهب الجمهور الى أنه مشتق من الرحمة، مبني على المبالغة، ومعناه: ذو الرحمة التي لا نظير له فيها.
وبناء فعلان في كلامهم للمبالغة، فإنهم يقولون للشديد الامتلاء: ملآن، وللشديد الشبع: شبعان.
قال الخطابي: في«الرحمن»: ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم، وعمت المؤمن والكافر.
و«الرحيم» خاص للمؤمنين. قال عز وجل: {وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } الاحزاب: 43 والرحيم بمعنى الراحم.
{بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ * ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }
روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن فقال: والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة: ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.
فمن أسمائها: الفاتحة، لأنه يستفتح الكتاب بها تلاوة وكتابة. ومن أسمائها أم القرآن، وأم الكتاب، لأنها أمت الكتاب بالتقدم. ومن أسمائها: السبع المثاني، وإنما سميت بذلك لما سنشرحه في الحجر إن شاء الله .
واختلف العلماء في نزولها على قولين. أحدهما: أنها مكية، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، والحسن، وأبي العالية وقتادة، وأبي ميسرة.
والثاني: أنها مدنية، وهو مروي عن أبي هريرة، ومجاهد، وعبيد بن عمير، وعطاء الخراسانى. وعن ابن عباس كالقولين.


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16407300
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة