الواحة 7-8-2004 م

غزوة مؤتة. فتح مكة المكرمة وما بعده. صحيفة المدينة. آفات الْمُزاح. توقير معاوية لعلي رضي الله عنها.الوزير الجاهل.أحوال الكتاب

واحة جريدة الحياة

د. محمود السيد الدغيم

1

سنة  8 هـ/ 629م

غزوة مؤتة

كانت العرب تسمي السنة الثامنة للهجرة: سنة الاستواء، وفي تلك السنة وقعت غزوة مؤتة، ففي سنة 8هـ/ 629م عزم الرسول صلى الله عليه وسلم- على تأديب شُرحبيل بن عمرو الغساني لقتله رسولَهُ، ولذلك خرج المسلمون بجيش من ثلاثة آلاف بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه، وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه،  وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه،، و في موقع مؤتة من أرض بلاد الشام إلى الجنوب من الكرك التقي الجيش الإسلامي مع الروم في أول لقاء عسكري بين الطرفين، وذلك في جمادى الأولى سنة 8هـ/ 629م، واشتد القتال، واستشهدَ القادة الثلاثة، وبعد ذلك قاد خالد بن الوليد رضي الله عنه ما تبقى من الجيشَ، وأعادهم إلى المدينة المنورة.

2

سنة  8 هـ / 630م

فتح مكة المكرمة وما بعده

نقضت قريش صلح الحديبية باعتدائها مع حلفائها من بني بكر على قبيلة خُزاعة التي كانت حليفة للمسلمين، فأنهى الرسول صلى الله عليه وسلم الهدنة بينه وبين قريش، وخرج بجيش عدته عشرة آلاف في العاشر من رمضان  8 هـ/ 629م، وفي 21 رمضان دخل المسلمون مكة من ثلاث جهات دون مقاومة تذكر، وهُدّمَت الأصنام وطُهّرَت الكعبة الشريفة، وعفا الرسول الكريم عن أهل مكة، وسميت تلك السنة سنة الفتح.

وفي العاشر من شوال سنة 8هـ/ 630م وقعت غزوة حنين، وفي شوال أيضاً وقعت غزوة مدينة الطائف، وتم فتحها، وفي شهر ذي الحجة من تلك السنة وُلد إبراهيم بن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من زوجته مارية القبطية.

3

صحيفة المدينة

بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وإقامة قواعد المجتمع الإسلامي الجديد بين المسلمين من مهاجرين وأنصار، كان من الضروري تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة؛ من أجل توفير الأمن والسلام للناس جميعاً، لذا كانت هذه الوثيقة لتنظيم العلاقة بين المسلمين أنفسهم وتنظيمها كذلك مع من جاورهم من القبائل، وبما أن قبائل اليهود كانت أكثر القبائل حضوراً في المدينة فقد جاءت أغلب بنود تلك الوثيقة متعلقة بتنظيم العلاقة معهم.

ومما جاء في تلك الوثيقة ما يأتي:

1- المؤمنون أمة واحدة من دون الناس، وهم على من بغى عليهم، ويجير على المسلمين أدناهم، وهذا البند هو البند الأول في هذه الوثيقة، وهو يدل على أن الإسلام هو وحده الذي يؤلف بين المسلمين ويجعلهم أمة واحدة، ويدل كذلك على أن جميع الفوارق فيما بينهم تذوب ضمن نطاق هذه الوحدة الشاملة.

2-إنّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم.

3-إنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.

4-إنّ بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم.

5-نصرة المظلوم، ومنع الظلم والعدوان في المال والعرض وغيرهما.

6- منع الصلح المنفرد مع العدو.

7-إنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.

8-إنّ أي خلاف بين أهل الصحيفة مرده إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

9-عدم نصرة قريش ولا نصرة من والاها.

10- إنّ بينهم النصر على من عاداهم، والإسهام في نفقة الدفاع عن الدولة.

11- إنّ هذه الوثيقة لا تحول دون ظالم أو آثم، وتمنع إيواء المجرمين.

12-لا يخرج من يهودٍ أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم.

13- إن يهود بني عوف وغيرهم أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.

إن بنود صحيفة المدينة مبنية على نصوص ثابتة، وعلى قواعد شرعية، ومصالح معتبرة، فمن تلك النصوص، قوله تعالى: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين }( سورة الممتحنة، الآية: 8).

وفي الحديث النبوي الشريف: ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده ) رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني.

4

آفات الْمُزاح

:قال أبو البركات محمد بن محمد الغزي في كتاب المراح في المزاح: وليحذر الرجلُ الفاضلُ من أن يسترسل في مزاح عدوه، فيجعل له طريقاً إلى إعلان المساوئ هزلا وهو مُجِدّ، ويفسح له في التشفي مزحاً وهو مُحقّ، وانظر مزاح الخليفة العباسي المستعصم، وقوله لوزيره ابن العلقمي، لما خرَّب أصحابُ ولدِهِ الكرخَ في لعبةِ الْحَمَاْمِ مع وَلَدِ الوزير ابن العلقمي:

دَعِ الدُّنيا بلا كَرخِ

فخرج الوزير ابن العلقمي مغضبا وقال:

دع الدُّنيا بلا بغداد

فلما سمع الخليفةُ المستعصم ذلك تلافى شأنه مع ابن العلقمي، وقال له: كنت أمزح.

فأظهر ابن العلقمي الرضى، ثم سعى في إحضار التتار إلى بغداد حتى جرى ما هو مشهور في بغداد، وقُتِلَ الخليفة وأصحابه، ولا حول ولا قوَّة إِلاّ بالله، والقصة مشهورة.

فالعاقل يربأ بنفسه عن سفاسف الأمور، وعن مخالطة السفلة ومزاحهم مطلقا، وكذلك عن مزاح مَن هو أكبر منه لما ذكرنا من الْحِقد وخرق الحرمة، ولا بأس بالمزاح بين الإخوان، بما لا أذى فيه، ولا ضرر ولا غِيبة، ولا شين في عِرض أو دِين، قاصداً به حُسن العشرة، والتواضع للإِخوان، والانبساط معهم، ودفع الحشمة بينهم من غير استهتار، أو إخلالٍ بمروءة، أو استنقاص بأَحد منهم.

5

توقير معاوية لعلي رضي الله عنها

روى الصدوق شيخ الطائفة الشيعية المتوفى سنة 381هـ، في كتابه الأمالي  بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: "صف لي علياً". قال: أَوَ تعفيني؟ فقال: "لا بل صِفْهُ لي".

فقال له ضرار: "رحم الله علياً، كان والله فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويقربنا إذا زرناه، لا يغلق له دوننا باب، ولا يحجبنا عنه حاجب، ونحن و الله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم"

فقال معاوية: "زدني من صِفته". فقال ضرار: "رحم الله علياً، كان والله طويل السُّهاد، قليل الرقاد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، ويجود لله بمهجته ويبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور ولا يدخر عنا البدور، ولا يستلين الإتكاء ولا يستخشن الجفاء، ولو رأيته إذ مثل في محرابه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: "يا دنيا إليَّ تعرضتِ؟ أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات لا حاجة لي فيك، أَبَنْتُكِ ثلاثاً لا رجعة لي عليك، ثم واه واه لِبُعْدِ السفر، وقلة الزاد، وخشونة الطريق".

قال ضرار: "فبكى معاوية بن أبي سفيان، و قال: حَسْبُكَ يا ضرار كذلك كان و اللهِ عَلِيٌّ رحم الله أبا الحسن ".

6

الوزير الجاهل

قال أحمد بن علي القلقشندي في كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشا: وحكى صاحب ذخيرة الكُتَّاب عن بعض الوزراء‏:‏ أنه تقدم إلى كاتبه بأن يكتب ألقاب أمير ليثبتها على برج أنشأه فكتب‏:‏ "أمر بعمارة هذا البرج أبو فلان فلاواستوفى ألقابه إلى آخرها، ودفع المثال إلى الوزير ليقفَ عليه، فلما قرأه غضِب حتى ظهر الغضب في وجهه، وأنكر على الكاتب كونه كَتَبَ: أبو فلان بالواو، ولم يكتب أبي فلان بالياء، مُحتَّجاً عليه بأن "أبو" من ألفاظ العامة فلا تَعْظِيْم بِها‏.

فقال الكاتب‏:‏ إنَّ الحال اقتضت رفْعَهُ من حيث أنه في هذا الموضع فاعلٌ، فزاد الوزيرُ إنكاره عليه وقال‏:‏ متى رأيتَ الأميرَ فاعِلاً في هذا الموضع، يَحْمِل وينقُلُ الحجارةَ على رأسِهِ؟ حتى تنسبه إلى هذا !! والله لولا سالف خدمتك لفعلت بك"

7

أحوال الكتاب

قال أحمد بن علي القلقشندي في كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشا: قال ابن حاجب النعمان‏:‏ ولما كان أربابُ الأمور ووِلاتُها من الخلفاء، فَمَنْ دُونهم ينقدون ما يَكْتُبُ به الكُتَّابُ عنهم، وما يَرِدُ عليهم من الكُتُب، ويتناقشون على ما يقع فيها من خطأ، أو يدخل من خلل، ويقدِّمون الفاضلَ، ويرفعون درجته، ويؤخِّرون الجاهل، ويحطون رُتبته، كان الكتَّاب حينئذ يتبارون على اقتناء الفضيلة، ويترفعون عن أن يعلق بهم من الجهل أدنى رذيلة، ويجهدون في معرفة ما يُحَسِّنُ ألفاظهم، ويزين مكاتباتهم، لينالوا بذلك أرفع رتبةٍ، ويفوزوا بأعظم منزلة‏.‏ولما انعكست القضية في تقديم من غَلِطَ بهم الزمان، وغفل عنهم الحدثان، واستولت عليهم شرة الجهل، ونفرت منهم أوانس الرياسة والفضل، وصار العالم لديهم حشفاً، والأديب محارفاً، والمعرفة منكرة، والفضيلة منقصة، والصمت لُكنة، والفصاحة هُجنة اجتنبت الآداب اجتناب المحارم، وهجرت العلوم هجر كبائر المآثم‏.‏ولو أنصف أحدُ هؤلاء الْجُهَّال لكان بالحشف أولى، وبالحرفة والمنقصة أجدر وأحرى، لكنه جهل الواجبات وأضاعها، وسَفَّهَ حَقَّ المروءة وأفسد أوضاعها، ويوصف بالحي الناطق، والصامت أرجى منه عند أهل النظر، وذوي الحقائق‏.‏

 

 

 

 

thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16407447
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة