كتاب طبقات فحول الشعراء، لابن سلام الجمحي

رابط تحميل الكتاب

اضغط icon Tabqat Fuhul al-shuaara- ibn Silam.zip (169.39 KB)  هنا

من مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

وأخبرنا أبو القاسم سليمان ابن أحمد بن أيوب الطبرانى قال : قرئ على الفضل بن الحباب وأنا أسمع أبو نصر أخبرك أبو سعد إذنا أنبا أبو نعيم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أسيد قال قرئ على القاضى قرأه عليه سنة إحدى وسبعين وثلثمائة قال القاضى وهو الفضل بن الحباب الجمحى أبو خليفة قال محمد بن سلام الجمحى :

ذكرنا العرب وأشعارها والمشهورين المعروفين من شعرائها وفرسانها وأشرافها وأيامها إذ كان لا يحاط بشعر قبيلة واحدة من قبائل العرب وكذلك فرسانها وساداتها وأيامها فاقتصرنا من ذلك على ما لا يجهله عالم ولا يستغنى عن علمه ناظر فى أمر العرب فبدأنا بالشعر وفى الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لا خير فيه ولا حجة فى عربية ولا أدب يستفاد ولا معنى يستخرج ولا مثل يضرب ولا مديح رائع ولا هجاء مقذع ولا فخر معجب ولا نسيب مستطرف وقد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب لم يأخذوه عن أهل البادية ولم يعرضوه على العلماء وليس لأحد إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شئ منه أن يقبل من صحيفة ولا يروى عن صحفى

 وقد اختلف العلماء بعد في بعض الشعر كما اختلفت في سائر الأشياء فأما ما اتفقوا عليه فليس لأحد أن يخرج منه

وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد ومنها ما يثقفه اللسان من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا تعرفه بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا تعرف جودتهما بلون ولا مس ولا طراز ولا وسم ولا صفة ويعرفه الناقد عند المعاينة فيعرف بهرجها وزائفها وستوقها ومفرغها ومنه البصر بغريب النخل والبصر بأنواع المتاع وضروبه واختلاف بلاده مع تشابه لونه ومسه وذرعه حتى يضاف كل صنف إلى بلده الذي خرج منه وكذلك بصر الرقيق فتوصف الجارية فيقال ناصعة اللون جيدة الشطب نقية الثغر حسنة العين والأنف جيدة النهود ظريفة اللسان واردة الشعر فتكون في هذه الصفة بمئة دينار وبمئتى دينار وتكون أخرى بألف دينار وأكثر ولا يجد واصفها مزيدا على هذه الصفة وتوصف الدابة فيقال خفيف العنان لين الظهر شديد الحافر فتى السن نقى من العيوب فيكون بخمسين دينارا أو نحوها وتكون أخرى بمئتى دينار وأكثر وتكون هذه صفتها

ويقال للرجل والمرأة فى القراءة والغناء إنه لندى الحلق طل الصوت طويل النفس مصيب للحن ويوصف الآخر بهذه الصفة وبينهما بون بعيد يعرف ذلك العلماء عند المعاينة والاستماع له بلا صفة ينتهى إليها ولا علم يوقف عليه وأن كثرة المدارسة لتعدي علي العلم به فكذلك الشعر يعلمه أهل العلم به

 قال محمد قال خلاد بن يزيد الباهلى لخلف بن حيان أبى محرز وكان خلاد حسن العلم بالشعر يرويه ويقوله بأى شئ ترد هذه الاشعار التي تروى قال له هل فيها ما تعلم أنت أنه مصنوع لا خير فيه قال نعم قال أفتعلم في الناس من هو أعلم بالشعر منك

قال نعم قال فلا تنكر أن يعلموا من ذلك أكثر مما تعلمه أنت وقال قائل لخلف إذا سمعت أنا بالشعر أستحسنه فما أبالى ما قلت أنت فيه وأصحابك قال إذا أخذت درهما فاستحسنته فقال لك الصراف إنه ردئ فهل ينفعك استحسانك إياه وكان ممن أفسد الشعر وهجنه وحمل كل غثاء منه محمد بن إسحاق بن يسار مولى آل مخرمة بن المطلب بن عبد مناف وكان من علماء الناس بالسير

قال الزهرى لا يزال فى الناس علم ما بقى مولى آل مخرمة وكان أكثر علمه بالمغازي والسير وغير ذلك فقبل الناس عنه الأشعار وكان يعتذر منها ويقول لا علم لى بالشعر أتينا به فأحمله ولم يكن ذلك له عذرا فكتب في السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرا قط وأشعار النساء فضلا عن الرجال ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود فكتب لهم أشعارا كثيرة وليس بشعر إنما هو كلام مؤلف معقود بقواف أفلا يرجع إلى نفسه فيقول من حمل هذا الشعر ومن أداه منذ آلاف من السنين والله تبارك وتعالى يقول فقطع دابر القوم الذين ظلموا أى لا بقية لهم وقال أيضا وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقال فى عاد فهل ترى لهم من باقية وقال وقرونا بين ذلك كثيرا وقال ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود

والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله

وقال يونس بن حبيب أول من تكلم بالعربية ونسى لسان أبيه إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما أخبرنى مسمع بن عبد الملك أنه سمع محمد بن علي يقول قال أبو عبد الله بن سلام لا أدري أرفعه أم لا وأظنه قد رفعه أول من تكلم بالعربية ونسى لسان أبيه إسماعيل ابن إبراهيم صلوات الله عليهما وأخبرنى يونس عن أبى عمرو بن العلاء قال العرب كلها ولد إسماعيل إلا حمير وبقايا جرهم

وكذلك يروى أن إسماعيل ابن إبراهيم جاورهم وأصهر إليهم ولكن العربية التي عنى محمد بن علي اللسان الذى نزل به القرآن وما تكلمت به العرب على عهد النبى وتلك عربية أخرى غير كلامنا هذا لم يجاوز أبناء نزار فى أنسابهم وأشعارهم عدنان اقتصروا على معد ولم يذكر عدنان جاهلى قط غير لبيد بن ربيعة الكلابى في بيت واحد قاله قال فإن لم تجد من دون عدنان والدا ودون معد فلتزعك العواذل وقد روى لعباس بن مرداس السلمى بيت في عدنان

قال وعك بن عدنان الذين تلعبوا بمذحج حتى طردوا كل مطرد والبيت مريب عند أبى عبد الله فما فوق عدنان أسماء لم تؤخذ إلا عن الكتب والله أعلم بها لم يذكرها عربى قط وإنما كان معد بإزاء موسى بن عمران صلي الله عليه أو قبله قليلا وبين موسى وعاد وثمود الدهر الطويل والأمد البعيد فنحن لا نقيم في النسب ما فوق عدنان ولا نجد لأولية العرب المعروفين شعرا فكيف بعاد وثمود فهذا الكلام الواهن الخبيث ولم يرو قط عربى منها بيتا واحدا ولا راوية للشعر مع ضعف أسره وقلة طلاوته

 وقال أبو عمرو بن العلاء في ذلك ما لسان حمير وأقاصى اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا فكيف بما علي عهد عاد وثمود مع تداعيه ووهيه فلو كان الشعر مثل ما وضع لابن إسحاق ومثل ما روى الصحفيون ما كانت إليه حاجة ولا فيه دليل على علم