جمهورية السنغال في كتاب الأمّة

واحة التاسع من رمضان المبارك في صفحة المنوعات بجريدة الحياة

د. محمود السيد الدغيم

1

جمهورية السنغال

تقع السنغال عند الحافة الغربية لقارة إفريقيا، ويحدها المحيط الأطلسي من الغرب، وتحدها دولة مالي من الشرق، ودولتي غينيا وغينيا بيساو من الجنوب. ويفصلها نهر السنغال عن موريتانيا شمالا. وأراضي السنغال سهلية منبسطة أو متموجة، وتكسوها السافانا. وإجمالي مساحة اليابسة: 196722 كم2، وطول الحدود البرية: 2640 كم، وطول السواحل السنغالية: 531 كم

العاصمة: دكار، والمدن الرئيسية هي: تييس، كاولك، زغينشور، واللغة الرسمية في السنغال هي اللغة الفرنسية، والعملة الوطنية هي فرنك الاتحاد المالي الإفريقي، واليوم الوطني في الرابع من نيسان/ أبريل من كل سنة.

وتجري في أراضي السنغال أربعة أنهار رئيسية شبه متوازية من الشرق إلى الغرب هي: نهر السنغال، ونهر سالوم، ونهر غامبيا، ونهر كاسامانكي، وربع الأراضي السنغالية صالحة للزراعة، والباقي مراعي وغابات وأحراش. وعدد السكان ما يقرب من أحد عشر ملايين نسمة يقيم نصفهم في المناطق الحضرية، ونسبة الأمية أكثر من خمسين في المائة.

2

تتباين أنشطة وزارات الأوقاف في الدول العربية والإسلامية، فبعض هذه الوزارات يتعرض للاستنزاف لأنه مُحاصر من قِبل الأنظمة السياسية التقدمية الإشتراكية التي تستولي على ممتلكات الأوقاف، وتوزعها على المتنفذين وحواشيهم ولو كانوا من غير المسلمين، وبعض الوزارات نشيط ينمو، ويُنمي ممتلكات الأوقاف ذات الفوائد العمومية التي تعود بالخير على الناس في العديد من المجالات الإنسانية، وفي مقدمتها قضايا الاهتمام بدور العبادة، وما يتبعها من مساكن ومدارس في إطار الاهتمام بالعلم والمعلمين والمتعلمين، وما يتطلب ذلك من نشر الكتب الهادفة المفيدة، وفي هذا الإطار تبرز جهود وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، وهي حديثة العهد قياساً على غيرها من وزارات الأوقاف الأكثر قِدَماً في علمي العرب والمسلمين، فقد أنشئت هذه الوزارة بموجب الأمر الأميري رقم 1 لسنة 1992م، وتولت المهام التي كانت تتولاها في السابق "رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية".

وتجدر الإشارة إلى أن رئاسة المحاكم الشرعية كانت تنشر مجلة الأمة التي صدرت سنة 1401 للهجرة/ 1980 ـ 1981م، وتوقفت في 3/10/1986م، وأعداد سنواتها الستّ متوفرة في موقع الفسطاط الإليكتروني.

وتمتاز "وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية" بما تصدره من مطبوعات ورقية، ومنشورات إليكترونية، وفي مقدمتها مجلة المنبر الإلكترونية، ومجلة الدعوة الإلكترونية، وكتاب الأمة الإلكتروني، وغير ذلك مما ينفع الناس بشكل عام.

3

كتاب الأمة

تصدر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية سلسلة "كتاب الأمة" وقد صدر من هذه السلسة أكثر من مائة كتاب، وهي تنشر على الورق كما تنشر اليكترونياً ضمن شبكة "الإنترنت" العنكبوتية في موقع الشبكة الإسلامية.

ويقوم مركز البحوث التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية باقتراح موضوعات سلسلة كتاب الأمة، والاستكتاب حولها، واختيار المناسب وإعداده للطباعة والنشر، وإلى جانب ذلك يختص المركز بإعداد البحوث والدراسات المتعلقة بجوانب الفكر الإسلامي، واختيار موضوعات جائزة الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، ووضع معايير التحكيم، والإشراف على لجان الجائزة وتحديد الفائز، ويساهم المركز بدراسة ما يعرض على الوزارة من مشروعات ثقافية وفكرية وتربوية واجتماعية، وإبداء الرأي حولها، و يتألف مركز البحوث والدارسات من ثلاثة أقسام هي: قسم البحوث والدراسات الإسلامية، وقسم المعلومات الإسلامية، وقسم مكتبة الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، والمركز على علاقة بإدارة الشؤون الإسلامية التي تضم قسم المطبوعات، قسم الكتب الإسلامية، قسم الرقابة، وقسم العلاقات الإسلامية.

4

مؤلف كتاب المسلمين في السنغال

صدر ضمن سلسلة كتاب الأمة الكتاب الرابع عشر بعنوان: "المسلمون في السنغال، معالم الحاضر، وآفاق المستقبل" ومؤلف الكتاب هو عبد القادر سيلا، وقد ولد المؤلف في السنغال، كومبنوم سنة 1939م، وتتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في السنغال وموريتانيا والمغرب، وحصل على الإجازة في العلوم السياسية من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1967م، وحصل على دبلوم المدرسة الوطنية والإدارة والقضاء، قسم الدراسات الدبلوماسية سنة 1977م، وعمل مدرسا للغة العربية في ثانويات السنغال، كما عمل مستشارًا ثانيا في سفارة السنغال بالعاصمة السعودية الرياض.

5

محتويات الكتاب

يتضمن كتاب "المسلمون في السنغال، معالم الحاضر، وآفاق المستقبل" على تقديم للكتاب بقلم عمر عبيد حسنة، ومقدمة  المؤلف، والمعطيات الجغرافية والبشرية، وطرق انتشار الإسلام في غربي أفريقيا، والاستعمار وانتشار الإسلام في السّنغال، وبعض خصائص الإسلام في السنغال، وحركة الاستعراب، والمستقبل المنظور للمنظمات الإسلامية، والمستقبل المنظور للإسلام في السنغال.

 

6

تقديم الكتاب

قدَّم لكتاب "المسلمون في السنغال، معالم الحاضر، وآفاق المستقبل" عمر عبيد حسنة، ومما جاء في التقديم: " هذا كتاب الأمة الثاني عشر: المسلمون في السنغال: معالم الحاضر وآفاق المستقبل. للأستاذ عبد القادر سيلا، في سلسلة الكتب التي تصدرها رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر، مساهمة منها في تحقيق الوعي الحضاري، والتحصين الثقافي، إلى جانب العطاء الصحفي والدور الإعلامي الإسلامي الذي تضطلع به مجلة "الأمة ".

7

تخلف الدراسات الإسلامية

يتابع عمر عبيد حسنة قوله في التقديم للكتاب: ولا بد لنا من الاعتراف بالتخلف المخجل في مجال الدراسات الاجتماعية، وحسبنا في ذلك معرّةً أن تكون دراسات غير المسلمين عن حاضر العالم الإسلامي هي التي تغطي الجانب الكبير من مصادرنا للمعلومات، ودليلنا إلى المعرفة.

أما بالنسبة لأفريقيا بالذات ـ التي نزعم أنها القارة المسلمة ـ فمعظم مصادرنا للمعلومات والإحصاءات السكانية، ودليلنا إلى معرفة العبادات والعادات القبلية تكاد تكون كنسية محضة، في الوقت الذي لا يزال كثير منَّا لا يرى آفاقاً للعمل الإسلامي إلا بالوقوف طوابير أمام الأبواب المغلقة والجدران المسدودة. ونكاد نقول هنا: بأنَّ هذا الواقع البائس الذي نحن عليه، وهذه الإحباطات المستمرة التي نعاني منها إنما جاءت نتيجة لعدم وجود الدراسات المتأنية والدقيقة لعالم المسلمين وقضايا العالم بشكل عام، ذلك أننا نحاول التحرك في عالم لا ندرك أبعاده تمام الإدراك على أحسن الأحوال، وكثيرًا ما تكون انتصاراتنا لقضايا كثيرة انتصارات عاطفية بعيدة عن أية معرفة وبصيرة؛ وحسبنا هنا أن نأتي بأنموذج واحد من عمل غير المسلمين إلى جانب مئات النماذج والألوف من الدراسات التي تتعهدها الدول أحياناً، وتستقل بها بعض المعاهد والمؤسسات الخاصة المتخصصة أحياناً أخرى؛ ففي دراسة إحصائية حول الأديان أصدرت جامعة "أوكسفورد " موسوعة أسهم فيها أكثر من خمسمائة خبير في الأديان، تجولوا في مائتين واثنتي عشرة دولة ومقاطعة في العالم لأخذ العينات وإجراء الدراسات الإحصائية، واستمر هؤلاء الخبراء في العمل حوالي أربع عشرة سنة متواصلة.

8

إهمال الأفارقة

ويقول عمر عبيد حسنة: والحقيقة أنَّ الخارطة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية لأفريقيا بالشكل المطلوب لا تزال غائبة عن المسلمين بشكل عام وعن المؤسسات والجمعيات والجماعات المعنية بشؤون الدعوة الإسلامية بشكل خاص.

ولقد آن الأوان لتأخذ وسائلنا في العمل الإسلامي شكلاً مدروساً يأتي استجابة لرؤية صحيحة عن الواقع الذي نتعامل معه، وقد يكون من الأمور المؤسفة أن الكثير من الدراسات والتقارير التي تقدم عن أفريقيا ـ والتي نحاول فيها تقليد أعداء الإسلام ـ تحفظ في الأدراج، ويلفّها الإهمال والنسيان، ولا تجد طريقها إلى التحليل والدراسة، ومن ثم وضع الخطط على ضوئها. ومع ذلك نبكي على ضياع أفريقيا بين الأطماع الاستعمارية والمؤسسات التنصيرية والاستلاب الصهيوني.

ولعلّ من أبسط متطلبات الدعوة إلى الإسلام اليوم في أفريقيا، وفي العالم بأسره: تشكيل الأقسام واللجان المتخصصة بقضايا أفريقية ونكاد نقول: تشكيل اللجان المتخصصة بكل دولة من دولها بل بكل قبيلة من قبائلها لتعد الدراسات الدقيقة وتضع دليل العمل الذي يمكّن من فهم طبيعة الإنسان المخاطب، وذلك بدراسة الخلفية التاريخية لثقافته وعقيدته واهتماماته، واستحضار تاريخه بشكل عام؛ حتى نتمكن من معرفة المداخل الصحيحة لشخصيته، وحتى يأتي الكلام مطابقاً لمقتضى الحال، وحتى نخاطب الناس على قدر عقولهم، كما يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "خاطبوا النّاس على قدر عقولهم، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله"؟! وكم أسِفت أثناء زيارتي لبعض المؤسسات المعنية بشؤون الدعوة في غربي إفريقيا عندما طلبت إليها إطلاعي على ما لديها من دراسات أستطيع بواسطتها الإفادة من الزمن المقرر للزيارة والدخول إلى تلك البلاد من الأبواب الصحيحة، فلم أظفر بأكثر من ملاحظات عامة قد يمتلكها عامة المسلمين لا تُسمن ولا تغني من جوع، حيث لم تقدِّم لي جديدا.

9

جهود المبشرين

ويتابع عمر عبيد حسنة قوله: إلى جانب الدراسات والبحوث كلها، وعمليات المسح الاجتماعي والتحليل الثقافي الموجهة التي قدمتها الكنيسة، ومن ورائها الاستعمار عن أفريقيا، والتي تعتبر إلى حدٍّ بعيد دليل عَمَلٍ لكلِّ من يفكر بالتعامل مع هذه القارة التي يُعاد تشكيلها من جديد، فإنَّ هناك دورات تدريبية لمدة أربعة أشهر أو سنة تُقام في معظم الدول الاستعمارية خاصة الولايات المتحدة، تدرب فيها العناصر المهيأة للذهاب إلى أفريقيا، وتزوَّد بكل المعرفة المطلوبة حول المناخ والبيئة، وحول السكان وطبائعهم وعقائدهم ولهجاتهم المحلية، وما يثيرهم وما يرضيهم؛ ومن ثَمَّ يسافر المبعوث إلى هناك، ويختص بمعايشة قبيلة والانتساب إليها وحمل اسمها والحياة معها والحديث بلهجتها المحلية وكأنه جزء منها، ومن ثم يكون قادرًا على أداء رسالته التي جاء من أجلها، ويقدِّم دراسات تعتبر إضافة حقيقية لعمل مَن سبقوه في هذا المجال.

وفي محاولة لإلغاء كل نسب بين أفريقيا والإسلام تكرَّس اللهجات المحلية، وتوضع لها أبجديات بالحروف اللاتينية بعد أن ألغي الحرف العربي ـ كما هو الشأن في تركيا والملايو وغيرهما من بلاد المسلمين ـ وتصنف المعاجم، ويوفر المستعمر المتخصصين، ويقيم مخابر لتطوير اللغات المحلية المتعددة وتأصيلها؛ ومن المفارقات العجيبة أن تكون لغة المستعمر ـ الفرنسية ـ هي اللغة الرسمية في السنغال، وفي بقية الدول الأفريقية التي كانت تخضع لهذا الاستعمار، في الوقت الذي تحرم فيه العربية وحرفها، وهي لغة العقيدة والدين لشعب السنغال، وعدد المسلمين فيه يربو على 95% من مجموعه.

 

والسنغال قديم عهد بالإسلام منذ أن انطلقت منه حركة المرابطين منذ أكثر من ألف سنة تقريباً. ولكن رُبّ ضارة نافعة ـ كما يقولون ـ ذلك أنّ التحدي الثقافي والضربات الموجعة أسهمت إلى حدّ بعيد بيقظة الأمة، وأعطت حركة المد الإسلامي زخمًا جديدًا بعد أن استشعرت هذا التحدي، فقامت المدارس العربية الإسلامية التي تعتبر بحقّ حصون الإسلام ولغة التنزيل، ولقد أثبتت وجودها حتى على المستوى الرسمي.

وأمر آخر لا يقل خطورة عن أمر اللغة، وإنما هو مكمل لها، وقد ركزه المستعمر على يد بعض الأفارقة أنفسهم، وهو الدعوة إلى الإسلام الأسود؛ ليكون إسلامًا خاصًا بالإفريقي، ولقد تركزت هذه الدعوة في السنغال، وأمر التركيز على السنغال ليس خافيًا على أحد؛ لما يتمتع به من الموقع والتأثير على غربي أفريقيا خاصة، وعلى سائر أفريقيا عامة، يقول "بول مارثي ": (إنَّ ثوب الإسلام أيا كانت بساطته ولياقته، لم يفصَّل للسود، فهؤلاء يفصِّلونه من جديد لمقاييسهم، ويزينونه حسب ذوقهم ... إنّ الإسلام الأسود يحكم اختلاف البيئة والمحيط الاجتماعي مغاير لإسلام العرب) وقد ألَّف "فينسان مونتي " كتابًا في الستينيات تحت عنوان "الإسلام الأسود " هذا إلى جانب الدعوات إلى الإقليمية التي تحاول تسوية النصرانية بالإسلام، واعتبار كل منهما دينًا طارئًا على أفريقيا، والدعوة إلى العودة بالأفارقة إلى أديانهم القديمة.

 

ومحاولة الانحراف بالإسلام من داخله عند العجز عن مواجهته ليست جديدة ولا مبتدعة ، ومع أن الإسلام في أفريقيا بخير، والمسلمين يكافحون بوسائلهم البسيطة، ويواجهون أعظم التحديات المزوَّدة بأكبر الإمكانات والدراسات المتقدمة، إلاَّ أنَّ ضرورة الالتفات إلى أفريقيا بشكل سليم ومدروس أصبح أمرًا لا يحتمل التأخير؛ وقد يكون المطلوب مزيدًا من الدراية وفقه المجتمع ومشكلاته التاريخية، وفي تقديرنا أنه لا تتوفر الحكمة المطلوبة في أمر الدعوة ما لم تتحقق تلك الدراية وتتحصل المعرفة والتصور الكامل والدقيق للواقع الذي انتهى إليه الناس هناك، لأنَّ الحكمة في أبسط مدلولاتها هي: وضع الأمور في مواضعها؛ فكيف تتأتى الحكمة في معالجة القضايا والمشكلات إذا لم نتمكن من معرفة أبعاد هذه القضايا، وأسباب تلك المشكلات وتاريخها، والعُمر الذي تُووضعت من خلاله.

واحة العاشر من رمضان المبارك

د. محمود السيد الدغيم

1

كتاب المسلمين في السنغال

صدر ضمن سلسلة كتاب الأمة ـ في دولة قطر ـ الكتاب الرابع عشر بعنوان: "المسلمون في السنغال، معالم الحاضر، وآفاق المستقبل" ومؤلف الكتاب هو عبد القادر سيلا الذي قال في مقدمة الكتاب: "يغمرنا الأمل أن يساهم هذا الكتاب في التعريف بالإسلام في السنغال تعريفًا من شأنه أن يقرّب إلى ذهن غير المتخصص وضع العقيدة الإسلامية في ذلك القطر الإسلامي، ويعكس ـ بكل صدق وأمانة ـ رؤية واضحة عن ماضي وحاضر ومستقبل الإسلام هناك. وقد ارتأينا ألاَّ نورّط أنفسنا في نقل صور زاهية متألقة باهية تدغدغ عواطف القارئ، دون أن تبلّ غليله، أو تشبع رغبة الاطلاع لديه، لأنها لا تعكس الواقع المعاش، بل تطمره وتشوّهه بالتمويه والتزيين والتهويل، مما يحول دون معرفة الحقائق، ويثبط العزم عن تهيئة ظروفٍ لمعالجة ما يستحق العلاج.

وليس المقصد هنا طرح مختلف أوجه القضايا الإسلامية في السنغال على بساط الدرس والتحليل، وإنما رائدنا أن نعرض ـ جهد المستطاع ـ لبعض الأمور المطروحة في الحقل الإسلامي بهذا البلد كي يسترشد بها العاملون في هذا الميدان.

وقد تعرضنا قصدًا لعدد من العثرات لدى مسلمي السنغال، علّ هذا أن يساهم في إنارة الطريق أمام أولئك الذين سيتصدّوْن لتدارك ما لا يستحيل تداركه، ويصلحون ما لا مناص من إصلاحه، ويواصلون العمل لترسيخ قواعد العقيدة الإسلامية السليمة؛ إذ الإحساس بالثلم والثغرات ومعرفة مواقع الهفوات من شأنه أن يحفز على الاطلاع عليها، واستيعاب أبعادها، واحتوائها ثم إيجاد حلّ لها.

لا مراء أن في السنغال أقلية تنتسب إلى المعتقدات التقليدية ينبغي تجنيد القوى لإبلاغها دعوة التوحيد وجذبها نحو العقيدة الإسلامية، وسدّ الطريق على المنصِّرين الذين يعمل معظمهم لصالح الاستعمار، بيد أن هناك أولوية لا تقل شأنًا عن دعوة عناصر جديد إلى الإسلام، ألا وهي: العمل من أجل العودة بالأغلبية المسلمة إلى حظيرة دينها، وتنقية العقيدة من الشوائب، وغربلة المفاهيم الخاطئة، وإنقاذ المسلم من لمعاناة الروحية والارتباك في الولاء.

2

المعطيات الجغرافية والبشرية

يتضمن كتاب "المسلمون في السنغال، معالم الحاضر، وآفاق المستقبل" معلومات مفصلة حول جغرافية السنغال، ولكن الإحصائيات السكانية إلى سنة 1982م، وقد تضاعف عدد السكان تقريبا خلال الربع قرن الماضي، ويشير المؤلف إلى موقع جمهورية السنغال بين درجتي عرض: 12.30 درجة، و 16.30 درجة شمالاً، وبين درجتي طول 11.30 درجة، و 17.30 درجة. وهذا الموقع في منطقة "بين مدارين " جعل مناخ السنغال متنوعاً حيث تتميز المناطق الداخلية بارتفاع كبير في درجة الحرارة التي تصل أحيانًا إلى (40 ) درجة مئوية، في حين تتمتع المناطق الساحلية الغربية باعتدال نسبي في درجة الحرارة إذ تتراوح ما بين 17 و 25 درجة في الفترة الواقعة ما بين شهر كانون الأول/ ديسمبر، وشهر حزيران/ يونيو. ويمتاز فصل الصيف بهطول الأمطار ابتداءً من شهر حزيران/ يونيو حتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وتتناقص كمية الأمطار كلما ابتعدنا من الجنوب نحو الشمال، والشمال الغربي اللذين هما في طريق التصحر. ويعتبر نهر السنغال من أكبر أنهار البلاد، إذ يبلغ طوله 1750كيلو مترًا، ويأتي بعده نهر "كازامنسا " البالغ طوله 300 كيلو متر، ويصلح للملاحة طول السنة. وأما نهر غامبيا فيبلغ من الطول (1.050 ) كيلو متر، ولا يعبر السنغال إلاّ قسم يسير منه. وإلى جانب هذه الأنهار يوجد "سين " و "سالوم " وهما ساعدان للمحيط الأطلسي.

3

التركيبة السكانية

يبلغ عدد سكان السنغال 11 مليون نسمة تقريباً، ونسبة شباب 52 في المائة، وتوجد نسبة عالية من غير السنغاليين تتجاوز المليون نسمة، وتعتبر الجالية الموريتانية والجالية اللبنانية من أكثر الجاليات الأجنبية عدداً، وتليهما جاليات المهاجرين من مالي والرأس الأخضر.

4

التركيبة القبلية

يتكون الشعب السنغالي من جماعات متساكنة من عهود عريقة في القدم، لكنها جماعات لم تكن يجمعها وحدة سياسية أو لغوية، بل احتفظت كل جماعة باستقلالها السياسي ومقوماتها الثقافية وقيمها الأخلاقية، ويمكن ملاحظة تلك الفروق حتى يومنا هذا.

على أن مما يثلج الفؤاد أن ظروفًا موضوعية في طريق التوفير لتكوين وحدة وطنية تسمح باندماج مختلف العناصر التي يتشكل منها الشعب السنغالي، وذلك بفضل سهولة المواصلات والاتصالات وانتشار الإسلام، موحد الشعوب. ومن نتائج هذه العوامل أن إحدى الجماعات العرقية ولغتها سيطرتا على الساحة السنغالية منذ أكثر من قرن تقريبًا، فساعد ذلك على تجانس الشعب، وقضى إلى حد بعيد على التنافر القبلي السائد في مناطق عديدة من القارة الأفريقية. علاوة على أن الجماعات العرقية أو اللغوية لا قيمة لها، حيث لا تتعدى اللغات المحلية ـ وهي تعكس عدد الجماعات العرقية ـ سبعًا، من بينها: أربع لها أهمية باعتبار تعداد الناطقين بها.

وأهمّ الجماعات اللغوية:

جماعة "أولوف" [OULOF] وهي أكبر وأهم جماعة في السنغال؛ إذ تستقطب أكثر من 40% من مجموع السكان، وكان موطنها الأصلي الشمال الغربي، والغرب، والوسط الغربي من البلاد، وتوجد بكثرة في المراكز الحضرية. وتفوق لغتها أية لغة أخرى ـ حتى الفرنسية التي هي اللغة الرسمية والإدارية ـ من حيث الانتشار. ويشتغل أبناء جماعة "أولوف " بالزراعة والتجارة، ويحتفظون بأكثر الوظائف في القطاعين العام والخاص،وأكثر من 80% من الوظائف العليا في الجهازين الإداري والسياسي في الدولة. وقد اعتنقت هذه الجماعة الإسلام منذ القديم. والجماعة الثانية هي جماعة "السرير" [SERERE] التي تقطن مع جماعة "أولوف" في عدد من الأقاليم، لكنها تتمركز بالدرجة الأولى في الساحل الغربي والوسط الغربي، وتتعاطى الزراعة، ولم ينتشر الإسلام بين أفرادها إلاّ منذ عهد قريب نسبيًا؛ وقد وجدت النصرانية بعض الأتباع من "السرير"، كما لا تزال المعتقدات التقليدية "الوثنية" حية فيها، ولها أتباعها وكهنتها، لكنها تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام تقدم الإسلام. ثم جماعة "بول وتكلور" [PAUL]  أو "فلاتة"، رعاة الأبقار وهم غير متمركزين بعدد وافر بإقليم بعينه، وقد دخل الفلاتيون الإسلام من عهد بعيد، غير أن طائفة "توكلور " ـ وهي تتكلم بلغة "بولار" مثل: "بول ـ الرعاة " تسكن أصلاً حول ضفاف نهر السنغال، وبالأخص في القسم الغربي منه، وقد أسلمت قبل وصول المرابطين المنطقة، وأدّت دورًا هامًا في نشر الإسلام في المناطق المجاورة لها، وتشتغل بالزراعة، وبفعل جفاف شمالي السنغال هاجر عدد من أفرادها إلى مناطق أخرى. والجماعة الرابعة هي "جولا" الموجودة في جنوبي السنغال، وتم إدخالها في الإسلام على يد جارتها "ماندنكي "، وتبلغ نسبة الإسلام بينها 70 في المائة. والجماعات الباقية هي: ماندنيكي، وجاخانكي، و وبامبارا، ونسبة هذه الجماعات الثلاث لا تتجاوز نسبة 7 في المائة من مجموع سكان السنغال، ويقطن معظمها في جنوبي وشرقي البلاد. وهناك مجموعات عرقية ولغوية قليلة العدد، ولكنها متميزة حيث يؤدي بعضها دورًا لا يستهان به في مجال التجارة كجماعة سراخولي التي تقطن في أقصى الشمال الشرقي من السنغال، ولها ماضٍ مجيد في الإسلام حيث إنها مؤسسة مملكة "غانا " التاريخية في القرون الوسطى.

5

الأديان:

أن الديانة الإسلامية في السنغال تستقطب ما لا يقل عن 95 في المائة من عدد السكان في السنغال، أما النصرانية فتجد الأتباع من بين جماعتي: "جولا والسرير" على أنه لا تزال هناك فئة من الجماعتين الآنفتي الذكر تحتفظ بالمعتقدات التقليدية القديمة، فلم يستهوها الإسلام ولا النصرانية اللذان يبذلان قصارى الجهد ـ كل حسب طريقته الخاصة ـ لاستيعاب واحتواء البقية الباقية من أتباع "الأرواحية"، وهذه الفئة في سبيل الانقراض والتلاشي نهائيًّا لنفور شبابها من تلك المعتقدات البالية.

6

الطبقات الاجتماعية

تتكون الطبقات الاجتماعية في السنغال من المحاربين والحدادين والنساجين والصيّادين والعبيد، وكل فئة تقوم بمهمة في المجتمع تختلف عن مهام طائفة أخرى. وتختلف أسماء هذه الفئات الاجتماعية من جماعة لأخرى، لكن تتفق تقريبًا على وجود الطوائف التالية:

طبقة النبلاء، وتتألف من الأمراء والأعيان وكبار رجال الدولة، وتقوم بأعباء السلطة السياسية.

طبقة الأحرار، وتشمل الفلاحين والمشايخ، وعامة الشعب ويطلق عليها لدى بعض الجماعات "بادولو " [BADOLO ] وتعني: الفقراء والمستضعفين.

طبقة الحرفيين، وتشمل طوائف عديدة: نساجين، صيادين، إسكافيين ومغنين.

طبقة العبيد، وهي على نوعين: عبيد الملك، وعبيد آخرين، حيث إن الأولين باعتبارهم ركيزة عرش الملوك ليسوا مملوكين إلا بالاسم.

ومع مرور الزمن اختفى الأصل المهني لهذه الفئات، فأصبحت حقائق اجتماعية لها وقعها في تصرفات الأفراد والجماعات وعلاقاتهم.

ورغم التطور الحاصل في عقلية السنغاليين، فلا تزال هذه الفروق حقيقة اجتماعية معاشة، وخصوصًا في الأوساط المحافظة وبالأخص منها في الريف؛ فلا تقبل طبقة الأحرار مصاهرة طبقة الحرفيين مثلاً.

وتجد الإشارة إلى أن الاستعمار الفرنسي استعان بالطبقات الاجتماعية الدنيا لتحطيم الطبقات العليا التي قاومته، وذلك لإهانتها على يد الطوائف التي كانت مهانة من قبل.

7

التراث الثقافي

تبعًا لتغاير أصول ولغات وتاريخ الشعوب المتساكنة في السنغال، فإن الحديث عن التراث الثقافي في هذا البلد متشعب، غير أن مما يسهل المعضلة وجود تشابه ملحوظ بين مختلف ألوان التراث الثقافي لهذه الشعوب، فضلاً عن الاتجاه القوي نحو توحيد وسائل التعبير عن هذه الثقافة منذ زمن؛ وتتميز هذه الثقافة بالشفوية، أي: أنها لم تدون؛ إذ لم تدخل الكتابة إلى السنغال إلا بعد انتشار الإسلام، فأغلب ما تمت كتابته كان باللغة العربية، أو باللغات المحلية بالحروف العربية، ويغلب عليه طابع الإسلام. وتحتل القصص والأمثال والشعر والأغاني والموسيقى وآلات الطرب مركز الصدارة.

ويعتبر فن القصص أهم مقومات الأدب الشعبي. والتراث القصصي عبارة عن أساطير وأقاصيص تقوم الحيوانات بدور الأبطال فيها، وتتقمص دور الإنسان، وتتصرف تصرفاته، وتتكلم بلسانه؛ داخلة في خفايا نفسه، منتقدة تارة المجتمع، وحاثَّةً طورًا آخر على عمل الخير ومكارم الأخلاق والرفق بالأيتام والضعفاء، وتنتهي الأقاصيص بالعبر والحكم، وقد تأثر بعض هذه القصص بالإسلام فأصبح يستعير منه لونه ومادته.

وكان ولا يزال حتى يومنا هذا، خصوصًا في الأرياف، يتحلق الرجال والنساء والولدان حول ضوء النار، يوقدونها للمسامرة، وخلالها يستمعون إلى القاصّ يحكي لهم أقاصيص وأساطير شيقة تخلب الأفئدة، وتستحوذ على مجامع القلوب.

والى جانب الأقاصيص تحتل الملاحم درجة عالية في التراث الشعبي، وتدور غالبًا حول شخصيات تاريخية حقيقية أو أسطورية. وتعد ملحمة "محمد تشام " بلغة "بولار " أغزر وأغنى ملحمة في هذا الباب، فهي تروي حياة ومعارك المجاهد "عمر الفوتي "؛ وكان المؤلف قد شارك شخصيًا في جميع حملات الفوتي العديدة، فهي في نظر بعض العارفين لا تقل قيمة عن ملاحم "هوميروس ". ويعكس ذلك كله تنوع وثراء "الفولكلور " السنغالي الذي يسير في طريق التأصيل والحفظ والثبات.

واحة الحادي عشر من رمضان المبارك

د. محمود السيد الدغيم

1

التاريخ السياسي للسنغال

تضمن كتاب "المسلمون في السنغال، معالم الحاضر، وآفاق المستقبل" معطيات الجغرافية والبشرية، وطرق انتشار الإسلام في غربي أفريقيا، والاستعمار وانتشار الإسلام في السّنغال، وبعض خصائص الإسلام في السنغال، وحركة الاستعراب، والمستقبل المنظور للمنظمات الإسلامية، والمستقبل المنظور للإسلام في السنغال

إن تاريخ السنغال مرتبط إلى حد ما بتاريخ بعض الأقطار المجاورة له، مثل: "مالي" التي كانت تسيطر في فترة ما على أجزاء شاسعة من غربي أفريقيا، ومناطق من شرقي وجنوبي السنغال، ولا بد أن يعترف الدارس أنه ما كانت هناك وحدة سياسية حقيقية بين الأراضي التي يطلق عليها اليوم اسم السنغال، وإنما كانت مقسمة إلى دويلات لا تجمعها إلاّ صلات واهية.

 

2

الوحدات السياسية

"مملكة جولوف" [DIOLOF ] التي تقع في الوسط الغربي من السنغال، وتقطنها جماعتا "أولوف" و "بول" ـ فلاتة ـ وكانت أقاليم عديدة تابعة لها ثم انفصلت عنها بسبب اضطرابات داخلية، وعاصمتها "يانغ ـ يانغ" [YANG-YANG ] ويحمل ملكها لقب "بوربا" [DOURBA. ].

ومملكة "والو" [WALO ] وتقع في منطقة الفيضانات ما بين مدينتي "بودور " PODOR و "أندر " N'DAR ، وتقطنها جماعة "أولوف" أساسًا وكانت عاصمتها "أندير " N'DER" وقد كان الفرنسيون يدفعون لها إتاوة من استقرارهم بمدينة "أندير" سنة 1659م إلى أن تم ضمها إلى المستعمرات الفرنسية عام 1856م.

ومملكة "كاجور" وتحتل سهلاً واسعًا بين المحيط الأطلسي وأقاليم "جولوه" و "سين" و "سالوم" وكانت لامباية [LAMBAYE] مقرَّ بعض ملوكها. وكانت تسكن هذه المملكة بصفة أساسية جماعة "أولوف" وكانت مسرحًا لمعارك عديدة في القرن التاسع عشر ضد الاستعمار إلى أن سقطت بيده عام 1886م.

3

الحكومة الإسلامية

مملكة فوتا تورو ـ الإمامة ـ [FOUTA - TORO ]: وتقع فوتا على ضفاف نهر السنغال، وتمتاز عن غيرها من المناطق السنغالية بأنها عرفت الإسلام قبل سواها، وقامت فيها أول حكومة إسلامية تطبق شريعة الله تعالى. وبعد فساد وانحلال نظام "ساتيك" قامت حركة مباركة بقيادة "سليمان بال" و "عبد القادر كان"، فأطاحت بحكم الاستبداد. وكان من محاسن نظام الإمامة أنه قام بنشر الإسلام، ورعاية المساجد وتشجيع مجالس العلم. ويحسن أن يُسجل هنا بكل اعتزاز ما كتبه أحد المستعمرين المعاصرين للإمامة، وهو "بيتيون " [PETION ] بخصوص تحريم أئمة "فوتا " ممارسة النخاسة في مملكتهم باعتبار ذلك منافيًا لمبادئ الإسلام "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟" فقد كتب "بيتيون ": "رفض الإمام ـ ملك بول ـ هدايا الشركة، محرمًا بيع رعاياه، ومانعًا مرور قوافل العبيد ".

وفي الحقيقة حملت "فوتا " أمانة نشر الإسلام في الأقاليم المجاورة لها، وهي التي أمدت السنغال كذلك بأهم رجالاته الدينية والفكرية منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى الربع الأول من القرن الحالي، أمثال: عمر الفوتي ـ 1864م، مابا جاخوبا ـ 1867م، مالك سي ـ 1822م، أحمد بامباـ 1927م.

4

الممالك المنقرضة

ممالك كازا منسا: وتعتبر جماعة "بينونك ـ [BAINONKE ] ـ وهي في طريق الانقراض ـ أقدم سكان جنوبي السنغال، ومؤسسة مملكة كازامانسا وقد قامت جماعتا "مانديكنكي وجولا " باحتوائها. أما جماعة "جولا " فلم تشتهر بمؤسسات سياسية منظمة ذات قيمة تاريخية تستحق الذكر، في حين شيدت جماعة "ماندينكي " في إطار إمبراطورية مالي أو خارجها ممالك في "كازامنسا، وغامبيا، ونياني، ونيومي، و وولي " وكانت قد جاءت بالإسلام من مالي، وبطول العهد ضعف عندها الوازع الإسلامي، وظهرت لدى أمرائها المعتقدات التقليدية الأرواحية. والقاسم المشترك لهذه المؤسسات السياسية كلها باستثناء نظام الإمامة في "فوتا تورو" أن صلاحيات ملوكها كانت في الأساس ضيقة ومحدودة، ومع مرور الزمن اتسع نطاقها حتى أصبح نظام طغيان واستبداد ليصل إلى ذروته مع طلوع القرن التاسع عشر.

5

المعتقدات في السنغال

لم يكن الإسلام سائدًا في أي إمارة من الإمارات السنغالية، وإن كان حضوره ملموسًا في جميعها، حيث كانت الجالية الإسلامية تكوّن كتلة اجتماعية متماسكة مشكّلة جماعة ضغط سياسي هام وعنصر تطور، وركيزة للإدارة الحكومية.

وتكمن أهمية الوقوف على بعض المعتقدات الأرواحية في أنه يساعد على فهم عقلية المسلم السنغالي الحالي، وتعليل بعض مواقفه وتصرفاته التي قد تتنافى مع مبادئ الإسلام، فهي مواقف وتصرفات يستغربها من يجهل حقائق اجتماعية وتاريخية كانت خلفية لها.

فالإنسان السنغالي، شأن غيره من الأفارقة، متشبث بالقيم الروحية، فقلما يقوم بحركة هامة أو تافهة دون أن تسبقها فكرة دينية. بل الأمر كما قال "دولافوص " [DELA FOSSE ] "لا وجود لأية مؤسسة في أفريقيا السوداء، سواء أكانت في الميدان الاجتماعي أو السياسي، بل حتى في مجال النشاط الاقتصادي، لا تنبني على تصور ديني، أو لا يكون الدين حجر الزاوية فيها. فهذه الشعوب التي يستنكر أن يكون لها دين هي، في الواقع، من بين الشعوب المتدينة على وجه الأرض".

6

الأرواحية [L'ANMISME]

الأرواحية هي الاعتقاد بقوة روحية في الأشياء، أي: اعتقاد أن للأشياء أرواحًا مشابهة لتلك التي لدى الإنسان. ويعتقد أتباع الأرواحية أن الروح هي مبدأ الفكر والحياة العضوية في آنٍ واحد. وتهدف العبادة عند معتقديها إلى تزويد الحياة البشرية بمدد من القوة، وضمان بقاء الإنسان لأطول مدة. أما المرض والإعياء والفشل، فأعراض تدل على نقص القوة الحية.

وتتركب أهم عناصر تلك المعتقدات من: إلهٍ سام خالق للأكوان، بعيد عن العالم الأرضي؛ مما حمله على إنابة الكهان عنه !!، ومن آلهة من درجة دنيا، وهي مندمجة في قوة الطبيعة. ومن أجداد الجماعات، وهم بمنزلة الأرباب. وقوة خفية تتمثل في التعاويذ والتمائم.

ويعيش المعتقد بالقوة الحيوية في محيط تؤطره الغيبيات في مختلف أكناف حياته، وتدفعه عقيدته إلى اعتبار العالم المحيط به ألغازًا غامضة وأسرارًا دفينة لا يتطاول إلى كشف كنهها إلا عقول خاصة لها استعداد خاص لتلقيها من "اللامرئي ".

 

ولا أمن ولا سلامة لغير الموهوبين الذين رؤيتهم معتمة، ولا مندوحة لهم إلا الالتجاء إلى الكهنة والسحرة، وإلى الطقوس والقرابين والتمائم والتعاويذ لاستعطاف قوة الطبيعة، واتقاء شرها، والتقرب إليها زلفى، واستدرار رحمتها.

وتتمثل المؤشرات غير المرئية في أرواح الجدود، ضامنة استمرارية حياة القبيلة أو العشيرة المنتمية إليهم، وفي أرواح الموتى بصفة عامة، وفي الطلاسم والتعاويذ التي يصنعها الكهان، زاعمين أنها ذات فعالية عالية لمقدرتها على تغيير مجاري الأمور الطبيعية، وخلق الظروف الحسنة أو السيئة.

فأساس فكرة عبادة أرواح الأسلاف ـ التي يُعتقد أنها وسيطة بين الأحياء والآلهة وأنها شفيعة ـ هو أن الحياة على الأرض لا تتوقف بمفارقة الروح للجسم، بل هي استمرار سرمدي للفعالية والحيوية، إذ ليس الموت حدثًا يسبب قطع الصلاة بين الأحياء والأموات، إنما هو غفوة وارتخاء من جراء ضعضعة في القوة الحيوية.

على أن غموض الطبيعة وصعوبة فك ألغازها حدا بالإنسان الذي هذا معتقده إلى الاستنجاد بالكهنة طلبًا لتفسير أو تعليل مظاهر الطبيعة، والارتماء في أحضان صانعي التمائم والتعاويذ، وجعله متشائمًا، محاطًا بأنواعٍ لا تحصر من الخرافات تعتّم عليه حياته.

ومن سوء حظ أتباع الأرواحية أنهم لا يضعون فاصلاً بين الروح والمادة، فالإنسان والموجودات الأخرى ليسوا سوى قوة حية ذات فاعلية تخضع ـ في اعتقادهم ـ لمشيئة طبيعة فاعلة.

 

ويكون الوسيط بين الإله والأحياء جدّ الجماعة الأسطوري، أو تمثالاً أو قناعًا أو حجرًا أو حيوانًا أو شجرًا، أو أي مظهر آخر من مظاهر الطبيعة، ويتباين دور الآلهة الوسطاء وعددهم وأهميتهم من منطقة لأخرى، ومن جماعة لجماعة ثانية.

7

عبادة الحيوانات

تعتبر عبادة الحيوانات من أقدم العبادات المعروفة في غربي أفريقيا. فلدى بعض الجماعات في السنغال ـ قبل إسلامها ـ اعتقاد مفاده أن الجماعة ونوعًا من الحيوان من جرثومة واحدة. ونجد بقايا هذا الاعتقاد ليومنا هذا لدى بعض القبائل السنغالية المنحدرة من إمبراطورية مالي. فقد جاء في سيرة حياة الكاتب الغيني "لاي كامارا" [LAYEKAMARA] أن والده قال له ذات يوم: "هناك حية حاضرة دائمًا تظهر لأحد أعضاء عشيرتنا. فقد ظهرت لي في جيلنا هذا"، وبعد أن شرح الوالد لابنه كيف تم لقاؤه مع جنية عشيرته قص عليه الحوار الذي دار بينهما؛ حيث قالت له الحية: "قدمت، كما نبهتك سابقًا لكنك لم ترحب بي، بل لاحظتك وأنت تتهيأ لأسوأ استقبال لي، فقد لمحت ذلك في عينيك، لماذا تنظر إليّ هكذا!؟ أنا جنية أجدادك، وبصفتي كذلك قدمت نفسي إليك لأهليتك. إذن لا تخف مني؛ واحذر من طردي فإنني جالبة لك النجاح ".

وتحت وابل من الأسئلة وإلحاح شديد من "لاي كامارا" الذي كان طفلاً صغيرًا رأى أباه يداعب حية صغيرة الحجم ذات مساءٍ، حكى عليه القصة، وهي على جمالها تعكس جانبًا واقعيًا من حياة هذه الشعوب التي اعتنقت الديانة الإسلامية منذ عهود قديمة وظلت تحتفظ ببعض بقايا معتقدات مجتمع ما قبل الإسلام.

يرتبط الحيوان بالإنسان بالعهود، ويتحاور معه، ويساعده على تذليل الحياة، مقابل تقديمه وتنظيم طقوس له. فهو يجسّد جنية العشيرة، فقتله أو مسّه بأذًى يجلب المصائب والنوائب للفرد والجماعة معًا، بينما استرضاؤه يؤدي إلى الرفاهية والنجاح، فوق ذلك كله فليس الحيوان أخرس ولا أعجم بل له لغة يتفاهم عن طريقها مع خواص الناس، ويعقد عهودًا ومواثيق تبقى سارية إلى أبد الآبدين في زعمهم.

8

عبادة النباتات والمعادن

لم تكن الحيوانات وحدها محل عبادة وتقديس لدى معتقدي القوة الحيوانية وإنما يعبدون بعض النباتات والمعادن. ويقولون: يحتوي الشجر على روح فعالة؛ فإنه ـ عند اجتثاثه ـ يجب استرضاؤه بالقرابين والأدعية؛ خصوصًا إذا كان دوحًا وذلك قصد إبطال ردّة فعله، وتتصرف الجنُّ في المعادن وتمنحها لمن يتخذها أولياء وأخلاء، وتمنعها عمن لا يسترضيها. والمعدن بحد ذاته كائن حي يستطيع أن ينفع ويؤذي. وبقصد اتقاء شره ينبغي لطائفة الحدادين أن يكون لهم استعداد تام لمواجهته، فهم لذلك يتسلحون بالأسرار والأدعية يخيفون بها القوى المعادية في المعدن. وكذلك يتحصن الصيادون ـ في البر والبحر ـ بالأدعية تقيهم من شر فرائسهم، وكان كبار الصيادين من أمهر وأكبر الكهنة والسحرة.

9

الطقوس وأماكن العبادات

تتركب الطقوس من عناصر عدة، منها: الرقص على إيقاعات الطبول ـ تم ـ تم ـ والغناء الذي يستغرق جزءًا هامًّا منها، ثم القرابين التي تقدم إلى أرواح الجدود في مناسبات عندما يصيب المرض أحد أفراد الأسرة، أو حين يستعد الفلاح للبذر، أو حينما يحل موسم الحصاد، أو يلمُّ بالبلاد جفاف، ففي هذه المناسبات يتقرب الأرواحيُّ بدجاج أو غنم أو بقر فيذبحه على قبر أسلافه. وتعد ثمرة "الكولا" "KOLA" مقدسة ورمزًا للاحترام، وتقدم حتمًا في الحفلات الدينية، وقد تأثر المسلمون بهذه العادة فأصبحت عنصرًا هامًا في حفلاتهم في السنغال.

وهناك ممارسات معقدة وشائكة تقوم بها فئة من الكهنة، فضلاً عن أن الطقوس متشعبة ومتعددة، لا قانون محدودًا يربطها، حيث تختلف شعائر شعب عن آخر، وجماعة أو منطقة عن أخرى، بل حتى بين قريتين متجاورتين؛ ونتيجة لفقدان ضوابط لها، وخشونة بعض مظاهرها وتعددها، وعدم هيمنة واحدة منها فإنها أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام قوة الإسلام موحد الشعوب.

وما استطاعت الأرواحية ـ إلا نادرًا ـ تأسيس هياكل للعبادة، إذ غالبًا ما يكون المعبد عبارة عن محراب صغير، أو زاوية في بيت رئيس الأسرة يمارس فيها أفرادها شعائر الأرواحية. وقد يكون ضريح زعيم الجماعة موضع تقديس حيث تصب عليه الألبان والمياه وتذبح عليه القرابين. وتنتشر بين الأرواحيين ظاهرة الخوف من الطبيعة والسحر والسحرة. ومما يؤسف له أن المسلمين رغم كونهم أكثر من 95% من سكان السنغال لما يتمكنوا بعد من التخلص من عدد من الخرافات، كخرافة مصاص الدماء كما أن صانعي الطلاسم حلُّوا محل الكهنة في المجتمع الأرواحي.

 


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16445716
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة