برنامج الشعر والغناء، للاستماع
الحلقة: الحادية والخمسون
الشعر المغنى لشاعر صدر الخلافة الإسلامية العثمانية : فتح الله بن النحاس الحلبي
إعداد وتقديم د. محمود السيد الدغيم

الشعر المغنى لشاعر القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي : فتح الله بن النحاس الحلبي
وهذه الحلقة هي الحلقة : 51 من سلسلة برامج الشعر والغناء، ومدة الحلقة: 47 دقيقة
وبثت هذه الحلقة من راديو سبيكتروم بلندن الساعة الثامنة مساء يوم السبت:1/ 8/ 1998م
وأعيد بثها أكثر من مرة
وقدمت من هذا البرنامج عدة حلقات من إذاعة ام بي سي اف ام، وبثت من البرنامج ثلاثون حلقة من راديو دوتشي فيلي الاذاعة العربية الألمانية، وبثت عدة حلقات من الإذاعة السودانية ، وبثت بعض الحلقات من الإذاعة التونسية، وقدمت لاتحاد الإذاعات العربية ثلاثون حلقة، وبلغ عدد حلقات هذا البرنامج الأسبوعي مئة وعشر حلقات

***

{playerflv}/flv/ibn al- Nahhas - 1-8-1998.flv|333|44|#00ff40|{/playerflv}

****

ومن هنا يمكنكم تحميل حلقة الشاعر فتح الله بن النحاس الحلبي

 icon ibn al- Nahhas - 1-8-1998.ram (11.11 MB) 

***

فتح الله بن عبد الله، الشهير بابن النحاس: شاعر رقيق مشهور، من اهل حلب. قام برحلة طويلة، فزار دمشق والقاهرة والحجاز. واستقر في المدينة المنورة، ولبس زي الفقراء من الدراويش، وتوفى بها سنة 1052 هـ/ 1642م. وكان ابيَّ النفس، فيه شيء من العجب. اشهر شعره حائيته المرقصة التي مطلعها
بات ساجي الطرف والشوق يلح 
والعينية التي مطلعها
رأى اللوم من كل الجهات فراعه 
ولابن النحاس ديوان شعر مطبوع
قال ابن معصوم الحسني  في كتابه سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر
الشيخ فتح الله بن النحاس
نزيل المدينة المنورة
ناظم قلائد العقيان. وفاضح نغمات القيان. الشاعر الساحر. والباهر بما هو ألذ من الغمض في مقلة الساهر. فهو صانع ابريز القريض وإن عرف بابن النحاس. ومسترق حرق الكلام فما أشعار عبد بني الحسحاس. والمبرز في الأدب على من درج ودب. وحسبك أن لقبه الأدباء بمحك الأدب. ولو لم تكن له إلا حائيته التي سارت بها الركبان. وطارت شهرتها بخوافي النسور وقوادم العقبان. لكفته دلالة على انافة قدره. واشرقا شمسه في سماء البلاغة وبدره. وله ديوان شعر لم أره. ولكني سمعت خبره. وقصيدته المشار إليها هي قوله مادحاً الأمير محمد بن فروخ أمير حاج الشام
بات ساجي الطرف والشـوق يلـح
والدجى أن يمض جنح يات جـنـح
فكأنّ الـشـرق بـاب لـلـدجـى
ماله خوف هجوم الصبـح فـتـح
يقدح النـجـم لـعـينـي شـرراً
ولزند الشوق في الاحـشـا قـدح
لا تسل عن حال أربـاب الـهـوى
 يا ابن ودي ما لهذا الحـال شـرح
لست أشكو حال جفنـي والـكـرى 
إن يكن بيني وبين النـوم صـلـح
إنما حلى الـمـحـبـين الـبـكـا 
أي فضـل لـسـحـاب لا يسـح
يا نـدامـاي وأيام الـصــبـــا 
هل لنا رجع وهل للعمر فـسـح
صبحتك الـمـزن يا دار الـلـوى  كان لي فيها خلاعـات وشـطـح
حيث لي شغل بأجفـان الـظـبـا 
ولقلبي مرهـم مـنـهـا وجـرح
كل عيش ينقضـي مـا لـم يكـن 
مع مليح ما لذاك العـيش مـلـح
وبذات الطلـح لـي مـن عـالـج 
وقفة أذكرها ما اخضـل طـلـح
حيث منا الركب بالركب الـتـقـى
وقضى حاجاته الشوق الـمـلـح
لا أذم الـعـيس لـلـعـــيس يد
في تلاقينا ولـلأسـفـار نـجـح
قربت مـنـا فـمـا نـحـو فـم
واعتنقا فالتقى كـشـح وكـشـح
وتـزودت شـذا مـن مـرشـف
بفمي منه إلـى ذا الـيوم نـفـح
وتعاهدنا علـى كـاس الـلـمـى
أنني ما دمت حياً لسـت أصـحـو
يا ترى هل عند من قـد رحـلـوا
أن عيشي بعـدهـم كـدّ وكـدح
كم أداوي القلب قلـت حـيلـتـي
كلما داويت جرحـاً سـال جـرح
ولكـم أدعـو ومـا لـي سـامـع
فكـأنـي عـنـدمـا أدعـو أبـح
حسنوا الـقـول وقـالـوا غـربة
إنما الـغـربة لـلأحـرار ذبـح
أشتكي برح الـجـوى إن لـم يرى
كابن فروخ فتي لـم يشـك بـرح
ابن مـن كـان لـعـاب سـيفـه
ماله الأبا على الـقـرن مـسـح
فإذا قـيل ابـن فـروخ أتـــى
سقطوا لـو أن ذاك الـقـول زح
كل مـن أسـهـره مـن رعــيه
نومه اليوم بظل الـسـيف سـدح
بطل لو شـاء تـمـزيق الـدجـى
لأتاه من عمود الـصـبـح رمـح
بأبـي أفـدي أمـــيري إنـــه
صادق القول نقي العرض سمـح
كلما قـد قـيل مـن تـرجـيحـه
في الندى أو في الوغى فهو الأصح 
كم طروس بالـقـنـا يكـتـبـهـا
وسطور بلسان الـسـيف يمـحـو
يا عروس الخـيل والـسـيف لـه
من قراع الخيل والابطـال صـدح
يا رحان الحرب والـخـيل لـهـا
في حياض الموت بالفرسان سبـح
حط سيف الجود في حظـى الـذي
هو كـالـدهـر يمـنّـى ويشـح
وانتقذنـي واتـخـذنـي بـلـبـلاً
صدحه بـين يدي عـلـياك مـدح
طالـع الادبـار مـالـي ولـــه
إن يكن من كوكب الاقبال لـمـح
كل بيت في الـعـلـى أنـحـتـه
من نضيد الدر والياقـوت صـرح
ناطق عنـي بـالـفـضـل الـذي
أن يباري فله في الـفـوز قـدح
بقـواف كـسـقـيط الـطـل أو
أنها من وجنـات الـغـيد رشـح
خلقت طـوى يدي كـيمـا تـرى
لا كمن يتبعـهـا وهـي تـشـح
وله أيضاً رأى اللوم من كل الجهات فراعه
فلا تنكروا اعراضه وامتناعـه
ولا تسألوه عن فؤادي فـإنـنـي
علمت يقيناً أنه قـد أضـاعـه
له اللّه ظبياً كل شـيء يروعـه
فيا ليت لي شيأ يزيل ارتياعـه
ويا ليته لو كان من أول الهـوى
أطاع عذولي واكتفينا نـزاعـه
فما راشنا بالسوء إلا لـسـانـه
وما خرب الدنيا سوى ما أشاعه
أشاع الذي أغرى بنا السن العدي
وطير عن وجه التغالي قناعـه
وأصبح من أهوى على فيه قفلة
يكتّم خوف الشامتين انفجـاعـه
وآلي عليّ أن لا أقيم بـأرضـه
واحرمني يوم الفـراق وداعـه
  فرحت وسيري خطوة والـتـفـاتـه
إلى فائت منه أرجى ارتـجـاعـه
ذرعت الفلا شرقاً وغربـاً لأجـلـه
وصيرت أخفاف المـطـي ذراعـه
فلم يبق أرض ما وطئت بـسـاطـه
ولم يبق بحر ما رفعـت شـراعـه
كأني ضمير كنت في خاطر النـوى
أحاط به واشي السـرى فـأذاعـه
أخلاي من دار الهوى زارها الـحـيا
ومد إليها صالـح الـغـيث بـاعـه
بعيشكم عوجوا على من أضاعـنـي
 وحيوه عنـي ثـم حـيوا ربـاعـه
وقولوا فلان أوحشـتـنـا نـكـاتـه 
وما كان أحلى شعره وابـتـداعـه
فتى كان كالبنيان حـولـك واقـفـاً
فليتك بالحسنى طلبـت انـدفـاعـه
أبحت العدى سمعاً فلا كانت العـدى
متى وجدوا خرقاً أحبوا اتـسـاعـه
فكنت كذي عبد هو الرجل والعصـى
تجنى بلا ذنـب عـلـيه فـبـاعـه
لكل هوى واش فإن ضعضع الهـوى
فلا تلم الواشي ولا مـن أطـاعـه
إذا كنت تسقي الشهد ممن تـحـبـه
فدع كل ذي عدل يبـيع فـقـاعـه
وقولوا رأينا من حمدت افـتـراقـه
ولم ترنا من لم تـذم اجـتـمـاعـه
وأنىّ الذي كالسيف حـداً وجـوهـراً
لمن رام يبلو ضره وانـتـفـاعـه
وما كنتـمـا إلا يراعـاً وكـاتـبـاً
فمل والقى فـي الـتـراب يراعـه
فإن أطرق الغضبان أو خط في الثرى
فقولوا فقد ألقى إليكـم سـمـاعـه
وقال مضمناً
لا يدعي بدر لوجهك نـسـبة
فأخاف أن يسود وجه المدعي
والشمس لو علمت بأنك دونهـا
هبطت إليك من المحل الأرفع 
ثم وقفت على ديوانه الذي هو درج الدر. ودرج الكلام الحر. وروض الأدب الغض. وسوق رفيقه الناصع البض. فاخترت منه ما لا يرد على سمع انسان إلا وصدر باستجادة واستحسان. فمن قوله يمدح الشيخ أبا الاسعاد بن وفا
قد نفـذت ذخـائر الـفـؤاد 
فكم أرّبى الدمع للـسـهـاد
فؤاد من يحب مثـل دمـعـه 
ودمعه مـظـنة الـنـفـاد
إذا هدى الليل فطيف مقلتـي  يظل بالنـزيف غـير هـاد
ومن بكى من النوى فقد رأى  بعينه تـقـطـع الأكـبـاد
تمايلوا على الجـمـال مـيلة  فعلموها مشية الـتـهـادي
وما سمعت بالغصون قبلهـم  مشت بها أكثـبة الـبـوادي
فإن تجديدي علـى تـرئبـي  فلا تقل لـغـيبة الـفـؤادي
وإنما رفـعـتـهـا لأنـهـا  كانت لهم حـمـائل الأجـياد
حمر الخدود إن تغب فشكـلا  بناظـريّ داخـل الـسـواد
لأجل ذا الدمع جرى يسوقهـا  ونظم الياقوت فـي نـجـاد
لا وأبي ومن يقـل لا وأبـي  فإنـهـا الـيّة الأمـجــاد
ما عثر الغمض بذيل ناظري  ولا انثنت لطيفهـم وسـادي
وهب رشاش مقلتـيّ جـائلاً  فأين منهـا زلـق الـرفـاد
آه وآه إن تكن مـلأ فـمـي  فإنها مضمضة الـصـوادي
قد نقض السمع حديث غيرهم  كما نقضت الصبر من فؤادي 
أعاذلي ولـلـهـوى غـواية  بعت بها كما ترى رشـادي
ولعت بي وشعلتـي كـمـينة  كقادح يعـبـث فـي زنـاد
دع الهوى يلعب بي وإن تشـا  فعدّني مـن عـذبـات وادي
ما لحق اللوم غبار عـاشـق  حدا به من المـشـيب حـاد
أما ترى الأقاح حول لمـتـى  حكى ابتسام البرق في الدادي
بشرني طلـوعـه بـأن لـي  صبح وصال لدجـى بـعـاد
ولم أقل مناصـل تـجـردت  وأركزت بجانب الأغـمـاد
كان بيض الشعرات الـسـن  على ضياع رونقي تـنـادي
لبست ما أضاعني فأسـوتـي  كأسوة ما انجر في الـرمـاد
وحاك في الشعر ضياء خـيمة  ذات طنابـين إلـى الأفـواد
كأنها عمـامة لـبـسـتـهـا  من يد مولانا أبي الاسـعـاد
مجرد العزم فرنده الـتـقـى  وغمـده تـبـسـم الأجـواد
ما عرك الجدب أريم أرضـه  ومن يدية فوقـهـا غـوادي
أما ولو ببـابـه لاذ الـدجـى  لما اختشى خطب صباح عاد
أو دخل النهار تـحـت ذيلـه  ما زحف الليل على العـبـاد
رايته ومن راي بني الـوفـا  فقـد راي أهـل الأعــياد
الضاربين رفرفا على العلـى  الواضحين غـرر الـرشـاد
هم البحار إن حبوا أو احتبـوا  قلنا الحبى دارت على الأطواد 
تميزوا في الأولياء مثـل مـا  تميز الملوك فـي الأجـنـاد
هم الذين فرعوا خـصـائص  الملوك من خصاصة الزهـاد
قد نقد المجد لهم صفـاتـهـم  نقد شباة الحسن في الـجـياد
وقد رأيت فرقدي بنى الـوفـا  كلاهما لمـن يضـل هـادي
كلاهما متبع فضـل وهـدى  يكرع منه حـاضـر وبـادي
فيا مفيض البـركـات ذكـره  إن نفدت راحلـتـي وزادي
أرسلني الحب إليك قـاصـداً  وارتجى كرامة الـقـصـاد
وفي يدي من المديح تـحـفة  قليلة لـمـثـلـهـا الأيادي
وباثنتين منك إن أجـزتـنـي  غنيت عن جـوائز الانـشـاد
بنـظـرة جـالـبة الــوداد  ودعوة قـامـعة الـفـسـاد
وآه يا رب عـسـى عـنـاية  وتستقال عـثـرة الـجـواد
وتستقر مقلتـي بـمـلـئهـا  واكتفي من الوري جـهـادي
كم أزرع الشكر وما لزرعـه  إذا أتى الابّان مـن حـصـاد
واتبع الهـوي بـكـل غـادر  ليس هواه في سوي عنـادي
ولى حظوظ لا تفـيد جـمـلة  كما يحظ الطفل بـالـمـداد
تشعبت من الصبي وناصبـت  على السري مخارم الـبـلاد
بين هوي لـخـاتـل ومـدحة  لبـاخـل وفـرقة لـغـادي
فانفث الرقى علـى مـخـيل  واطلب الحراك من جـمـاد
نفرت من قصـائدي لأنـهـا  إلى الكثير سلم الـتـعـادي
لا أسف على ذوات أسـطـر  فإنـهـا مـراود الأحـفـاد
اليّة لولا هوى بنـي الـوفـا  منزل منـزلة اعـتـقـادي
وإن تكن منكم لنا الـتـفـاتة  تتبت لي في شهرة الـسـداد
لما نظمت قولـه لـقـولـه  من القوافي الصعبة الـقـياد
لكننـي ادخـرتـهـا وسـيلة  ونعم ما ادخرت من عـبـاد
وقوله يمدح الأمير منجك
مالـكـتـي تــمـــلـــكـــي.  الـنـفـس لـن تـمـلـــكـــي
وهي لكي أطوع مـن رعـية لـمـلـك
إن تأمري تطع وإن تدعى بها تـلـبـك
مهلك بي يا مطلبي دونك ألف مـهـلـك 
فإن بعدت تحرقي وإن دنوت تـفـتـك
وإن صبرت لم أطق وإن خضعت نرمـك 
وإن طرقت خفية أهلـك بـين أهـلـك
أين لطير مهجتي الخلاص من ذا الشرك 
عيش الخلى قد صفا يا قلب فاسل واترك
واقصد بنا سبيل من راح خلـياً واسـلـك 
مامز يبيت شاكراً كمن يبيت مشتـكـى
فاخلع عن العشاق ثوب جسمك المنهتـك
 وانتهز الفرصة قبل فوتهـا واسـتـدرك
هذا الربيع مقبل يصـحـب آل بـرمـك 
يكسو لاعطاف الربا غلائلاً لـم تـحـك
وحل في نحورها عقـود در الـحـبـك
 حتى كأنها بها مجلسنـا فـي الـفـلـك
والنرجس اصطفت وما أحسن صف الملك
 زبرجد في فضة في ذهب لـم يسـبـك
  يرنو بلحظ عاشق ممدع الطـل بـكـى
 والورد من سكرته على الغصون متكى
يمسك أذيال الصبا بكفه الـمـمـسـك
 كوجنة العذراء إن قلت لها هيت لكـي
والنهر في يد النسيم كالقبا الـمـفـرك
 وللغصون حوله دلائل المـنـهـمـك
ألقت شباك الظل فاصطادت لخيل السمك
 والاقحوان ضاحك بمبسم لم يضـحـك
والياسمين عرفه الفض له عرف زكـي
 والطير في مغرد ووالـه مـرتـبـك
في روضة كأنها وصف الأمير المنجكي
 من حار في أوصافه كل لبيب وذكـي
بحر وفيه بالثنا الـثـنـا كـالـفـلـك 
ترى العيون عنده البحار مثل الـبـرك
وفكره أهدى لنا وشى بـلاد الـيزبـك 
من كل بيت يحتوي ابنة كسرى الملـك
له أكف مسكت مسنه غير مـمـسـك 
تفتك في أمواله فتك المهافي النـسـك
مشت به لاهية من عقدها المـفـكـك 
فالدرّ ملأ مسمعي فيه وملأ الحـنـك
ملكت رقي سيدي أفديك من مـمـلـك  لك
 المعالي وعلى الفضل ضمان الدرك
وقوله يمدح بعض أكابر عصره
 إلى مَ انتظاري للوصـال ولا وصـل 
وحتى م لا تدنـو إلـيّ ولا أسـلـو
وبين ضلوعي زفـرة لـو تـبـوّأت  فؤادك ما أيقنت أن الهوى سـهـل
جميلاً بصب زاره النـائي صـبـوة  ورفقاً بقلب مسه بعـدك الـخـبـل
إذا طرفت منك العـيون بـنـظـرة  فأيسر شيء عند عاشقك الـقـتـل
أمنعمة بالزورة الـظـبـية الـتـي  بخلخالها حلم وفي قرطهـا جـهـل
ومن كل ما جردتها مـن ثـيابـهـا  كساها ثياباً غيرها الفاحم الـخـبـل
سقى المزن أقواماً بوعـسـاء رامة  لقد طلعت بيني وبينهـم الـسـبـل
وحى زماناً كلمـا جـئت طـارقـاً  سليمي أجابتني إلى وصلها جـمـل
تود ولا أصبـو وتـوفـي ولا أفـي  وانائي ولا تنائى وأسلو ولا تسـلـو
إذا الغصن غصن والشبـاب بـمـائه  وجيد الرضى من كل ناتئة عـطـل
ومن خشية النار التي فرق وجنـتـي  تقاصر أن يدنو بعارضي الـنـمـل
بروحي من ودعتهـا ومـدامـعـي  كسمط جمان جن من سمطه الجبـل
كان قلاص المـالـكـية نـوخـت  على مدمعي فارفضّ من مدره الابل 
وما ضربت تلك الخـيام بـعـالـج  لقصد سوى أن لا يصاحبني العقـل
وجدب كان العيس فـيه إذا خـطـو  تسابق ظلاً أو يسابقـهـا الـظـل
يسمن بنا الانضاء حـتـى كـأنـنـا  جياد رحى أو أرضنا معنـا قـفـل
إذا عرضت لـي مـن بـلاد مـذلة  فأيسر شيء عندي الوخد والـرحـل
وليس اعتساف البيد عن مربـع الأذى  بذل ولكـن الـمـقـام هـو الـذل
وما أنا ممن إن جهـلـت خـلالـه  أقامت به القامات والأعين النـجـل
وكل رياض جئتـهـا لـي مـرتـع  وكل أناس أكرمونـي هـم الأهـل
ولي باعتمادي أبلج الـوجـه راشـد  عن الشغل في آثار هذا الورى شفل
همام رست للمجد في جنب عزمـه  جبال جبال المجد في جنبها سـهـل
وليث هـياج مـاعـيين جـفـونـه  من الكحل إلا والعجاج لها كـحـل
يقوم مقام الجيش إن غـاب جـيشـه  ويغمد حد النصل إن غمد النـصـل
زكت شرفاً أعـراقـه وفـروعـه  وطابت لنا منه الفضائل والـفـعـل
إذا لم يكن فعل الأمـير كـأصـلـه  كريماً فما تغنى المناسب والأصـل
من النفر الـغـر الـذين تـأنـفـوا  مدا الدهر أن يأتي ديارهم النـجـل
كرام إذا رامـوا فـطـام ولـيدهـم  عن الثدي خطوا النجل فانفطم الطفل
  ليوث إذا صالوا عيوث إذا هـمـوا  بحور إذا جادوا سيوف إذا سلـوا
وإن خطبوا مجداً فإن سـيوفـهـم  مهور وأطراف القنا لهـم رسـل
إذا قلوا تناىء العلا حيث ما نـأوا  وإن نزلا حلّ الندى أين ما حلـوا
توالت على كسب الثناء طباعـهـم  فأعراضهم حرم وأموالهـم حـل
أمولاي أن تمضي فغيض سما العدا  وقامت قناة الدين وانتشر العـقـل
وإن يك قد أفضى الزمان بسـالـم  فإنك روض الوبل إن ذهب الوبل
إليك ارتمت فينا قلوص كـأنـهـا  قسّى بأسفـار كـأنـهـم نـبـل
وما زجر الانضاء سوطي وإنـمـا  إليك بلا سوق تسـاوفـت الابـل
وكل لحاظ لست انسانـهـا قـذى  وكل بلاد لست صيبهـا مـحـل
وقوله من قصيدة
من رام يعبث بالـخـدود  فدونها خرط الـقـتـاد
وحذار مخضوب البـنـا  ن إذا تمكن مـن فـؤاد
فامسح بأذيال الـصـبـا  عن ملقتيك صدى الرقاد
هل هذه بكـر الـربـى  أم هذه غرر الـرشـاد
وانهض لكسب جديد عـم  ر من بكورك مستـفـاد
واقنع بظلـك أو بـظـل  الروض عن ظل العبـاد
ما راج من طلب المعيشة  بين اخـوان الـكـسـاد
لا يعجبـنـك لـين مـن  أبصرته سهـل الـقـياد
وأبيك ما لانـت لـغـير  الطعن ألسنة الصـعـاد
لا تشتهي وجع الـفـؤاد  مضى زمان الاتـحـاد
وقوله من أخرى
أنا والحاصل طـرزي  في الهوى مثلي غريب
حسراتي هي دمـعـي  ولها قلـبـي قـلـيب
ليس لي مـال ولـكـن  ذهب قولي صـبـيب
من بني الجنس ولكنـي  مع الـغــزلان ذيب
كل يوم لـي صــلاح  بخلاعاتـي مـشـوب
ومتى أمكنت الفـرص  ة أجـنـي وأتــوب
في الهوى صح اجتهادي  فأنا المخطي المصيب
هذه حالـتـي وأحـوا  ل بني العشق ضروب
وقوله من أخرى
 أطلق لساني واسمع عجائبـه  إن كنت ممن يهزه الطـرب
أنا امرؤ صنعتي التغزل والم  دح وقنى الانشاء والخطـب
تلقى المعاني إلى زهرتـهـا  فاجتنيها والغير يحـتـطـب
وكم بيوت ملأتـهـا حـمـاً  وهن إن شئت خرد عـرب
أسوغ من جرعة الزلال على  القلب وفي خلق ساعدي لهب 
وربما ملت للمجون فما عذب  رضاب الظباء ما الضـرب
أحل سحر البيان فـي ذهـب  القول فأسبى به فاحتابـسـو
وقوله
إن الكوكب السيار في كل بلـدة  تراعيه أعيان العلى وتجـلـه
تطوف على سمع البلاد قصائدي  ويخدمني سهل الكلام وجزلـه
وقوله
توهمت إذ مرت بنـا الـغـيد بـكـرة  تلهب خال فـي لـظـى خـد أغـيد
ورددت طـرفـي ثـانـياً فـرأيتــه  فؤادي الذي قد ضاع في الحب من يدي 
تنبيه: لمحت بقولي في أول الترجمة فما أشعار عبد بني الحسحاس إلى قوله
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له
يوم الفخار مقام التبر والـورق
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرمـاً
أو أسود اللوم إني أبيض الخلق
وعبد بني الحسحاس هذا اسمه سحيم وقيل حية والأول أشهر كان عبداً أسود نوبياً أعجمياً مطبوعاً في الشعر اشتراه بنو الحسحاس فنسب إليهم وهم بطن من بني أسد وقد أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ويقال إنه تمثل بكلمة من شعره غير موزونة وهي كفى بالاسلام والشيب للمرء ناهياً فقال له أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يا رسول الله إنما قال الشاعر كفى الشيب والاسلام للمرء ناهياً فجعل لا يطيقه فقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أشهد أنك رسول الله وما علمناه الشعر وما ينبغي له ويقال أنه أنشد عمر رضي الله تعالى عنه قوله
عميرة ودع إن تجهـزت غـادياً
كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا 
فقال له عمر رضي الله عنه لو قلت شعرك كله مثل هذا لأعطيتك عليه وعن محمد ابن سلام قال كان عبد بني الحسحاس حلو الشعر رقيق الحواشي وفي سواده يقول
وما ضر أثوابي سوادي وإنـنـي
لكالمسك لا يسلو عن المسك ذائقه 
كسيت قميصاً ذا سواد وتـحـتـه
قميص من الاحسان بيض بنائقـه
وعن أبي سهر قال أخبرني بعض الأعراب أن أول ما تكلم به عبد بني الحسحاس من الشعر أنهم أرسلوه رائداً فجاء وهو يقول
أنعت غيثاً حسناً نباته  كالحبشي حوله بناته 
فقالوا شاعر والله ثم نطق بالشعر بعد ذلك وحكى محمد بن سلام قال أتى عثمان بعبد بني الحسحاس ليشتريه فأعجب به فقيل له أنه شاعر وأرادوا أن يرغبوه فيه فقال لا حاجة لي فيه إذ الشاعر لا حريم له إن شبع شبب بنساء أهله وإن جاع هجاهم فاشتراه غيره فلما رحل به قال في طريقه
أشوقاً ولما تمضِ لي غـير لـيلة
فكيف إذا سرا المطي بنا شهـرا
وما كنت أخشى مالكاً أن يبيعنـي
بشىء ولو كانت أنامله صـفـرا
أخوكم ومولاكم وصاحب سركـم
ومن قد توى فيكم وعاشركم دهرا 
فلما بلغهم شعره هذا رثوا له واستردوه فكان يتشبب بنسائهم حتى قال
ولقد تحدر من جبين فتـاتـكـم
عرق على متن الفراش وطيب 
قال فقتلوه والله أعلم

********

قال الْمُحبي في كتابه نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة 
 
فتح الله بن النحاس
أنا لا أجد عبارة تفي في حقه بالمدح، فأرسلت اليراع وما يأتي به على الفتح.
وناهيك بشاعر لم يطن مثل شعره في أذن الزمان، وساحرٍ إذا أشربت كلماته العقول استغنت عن الكؤوس والندمان.
سهام أفكاره تفك الزَّرد، وكنانة آرائه تجمع ما شت وشرد.
فهو للمعاني الباهرة مخترع، وآت منها بأشياء لم يكن بابها قرع.
وباب الفتح لم يغلق، وكم في خزائن الغيب من أشياء لم تخلق.
فسارت بأشعاره الصبا والقبول، وصادفت من الناس مواقع القبول.
كأنها نفس الرَّيحان المبتل، يمزجه بأنفاس النَّور نسيم الروض المعتل.
أسْرَى وأسْيَرُ في الآفاق من قَمرٍ  ومن نسيمٍ ومن طيْفٍ ومن مَثَلِ
وقد اثبت من متخيات قصائده، وأدبه الذي علقت القلوب في مصائده.
ما لم يتغن بمثل خبره الحادي والملاح، ولم تزه بأحسن من وصفه قدود الحسان وخدود الملاح.
قال البديعي في وصفه، وذكر ابتداء أمره وإيراد لمع من نثره وشعره :
نشأ في الشهباء ووجه نسخة البدر في إشراقه، يناجي العاذل عن عذر عشاقه.
وهناك ما شئت من منظر عجيب، ومنطق أريب.
كأن الجمال ملكه رقه، ولم ير غيره من استحقه.
وهو مع تفرده بالحسن، ولوع بالتجني وسوء الظن.
بصير بأسباب العتب، يبيت على سلم ويغدو على حرب.
كم متيمٍ في حبه رعى النجم فرقاً من الهجر، لو رعاه زهادةً لأدرك ليلة القدر.
بخيل بنزر الكلام، يضن حتى برد السلام، لا يطمع الدنف بمرضاته ولو في المنام.
وأبناء الغرام يومئذ يفدونه، ويرون كل حسن دونه.
ومُذ بدا العارضُ في خدِّه  بُدِّلت الحمرةُ بالاصْفرارْ 
  كأنما العارِضُ لـمَّـا بـدا  قد صار للحسن جناحاً فطارْ 
ونسخت آية جماله، وكسفت آية هلاله، وحال ذلك البها عن حاله.
وصار ضياء محاسنه ظلاماً، وعقيان ملاحته رغاما.
لو فكَّر العاشقُ في مُنتهى  حسنِ الذي يسْبيه لم يسْبِهِ
ولما بطل سحر هاروت أحداقه، وفكت الأفئدة من وثاقه.
عطف على محبيه يستمد ودادهم، ويستقى عهادهم.
وكان شأنه مع الجميع، شأن الفضل بن الربيع.
فاندرج في مقولة الكيف، وعلم أن المحاسن سحابة الصيف.
وأصبح عبير وحده، وصده من ريع بصده.
وجعل زي الزُّهاد شعاره، واتخذ من الشعر صداره.
حداداً على وفاة حسنه البهيج، وفوات جماله الأريج.
وما زال يرثى أيام أنسه، وينعى ما يتعاطاه من الكيف على نفسسه.
حتى ضاق نطاق حضيرته، ومل الإقامة بين عشيرته.
فأعطى عنانه ليد البعاد، وامتطى غارب الإتهام والإنجاد.
كأنَّ به ضِغنا على كـلِّ جـانـبٍ  من الأرض أو شوقاً إلى كلِّ جانبِ 
إلى أن بلغه الله غاية المأمول، ووفقه بأن استوطن مدينة الرسول.
وأقام بجوار الشفيع، إلى أن غيبه بقاع البقيع.
وفي كثرة أسفاره يقول :
 أنا التاركُ الأوطانَ والنـازحُ الـذي  تتبَّع ركبَ العشقِ فـي زِيِّ قـائفِ
وما زلتُ أطوِى نَفْنَفاً بعد نَـفْـنَـفٍ  كأنِّيَ مخلوقٌ لِطَيِّ الـنَّـفـانـفِ
فلا تعذِلوني إن رأيتم كـتـابـتـي  بكلِّ مكـان حـلَّـه كـلُّ طـائفِ
لعل الذي بايَنْتُ عـيشِـى لـبَـيْنِـه  وأفْنيْتُ فيه تالِـدِي ثـم طـارِفِـي
تكلِّفه الأيامُ أرضـاً حَـلْـلـتُـهـا  ألا إنما الأيامُ طَوْقُ الـتـكـالُـفِ
فيُملي عليه الدهرُ ما قد كتـبـتُـه  فيعطِف نحوي غصن تلك المعاطِف 
ومن بدائعه قصيدة ينعى بها نفسه على أكل الأفيون، ويتأسف على ماضي حسنه :
مَن يُدخِل الأفيونَ بيت لَـهـاتِـه  فْلُيْلق بين يديْه نْـقـدَ حـياتِـهِ
وإذا سمعتم بامرئٍ شرِب الرَّدَى  عَزُّوه بعد حياته بـمـمـاتِـهِ
لو يا بُثَيْنُ رأيتِ صَبِّك قبل ما ال  أفيون أنحْـلَـه وحـلَّ بـذاتِـهِ
في مثل عمرِ البدر يرْتَع في ريا  ضِ الزَّهْوِ مثل الظَّبْيِ في لَفَتاتِهِ 
من فوق خدِّ الدهر يسحب ذيلَ ثو  بِ مُناه أنَّى شاء وهْو مُـواتِـهِ
وتراه إن عبَث النـسـيم بـقَـدِّه  يْنقدُّ شَرْوَى الغُصْنِ في حركاتِهِ
وإذا مشى تِيهاً على عُـشَّـاقـه  تتقطَّر الآجالُ من خَـطَـراتِـهِ
يرْنُو فيفعلُ ما يشـاء كـأنـمـا  ملَكُ المَنَّية صال مِن لَحَظـاتِـهِ
لرأيتِ شخصَ الحسنِ في مِرآتِهِ  ودفعْتِ بدرَ التِّمِّ عن عَتَـبـاتِـهِ
وقوله، من أخرى :
يا هذه إن أنتِ لم تدرِ الـهـوى  تجْحديه ففي الهوى اسْتحْـكـامُ
وأبيكِ كنتُ أحَدَّ منك نـواظـراً  وبكل قلبٍ من جَـفـايَ كِـلامُ
والسحرُ إلَّا في لساني منـطـقٌ  والحسنُ إلا فـي يدَيَّ خِـتـامُ
لَدْنَ القَوامِ مَصُونةً أعـطـافُـه  عن أن تَمُـدَّ يداً لـه الأوْهـامُ
مُتمنِّعا لا الوعد يُدْنِـى وَصْـلَـه  يومـاً ولا لـخـيالِـه إلْـمـامُ
حتى خلقْتِ السقمَ فيه بنـظْـرةِ  ولقد يُلاقِى ظُلْـمَـه الـظَّـلَّامُ
وتنوَّعتْ أدْواؤه فـبـطـرْفـهِ  شكلُ الرقيبِ وفي الصِّماخِ مَلامُ 
ودخل دمشق فاتخذ الأمير منجك نديم مجلسه، ومطمح أماني ترنحه وتأنسه.
فتوافق الليل والسمر، واجتمع الشمس والقمر.
على السعد في هذا القرأن، والتنافس من أماجد الأقران.
فجالس الفتح به القعقاع، ولم يقل :
الفضل للمتقدم. كما قال ابن الرقاع.
وله فيه قصائد منها داليته التي أولها :
 نثر الربيعُ ذخائرَ الـنُّ  وَّارِ من جَيْب الغوادِي
وكسا الرُّبى حَلـلا فَـو  اضلُها تُجرُّ على الوِهادِ 
  وكأن أنْفـاس الـجِـنـا  نِ تنفَّستْ عنها البـوادِي
والزَّيْزَفُـون يُفـتُّ غـا  ليةً مُضمَّخةً بـجـادِى
يُلقِى بها للـروض فـي  وَرَق كأجنحة الـجـرادِ
هاج النفوسَ ولـم يفُـتْ  ه غُير تهْييجِ الجـمـادِ
والورد مخْضوبُ البَـنـا  نِ مُضرَّج الوَجنات نادِى 
نُصِبتْ له سُرُر الـزَّبَـرْ  جَدِ والخيامُ بكـل وادِي
حرسْته شوكةُ حسـنِـه  من أن تُمَدَّ لـه الأيادِي
والعَـنْـدلـيبُ أمـامـه  بفصِيح نَغْمتـه يُنـادِي
مَن رام يعبَث بالـخـدو  د فدونَها خَرْطُ القـتـادِ
وحَذارِ مخضوبَ البَـنـا  ن إذا تمكَّن مـن فـؤادِ
فامْسَحْ بأذْيال الـصَّـبـا  عن مُقْلتيْك صدَى الرقادِ
هل هذه بُكَـر الـرُّبَـى  أم هذه غُرَر الـرشـادِ
وانهضْ لكسْب جديد عُـمْ  رٍ من بُكور مُستـفـادِ
واقَنعْ بظِّلك أو بـظـلِّ  الدَّوْحِ عن ظل العـبـادِ
ماراج من طلب المعـي  شةَ بين إخوان الكسـادِ
لا يُعجبـنَّـك لِـينُ مـن  أبصرْتَه سهلَ الـقـيادِ
وأبيك مالانـتْ لـغـي  رِ الطعنِ ألْسنةُ الصِّعادِ
لا تشتهي وجَعَ الـفـوا  دِ مضى زمان الاتّحـادِ
نفسِي الفِداءُ لمَنْجَـك الْ  مُسْتعِـزِّ بـالانْـفـرادِ
لا يُجْتنَـنـي إلا بـمـجْ  لس فضلِه ثَمَرُ الـودادِ
مُتكثِّر بغنـى الـشَّـمـا  ئل لا بعاجلةِ الـنَّـفـادِ
شِيَمُ الجواد هي الغـنـى  لاماحَوتْـه يدُ الـجـوادِ
الدهر مْغـلـولُ الـيديْ  ن وذاك مَبْسوط الأيادِي
وله في أحمد بن شاهين، البائية التي أخذت من البلاغة أوفر الأنصباء والقسم، وأقسمت البراعة بقوافيها على أن مبدعها محكُّ الأدب ولا غرو فالباء من حروف القسم.
ومستهلها :
ألَذُّ الهوى ما طال فيه التجنُّبُ  وأحْلاه ما فيه الأحِبَّاء تَعْتَبُ
يقول في مديحها :
 يُمزِّق شَمْلَ المشكلاتِ لوقْتهـا  إذا شِيَم مِن فِيه الحسامُ المُذَرَّبُ 
توقَّد حتى ليس يْخبـو ذكـاؤُه  وكاد وحاشَا فكرُه يتـلـهَّـبُ
وبيت ختامها :
ولا بَرِح الحسَّادُ صَرْعَى وكلُّهم  على مثلهم ما في قلبِه يتقلَّـبُ
واتفق له مع الأدباء مجالس تؤثر، وعليها الأرواح تلقى وتنثر.
فمن ذلك مجلس في روض أورقت أشجاره، وتنَّفست عن المسك أسحاره.
غبَّ سحاب أقلع بعد هتونه، ودار دولابه يسقيه بجفونه.
توسدهم أنهاره معاصم فضية، وتنيمهم أفياؤه تحت ذوائب مرخية.
فقال :
وروضٍ أنيقٍ ضمَّنا منه مجلـسٌ  على نَوْره جَفنُ الدَّواليبِ ساكبُ
خَلا حسنه عن كل وَغْدٍ يَشِينـه  وما صَدَّنا لما أتْينـاه حـاجـبُ
طَلعنا بدوراً في سَماه وبـينـنـا  جُمانُ حديثٍ هُنَّ فيه كواكـبُ
وبِتْنا وأوراقُ الغصون غطاؤنـا  على فُرُشِ الأنهار والطيرُ نادِبُ 
فنعم مكاناً مابـه قـطُّ قـاطِـنٌ  وبْيتاً ولكن ماله الدهرَ صاحـبُ
وهنا أذكر منتخبات من شعره، مرتبة على حروف المعجم.
فمنها قوله يخاطب العمادي، مفتى الشام، وقد رمدت عيناه:
فِدىً لعيِنك دون الناس عينـائي  وكلُّ عضو فِداه كلُّ أعْضـائِي
نوَدُّ لو كان مُوْدُوعا بأنفِـسـنـا  ما تْشتكيه بعْينٍ منـك رَمْـداءِ
نَظَّارةٌ لكتابِ الله قـد مُـلـئتْ  خوفَ الوشاةِ بإشْفاق وإغْضاءِ
وأنتَ لا عن حجابٍ كنت ناظرَنا  فارْفَع حجابَك وانظُر للأحبَّـاءِ
وقوله من قصيدة، مستهلها :
عطَف الغصنُ الرطيبُ  وتَلافانا الـحـبـيبُ
أيُّ عضوٍ تسْرح الأبْ  صارُ منـه وتـؤُوبُ
  فاتَّقِ اللهَ وغُضَّ الطَّ  رفَ عنه لا يذوبُ
أبو تمام :
 قد غَضَضْنا دونك الأبْ  صارَ خوفاً أن تذُوبَـا
وله :
ما لمـسْـنـاه ولـكـن  كاد مـن لَـحْـظٍ يذوبُ
أيهـا الـعـشَّـاقُ مَـحْ  زونُ الهوى منِّي طَرُوبُ 
كلَّ وقـتٍ لـيس تْــن  شَقُّ قـلـوبٌ وجُـيوبُ
إنمـا يمْـزَج بـي فـي  لُجَّة العشـق لَـعـوبُ
وإذا بـــدَّ سُـــرورٌ  وإذا نَـدَّ نــحـــيِبُ
والذي يهجر في الحـبِّ  للاحِـيه نــســـيبُ
ما علـى مَـن سَـرَّه الْ  وصلُ إذا غِيظ الرَّقـيبُ
رَنَّةُ الـقـوسِ لِـــرا  مِيها وللغـير الـنُّـدوبُ
منها :
وإذا أمكـنـتِ الـفُـرْ  صةُ أجْـنـي وأتـوبُ
في الهوى صَحَّ اجْتهادِي  فأنا المُخْطِى المُصيبُ
من مديحها :
 ضاحكُ الوجه وهل في  طلعةِ القُطْب قُطوبُ
جنَّةُ الشمس لهـا فِـي  هِ شـروقٌ وغـروبُ
أيُّ قلبٍ حـلَّ مـنـي  كلُّ أعْضايَ قـلـوبُ
ومن مختاره :
وجهُك صبح المُنى ولى زمـنٌ  آمُـل إقْـبـالَـه وأرْتـقـبُ
تُلْقِى المعاني إلىَّ زَهْـرتَـهـا  فأجْتنيها والغـيرُ يحْـتـطـبُ
وكم بيوتٍ ملأْتُـهـا حِـكَـمـاً  وهُنَّ إن شـئتَ خُـرَّدٌ عُـرُبُ
أسُوغ من جَرْعة الزُّلال على ال  قلبِ وفي قلبِ حاسدي لَـهـبُ
منها :
دارُ اغْترابي التي عنِيت بها  مصرُ ودارِي وحبَّذا حلَـبُ
دارٌ تُمِيتُ الهمومَ نفْحتُـهـا  وتغْتذى من عبيرِها الكُثُبُ
لاقُرْبُها للكـرام مَـضْـيعةٌ  ولا حِماها للضَّيمِ مُنْقلَـبُ
علىّ أن لا تنامَ لَوْعـتُـهـا  بين ضلوعِي همومُها شُعَبُ 
منها :
لا أقْبلُ الضَّيْم كيف أقْبـلـه  والمجدُ يأْباه فيَّ والحسَـبُ
والشمسُ صَوْنا لضوءِ طَلْعتها  خوفَ لَحاقِ الظلام تحْتجِبُ
يُظَن صَدْعِى لقَـرْع نـائِبةٍ  وإنَّما من أحبّـه الـنُّـوَبُ
كأنني من زُجـاجةِ جـسَـدٌ  أحِبَّتي في انْكسارِه السبـبُ
وله في هذه القصيدة، وهي من بدائعه :
طَمِّـنْ فـؤادَك أيُّ حُــرٍّ  لم يُرَع بالخَطْب قـلـبُـهْ
ودِع الـمَـلام فـداءُ مَـن  عالجْتَ بالتَّطمـين طِـبُّـهْ
لا تُكـثِـرَنْ هـلَّا فـعْـل  تَ عليه فالفـعَّـال ربُّـهْ
المرءُ يصـعُـب جَـهـدُه  ويلين بالمقْدور صَـعْـبُـهْ
لا تتَّهـمْـنـي فـالـمُـؤا  خَذُ في الزمان النَّذْلِ نَدْبُـهْ
وأبيكَ من زمـنِ الـتَّـرعْ  رُعِ لم يزلْ دأْبـي ودأْبُـهْ
ومن العجيبِ لـدَى الـلِّـئا  مِ عَطاؤُه ولدىَّ سَـلْـبُـهْ
يا دهرُ مـثـلـي لا يُقَـلْ  قَلُ عن سَنام المجدِ جَنْبُـهْ
أنـا لا أُبـالـي إن رمـي  ت وسبَّ عرضِي من أسبُّهْ
السيفُ يُرمَى بـالـفُـلـو  لِ إذا فشَا في الصَّلْد ضَرْبُهْ 
والعـينُ يُديمـهـا الـذُّبـا  بُ ويُعجِـز الآسـادَ ذَبُّـهْ
والتِّبـرُ يعـلـوه الـتُّـرا  بُ ولا يضرُّ التِّبر تُـرْبُـهْ
وأبيك ما نُكِـب الـلـبـي  بُ وفضلُه بـاقٍ ولُـبُّـهْ
هم يعـرفـون بـأن نـجْ  مِي تحرِق الطاغين شُهْبُـهْ
والصـبـرَ يُرْقـينـي إذا  وثَب الزمان وعضَّ كلبُـهْ
إن مَـجَّـنـى قـومٌ فـإن  الموتَ ليس يسُوغ شُرْبُـهْ
أو قيل قد مَلُّـوه فـالْـسَّ  مُّ الزّعافُ يُمَـلُّ قُـرْبُـه
أمـا الـمَـلال فـإنـنـي  عُوِّدتُـه مـمـن أُحُّـبـهْ
  وإذا تـكـلَّـف فـي الـودا  دِ أخو الودادِ فكيف غـربُـهْ
فاطْوِالبسـاط فـالانْـبِـسـا  طُ قد انْطوى في الناس سِرْبُهْ 
والشِّـعـر أخْـلَـف نَـؤْوُه  وتقشَّعتْ في الجوِّ سُحْـبُـهْ
ما زال تلـفـحُـه سُـمـو  مُ البُخْل حتى جَفَّ عُشْـبُـهْ
كم ترْتجِي صَـنَـمـاً سـوا  ءٌ فيه مِدْحـتُـه وثَـلْـبُـهْ
مُستْنـكَـر الأكْـتـاف جَـعْ  دُ الكفِّ جَعْدُ الوجهِ صُلْـبُـهْ
أأُخَـىَّ مـن يَكُ شـاعــراً  فالخالقُ الرزاقُ حَـسْـبُـهْ
والـراسُ راسُ الـمـالِ إن  يسلَمْ فليس يِقـلُّ كـسْـبُـهْ
وكفى فَتى العِـرفـانِ خِـلاَّ  ناً فـضـائلُـه وكُـتْـبُـهْ
فعلى مَ ترغـبُ فـي سَـرا  بٍ من شُخوص الْآلِ سِرْبُـهْ
يتقـلَّـبـون مـع الـزمـا  نِ كأن حِزْب هواك حزْبُـهْ
يشْقَى النجـيبُ بـهـم ويُسْ  لمُه إلى الأعداء صَـحْـبُـهْ
وإذا جـنَـى فـكـــأن سُ  لطانَ الذنوبِ الدُّهْـمِ ذَنْـبُـهْ
فوجـوهـهـم طَـلَـلٌ بـه  يومَ الَّلحَى قد طـال نَـدْبُـهْ
وأكـفُّـهـم قَـفْـرٌ أُمِــي  تَ الخِصْبُ فيه وعاش جَدْبُهْ
ذهب الـلـذين يعـيش مـثْ  لي بينهم ويمـوتُ كَـرْبُـهْ
وبَقى الذي تُضْنِـى الـعُـيو  نَ حُلاه والأسمـاعَ كـذْبُـهْ
من كلِّ مـحْـلـولِ الـوِكـا  ءِ مُثقَّف البِيضـان ثُـقْـبُـهْ
من كـلِّ مَـفِـــريِّ الأدي  مِ بِصَعْدِة السِّرْوالِ عْقُـبـهْ
يمشي ويمسـح مـن مَـعـا  طِفه وكعبُ الشُّوم كَعْـبُـهْ
طُول بــلا طَـــوْلٍ وأش  هَى ما يُرَى للعين صَلْـبُـهْ
أأُخَيَّ مثـلـي لـيس تُـهْـد  دَى عن مَثار النَّقْع شُهْـبُـهْ
لا بُـدَّ مـن شَـرَرٍ يُعـــمُّ  الجـوَّ والأعـدا مَـصَـبَّـهْ
فارقُب خُفوقـي إن سـكـنْ  تُ فعاصفِي يُرْجَى مَهَـبُّـهْ
لا تنـظُـر الـحـسَّـادُ حـا  لي إنما المنْـظـورُ غِـبُّـهْ
أوَ مـادَرْوا أن الـحـسَــا  مَ يُفَـلُّ ثـم يُحَـدُّ غَـرْبُـهْ
والبدرُ يُشرِق في الـمَـطـا  لعِ بعدما أخْـفـاه غَـرْبُـهْ
والـروضُ يذبُـل ثــم يُكْ  سَى النَّوْرَ والأوراقَ قُضْبُـهْ
والـداءُ إن يومـاً يشِـــفَّ  فبـالـتَّـداوِي يَشْـفِ رَبُّـهْ
والدهـرُ إن يُوْمَـن بـغَـفْ  لٍ لذَّةً يفْـجـأْهُ خَـطْـبُـهْ
لا يخـدَعَـنَّـك سِـلْـمُــه  فوراء سِلمِ الدهـرِ حَـرْبُـهْ
قلت : لله دره على ما أبدع من المعاني الغرائب، والألفاظ المزرية بدرر النحور والترائب.
ويعرف قدر الشاعر الفائق، بتنوع جولانه في الميدان المتضايق.
وله يصف بركة ماء : انظُر البركةَ التي تتراءَى  لِمُحيَّا الرياضِ كالمِـرآةِ
تَرَ خدّاً مثلَ اللُّجَيْن تحلَّى  بِعذارٍ من انْعكاسِ النَّباتِ 
وهذه قطعة من حائيته التي سارت بها الركبان، وطارت شهرتها بخوافي النسور وقوادم العقبان :

بات ساجِي الطَّرْفِ والشوقُ يُلِحُّ  والدجى إن يمْضِ جُنْحٌ يأْتِ جُنْحُ 
وكأن الشرقَ بـابٌ لـلـدُّجـى  ماله خوفَ هجُوم الصبحِ فَتْـحُ
يقْدَح النجمُ بـعـينـي شـرراً  ولزنْد الشوقِ في الأحْشاءِ قَدْحُ
لا تسَلْ عن حال جَفْني والكـرى  لم يكنْ بيني وبين الدَّمْعِ صُلْـحُ
منها : كلُّ عَيْش ينْقضي مالم يكـنْ  مَعْ ملِيحٍ ما لذاك العيشِ مِلْحُ 
من مديحها في خصماه : وإذا قيل ابـنُ فَـرُّوخٍ أتـى  سقطُوا لو أنَّ ذاك القولَ مَزْحُ 
  بطَلٌ لو شـاء تـمْـزيقَ الـدجـى  لأتاه من عمودِ الـصـبـح رُمْـحُ
كم سطورٍ بالـقَـنـا يكـتُـبـهـا  وسطورٍ بلسانِ الـسـيف يَمْـحُـو
كلُّ ما قد قـيل فـي تَـرْجِـيحِـه  في النَّدَى أو في الوغَى فهْو الأصَحُّ 
منها : آهِ من جَوْر النَّوى لا سُقِيَتْ  تُعْطِب الحُرَّ وما للحرِّ جُنْحُ
غُرْبةُ الأوطان أوْدتْ كبدي  واعْتراني ألَمٌ منها وبَـرْحُ
حَسَّنوا القولَ وقالوا غُـربةٌ  إنما الغُربةُ للأحْرار ذَبْـحُ
فانتقِذْني واتخذني بُـلْـبُـلا  صَدْحُه بين يدَيْ عَلْياك مَدْحُ 
بِقَوافٍ كَسَقِيط الـطَّـلِّ أو  أنَّها من وَجَنات الغِيد رَشْحُ
ومما علق من مترنماته، وأغلق عليه باب مسلماته.
قوله : قد نـفـدَتْ ذخـائرُ الـفـؤادِ  فكم أُرَبِّي الدمعَ للـسُّـهـادِ
فُؤادُ من يُحبُّ مثـلُ دمـعِـه  ودمعُه مَـظِـنَّةُ الـنَّـفـادِ
إذا هدَى الليلُ فطفلُ مُقْلـتـي  يبِيتُ بالنَّـزيف غـيرَ هـادِ
ومن بكى من النوى فقـد رأَى  بعيْنـه تـقـطُّـع الأكْـبـادِ
تمايَلوا على الجِـمـال مَـيْلةً  فعلَّمُوها مِشْـيةَ الـتَّـهـادِي
وما سمعتُ بالغصون قبلَـهـم  مشتْ بها أكْثِـبةُ الـبـوادِى
فإن تجْد يَدِي علـى تـرائِبـي  فلا تقُـلْ لـغَـيْبة الـفـؤادِ
وإنما رفـعـتُـهـا لأنـهـا  كانت لهم حـمـائلَ الأجْـيادِ
حُمْرُ الخدود إن تغِبْ فشكلُهـا  بناظـريَّ داخـلَ الـسـوادِ
لأجْل ذا الدمعُ جَرى بِشوْقهـا  فنظَّم الياقـوت فـي نِـجـادِ
لا وأبـى ومَـن يقُـل وأبـى  فقـد تَـلاَ ألـيَّةَ الأمْـجـادِ
ما عثَر الغَمْضُ بذيل ناظِـري  ولا انْثنتْ لطَيْفهـم وِسـادِي
وهَبْ رَشاشَ مقلتي حـبـائلاً  فأين منهـا زَلَـق الـرُّقـادِ
آهٍ آهَ إن تكـنْ مِـلْءَ فـمـي  فإنها مَضْمضةُ الـصَّـوادِي
قد نفَض السمعُ كلامَ غيرهـم  كما نفضْتُ الصبر من مَزادِي 
أعاذِلي ولـلـهـوى غَـوايةٌ  بِعْتُ بها كما تـرى رَشـادِي
ولِعتْ بي وشُعْلتـي كـمِـينةٌ  بقادحٍ يعبـثُ فـي زِنـادِي
دعِ الهوى يعبَثْ بي وإن تَشَـا  فعُدَّنـي مـن عـذَبـاتِ وادِ
ما لحق الَّلومُ غبارَ عـاشـقٍ  حَدا به من المَشِـيب حـادِي
أما ترى الأقاحَ حول لِمَّـتِـي  حكى ابْتسامَ البرقِ في البوادي 
بشَّرني طلُـوعـه بـأنَّ لـي  صبحَ وِصالٍ لدُجى بِـعـادِي
ولم أقلْ مَناصِـلٌ تـجـرَّدتْ  وأُرْكِزت بجانـبِ الأغْـمـادِ
كأن شِيبَ الشَعَـرات ألْـسُـنٌ  على ضَياع رَوْنقِي تُـنـادِي
لبْستُ ما أضاعني فأُسْـوتـي  كأُسْوِة الجمرِة في الـرَّمـادِ
ومن رباعياته قوله :
لا تُبْدِ لمن تحـبُّـه مـا أُبْـدِي
واصبرْ فعلَّ الصبرَ يوماً يُجدِي 
إظْهار مَحَّبتي لمن أعـشَـقُـه
صارتْ سبباً لطُول عُمرِ الصَّدِّ
ومن بدائعه قوله :
تذكرتُ إذ مَرَّتْ بنـا الـغِـيدُ بُـكْـرةً
تلهُّبَ خالٍ فـي لَـظَـى خَـدِّ أغْـيَدِ
وردَّدْتُ طَـرْفـي سـاعةً فـرأيتُــه
فؤادي الذي قد ضاع في الحبِّ من يَدِي 
وقوله، مضمنا في الدخان :
عكفتُ على شُرْبِ الدُّخان وفي الحشَا
لهيبُ الجوَى فازْداد جَمْراً على جمرِ 
فقلتُ أُداوِي نار قلبي بـمْـثـلـهـا
كما يتداوى شاربُ الخمرِ بالخـمـرِ
وقوله :
زُرْ واُجْلِ لَمْسمعي كؤوسَ اللَّفْظِ
واجعلْ كبدي غْمِداً لسيفِ اللَّحْظِ 
  بل جُرْ واهجُر ولا تخَفْ مَظْلمِتي  ما أورَدني البـلاءَ إلا حَـظِّـي
وقوله مضمنا : لا يدَّعِى قَمرٌ لوجهِك نِـسْـبةً  فأخاف أن يسْوَدَّ وجهُ المُدَّعِى
فالشمسُ لو علمتْ بأنك دونهـا  هبَطتْ إليك من المَحَلِّ الأرْفَعِ 
قلت : هذا تضمين يليق أن يكتب بالتبر، فضلا عن الحبر .
ومن رباعياته قوله : مولايَ بِقيتَ قد بَراني الأسـفُ  من ينُصِفني منك وهل أنْتصِفُ 
مَن أسْعده الحظُّ فإنـي دَنِـفٌ  أشْقاه ولا شقِيتَ حَـظٌّ دَنِـفُ
وقوله : مَن أرَّقني قد اسْتلَذَّ الأرَقـا  ويْلاي ومَن أعشقُه قد عشِقَا 
من ينُقذني منه ومنَ يُنْقـذُه  أفْنى حُرَقاً فيه ويفْنى حُرَقَا
وقوله : يار بِّ لا أقصِد بالشِّعر سواكْ  والقصدُ يَردُّني إلى باب غِناكْ 
يا مَن جعلتُ تُرابَه ناصِيتـي  قد صّوَّح نَبْتُها أغِثْني بنَـداكْ
وقوله : القلبُ لديْك وهْو عندي الغالِي  لا تتركْـه مَـطِـيَّةَ الإذلالِ
تَا للهِ لقد عجبتُ من أحْواالي  يفنَى زمنِي بضيْعة الآمـالِ
وقوله : أصبحتُ ولَثْمُ أَخْمَصيْهِ أمليِ  مع أنَّ له فماً شفاءَ العِلَـلِ
لكنْ قدمٌ سعتْ به من تَلَفِـي  أعددْتُ لها جَوائزاً من قُبَلِي 
وقوله : أحسنُ ما يُهْدِيه أمْثـالُـنـا  من طَيْبةٍ من عند خيرِ الأنامْ 
بعضُ تُمَيْراتٍ إذا أمْكـنـتْ  إهداؤُها ثم الدُّعا والسـلامْ
ومن محاسنه قوله، ومن قصيدة أولها : طرقَـتْ طَـروق الـطـيفِ وَهْــنَـــا  مَيّالَةُ الأعْـطــاف حَـــسْـــنَـــا
مصْـقـولُة الـخَـدِّين مـثـل الـســـيْ  ف ألْـحـاظـــاً ومَـــتْـــنَـــا
أرْخـــتْ وشـــاحـــاً فـــوق دِعْ  صٍ فـوق غـصـنٍ قـد تَـثــنَّـــى
ومـشـتْ فـشـيَّعـهــا عَـــبِـــي  رُ الـروضِ مـنْ هَـنَّـا وهَـــنّـــا
في حُـلَّةٍ مــن جِـــنْـــس مـــا  يكـسُـو الـربـيعُ الـغـصـنَ دَكْـنَــا
الـدَّلُّ ينـبُـــتُ مـــن مـــســـا  حِبِ ذيْلـهـا والـحـسـنُ يُجْــنَـــى
تَمْــشـــي فُـــرادَى ثـــم تـــمْ  شِي خـلْـفَـهـا الأرْدافُ مَـثْــنَـــى
حَوْراء إن سمَحتْ بكشِْف قِناعها ملَأتْك حُسْنَا 
وإذا اشْتهتْ رجعت عليْ  كَ فـعـاد ذاك الـحـسـنُ حُــزْنَـــا
لو خـاطـبـتْ وَثَـنـــاً لَـــحَـــنَّ  مع الـجـمــودِ لـــهـــا وأنَّـــا
طارحْـتُـهـا شـكــوَى الـــنَّـــوى  ولـثـمـتُـهـا أعْــلـــى وأدْنَـــى
وعـجـبْـت مـن وَلَـهِـي بـــهـــا  ولِـهْـتُ بـهـا وَلـهَ الـمُـعــنَّـــى
تركـــتْ يداً وفـــمـــاً وجِـــي  داً وابْـــتـــدتْ ذيلاً ورُدْنَــــــا
وأقـمـت أنْـصِـب نــحـــوهـــا  طَرْفـاً ونـحـوْ الـــبـــابِ أُذْنَـــا
أخْـشَـى يُحِـسَّ بـنـا الـنَّـــســـي  مُ فـيُخـبـر الــروضَ الأغَـــنَّـــا
وبُـولِّـــد الـــوَسْـــواس لـــي  جَرْسُ الـــحُـــلِـــىِّ إذا أرَنَّـــا
فتـقـول مـسـكـينُ الــمـــتَّـــي  بالـنـســـيمِ يسِـــىءُ ظَـــنَّـــا
طبْ يا فـتـى نـفـســـاً فـــقـــد  نامَـتْ عـيونُ الـحـــىِّ عـــنَّـــا
جرس الحلى : صوته، ويقال فيه وسواس قال الشاعر : كم بين وَسْواسِ الحُلِىّ  وبين وَسْواس الهمومِ
والوسوسة : مالا يفهم من الأصوات.
وهذا أسلوب متداول، ومنزعه خفق الحلى ورهجه، وذلك يخرج على قوالب من جنة الحلى ونمها وغير ذلك.
وقد يغير في الأطراف الفعمة، فيقال : إنها تغص الحلى، وتخرس وساوسها، وتحير الحلى.
وأحسن ما سمع فيه قول أبي كامل تميم بن المفرج : وأطْرافاً يَحارُ الحَلْـىُ فـيهـا  فليس يكاد يضطرِبُ اضْطرابَا 
قال صاحب الدمية : قوله يحار الحلى فيها، لم أسمع به إلا في شعره، وقد أتى ببدع المستعار وبكره.
وقد أنهيت الكلام على شعره، وهنا أذكر جانبا من نثره.
فمنه قوله يعاتب : غرستُ لكم في المدح ما اخْضَرَّ عودُه  وألقتْ إليه الزُّهْرُ عِقْداً من الزَهْـرِ
  وصارتْ عيون المشْـفـقـين قـلائداً  عليه وعينُ الحِقْد تنظُـر عـن شَـذْرِ
وقلتُ ستْنَدى بالـثِّـمـارِ أنـامِـلـي  فما كان إلَّا أن قبضْتُ علـى جَـمْـرٍ
وعدتُ كما عاد المُسـيءُ مُـذمَّـمـاً  أغَصُّ بشكْرى وهْو يُحسَب من وِزْرِى 
وما ساءَ حظّاً كالذي اجْتلب الـهـوى  وأسْلَمه مَحْضُ الوِدادِ إلى الـهـجْـرِ
إني لأعجب مني ومن تواضع الشيخ في مناجاته إياي وهو الطود الأشم، واتخاذه أذني صدفا لدرر عباراته وهو البحر الخضم.
واقتراحه علىَّ أن أبرز من خباء أبكار الشعر، ربيبة خدر، ونتيجة فكر.
تكون معجزة ابن الحسين، ومفحمة الخالديين.
تنطوي على مدح ما انتشر عن ألوية فضائل ذاته المعجز ألسن الواصفين وصفها، وتتضمن نشر ما نسم من طيب أذيال فواضل صفاته المعطر مشامَّ الناشقين عرفها.
وقيامي له على قدم الحد، أفرى فلوات السعي وأمتطي صهوات الجد.
أقتنص الشوارد، وأتناول الفراقد.
وأغوص على الغرر، من بنات الفكر.
إلا أن تكامل عقدها، وجاءت نسيج وحدها.
من مستفزات القلوب، تهادى أناة الخطو بكر عروب.
تجر على مهيار الديلمي ذيل دلالها، وتسكر الشريف الموسوي بجريالها.
لو رآها المخضرمون، لجاءوا إليها من كل حدب ينسلون.
وبعثت بها مع لطم الشكر، إلى جناب إمام العصر.
كيف حال الجريض دون القريض، وغاض زلال راحته وهو الغضيض، ولم سدَّ عني باب اعتنائه، ومحا ما كتب من إملائه.
حتى استهدفتني ألسنة الشامتين، وأحدقت إلى أعين العدى، وليس عندي منه ما يغض أجفانهم ولا قذى.
فياليت شعرى ما الذي أوجب هذا الصد، ولم لم يحسن القبول فليحسن الرد.
وليكن بدون قوله ما أصنع بالقصائد دونه وشعره، حتى اسود وجه آمالي ولم يبيض حجره.
بعدما خطفتني منه مخالب الظنون، ورجعت أقلب أكفي بصفقة المغبون.
أحاسب عن أوزار العباد، وأعاقب بجناية قوم عاد.
وعهدي بالشيخ جبلا آوى إليه، وحمى أحوم حوله، وعماداً أعتمد بعد الله عليه.
فما بال الجبل لم يأو، والحمى لم يحم والعماد لم يحو.
وما باله في مسراته وأنا في ليل الهموم، أتوقع تنفس صبحها، وأبتهل إلى الله تعالى في طلوع شمسها.
فعندما حلت أكف الابتهال عرى الدحى، ولاح من تنفس صبح الوصال أشعة شمس المنى.
حال بين طرفي وسناه قذاة البين، وأصبحت مصابا بعين.
أعوذ بالله من أن يلهى الشيخ عني زخرف المتمشدق، وتستميله أقاويل الدخيل وجنة المتملق.
والزخرف عتبة التلاشي، والتمشدق باب الهول.
فالأقاويل مطية الكذب، والدخيل قذال يد الرد، والتملق مزراب النفاق.
ولي في محبته الجنان الثابت، والقلب الصابر، وللسان الرطب، والفم الشاكر.
وله مني الوداد المحض، والقصائد الغر.
وله منه أنة المتوجع، ولوعة المصاب، وحرقة المهجور، وخشية المرتاب.
وما أراه من اقتفائه أثر الملتبس عليهم الأمر، في كسر زجاجة ودادي من زيد وعمرو.
ولا غرو قد يدمى الجبين إكليله، وتهجر الحسام قيونه.
وكثيراً ما يضل المدلج دليله، وتخطىء المؤمل ظنونه.
**

قال المحبي في كتابه : خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

فتح الله المعروف بابن النحاس الحلبي الشاعر المشهور:

 فرد وقته في رقة النظم والنشر وانسجام الألفاظ لم يكن أحد يوازيه في أسلوبه أو يوازنه في مقاصده وكثير من أدباء العصر يناضل في المفاضلة بينه وبين الأمير منجك ويدعى أرحجتيه مطلقا وعندي أن أرحجتيه إنما هي من جهة حسن تراكيبه وحلاوة تعبيراته وأما أرحجتيه الأمير فمن جهة معانية المبتكرة أو المفرغة في قالب إلا جادة ونحن لم نطلع لفتح الله على معنى يشبه قول الأمير من الرباعيات:
 ما مر تذكر الكري في بالي  إلا دفعته راحة البلـبـال
أشفقت من الجفون لما يؤذي  أقدام خيالك العزيز الغالي
ولا قوله:
 لو لم يكن راعها فكر تـصـورهـا  من واله وثنتـهـا مـقـلة الأمـل
ما قابلت نصف بدر بابـن لـيلـتـه  وألقت الزهر فوق الشمس من خجل 
فهذان مما لا قدرة لمثل الفتح على طرق بابهما وبالجملة فهما شاعر الزمان ولعمري إن زمانا جاد بهما السخي جداً وكان فتح الله في حداثته من أحسن الناس منظراً وأبهاهم صباحة ورشاقة وكان أبناء الغرام يومئذ يفدونه وهو يعرض عنهم أنفت منه مرمته في زاوية الهجران وفي ذلك يقول وقد رأى أعراضاً من صديق له كان يألفه:
 إني أنا الفتح سمعتم بـه  ما همه حرب ولا صلح 
من عدّلي ذنباً قلاني بـه  فإنما ذنبي له النـصـح
قولوا له يغلق أبـوابـه  فإنما حاربه الـفـتـح
ثم اندرج في مقولة الكيف وتزيا بزي الزهاد واتخذ من الشعر صدارة حدادا على وفاة حسنة ووفاة جماله وما زال يرثي أيام حسنه وينعي ما يتعاطاه من الكيف وله في ذلك محاسن ونوادر منها قوله في قصيدته التي أولها:
من يدخل الأفيون بيت لهاته  فليلق بين يديه نقد حياتـه
  لو يابثـين رأيت صـبـك قـبـل  ما الأفيون أنحلـه وحـل بـذاتـه
في مثل عمر البدر يرتع في رياض  الزهر مثل الظبي في لفـتـاتـه
من فوق خد الدهر يسحـب ذيلـه  مناه ة إني شـاء وهـو مـواتـه
وتراه إن عبث الـنـسـيم بـقـدة  ينقد سرو الروض في حركـاتـه
وإذا مشى تيها علـى عـشـاقـه  تتفطر الآجال مـن خـطـراتـه
يرنو فيفعل مـا يشـاء كـأنـمـا  ملك المنية صار من لحـظـاتـه
لرأيت شخص الحسن في مـرآتـه  ودفعت بدراً لتم عن عـتـبـاتـه
وقال من قصيدة أخرى:
يا هذه إن أنت لم تدر الـهـوى  لا تجحديه فللهوى استـحـكـام
وأبيك كنت أحد منـك نـواظـر  وبكل قلب من جـفـاي كـلام
والسحر إلا في لساني منـطـق  والحسن إلا فـي يدي خـتـام
لدن القوام مصونة أعـطـافـه  عن أن تمديدا لـهـا الأوهـام
متمنعا لا الوعد يدنـي وصـلـه  يومـاً ولا لـخـيالـه الـمـام
حتى خلفت السقم فيه بنـظـرة  ولقد يلاقى ظـلـمة الـظـلام
وتنوعت أدواؤه فـبـطـرفـه  شكل الرقيب وفي الصماخ ملام 
ألف التجنب في هواك فقـربـه  للناس بعدك خـطـوة وسـلام
ثم مل الإقامة بين عشيرته فخرج من حلب وطاف البلاد وكان كثيراً لتنقل لا يستقر بمكان إلا جدد لآخر عزما وفي ذلك يقول وقد أحسن كل الإحسان:
أنا التارك الأوطان والنـازح الـذي  تتبع ركب العشق فـي زي قـائف
وما زلت أطوي نفنفا بعد نـفـنـف  كأني مخلوق لطيّ الـنـفـانـف
فلا تعذلوني إن رأيتم كـتـابـتـي  بكل مكـان حـلـه كـل طـائف
لعلّ الذي باينت عـيشـي لـبـيتـه  وأفنيت فيه تالدي ثـم طـار فـي
تكلفه الأيام أرضـا حـلـلـتـهـا  إلا إنما الأيام طرق الـتـكـالـيف
فيملى عليه الدهر ما قد كتـبـتـه  فيعطف نحوي غصن تلك المعاطف 
ودخل دمشق مرات وأقام بها مدة واتفق عند دخوله الأول جماعة من الأدباء المجيدين وكان لهم مجالس تجري بينهم فيها مفاكهات ومجاورات يروق سماعها فاختلوا به وعملوا له دعوات وكانوا يجتمعون على أرغد عيش وجرت لهم محافل سطرت عنهم ولولا خوف التطويل لذكرت بعضها ثم سافر إلى القاهرة وهاجر إلى الحرمين واستقر آخرا بالمدينة وله في مطافه القصائد والرسائل الرائقة يمدح بها أعيان عصره ومن أرقها قوله يعاتب.
غرست لكم في القدح ما أخضر عوده  وألقت إليه الزهر عقداً من الـزهـر
وصارت عيون المنـصـفـين قـلائداً  عليه وعين الحقد تنظر عـن شـزر
وعدت كما عاد المسـيء مـذمـمـا  أغص بشكري وهو يحسب من وزري 
وملساء حظا كالذي اجتلـب الـهـوى  وأسلمه محض الوداد إلى الـهـجـر
ومن نثرها:
عهدي بالشيخ جـبـلا آوى إلـيه  وحمى أحوم وعماد اعتمد بعد الله 
عليه فما بال الجبل لم يؤو والحمى لم يحم والعماد لم يحو وما باله في مسراته وأنا في ليل الهموم أتوقع تنفس صحبها وأبتهل إلى الله تعالى في طلوع شمسها فعند ما حلت أكف الابتهال عري الدجى ولاح من تنفس صبح الوصال أشعة شمس المنى حال بين طرفي وسناها قذاة العين وأصبحت مصابا بعين أعوذ بالله من أن يلهى الشيخ بزخرف المتمشدق أو تستميله أقاويل المتملق والزخرف عتبة التلاشي والتمشدق باب الهوى والأقاويل مطية الكذب والدخيل قذال يد الرد والتملق مزراب النفاق ولي في محبته الود الثابت والقلب الصابر واللسان الرطب والفم الشاكر وله مني الوداد المحض والقصائداً لغر ولي منه أنه المتوجع ولوعة المصاب وحرقة المهجور وخشية المرتاب وما أراه من اقتفائه أثر المتلبس عليهم الأمر في كسر زجاجة ودادي من زيد بن عمرو ولا غرو قديد مي الجبين أكليله وتهجر الحسام قيونه وكثيراً ما يضل المدلج دليله وتخطى المؤمل ظنونه وكان مع ظهوره بزي الفقراء من الدارويش كثير الأنفة زائد الكبرياء والعجب ومن هنا حرم لذات المعاشرة واستعرض أكدار المذمة وهذا عندي من الحمق العظيم مع إنه ينافيه جودة تخيله في الشعر وقد يقال إن الشعر موهبة لا يتوقف أمره على وجود الصفات الكاملة بأسرها وأما أمر التناقض في الأحوال فكثير من يتبلى بها وهي وصمة لا راد للطعن فيها بحال ومما يحسن إيراده في هذا الشأن ما يروى عن الاسكندر إنه رأى رجلاً عليه ثياب أو تلبس ثياباً على قدر كلامك وقولهم غنّ تشاكل بعضك أصله أن سكرانا مر وهو يهلل فقيل له ذلك انتهى وأشعار فتح الله كثيرة مطبوعة مرغوبة فمن جيدها قصيدته اللامية التي مطلعها:
غير وفاء الحسـان يحـتـمـل  وفي سوى الصبر يحسن الأمل
فخل ما القلب فـيه مـطـرب  لبعده والمـزاج مـنـفـعـل
وعدّ عن نظرة رمـيت بـهـا  فغير جرح اللحـاظ ينـدمـل
سمعت بالوصل ثم همـت بـه  أكل صب قبل الهوى غـفـل
دنوت من منهل علـى ظـمـأ  ودونه البيض دونـهـا الأسـل
فمن زلال الوصـال خـذ بـدلا  فما لمثلـي إذا قـضـى بـدل
هم الظبـاء الـذين إن بـعـدوا  قتلت شوقاً وإن دنوا قـتـلـوا
السالبون البـقـاء إن رحـمـوا  السافكون الدمـاء إن عـدلـوا
لاهون لا يستخـفـهـم حـزن  عليك مستحسنون ما فـعـلـوا
ولا لقتلى لـحـاظـهـم عـدد  ولا لا طراف بيضهـا فـلـل
هم حرمونا الخدود نلـثـمـهـا  وكل وقت يمسهـا الـخـجـل
وحرموا العطف قسـوة وهـم  الغصون والغصن شأنه المـيل
أولوا الثنايا البرد سلـسـلـهـا  والمقل المنتمى لها الـنـجـل
من فرق السحر فيهم اجتمعـت  أسماء منها الرضاب والكحـل
من جعلوا الورد يستـظـل بـه  الطلع وأعلاه نرجس خـضـل
هي الأماني المبـيد مـوردهـا  ورب ورد من دونهـا الأجـل
ولـي فـؤاد أطـاع نـاظـره  كلاهما بالمشيب مـشـتـعـل
فالطرف فيما عنـاه مـتـهـم  وذا بما لا يعنيه مـشـتـغـل
وذبت عشقا لم أدر أم سـقـمـا  بل في ما أعظمى لـه سـبـل
لكل عضـو إذا وضـعـت يدي  يصدها من صبابتـي شـعـل
أودّ آها ولـيس تـنـفـعـنـي  وكتمها فوق علـتـي عـلـل
لا الرشد عندي ولا الـفـؤاد ولا  العقل ولا الصبر لي ولا الحلول 
أنا الذي في الأنام حيره الحـب  فما الاهـتـداء مـا الـحـيل
فمن لطرفي أومن لقلبـي فـي  الـحـب وذا هـائم وذائمــل
خلقت صبا كأنـمـا خـلـقـت  له العيون الفواتـك الـنـحـل
يودع أحشاه مـن كـنـائنـهـا  ودائعاً ما اهتدى لـهـا ثـقـل
كمكرمات الأسـتـاذ تـودعـه  الجود ولا يتهدي لها الـبـخـل
وهي قصيدة طويلة وفي هذا القدر منها كفاية وأرق منها وأشهى قصيدته الدالية التي مدح بها أبا الأسعاد الوفائي وأخاه ومطلعها:  
قد نـفـدت ذخـائر الـفـؤاد  فكم أر بي الدمع للـسـهـاد
فؤاد من يحب مثـل دمـعـه  ودمعه مـظـنة الـنـفـاد
إذا هدا الليل فطفل مقلـتـي  يبيت بالنزيف غـير هـادي
ومن بكى من النوى فقـد رأى  بعينـه تـقـطـع الأكـبـاد
تمايلوا على الجـمـال مـيلة  فعلموها مشـية الـتـهـادي
وما سمعت بالغصون قبلـهـم  مشت بها أكثـبة الـبـوادي
فإن تجد يدي علـى تـرائبـي  فلا تقـل لـغـيبة الـفـؤاد
وإنما رفـعـتـهـا لأنـهـا  كانت لهم حـمـائل الأجـياد
حمر الخدود أن تغب فشكلهـا  بناظـري داخـل الـسـواد
لأجلي ذا الدمع جرى بشوقهـا  فنظم الياقوت فـي نـجـادي
لا وأبي ومن يقـل لا وأبـي  فقد تـلـي ألـية الأمـجـاد
ما عثر الغمض بديل ناظـري  ولا انثنت لطيفهـم وسـادي
وهب رشاش مقلتي حـبـائلا  فأين منهـا زلـق الـرقـاد
آه وآه أن تكن مـلء فـمـي  فإنها مضمضة الـصـوادي
قد نفض السمع كلام غيرهـم  كما نفضت الصبر من مرادي 
أعاذ لي فلـلـهـوى غـواية  بعت بها كما تـرى رشـادي
ولعت بي وشعلتـي كـمـينة  بقادح يعبـث فـي زنـادي
دع الهوى يعبث وبي وإن تشا  فعدّنـي مـن عـذبـات واد
ما لحق اللوم غبار عـاشـق  حدابه من الـنـسـيب حـاد
أما ترى الأقاح حول لمـتـى  حكى ابتسام البرق في البوادي 
بشرني طلـوعـه بـأن لـي  صبح وصال لدجى بـعـادي
ولم أقل مناضـل تـجـردت  وأركزت بجانـب الأغـمـاد
كان شيب الشعـرات ألـسـن  على ضياع رونقي تـنـادي
لبست ما أضاعني فأسـوتـي  كأسوة الجمرة في الـرمـاد
وحاك في الرأس ضياه خـيمة  ذات طنا بـين إلـى الأفـواد
كأنها عمـامة لـبـسـتـهـا  من يد مولاي أبي الأسـعـاد
مجرد العزم فرنده الـتـقـى  وغمـده تـبـسـم الأجـياد
ما عرك الجدب أديم أرضـه  ومن يديه فـوقـهـا غـواد
أما ولو ببابه احتمـى الـدجـا  لما اختشى خطب سياج عـاد
أو دخل النهار تـحـت ذيلـه  ما زحف الليل على العـبـاد
لقيته ومن رأى بنـي الـوفـا  فقـد رأى أهـلة الأعــياد
الضاربين رفرفا على العلـي  الواضحين غـرر الـرشـاد
هم البحوران حبوا أو اجـتـوا  قلت الحبي دارت على أطواد
تميزوا في الأولياء مثـل مـا  تميز الملوك فـي الاجـتـاد
هم الذين فرعوا خـصـائص  الملوك من خصاصة الزهـاد
قد نقد المجد لهم صفـاتـهـم  نقد فتاة الحسـن لـلـجـياد
وقد رأيت فرقدي بني الـوفـا  كلاهما لـمـن يضّـل هـاد
كلاهما منبع فضـل وهـدى  يكرع فـيه حـاضـر وبـاد
فيا مفيض البـركـات ذكـره  إن نفدت راحلـتـي وزادي
أرسلني الحب إليك قـاصـدا  وأرتحجى كرامة القـصـاد
وفي يدي من المديح تـحـفة  قليلة لـمـثـلـهـا الأيادي
وباثنتين منك أن أجـزتـنـي  غنيت من جـوائز الأنـشـاد
بنـظـرة جـالـبة الــوداد  ودعوة قـامـعة الـفـسـاد
آه ويا رب عـسـى عـنـاية  وتستقال عـثـرة الـجـواد
وتستقر مقلـتـي بـمـائهـا  واكتفى من الورى جـهـادي
كم أزرع الشكر وما لزرعـه  إذا أتى الأبان مـن حـصـاد
وأتبع الهـوى بـكـل غـادر  ليس هواه في سوى عنـادي
فأنفث الرقي على مـخـبـل  وأطلب الحر الثمن جـمـاد
  ولي حظوظ لا تفيد جملة  كما يخط الطفل بالمـداد
تشعبت من الصبا وناصبت  على السرى مخارم البلاد 
بين هوى لخاتل ومـدحة  لباخـل وفـرقة لـعـاد
نفرت من قصائدي لأنهـا  إلى الكثير سلم التعـادي
لا أسفا على ذوات أسطر  فإنها مـراود الأحـقـاد
ألية لولا هوى بني الوفـا  منزل منزلة اعتـقـادي
وإن تكون منهم التـفـاتة  تثبت في شهرة السـداد
لما نظمت ادخرتها وسيلة  ونعم ما ادخرت من عباد
ومن عقوده الزاهية سلسلته التي نظم بها قلائد إلا جادة وهي في مدح الاستاذ أبي المواهب البكري ومستهلها.
يا مبتدع العذل إن عـذلـك أشـراك  عذرا لعذار رميت منـه بـأشـراك
للناس غرام يا عاذلـي وغـرامـي  من سرب ظبا النقا بألعس مضحـاك
تسبـيك بـديبـاج خـده شـعـرات  قد غمنمها السحر والجمال لها حاك
تالله وما الحسن غير حـسـن عـذار  فانظره وسلني فقد تريبـك عـنـاك
ما خط عـذاره سـوى حـسـنـات  يا رب وأرجوا بذي الصحيفة ألقـاك
يا بدر كما جئت للحسـان خـتـامـا  المسك ختاما أتى لحسـن مـحـياك
أقسمت بسطر كالـلاز ورد بـخـد  كالعسجد حلته وجنتـاك فـحـلاك
ما فيك سوى نقضك العهود مـعـيب  وأفعل ففؤادي على فعالـك يهـواك
أنعمت صباحا يا من بدا كـصـبـاح  والليل بخير من الـذوائب مـسـاك
ما شئت فزدنـي أسـى أزدك ودادا  ما أجهل من يدعى هواك ويشنـاك
قد كنت وكنا وأنـت بـدر دجـانـا  واليوم فلم يا هلال نـحـرم رؤياك
هل كان من الرشد أن تقاطع مثلـي  يا حب وتنقاد مع غواية تـنـهـاك
هب أن رقبيي عليك مثلي وظـنـي  ما كان رجائي أن العدواة مجـنـاك
إن كان عقاب الـذي يحـبـك هـذا  أفديك فقل لي فما تركت لا عـداك
أجفي وأنا العنـدلـيب فـيك وعـار  تصغي لصدي عاذلي وتطرب أذناك
لا تصغ لدعوى السوى فليس سـواء  مغريك وتزوير ما ادّعاه ومغـراك
لو أنك أنصفت لاعتمـلـت بـأنـي  مضناك وكلهم لكـيدي مـضـنـاك
يا عصن وإن دمت لم تكن لعتـابـي  لا غرولي العذر في إذاعة شكـواك
أشكوك لمن تطلب الملـوك رضـاه  من فاق جميع الورى بعنصره الزاك 
من نسل أبـي بـكـر الإمـام إمـام  للودد والفـضـل والـولاية مـلاك
ذو الرفعة أعني أبا المواهب من لي  بالبشر مدى الدهر والسماحة يلقـاك
يمسعه تحد من يديه فـائض بـحـر  لا تنضب سحب البنان منه بإمسـاك
واستدر به واعتقد وخذه حـسـامـا  عن كل حسام أبو المواهب أغنـاك
إن تأت له خـائفـاً وأنـت مـحـب  لابد وأسد العـرين مـا تـتـوقـاك
يا بـحـر لآل ويا غـمـام نــوال  طوبي لـمـوال دنـا إلـيك ووالاك
مولاي أقل عثرتي فـلـيس مـقـيل  والحب الجفاني وقل صبـري الأك
من مثلك يا ابن الكرام طبت نجـارا  وازددت فخارا فزد يزيدك مـولاك
قد أطلعك الله بـين قـومـك بـدرا  لا زلت مثيراً بهم وهم لـك أفـلاك
يهتز على الحالتين مـنـك حـسـام  بدلا وخصا ما كسيف جدك فـتـاك
يا عترة ذاك الإمام فـاق وفـقـتـم  إن قصر مدحى لكم فعجزي أدراك
ما المدح بمجد سوى الوصول إليكـم  أنتم درر الكون والمـدائح أسـلاك
لا زال على سيد الورى وعـلـيكـم  أزكى صلوات من السلام بـإمـلاك
ما جاور سر الهوى فـؤاد مـحـب  في الناس وما ذل في المحبة أملاك
  وكتب إلى العلامة عبد الرحمن العمادي مفتى دمشق وقد أصابه رمد:
 فدا لعينيك دون الناس عينـائي  وكل عضو فداه كل أعضـائي
نوّد لو كان مودوعاً بأنفـسـنـا  ما تشتكيه بعين منـك رمـداء
وأنت لا عن حجاب كنت ناظرنا  فارفع حجابك وانظر للأحـياء
وكتب إلى ابنه إبراهيم يهنئه بمولود:
أتانا بشير الوليد الـجـديد  فساق إلينا حياة وبشـرى
فلا زلت مولاي حتى ترى  هلالك مثلك قد سار بدرا
وقال يخاطب بعض الصدور وكان الفتح قدم من الحج فأهداه تمرا:
أحسن ما يهديه أمثـالـنـا  من طيبة من عند خير الأنام 
بعض تميرات إذا أمكـنـت  اهداؤها ثم الدعا والسـلام
ومن رباعيا قوله:
لا تبد لمن تحـبـه مـا أبـدي  واصبر فلعل الصبر يوماً يجدي 
إظهار محبتي لمن أعـشـقـه  صارت سبباً لطول عمر الصد
وقوله أيضاً:
زروا جل لمسمعي كؤس اللفظ  واجعل كيدي غمدا لسيف اللحظ 
بل زروا هجر ولا تخف مظلتي  ما أوردني البلاء إلا حـظـى
وقوله:
 من أرقي قد استلـذ الأرقـا  ويلاه ومن أعشقه قد عشقـا
من ينقذني منه ومن ينـقـذه  أفسني حرقا فيه ويفني حرقا 
ومن نوادره قوله في مدح الأمير محمد بن فروخ:
عجبا لسيف لحاظ من أحببتـه  يزداد صقلامع طراوة حسنة
ويظل يفتك في الأسود كأنـه  سيف ابن فروخ بدا من جفنه 
وأنفس نفائسه تضمينه المشهور لمصراع الرئيس ابن سينا:
لا يدعى قرلو جهـك نـسـبة  فأخاف أن يسود وجه المدعى
فالشمس لو علمت بأنك دونهـا  هبطت إليك من المحل الأرفع 
ومن روائعه قوله:
 أيا رب جعلت متاعي القريض  وقد كان قدما يعدّ السـنـينـا
فلم لا وقد درسـت سـوقـه  كاطلال أصحابه إلا قدمـنـا
ولابد للـشـعـر مـن رزقة  فيا ويح من يقصد الباخلـينـا
فها أنـا ذا شـاعـر واقـف  ببابك يا أكرام إلا كرمـينـا
ومحاسنه كثيرة وفي هذا القدر كفاية وكانت وفاته بالمدينة المنورة ليلة الخميس لثمان بقين من صفر سنة اثنتين وخمسين وألف ودفن ببقيع الغرقد.


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
17283392
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة