بدايات الانتشار الإسلامي ومحطات الصراع الديني

د. محمود السيد الدغيم     الحياة     2004/03/20

مقاربات للاسلام والمسلمين في جنوب شرقي آسيا

يمثّل الاسلام في شرق وجنوب شرقي آسيا حوالى الستين في المئة من مجموع المسلمين في العالم, فضلاً عن انه يختزن كبرى الامكانات والمشكلات. وقد دار طوال السنوات الماضية صراع عليه, يبدو الآن على الاقل, انه حسم لصالح الاستقرار والنهوض الاقتصادي والليبرالية السياسية. على ان هذه التفاؤلية التي يظهرها كتّاب صفحة التراث تجاه جيوسياسية هذا الاسلام, تستدعي من جهة اخرى عدم التسرع. فاسلام الاكثريات الكبرى في شرق وجنوب شرقي آسيا, هو ايضاً اسلام الاقليات الكبرى والصغرى بالهند والصين والفيليبين وتايلاند وميانمار وصولاً من الناحية الاخرى الى روسيا والقوقاز. وقد مضى زمن كانت فيه هذه المشكلات معتبرة مشكلات قومية, لكن مع صعود الهوية الاسلامية ومسائل الطهورية والخصوصية, جرى التحول الى اعتبار تلك المشكلات مشكلات دينية, وتلك الحركات حركات انقسامية, لا تخضع لآليات وحقوق تقرير المصير. وتحت وطأة "الحرب على الارهاب" انفجر صراع الاقليات الاسلامية الممتد ما بين كشمير والقوقاز والبلقان.

اسلام شرق وجنوب شرقي آسيا بين افقين او حدين اليوم: حد او افق النمو والاستقرار والانضمام كلياً للنهوض الآسيوي والنمور الآسيوية, وحد او حائط الاصولية وثورات الاقليات, وضعف بنى الدولة. وبين هذين الحدين او التحديين ينبسط المشهد الشاسع والهائل للاسلام الآسيوي.

بدايات الانتشار ومحطات الصراع

د. محمود السيد الدغيم     الحياة     2004/03/20

لم تتوقف الفتوحات الإسلامية في عهد الخلافة الأموية عند الحدود الفارسية, بل تجاوزتها شمالاً وشرقاً. وتشير المعلومات التاريخية إلى أن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان أرسل وفود الدعاة إلى مملكة ماجاباهيت الإندونيسية, وتتابعت الوفود الإسلامية إلى إندونيسيا في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ( 65 - 86 هـ/ 684 - 705 م ) وفي عهد الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان ( 96 - 99 هـ/ 714 - 717م ).

ويستفاد من كتب التاريخ أن عبدالرحمن بن سمرة هو أول من تولى شؤون السند وما وراءها شرقاً وجنوباً, وقد توفي سنة 42 هـ/ 662م, وفي خلافة معاوية تولى السند عبدالله بن سوار العبدي الذي توفي سنة 43 هـ/ 663م, ثم سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي الذي فتح مكران, وتوفي سنة 48 هـ/ 668م, وتلاه راشد بن عمرو الأزدي الذي توفي سنة 49 هـ/ 669م, ثم المنذر بن الجارود العبدي الذي توفي سنة 51 هـ/ 671م يليهم عدد من العمال ومنهم عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث الذي توفي سنة 81 هـ/ 700م.

وبعد ذلك توسعت الفتوحات بقيادة محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي الذي افتتح الكثير من المدن الهندية, وأمَّن الطرق البرية والبحرية بين البصرة وسواحل الهند وما حولها, وكانت وفاته سنة 89 هـ/ 708م. وتفيد كتب التاريخ أن توسعات محمد بن القاسم كانت لحماية المسلمين الذين كانوا يتعرضون للأذى في تلك البلاد, وهذا دليل على وصول الدعوة إلى تلك البلاد وقبولها قبل وصول الفتوحات العسكرية.

ومن المعلوم أن السلطان محمد تنازل لابنه عن سلطنة مليبار الهندية, وتوجه مع الدعاة إلى سومطرة, وعلى يده أسلم أميرها الملك الصالح, وأقامت مملكته علاقات وثيقة مع البلاد الإسلامية, وقد زار ابن بطوطة تلك البلاد سنة 746 هـ/ 1345م, وأقام العرب في جزيرة جاوة مملكة ديماك, وهذا الإسم تحريف للتسمية العربية: ذي ماء, وانتشرت السلطانات الإسلامية في معظم مناطق جنوب شرق آسيا, و استقرت أمور المسلمين في شبه جزيرة الهند الصينية التي تبلغ مساحتها أكثر من مليوني كيلو متر مربع.

الصراع الإسلامي - الصليبي في جنوب شرق آسيا

ولكن منطقة جنوبي شرق آسيا شهدت هزيمة البحرية المحلية الإسلامية أمام الأسطول البرتغالي سنة 915 هـ/ 1509م, ثم وصلت حملة صليبية برتغالية احتلت ملقا سنة 917 هـ/ 1511م, وتمركز المسلمون في آتشة شمال سومطرة الأندونيسة التي بدأت الحروب مع البرتغاليين الذي تمركزوا في ملقا, وهددوا المسلمين في تلك المناطق.

كانت مملكة آتشة الإسلامية في جزيرة سومطرة, وقد ازدهرت ما بين سنة 1514 وسنة 1903م, وهددها البرتغاليون في عهد سلطانها علاء الدين رعايت شاه قار ( 1537 - 1568م) , فاستنجد بالسلطان العثماني سليمان القانوني الذي أرسل له السفير لُطفي بك ومعه عدد من المدافع, وجنود المدفعية, ثم أرسلت مساعدات عسكرية عثمانية بأساطيل صغيرة, وازداد الخطر البرتغالي, فاستنجد سلطان آتشه بالسلطان العثماني سليم الثاني بن السلطان سليمان القانوني فأرسل حملة بحرية انطلقت من ميناء السويس سنة 1567م, وكانت تضم 400 من البحارة.

ثم استنجد السلطان حسين شاه ( 1568- 1575م) بالخليفة العثماني سليم الثاني ثانيةً, فأرسل لنجدته حملة بحرية تحت قيادة رئيس البحرية قورد أوغلى خضر خير الدين ابن رئيس البحرية مصلح الدين الذي أبحر من السويس سنة 1568م, ومعه 22 سفيتة حربية مزودة بالمدفعية الثقيلة, وما يلزمها من الضباط والجنود, واستطاعت البحرية العثمانية التصدي للعدوان البرتغالي, وحماية ماليزية وإندونيسيا, وحينذاك اعترفت آتشة بتبعيتها الشرعية للخلافة العثمانية, وبفضل تلك المساعدة تمت حماية ماليزيا وإندونيسيا من مصير مشابه لمصير مسلمي بقية أقطار جنوب شرق آسيا, ومازالت إندونيسيا تحتفظ ببعض تلك المدافع العثمانية في متاحفها, وتعتبرها من الآثار المباركة.

انتشار الإسلام في الفيليبين

وانتشر الإسلام في الفيليبين التي كانت تسمى: عذراء ماليزيا, وهي تتألف من 7100 جزيرة, ومساحتها حوالى 300000 كيلومتر مربع, وحُصر المسلمين بما مساحته حوالى 38 في المائة من مساحة البلاد, وتبلغ نسبة تعدادهم ما بين 22 - 25 في المئة من سكان الفيليبين, وهُم يقطنون في جزيرة مندناو وما يحيط بها وجُزر صولو وبالاون, وتسمى مناطقهم: مورو, وهذه التسمية أطلقها عليهم البرتغاليون نسبة إلى الموريسكو مسلمي الأندلس.

وتاريخ المسلمين في الفيليبين مجهول البداية, ولكن الهجرة الكبرى إلى الفيليبين حصلت بعد سقوط بغداد سنة 656 هـ/ 1258م, حيث هاجر إلى هنالك الكثير من المسلمين هربًا من المغول, ونتج من تلك الهجرة ازدهار تجاري وعلمي.

وشهدت الفيليبين نهضة إسلامية استمرت عدة قرون, ولكن القُرصان ماجلان وصل إلى الفيليبين سنة 923 هـ/ 1521م, فتصدى له المسلمون حينما حاول بناء كنيسة قرب الجامع في جزيرة ماكيتان, ودارت المعركة بينه وبين المسلمين فقُتل ماجلان في 27 نيسان (أبريل) سنة 1521. كما قتل عدد من جنوده, وهرب الباقون, ولم يبق من سفن أسطول ماجلان غير السفينة "فكتوريا" وفي 8 أيلول (سبتمبر) 1522 عادت السفينة فكتوريا إلى إشبيلية وهي لا تحمل سوى ثمانية عشر رجلاً هم كل من بقي من 280 رجلاً أقلعوا من أسبانيا قبل ذلك بثلاث سنوات تقريباً بقيادة ماجلان, ومنذ ذلك الوقت والحروب الصليبية مستمرة ضد المسلمين في تلك البلاد.

انتشار الإسلام في بورما والفيتنام وكمبوديا

قامت ممالك إسلامية في برمانيا (بورما) حيث وصلها المسلمون من البنغال, وصار إقليم أركان إقليماً إسلامياً حتى الغزو البريطاني سنة 1303 هـ/ 1885م, الذي قدم التغطية للمبشرين من غير المسلمين.

وانتشر الإسلام في الفيتنام في منطقة يُتنكن الجنوبية, وقامت دولة التجام التي عرفت باسم دولة الشامبا في إقليم أنام, ولكنها تعرضت للعدوان البوذي الذي جردها من سلطتها وبقي المسلمون في الفيتنام حتى أيامنا, وهم يعيشون في أوضاع صعبة للغاية.

وفي كمبوديا اعتقت قبائل التشام الإسلام وتبعوا دولة الشامبا الممتدة إلى الفيتنام, ولكن الاستعمار الفرنسي ألحق الأذى بهم وأضعفهم, وعندما رحل الفرنسيون سنة 1373 هـ/ 1953م ازداد الضغط على المسلمين, ولما وصل الشيوعيون (الخمير الحمر) إلى الحكم سنة 1395 هـ/ 1975م نفذوا مذابح جماعية بحق المسلمين, وانخفض عدد المسلمين في كمبوديا من 700000 نسمة إلى 200000 نسمة خلال ثلاث سنوات من الإرهاب الشيوعي الذي اعتمد القتل وهدم المساجد والمدارس وحرق الكتب الإسلامية, وهاجر الكثير من مسلمي كمبوديا إلى الدول الإسلامية, وهذه المأساة امتدت إلى لاوس وبورما ونيبال.

انتشار الإسلام في تايلند وفطاني

انتشر الإسلام في منطقة فطاني في تايلند من القرن الثالث الهجري, وقامت إمارات إسلامية منذ القرن الخامس الهجري, وقويت شوكتهم بعدما أسلم السلطان صفي الدين سنة 750 هـ/ 1350م, , ثم ازدهرت حياة المسلمين وتوحدوا في القرن التاسع الهجري, لكن تلك البلاد تعرضت للعدوان البرتغالي سنة 917 هـ 1511م, ثم قامت تايلند باحتلال فطاني سنة 1201 هـ / 1786م. وبعد الاحتلال بدأت حرب التحرير من دون جدوى, حيث انتصر النظام التايلندي الذي مازال يحتل تلك الأرض الإسلامية, ويذيق المسلمين مُرَّ العذاب اعتباراً من سنة 1300 هـ/ 1902م حيث اعتمدت مملكة تايلند البوذية وهضمت حقوق المسلمين الذين يشكلون ربع سكان البلاد, وفي الحرب العالمية الثانية استعانت بريطانيا بمسلمي فطاني لطرد اليابانيين, ووعدتهم بالحرية فصدقوها وآزروها ضد الاحتلال الياباني.

وبعد هزيمة اليابان تنكرت بريطانيا لوعودها, بل دعمت البوذيين التايلنديين على رغم أنهم كانوا من مؤيدي اليابان البوذية, ومازالت منظمة حركة التحرير الوطني تكافح لاستعادة حرية فطاني حيث بدأت الكفاح سنة 1389 هـ/ 1969م, وقد قدموا آلاف الشهداء, ومازالوا يطالبون بحريتهم, ولكن ليس لهم من نصير خارجي لأن دول الآسيان ملتزمة مكافحة الإرهاب الذي تُتَّهم به الحركات الإسلامية المكافحة في تايلند والفيليبين وكمبوديا ولاوس والفيتنام والهند والصين.

* باحث سوري مقيم في لندن.

icon 20-03-2004-20P17.pdf- Classic.pdf (134.17 KB)