حرب العراق تحوّل مكتباته من رعاية العلماء إلى أيدي اللصوص والعصابات
محمود السّيّد الدّغيم - باحث أكاديمي سوري من جرجناز - معرة النعمان - مقيم في لندن
شاهد الناس تسريبات متلفزة تمثل جزءاً من أجزاء مجزرة التراث العراقي الذي تعرض للنهب والسلب والحرق والتفجير، وذلك ضمن إطار حرب "حرية العراق" التي تروج لها إذاعة "نحو الحرية" التي تمولها المخابرات الأميركية.
وقد أصاب الناسَ الهلع عندما سمعوا نبأ سرقات وتدمير مئة وسبعين ألف قطعة أثرية في المتحف الوطني العراقي في بغداد، والحقيقة أن المأساة طالت أكثر من نصف مليون قطعة أثرية منقوشة أو منحوتة أو مخطوطة، ويوجد في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أكثر من مليون قطعة أثرية قبل هذه الحرب الفظيعة.
ومن المعلومات التي تسربت ما نقلته خدمةُ وكالة قدس برس التي قالت: "اتهم شاهد عيان عراقي القوات الأمريكية والبريطانية بنهب المتحف الوطني، وتنظيم عمليات حرق واسعة لمكتبات عراقية كبرى، وبتنظيم عمليات النهب والسلب، التي عرفتها معظم المدن العراقية، مؤكدا في ذات الوقت أن بعض المدن العراقية لا زالت غير خاضعة للسيطرة الأمريكية والبريطانية، وأن الأمريكيين يقومون فيها بين حين وآخر بعمليات إنزال لإظهار وجودهم فيها.
محمود السّيّد الدّغيم - باحث أكاديمي سوري من جرجناز - معرة النعمان - مقيم في لندن
شاهد الناس تسريبات متلفزة تمثل جزءاً من أجزاء مجزرة التراث العراقي الذي تعرض للنهب والسلب والحرق والتفجير، وذلك ضمن إطار حرب "حرية العراق" التي تروج لها إذاعة "نحو الحرية" التي تمولها المخابرات الأميركية.
وقد أصاب الناسَ الهلع عندما سمعوا نبأ سرقات وتدمير مئة وسبعين ألف قطعة أثرية في المتحف الوطني العراقي في بغداد، والحقيقة أن المأساة طالت أكثر من نصف مليون قطعة أثرية منقوشة أو منحوتة أو مخطوطة، ويوجد في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أكثر من مليون قطعة أثرية قبل هذه الحرب الفظيعة.
ومن المعلومات التي تسربت ما نقلته خدمةُ وكالة قدس برس التي قالت: "اتهم شاهد عيان عراقي القوات الأمريكية والبريطانية بنهب المتحف الوطني، وتنظيم عمليات حرق واسعة لمكتبات عراقية كبرى، وبتنظيم عمليات النهب والسلب، التي عرفتها معظم المدن العراقية، مؤكدا في ذات الوقت أن بعض المدن العراقية لا زالت غير خاضعة للسيطرة الأمريكية والبريطانية، وأن الأمريكيين يقومون فيها بين حين وآخر بعمليات إنزال لإظهار وجودهم فيها.
وقال الشاهد العراقي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لدواع أمنية، في تصريحات خاصة لوكالة "قدس برس" إن عملية نهب المتحف الوطني العراقي تمت على أيدي القوات الأمريكية، وإن العديد من الدبابات خرجت محملة بالعديد من الكنوز التراثية الثمينة، ثم أطلقت يد الغوغاء لاحقاً، لتأتي على ما تبقى من كنوز العراق وآثاره، التي ترجع لآلاف السنين.
وشدد المصدر على أن القوات الأمريكية كانت تعمد إلى فتح أبواب المؤسسات والمراكز والجامعات والوزارات العراقية، أمام الغوغاء وجماعات النهب والسلب، ثم تبقى تراقب ما يحدث، لضمان أكبر تخريب ممكن لتلك المؤسسات، متهماً القوات الأمريكية، بالوقوف وراء حرق مكتبة الأوقاف في العاصمة العراقية بغداد، التي أتلفت فيها آلاف المخطوطات التي لا تقدر بثمن.
وقال المصدر "هاجمت قوات أمريكية أغلب مرافق الدولة، من بنوك ووزارات، وفتحتها أمام اللصوص، ليعيثوا فيها فسادا، وتم تدمير أرشيف الدولة ومكتباتها الوطنية، وحتى المتحف العراقي لم يسلم من السرقة والنهب". ونقل المصدر عن شهود عيان "أن دبابات أمريكية حملت كنوز هذا المتحف، وتركت الفتات للسراق واللصوص".
وقدّر المصدر "عدد القطع المسروقة بـ 17 ألف قطعة لا تقدر بثمن، تروي قصة حضارة العراق منذ فجر التاريخ"، مشيراً إلى أن الخراب والحرائق طالت "مكتبة الأوقاف في بغداد، وفيها النوادر من المخطوطات الإسلامية، التي أحرقت بالكامل".
وبما أن منظمة اليونسكو مسؤولة عن حماية التراث الإنساني فقد تحركت بعد فوات الأوان ببرود لا يشبه حماسها الذي هزّ العالم عندما فجّرت طالبان تمثال بوذا في باميان ، ومن أجل حماية ما يمكن من تراث العراق جمعت اليونسكو ثلاثين خبيراً لبحث خسائر التراث العراقي، ونسب لليونسكو إنها ستستضيف في مقرها بباريس اجتماعا لثلاثين خبيراً لإجراء تقييم أولي لحالة التراث الثقافي في العراق، وإعداد خطة عمل طارئة لحمايته. وأضافت إن العراق يوصف عادة بأنه "مهد الحضارات" كما أن عمر تراثه يعود لآلاف السنين.
ودعا كويشيرو ماتسورا مدير عام اليونسكو من جديد إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية ومراقبة المؤسسات الثقافية العراقية التي تندرج المكتبات ودوائر المحفوظات والسجلات من ضمنها. وكان كوتشيرو ماتسورا قد طلب قبل أيام من سلطات الاحتلال الأمريكية والبريطانية اتخاذ تدابير فورية لحماية ومراقبة المواقع الأثرية العراقية والمؤسسات الثقافية، وذلك عقب تعرض متحف الآثار الوطني في بغداد للنهب.
وقد أكد ماتسورا في رسالتين وجههما للسلطات الأمريكية والبريطانية في الحادي عشر من نيسان 2003 الحاجة للحفاظ على المجموعات الأثرية العراقية الغنية التي تعد إحدى أهم المجموعات من نوعها في العالم. وشدد على ضرورة تقديم الحماية العسكرية لمتاحف الآثار في بغداد والموصل والبصرة ومنع التصدير غير القانوني للقطع التراثية العراقية.
وأجرى ماتسورا اتصالات مع كل من حكومات البلدان المجاورة للعراق والشرطة الدولية ومسئولي الجمارك الدوليين طالبا منهم العمل على ضمان احترام اتفاقية اليونسكو لحظر ومنع الاستيراد والتصدير والنقل غير القانوني للأملاك التراثية لسنة 1970، لكن بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ليستا من الدول التي وقعت على تلك الاتفاقية، ولذلك فإن الدولتين غير ملزمتين بتطبيق ما تنصّ عليه الاتفاقية المذكورة.
وطلب ماتسورا آنذاك من سائر الأطراف المعنية بالآثار، ومنها المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول" ومنظمة الجمارك العالمية والاتحاد الكونفدرالي لجمعيات المتعاملين بالفنون والآثار ومجلس المتاحف الدولي والمجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية، أن تضم جهودها إلى جهود اليونسكو كي تمنع بيع الآثار العراقية.
ولكن خبراء الآثار الذين اجتمعوا فى اليونسكو لم يتمكنوا من حماية التراث العراقي، ورجحوا أن تكون عمليات سرقة الآثار العراقية المهمة قد جرت على أيدى عصابات كانت تعلم- على ما يبدو- بسيناريوهات الحرب، وذلك بعد أن تبينت- لخبراء الأمم المتحدة- الأضرار التي لحقت بالمتاحف العراقية، وتبين أن مفاتيح خاصة بالأقبية وقاطعات زجاج قد استخدمت لانتزاع القطع الأثرية، وهذا ما يشير الى مشاركة لصوص محترفين فى السرقات، وليست العملية عفوية كما احلولى لبعض وسائل الإعلام تقديمها على أنها من عمل الناقمين العراقيين.
ولكن المعلومات الصحفية أفادت أن قطع الآثار العراقية المنهوبة وصلت إلى مطار هيثرو في لندن، وتم تداول صور بالبريد الإليكتروني تبرز صور اللصوص من الجيش الأميركي وهم يخلعون صفائح الذهب والفضة من جدران القصور والمتاحف العراقية المحتلة.
كما تسربت أنباء عن تورط بيرل بسرقة آثار العراق، ولكن فرنسا رفضت التعليق على اتهامات لبيرل بسرقة آثار العراق، ونأت الخارجية الفرنسية بنفسها عن تقارير حول تورط ريتشارد بيرل الملقب "بأمير الظلام" ومستشار البنتاغون في سرقة آثار العراق، حيث ضبطت باريس خمس مئة قطعة أثرية مهربة من بغداد، وقال برنار فاليرو الناطق باسم الخارجية الفرنسية في تصريح لمراسل وكالة أنباء «الشرق الأوسط» في باريس، انه لا يستطيع التعليق على هذا الموضوع لأنه ليس لديه أية معلومات عنه، وكانت أنباء ترددت في اجتماع حماية التراث العراقي في اليونسكو بباريس عن احتمالات تورط ريتشارد بيرل مع عصابات الجريمة المنظمة الدولية التي توجه لها الاتهامات بتنظيم سرقة الآثار العراقية تحت غطاء الغوغاء الذين ظهروا على شاشات التلفزيونات وهم ينهبون هذه المقتنيات الأثرية، ومن المعلوم أن "أمير الظلام" الأميركي من أشهر المحرضين على هذه الحرب العدواني، وهو من مشاهير صهاينة البيت الأبيض الأميركي، ويبدوا أنه قرر سرقة آثار العراق بالتآمر مع إخوانه في تل أبيب لطمس هوية الحضارات التي ازدهرت في بلاد ما بين النهرين.
ونظراً لما تعرضت له مكتبات العراق من مآسٍ فإننا سنلقي الضوءَ عليها،وغايتنا من ذلك تنبيه ذوي السلطة إلى هذا الخطر العالمي الذي مسَّ الحضارة الإنسانية، وألحق بها الأذى جراء العبث بمكتبات العراق، التي لم تكن الأولى من حيث التدمير، وربما لن تكون الأخيرة في ظل تفاقم الجهل، وجشع تجار المخطوطات المرتبطين بعصابات عالمية مؤدلجة تطمح إلى طمس حضارات منطقة الشرق الأوسط، والإبقاء على ما يخص اليهود فقط لا غير، وذلك من أجل تكريس دعوى أرض الميعاد، والنبوءات التوراتية التي تدعمها كنيسة "المسيحيين الصهاينة" في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول التحالف الذي يدعم التوجهات الصهيونية، وقيام إسرائيل الكبرى.
يعلم الأصدقاء والأعداء أنّ مكتبات بلاد الشام وبلاد الرافدين عريقة جداً، ولا غرابة في ذلك بالنسبة لموطن الأبجديات المسمارية، وما تلاها من أبجديات متنوعة انتشرت في بقية مناطق العالم الذي مازالت فيه أمم دون أبجديات، ولكنها تستعير أبجديات مناطق أخرى أخذت أُسُسَ أبجدياتها من مهد الأبجديات في بلاد الشام والرافدين.
وعندما نتحدث عن المكتبات فإننا لا نقتصر على الكتب المتداولة في زماننا، وإنما نقصد كل ما كتبه الناس بِغَضِّ النظر عن الأدوات سواء أكانت من الورق أو الجلود (الرقوق) أو الحجارة أو المعدن أو الأخشاب أو الفخار، أو جدران الكهوف، ولذلك نرى أننا قد اطلعنا على جزء من المكتبات الإنسانية، ومازال باطن الأرض يختزن الكثير من المكتبات وأسرارها التي تُميط اللثام عن حضارات إنسانية مجهولة، سادت ثم بادت ثم اندثرت وغرقت في خضم التاريخ المجهول.
ومَنْ يتتبَّع أخبار المكتبات القديمة يجد أنها متنوعة، فمنها ما هو خاص بالأشخاص، وما هو عام للجمهور، وبعضها ديني خُصّص للمعابد والأديرة والمساجد والمدارس، والآخر دنيوي تناول العلوم والمعارف بشكل عام، وبعضها حكومي له علاقة بالسجلات الرسمية والدواوين، والآخر شعبي تكون في الأسواق، وهذا واضح لكل من يتتبع أنباء المكتبات والكتب، ويلعب تقادُمُ الزمن دوراً مُهمّا في تقديم المعلومات الخاصة بالمكتبات، فكلما تَقَادَمَ الزمن تقلّ المعلومات، وكلما كان الزمن متأخراً تتوفر لنا معلومات أوفر تُساهم بإلقاء الأضواء على المكتبات من حيث أنواعها ومحتوياتها.
إن الحديث المفصل عن مكتبات العراق يتطلب مجلدات، ولكن هذا لا يمنع من عرض موجز يُسَلِّطُ الضوء على هول الكارثة، وقد كتب الباحث العراقي الراحل كوركيس عواد كتاباً تحت عنوان "خزائن الكتب القديمة في العراق، منذ أقدم العصور حتى سنة 1000 للهجرة" ونشرت الطبعة الثانية من الكتاب دار الرائد العربي في بيروت سنة 1986م، وهذا يعني أن الكتاب لم يشمل مكتبات العراق خلال الأربعة قرون الماضية، وقد جاء في الكتاب عرض لمسيرة الاستكشافات في خزانة "نُفَر" التي تعرف في المصادر الإفرنجية باسم "Nippur" وهي مدينة دائرية قامت على ضفاف نهر شطّ النيل المتفرع عن نهر الفرات، وهي تبعد عن بابل مسافة 130 كيلومترا باتجاه الجنوب.
ويُستفاد من المعلومات المتوفرة أن أول مَن بدأ التنقيب في موقع مدينة نُفَر سنة 1889 م هو الآثاري الأميركي بيترس، ومعه بعض المنقبين الأميركيين أمثال: هلبرخت "H. D. Hilprecht" وهربر "R. F. Harper" ودينلي "J. Dyneley" وبرنس "J. D. Prince" وهينس "J. H. Haynes" وقد اكتشفوا حينذاك أكثر من ألفيّ لوح من الألواح الطينية المكتوبة، وكتب بيترس بحثاً وصف فيه ألواح تلك المكتبة، ونشره سنة 1905 م "Peters (J. P. The Nippur Library. JAOS, XXVI, 1905, PP: 145-146"
وفي السنة الثانية للتنقيب اكتشف بيترس وهينس ثمانية آلاف لوح، ثم عاودا التنقيب مع فريق أميركي كبيرٍ من سنة 1893م حتى شهر شباط/ فبراير سنة 1896 م، فاكتشفوا ما يربو على 20 ألف لوح.
وفي سنة 1898 م عُيّن هلبرخت مديرا للتنقيبات في نُفَر، وعاود هينس عمله، واستطاع المنقبون اكتشاف خزانة كتب معبد "أنليل" التي تضمُّ 23 ألف لوح يعود تاريخها إلى الفترة الواقعة ما بين سنة 2700 و سنة 2800 قبل الميلاد، وبذلك غنمت جامعة بنسلفانيا الأميركية ما يزيد على خمسين ألف لوح من ألواح العراق، وعدداً كبيراً من قطع الآثار المتنوعة التي تلقي الأضواء على تاريخ بلاد ما بين النهرين، وتفند الكثير من الدعوات التوراتية التي يروج لها الصهاينة.
ويستفاد من المعلومات التي نُشِرَتْ حول مكتبة "نُفَر" أن تلك المكتبة قد ضمّتْ وثائق طينية تتضمن كل ما كان يُدرّس من مواضيع في مدارس تلك العصور القديمة، وتتضمن مؤلفات متكاملة ومصادر ومراجع، ولوحات لها دلالات دينية كالتسبيح والأدعية والصلوات والتعاويذ والأساطير ، كما تضمُّ وسائل إيضاح مدرسية، وتتضمن علوم الرياضيات والفلك والتنجيم والطب والتاريخ واللغة، والسجلات الحكومية التي تتضمن جداول بأسماء الملوك والحكام وما عاصروه من أحداث تاريخية حسب تسلسل السنوات.
ولعل أبرز ما تضمنته تلك الألواح جدول الضرب، وجداول الألفاظ اللغوية المترادفة، والأسماء الجغرافية العامة وما فيها من أسماء المدن والسهول والجبال والأنهار، وأسماء الجماد والنبات والحيوان، وأسماء الصناعات التي كانت شائعة، وإيضاح طرُق التصنيع بشكل منهجي مدرسي.
ومكتبة "نُفَر" ليست الوحيدة التي نهبها الأميركان وغيرهم من دعاة الحضارة الغربية، فقد كانت في العراق مكتبات أخرى تعرضت للسلب والنهب تحت حماية القوات الغازية، أو بواسطة عصابات التهريب الرسمية والشعبية، وكلها تخدم في النهاية الخطط الصهيونية تنفيذاً لمؤامرة كُبرى تُلغي تاريخ المنطقة الواقعة ما بين نهر الفرات ونهر النيل.
ويعود تاريخ خزائن الكتب العراقية والسورية والمصرية القديمة إلى ما قبل موسى عليه السلام، وإلى ما قبل التوراة، وبعض الخزائن يُعاصر زمنَ التوراة، وتُقَدِّمُ الألواح الطينية والفخارية والحجرية معلومات تتعارض مع التوراة الْمُتداولة حالياً، وقد تُناقضها مما يُسَبِّبُ حرجاً للأصوليين اليهود الذي دأبوا على إتلاف كل ما يُعارض توراتهم من كتابات قديمة، ولذلك سيطروا على المتاحف ووظفوها لخدمتهم، كما سيطروا على الدراسات اللغوية، وتجارة العاديات "الأنتيك" ومؤسسات المزاد الخاصة بها، وبذلوا الأموال الطائلة من أجل السيطرة على صناعة المناهج المدرسية في العالم بشكل يخدم أهدافهم تحت مُسمّى تطوير المناهج المدرسية، وزودوا عصابات المؤلفين بوثائق تاريخية ولوحات تخدم أهدافهم المزعومة، وحجبوا عنهم الوثائق التاريخية التي تُعارضُ الدعوى الأصولية اليهودية الصهيوينية.
ومازالت آلاف المكتبات القديمة تحت أنقاض التلول في العراق ومصر والشام، وفي العراق قد تم اكتشاف المكتبات التالية التي تُسمّى خزائن، ويعود تاريخها إلى فترة ما قبل الميلاد: نُفَر، دُريهم، نينوى، مدينة أدب، سبار، الجمجمة، كيش، تلو، الوركاء، تل حرمل، آشور، نوزي، المدائن- قطيسفون، وغيرها من الخزائن الأقل شهرة.
ومن خزائن مكتبات العراق في فترة ما بعد ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام، خزانة مرقد حزقيال، وخزائن كتب الأديرة أو الديارات وهي : دير متى، ودير ميخائيل، ودير مار بهنام، ودير يونس- دير يونان، ودير بيت عابي، ودير الربان هرمزد، ودير باقوفا، والدير الأعلى.
إنّ عيون الأصوليين اليهود شاخصة نحو محتويات هذه الخزائن العراقية، وغيرها من خزائن بلاد العرب والمسلمين، وتضاف إلى الخزائن القديمة خزائن الكتب الإسلامية المخطوطة التي تطورت في العراق الذي ضم مكتبات الخلفاء العباسيين، وأشهرها: مكتبة المنصور، ودار الحكمة التي رعاها الخلفية هارون الرشيد وابنه الأمين ثم المأمون، وخزانة المعتضد، وخزائن: المكتفي، والراضي بالله، والقائم بأمر الله، والمقتدي بالله، والناصر لدين الله، والمستنصر بالله المعروفة بالمستنصرية، والمستعصم بالله، ودار المسناة البغدادية، وتضاف إلى خزائن الخلفاء مكتبات الملوك والسلاطين والوزراء والعلماء، وخزائن المكتبات العامة والخاصة، وأوقاف المساجد والتكايا والزوايا والرباطات، والمدارس وخاصة المدارس النظامية الشافعية التي انتشرت في رحاب العالم الإسلامي.
وقد تعرضت الكتب لآفات عديدة نذكر منها الإحراق بالنار، والإغراق بالماء، والوأد بالتراب، والغسيل والمسح، وقد شهدت على إغراق الكتب مأساة سقوط بغداد سنة 656هـ/ 1258م ، وما فعله جيش هولاكو ، وتجلت مأساة حرق كتب مكتبات الأندس في ساحة غرناطة سنة 1492م على أيدي أنصار فرديناندو وإيزابيلا.
والجديد في مآسي مكتبات التراث ما تعرضت له مكتبات العراق في ظل الاحتلال الأنكلو- أميركي من نّهْبٍ وسلب وإتلاف، وقد لفتَ انتباهَ الْمُهتمين بالتراث تحويلُ حركَةُ سير القوات الأميركية نحو مدينة الكفل العراقية بشكل خاص، وكان بإمكانها الوصول إلى بغداد بطريق أقرب من طريق الكفل، وتلك الحركة تدلُّ على أن سببَ ذلك التوجه هو سرقة مخطوطة التلمود القديمة التي كانت في مكتبة الكفل، ولا يستبعد وجود لصوص آثار صهاينة مع القوات الغازية، وهم أصحاب خبرة في محتويات مكتبات العراق القديمة والحديثة.
لقد أسفر الغزو الأنكلو- أميركي عن مأساةً عراقية وعربية وعالمية شملت الأرواح والأبدان، واستهدفت التراث بشكل عام، وتراث المسلمين بشكل خاص، وساهم في نجاح هذه المؤامرة غباء مثقفي النظام العراقي الذين جمعوا الكثير من التراث في العاصمة بغداد مما سهّل إبادته لاحقاً على أيدي المعتدين، والدليل على ذلك دار صدام للمخطوطات التي جمعت فيها آلاف المخطوطات من كافة نواحي العراق خلال السنوات الماضية ثم سُرقَ منها ما سُرق، وحُرق ما حُرق، ولذلك فإننا ننبه بقية الدول العربية إلى الخطر الذي يتهدد تراثها المجموع ، والذي لم يُصَوَّرْ، ولا توجد منه نسخ متعدِّدة، ونأملُ أن تُعاد المخطوطات إلى المكتبات الأصلية الموزعة في المحافظات والمناطق لعلها تسلم إذا ما حصل غزو خارجي أو وقعت فتنة داخلية، راجين أن يبقى تُراثنا برعاية العلماء، لا تحت تصرف اللصوص والعملاء.
وشدد المصدر على أن القوات الأمريكية كانت تعمد إلى فتح أبواب المؤسسات والمراكز والجامعات والوزارات العراقية، أمام الغوغاء وجماعات النهب والسلب، ثم تبقى تراقب ما يحدث، لضمان أكبر تخريب ممكن لتلك المؤسسات، متهماً القوات الأمريكية، بالوقوف وراء حرق مكتبة الأوقاف في العاصمة العراقية بغداد، التي أتلفت فيها آلاف المخطوطات التي لا تقدر بثمن.
وقال المصدر "هاجمت قوات أمريكية أغلب مرافق الدولة، من بنوك ووزارات، وفتحتها أمام اللصوص، ليعيثوا فيها فسادا، وتم تدمير أرشيف الدولة ومكتباتها الوطنية، وحتى المتحف العراقي لم يسلم من السرقة والنهب". ونقل المصدر عن شهود عيان "أن دبابات أمريكية حملت كنوز هذا المتحف، وتركت الفتات للسراق واللصوص".
وقدّر المصدر "عدد القطع المسروقة بـ 17 ألف قطعة لا تقدر بثمن، تروي قصة حضارة العراق منذ فجر التاريخ"، مشيراً إلى أن الخراب والحرائق طالت "مكتبة الأوقاف في بغداد، وفيها النوادر من المخطوطات الإسلامية، التي أحرقت بالكامل".
وبما أن منظمة اليونسكو مسؤولة عن حماية التراث الإنساني فقد تحركت بعد فوات الأوان ببرود لا يشبه حماسها الذي هزّ العالم عندما فجّرت طالبان تمثال بوذا في باميان ، ومن أجل حماية ما يمكن من تراث العراق جمعت اليونسكو ثلاثين خبيراً لبحث خسائر التراث العراقي، ونسب لليونسكو إنها ستستضيف في مقرها بباريس اجتماعا لثلاثين خبيراً لإجراء تقييم أولي لحالة التراث الثقافي في العراق، وإعداد خطة عمل طارئة لحمايته. وأضافت إن العراق يوصف عادة بأنه "مهد الحضارات" كما أن عمر تراثه يعود لآلاف السنين.
ودعا كويشيرو ماتسورا مدير عام اليونسكو من جديد إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية ومراقبة المؤسسات الثقافية العراقية التي تندرج المكتبات ودوائر المحفوظات والسجلات من ضمنها. وكان كوتشيرو ماتسورا قد طلب قبل أيام من سلطات الاحتلال الأمريكية والبريطانية اتخاذ تدابير فورية لحماية ومراقبة المواقع الأثرية العراقية والمؤسسات الثقافية، وذلك عقب تعرض متحف الآثار الوطني في بغداد للنهب.
وقد أكد ماتسورا في رسالتين وجههما للسلطات الأمريكية والبريطانية في الحادي عشر من نيسان 2003 الحاجة للحفاظ على المجموعات الأثرية العراقية الغنية التي تعد إحدى أهم المجموعات من نوعها في العالم. وشدد على ضرورة تقديم الحماية العسكرية لمتاحف الآثار في بغداد والموصل والبصرة ومنع التصدير غير القانوني للقطع التراثية العراقية.
وأجرى ماتسورا اتصالات مع كل من حكومات البلدان المجاورة للعراق والشرطة الدولية ومسئولي الجمارك الدوليين طالبا منهم العمل على ضمان احترام اتفاقية اليونسكو لحظر ومنع الاستيراد والتصدير والنقل غير القانوني للأملاك التراثية لسنة 1970، لكن بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ليستا من الدول التي وقعت على تلك الاتفاقية، ولذلك فإن الدولتين غير ملزمتين بتطبيق ما تنصّ عليه الاتفاقية المذكورة.
وطلب ماتسورا آنذاك من سائر الأطراف المعنية بالآثار، ومنها المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول" ومنظمة الجمارك العالمية والاتحاد الكونفدرالي لجمعيات المتعاملين بالفنون والآثار ومجلس المتاحف الدولي والمجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية، أن تضم جهودها إلى جهود اليونسكو كي تمنع بيع الآثار العراقية.
ولكن خبراء الآثار الذين اجتمعوا فى اليونسكو لم يتمكنوا من حماية التراث العراقي، ورجحوا أن تكون عمليات سرقة الآثار العراقية المهمة قد جرت على أيدى عصابات كانت تعلم- على ما يبدو- بسيناريوهات الحرب، وذلك بعد أن تبينت- لخبراء الأمم المتحدة- الأضرار التي لحقت بالمتاحف العراقية، وتبين أن مفاتيح خاصة بالأقبية وقاطعات زجاج قد استخدمت لانتزاع القطع الأثرية، وهذا ما يشير الى مشاركة لصوص محترفين فى السرقات، وليست العملية عفوية كما احلولى لبعض وسائل الإعلام تقديمها على أنها من عمل الناقمين العراقيين.
ولكن المعلومات الصحفية أفادت أن قطع الآثار العراقية المنهوبة وصلت إلى مطار هيثرو في لندن، وتم تداول صور بالبريد الإليكتروني تبرز صور اللصوص من الجيش الأميركي وهم يخلعون صفائح الذهب والفضة من جدران القصور والمتاحف العراقية المحتلة.
كما تسربت أنباء عن تورط بيرل بسرقة آثار العراق، ولكن فرنسا رفضت التعليق على اتهامات لبيرل بسرقة آثار العراق، ونأت الخارجية الفرنسية بنفسها عن تقارير حول تورط ريتشارد بيرل الملقب "بأمير الظلام" ومستشار البنتاغون في سرقة آثار العراق، حيث ضبطت باريس خمس مئة قطعة أثرية مهربة من بغداد، وقال برنار فاليرو الناطق باسم الخارجية الفرنسية في تصريح لمراسل وكالة أنباء «الشرق الأوسط» في باريس، انه لا يستطيع التعليق على هذا الموضوع لأنه ليس لديه أية معلومات عنه، وكانت أنباء ترددت في اجتماع حماية التراث العراقي في اليونسكو بباريس عن احتمالات تورط ريتشارد بيرل مع عصابات الجريمة المنظمة الدولية التي توجه لها الاتهامات بتنظيم سرقة الآثار العراقية تحت غطاء الغوغاء الذين ظهروا على شاشات التلفزيونات وهم ينهبون هذه المقتنيات الأثرية، ومن المعلوم أن "أمير الظلام" الأميركي من أشهر المحرضين على هذه الحرب العدواني، وهو من مشاهير صهاينة البيت الأبيض الأميركي، ويبدوا أنه قرر سرقة آثار العراق بالتآمر مع إخوانه في تل أبيب لطمس هوية الحضارات التي ازدهرت في بلاد ما بين النهرين.
ونظراً لما تعرضت له مكتبات العراق من مآسٍ فإننا سنلقي الضوءَ عليها،وغايتنا من ذلك تنبيه ذوي السلطة إلى هذا الخطر العالمي الذي مسَّ الحضارة الإنسانية، وألحق بها الأذى جراء العبث بمكتبات العراق، التي لم تكن الأولى من حيث التدمير، وربما لن تكون الأخيرة في ظل تفاقم الجهل، وجشع تجار المخطوطات المرتبطين بعصابات عالمية مؤدلجة تطمح إلى طمس حضارات منطقة الشرق الأوسط، والإبقاء على ما يخص اليهود فقط لا غير، وذلك من أجل تكريس دعوى أرض الميعاد، والنبوءات التوراتية التي تدعمها كنيسة "المسيحيين الصهاينة" في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول التحالف الذي يدعم التوجهات الصهيونية، وقيام إسرائيل الكبرى.
يعلم الأصدقاء والأعداء أنّ مكتبات بلاد الشام وبلاد الرافدين عريقة جداً، ولا غرابة في ذلك بالنسبة لموطن الأبجديات المسمارية، وما تلاها من أبجديات متنوعة انتشرت في بقية مناطق العالم الذي مازالت فيه أمم دون أبجديات، ولكنها تستعير أبجديات مناطق أخرى أخذت أُسُسَ أبجدياتها من مهد الأبجديات في بلاد الشام والرافدين.
وعندما نتحدث عن المكتبات فإننا لا نقتصر على الكتب المتداولة في زماننا، وإنما نقصد كل ما كتبه الناس بِغَضِّ النظر عن الأدوات سواء أكانت من الورق أو الجلود (الرقوق) أو الحجارة أو المعدن أو الأخشاب أو الفخار، أو جدران الكهوف، ولذلك نرى أننا قد اطلعنا على جزء من المكتبات الإنسانية، ومازال باطن الأرض يختزن الكثير من المكتبات وأسرارها التي تُميط اللثام عن حضارات إنسانية مجهولة، سادت ثم بادت ثم اندثرت وغرقت في خضم التاريخ المجهول.
ومَنْ يتتبَّع أخبار المكتبات القديمة يجد أنها متنوعة، فمنها ما هو خاص بالأشخاص، وما هو عام للجمهور، وبعضها ديني خُصّص للمعابد والأديرة والمساجد والمدارس، والآخر دنيوي تناول العلوم والمعارف بشكل عام، وبعضها حكومي له علاقة بالسجلات الرسمية والدواوين، والآخر شعبي تكون في الأسواق، وهذا واضح لكل من يتتبع أنباء المكتبات والكتب، ويلعب تقادُمُ الزمن دوراً مُهمّا في تقديم المعلومات الخاصة بالمكتبات، فكلما تَقَادَمَ الزمن تقلّ المعلومات، وكلما كان الزمن متأخراً تتوفر لنا معلومات أوفر تُساهم بإلقاء الأضواء على المكتبات من حيث أنواعها ومحتوياتها.
إن الحديث المفصل عن مكتبات العراق يتطلب مجلدات، ولكن هذا لا يمنع من عرض موجز يُسَلِّطُ الضوء على هول الكارثة، وقد كتب الباحث العراقي الراحل كوركيس عواد كتاباً تحت عنوان "خزائن الكتب القديمة في العراق، منذ أقدم العصور حتى سنة 1000 للهجرة" ونشرت الطبعة الثانية من الكتاب دار الرائد العربي في بيروت سنة 1986م، وهذا يعني أن الكتاب لم يشمل مكتبات العراق خلال الأربعة قرون الماضية، وقد جاء في الكتاب عرض لمسيرة الاستكشافات في خزانة "نُفَر" التي تعرف في المصادر الإفرنجية باسم "Nippur" وهي مدينة دائرية قامت على ضفاف نهر شطّ النيل المتفرع عن نهر الفرات، وهي تبعد عن بابل مسافة 130 كيلومترا باتجاه الجنوب.
ويُستفاد من المعلومات المتوفرة أن أول مَن بدأ التنقيب في موقع مدينة نُفَر سنة 1889 م هو الآثاري الأميركي بيترس، ومعه بعض المنقبين الأميركيين أمثال: هلبرخت "H. D. Hilprecht" وهربر "R. F. Harper" ودينلي "J. Dyneley" وبرنس "J. D. Prince" وهينس "J. H. Haynes" وقد اكتشفوا حينذاك أكثر من ألفيّ لوح من الألواح الطينية المكتوبة، وكتب بيترس بحثاً وصف فيه ألواح تلك المكتبة، ونشره سنة 1905 م "Peters (J. P. The Nippur Library. JAOS, XXVI, 1905, PP: 145-146"
وفي السنة الثانية للتنقيب اكتشف بيترس وهينس ثمانية آلاف لوح، ثم عاودا التنقيب مع فريق أميركي كبيرٍ من سنة 1893م حتى شهر شباط/ فبراير سنة 1896 م، فاكتشفوا ما يربو على 20 ألف لوح.
وفي سنة 1898 م عُيّن هلبرخت مديرا للتنقيبات في نُفَر، وعاود هينس عمله، واستطاع المنقبون اكتشاف خزانة كتب معبد "أنليل" التي تضمُّ 23 ألف لوح يعود تاريخها إلى الفترة الواقعة ما بين سنة 2700 و سنة 2800 قبل الميلاد، وبذلك غنمت جامعة بنسلفانيا الأميركية ما يزيد على خمسين ألف لوح من ألواح العراق، وعدداً كبيراً من قطع الآثار المتنوعة التي تلقي الأضواء على تاريخ بلاد ما بين النهرين، وتفند الكثير من الدعوات التوراتية التي يروج لها الصهاينة.
ويستفاد من المعلومات التي نُشِرَتْ حول مكتبة "نُفَر" أن تلك المكتبة قد ضمّتْ وثائق طينية تتضمن كل ما كان يُدرّس من مواضيع في مدارس تلك العصور القديمة، وتتضمن مؤلفات متكاملة ومصادر ومراجع، ولوحات لها دلالات دينية كالتسبيح والأدعية والصلوات والتعاويذ والأساطير ، كما تضمُّ وسائل إيضاح مدرسية، وتتضمن علوم الرياضيات والفلك والتنجيم والطب والتاريخ واللغة، والسجلات الحكومية التي تتضمن جداول بأسماء الملوك والحكام وما عاصروه من أحداث تاريخية حسب تسلسل السنوات.
ولعل أبرز ما تضمنته تلك الألواح جدول الضرب، وجداول الألفاظ اللغوية المترادفة، والأسماء الجغرافية العامة وما فيها من أسماء المدن والسهول والجبال والأنهار، وأسماء الجماد والنبات والحيوان، وأسماء الصناعات التي كانت شائعة، وإيضاح طرُق التصنيع بشكل منهجي مدرسي.
ومكتبة "نُفَر" ليست الوحيدة التي نهبها الأميركان وغيرهم من دعاة الحضارة الغربية، فقد كانت في العراق مكتبات أخرى تعرضت للسلب والنهب تحت حماية القوات الغازية، أو بواسطة عصابات التهريب الرسمية والشعبية، وكلها تخدم في النهاية الخطط الصهيونية تنفيذاً لمؤامرة كُبرى تُلغي تاريخ المنطقة الواقعة ما بين نهر الفرات ونهر النيل.
ويعود تاريخ خزائن الكتب العراقية والسورية والمصرية القديمة إلى ما قبل موسى عليه السلام، وإلى ما قبل التوراة، وبعض الخزائن يُعاصر زمنَ التوراة، وتُقَدِّمُ الألواح الطينية والفخارية والحجرية معلومات تتعارض مع التوراة الْمُتداولة حالياً، وقد تُناقضها مما يُسَبِّبُ حرجاً للأصوليين اليهود الذي دأبوا على إتلاف كل ما يُعارض توراتهم من كتابات قديمة، ولذلك سيطروا على المتاحف ووظفوها لخدمتهم، كما سيطروا على الدراسات اللغوية، وتجارة العاديات "الأنتيك" ومؤسسات المزاد الخاصة بها، وبذلوا الأموال الطائلة من أجل السيطرة على صناعة المناهج المدرسية في العالم بشكل يخدم أهدافهم تحت مُسمّى تطوير المناهج المدرسية، وزودوا عصابات المؤلفين بوثائق تاريخية ولوحات تخدم أهدافهم المزعومة، وحجبوا عنهم الوثائق التاريخية التي تُعارضُ الدعوى الأصولية اليهودية الصهيوينية.
ومازالت آلاف المكتبات القديمة تحت أنقاض التلول في العراق ومصر والشام، وفي العراق قد تم اكتشاف المكتبات التالية التي تُسمّى خزائن، ويعود تاريخها إلى فترة ما قبل الميلاد: نُفَر، دُريهم، نينوى، مدينة أدب، سبار، الجمجمة، كيش، تلو، الوركاء، تل حرمل، آشور، نوزي، المدائن- قطيسفون، وغيرها من الخزائن الأقل شهرة.
ومن خزائن مكتبات العراق في فترة ما بعد ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام، خزانة مرقد حزقيال، وخزائن كتب الأديرة أو الديارات وهي : دير متى، ودير ميخائيل، ودير مار بهنام، ودير يونس- دير يونان، ودير بيت عابي، ودير الربان هرمزد، ودير باقوفا، والدير الأعلى.
إنّ عيون الأصوليين اليهود شاخصة نحو محتويات هذه الخزائن العراقية، وغيرها من خزائن بلاد العرب والمسلمين، وتضاف إلى الخزائن القديمة خزائن الكتب الإسلامية المخطوطة التي تطورت في العراق الذي ضم مكتبات الخلفاء العباسيين، وأشهرها: مكتبة المنصور، ودار الحكمة التي رعاها الخلفية هارون الرشيد وابنه الأمين ثم المأمون، وخزانة المعتضد، وخزائن: المكتفي، والراضي بالله، والقائم بأمر الله، والمقتدي بالله، والناصر لدين الله، والمستنصر بالله المعروفة بالمستنصرية، والمستعصم بالله، ودار المسناة البغدادية، وتضاف إلى خزائن الخلفاء مكتبات الملوك والسلاطين والوزراء والعلماء، وخزائن المكتبات العامة والخاصة، وأوقاف المساجد والتكايا والزوايا والرباطات، والمدارس وخاصة المدارس النظامية الشافعية التي انتشرت في رحاب العالم الإسلامي.
وقد تعرضت الكتب لآفات عديدة نذكر منها الإحراق بالنار، والإغراق بالماء، والوأد بالتراب، والغسيل والمسح، وقد شهدت على إغراق الكتب مأساة سقوط بغداد سنة 656هـ/ 1258م ، وما فعله جيش هولاكو ، وتجلت مأساة حرق كتب مكتبات الأندس في ساحة غرناطة سنة 1492م على أيدي أنصار فرديناندو وإيزابيلا.
والجديد في مآسي مكتبات التراث ما تعرضت له مكتبات العراق في ظل الاحتلال الأنكلو- أميركي من نّهْبٍ وسلب وإتلاف، وقد لفتَ انتباهَ الْمُهتمين بالتراث تحويلُ حركَةُ سير القوات الأميركية نحو مدينة الكفل العراقية بشكل خاص، وكان بإمكانها الوصول إلى بغداد بطريق أقرب من طريق الكفل، وتلك الحركة تدلُّ على أن سببَ ذلك التوجه هو سرقة مخطوطة التلمود القديمة التي كانت في مكتبة الكفل، ولا يستبعد وجود لصوص آثار صهاينة مع القوات الغازية، وهم أصحاب خبرة في محتويات مكتبات العراق القديمة والحديثة.
لقد أسفر الغزو الأنكلو- أميركي عن مأساةً عراقية وعربية وعالمية شملت الأرواح والأبدان، واستهدفت التراث بشكل عام، وتراث المسلمين بشكل خاص، وساهم في نجاح هذه المؤامرة غباء مثقفي النظام العراقي الذين جمعوا الكثير من التراث في العاصمة بغداد مما سهّل إبادته لاحقاً على أيدي المعتدين، والدليل على ذلك دار صدام للمخطوطات التي جمعت فيها آلاف المخطوطات من كافة نواحي العراق خلال السنوات الماضية ثم سُرقَ منها ما سُرق، وحُرق ما حُرق، ولذلك فإننا ننبه بقية الدول العربية إلى الخطر الذي يتهدد تراثها المجموع ، والذي لم يُصَوَّرْ، ولا توجد منه نسخ متعدِّدة، ونأملُ أن تُعاد المخطوطات إلى المكتبات الأصلية الموزعة في المحافظات والمناطق لعلها تسلم إذا ما حصل غزو خارجي أو وقعت فتنة داخلية، راجين أن يبقى تُراثنا برعاية العلماء، لا تحت تصرف اللصوص والعملاء.