زيارة الصحابة الشهداء في غور الأردن

في اليوم السابع عشر من شهر شباط/ فبراير لسنة 2007م غادرنا العاصمة الأردنية عمان قاصدين زيارة شهداء عمواس من الصحابة الكرام، فمررنا ببلدة صويلح، وتابعنا المسير فمررنا ببلدية دير عُلا، ثم مررنا على ضريح الصحابي الجليل ضرار بن الأزور رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه ومأواه، وبعد قراءة الفاتحة تابعنا المسير فوصلنا مجمع أمين الأمة أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه ومأواه، ويتكون مجمعه من جامع، وتربة فيها ضريحه، ومتحف، ومكتبة، وكافة مستلزمات الزوار، وقد قرأنا له الفاتحة وصلينا في جامعه، وتابعنا المسيرفوصلنا إلى وادي اليابس (واسمه الجديد: وادي الريّان) حيث يوجد مسجد الصحابي الجليل شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه ومأواه، فقرأنا الفاتحة، وصلينا الظهر في مسجده العامر، وتابعنا مسيرنا شمالا فمررنا بطبقة فحل، ثم بلدة بصيلة، ثم بلدة القليعات، ثم مررنا ببلدية معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه ومأواه، ووصلنا بلدة وقاص، وزرنا ضريح الصحابي الجليل عامر بن أبي وقاص، وقد استقبلنا فيها سادن الضريح وإمام الجامع الشيخ المنفي، ولكان لنا معه حديث طيب، ثم ودعناه، وتابعنا طريقنا نحو الشمال، فوصلنا حمى الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه ومأواه، وهنالك كان لقاؤنا حاراًّ مع سادن الضريح أبو عمر النعيمي يحفظه الله، وفوجئنا برائحة المسك تنبعث من الضريح، وقد أخبرنا أبو عمر أن هذا المسك يفوح من الضريح منذ قرون، ولم يضع أحدٌ أي مسك داخل قبة الضريح، وذلك فضل من الله تعالى، وبعد قراءة الفاتحة أكرمنا أبو عمر بشرح مفصل عن المكان وصاحبه وولده عبد الرحمن بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثواه ومأواه، ثم زرنا مكتبه العامر، وودعناه وتابعنا طريقنا شرقاً نحو مدينة إربد، ومررنا بمقام أبي الدرداء، وتابعنا المسير فوصلنا إلى عمّان حرسها الله من شياطين الجن والإنس


أمين الأمة الإسلامية
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

 


إنه الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح -رضي الله عنه-، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ولو كره الكافرون، وكان من أحب الناس إلى الرسول (، فقد سئلت عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها-: أي أصحاب رسول الله ( كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر. قيل: ثم من؟ قالت: عمر. قيل ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح.
[الترمذي وابن ماجة]. وسماه رسول الله ( أمين الناس والأمة؛ حيث قال: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" [البخاري].
ولما جاء وفد نجران من اليمن إلى الرسول (، طلبوا منه أن يرسل معهم رجلا أمينا يعلمهم، فقال لهم: "لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين"، فتمنى كل واحد من الصحابة أن يكون هو، ولكن النبي ( اختار أبا عبيدة، فقال: "قم يا أبا عبيدة" [البخاري].
وقد هاجر أبو عبيدة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وفي المدينة آخى الرسول ( بينه وبين سعد بن معاذ -رضي الله عنهما-.
ولم يتخلف أبو عبيدة عن غزوة غزاها النبي (، وكانت له مواقف عظيمة في البطولة والتضحية، ففي غزوة بدر رأى أبو عبيدة أباه في صفوف المشركين فابتعد عنه، بينما أصر أبوه على قتله، فلم يجد الابن مهربًا من التصدي لأبيه، وتقابل السيفان، فوقع الأب المشرك قتيلا، بيد ابنه الذي آثر حب الله ورسوله على حب أبيه، فنزل قوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم وأيديهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) [المجادلة: 22].
وفي غزوة أحد، نزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر (غطاء الرأس من الحديد وله طرفان مدببان) في وجه النبي ( من ضربة أصابته، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما. [الحاكم وابن سعد].
وكان أبو عبيدة على خبرة كبيرة بفنون الحرب، وحيل القتل لذا جعله الرسول ( قائدًا على كثير من السرايا، وقد حدث أن بعثه النبي ( أميرًا على سرية سيف البحر، وكانوا ثلاثمائة رجل فقل ما معهم من طعام، فكان نصيب الواحد منهم تمرة في اليوم ثم اتجهوا إلى البحر، فوجدوا الأمواج قد ألقت حوتًا عظيمًا، يقال له العنبر، فقال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، نحن رسل رسول الله وفي سبيل الله، فكلوا، فأكلوا منه ثمانية عشر يومًا. [متفق عليه].
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لجلسائه يومًا: تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت دراهم، فأنفقها في سبيل الله. فقال: تمنوا. فقال آخر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله. فقال عمر: لكني أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالاً من أمثال أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعلمهم في طاعة الله. [البخاري].
وكان عمر يعرف قدره، فجعله من الستة الذين استخلفهم، كي يختار منهم أمير المؤمنين بعد موته.
وكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- كثير العبادة يعيش حياة القناعة والزهد، وقد دخل عليه عمر -رضي الله عنه- وهو أمير على الشام، فلم يجد في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال له عمر: لو اتخذت متاعًا (أو قال: شيئًا) فقال أبو عبيدة:
يا أمير المؤمنين، إن هذا سيبلِّغنا المقيل (سيكفينا). [عبد الرازق وأبو نعيم].
وقد أرسل إليه عمر أربعمائة دينار مع غلامه، وقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- ثم انتظر في البيت ساعة حتى ترى ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال لأبي عبيدة: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال أبو عبيدة: وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها. [ابن سعد].
وكان يقول: ألا رب مبيض لثيابه، مدنس لدينه، ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين! بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات. [أبو نعيم وابن عبد البر].
وفي سنة (18) هـ أرسل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جيشًا إلى الأردن بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، ونزل الجيش في عمواس بالأردن، فانتشر بها مرض الطاعون أثناء وجود الجيش وعلم بذلك عمر، فكتب إلى أبي عبيدة يقول له: إنه قد عرضت لي حاجة، ولا غني بي عنك فيها، فعجل إلي.
فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب عرف أن أمير المؤمنين يريد إنقاذه من الطاعون، فتذكر قول النبي (: "الطاعون شهادة لكل مسلم" [متفق عليه]. فكتب إلى عمر يقول له: إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك، فإني في جند من أجناد المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم. فلما قرأ عمر الكتاب، بكى، فقيل له: مات أبو عبيدة؟! قال: لا، وكأن قد (أي: وكأنه مات). [الحاكم].
فكتب أمير المؤمنين إليه مرة ثانية يأمره بأن يخرج من عمواس إلى منطقة الجابية حتى لا يهلك الجيش كله، فذهب أبو عبيدة بالجيش حيث أمره أمير المؤمنين، ومرض بالطاعون، فأوصى بإمارة الجيش إلى معاذ بن جبل، ثم توفي -رضي الله عنه- وعمره (58) سنة، وصلى عليه معاذ بن جبل، ودفن ببيسان بالشام. وقد روي أبو عبيدة -رضي الله عنه- أربعة عشر حديثًا عن النبي

شبيه إبراهيم الخليل عليه السلام
معاذ بن جبل رضي الله عنه


إنه أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، أحد السبعين رجلا الذين شهدوا بيعة العقبة الثانية من الأنصار، وقد أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقد تفقه معاذ في دين الله، فوصفه الرسول ( بأنه (أعلم الناس بالحلال والحرام) [الترمذى].
وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يجتمعون حوله ليتعلموا منه أمور الحلال والحرام، وقال عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: عجزت النساء أن يلدن مثله، ولولاه لهلك عمر. ومدحه عبد الله بن مسعود فقال عنه: كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين، حتى ظن السامع أنه يقصد إبراهيم عليه السلام، فقال له ابن مسعود: مانسيت، هل تدرى ما الأمَّة؟ وما القانت؟ فقال: الله أعلم، فقال الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله وللرسول) [أبو نعيم والحاكم].
وكان معاذ أحد الذين يفتون على عهد رسول الله (، وهم: عمر، وعثمان، وعلي من المهاجرين، وأبي بن كعب ومعاذ، وزيد من الأنصار. بل قدمه عمر في الفقه، فقال: من أراد الفقه؛ فليأت معاذ بن جبل. وكان أصحاب رسول الله ( إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له واحتراما [أبو نعيم].
وقال عمر بن الخطاب يومًا لأصحابه: لو استخلفت معاذَا -رضي الله عنه- فسألني ربى عز وجل ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيك ( يقول: (يأتي معاذ بن جبل بين يدي العلماء برتوة (مسافة كبيرة))
[أحمد].
وقد بعثه رسول الله ( إلى اليمن قاضيًا، وقال له: (كيف تقضي إذا عرض لك قضاء)، قــال: أقضـي بكتاب الله. قال: (فإن لم تجد في كتاب الله)، قال: فبسنة رسول الله (، قال: (فإن لم تجد في سنة رسول الله ( ولا في كتاب الله؟) قال: اجتهد رأيي، فضرب رسول الله ( صدره، وقال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله) [الترمذي وأبو داود وأحمد].
وقابله النبي ( ذات يوم، وقال له: (يا معاذ، إني لأحبك في الله) قال معاذ: وأنا والله يا رسول الله، أحبك في الله. فقال (: (أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة: رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). [أبو داود والنسائي والحاكم].
وكان -رضي الله عنه- أحد الصحابة الذين يحفظون القرآن، وممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله (، حتى قال عنه النبي (: (استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل) [متفق عليه].
يقول أبو مسلم الخولاني: دخلت مسجد حمص فإذا فيه ما يقرب من ثلاثين شيخًا من أصحاب رسول الله (، وإذا فيهم شاب أجحل العينين (من الاكتحال)، براق الثنايا، ساكت لا يتكلم، فإذا اختلف القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه، فقلت لجليسي: من هذا؟ قال: معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، فوقع في نفسي حبه، فكنت معهم حتى تفرقوا.
وكان معاذ يحث أصحابه دائما على طلب العلم فيقول: تعلموا العلم فإن تعلمه لله تعالى خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلم صدقه، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام.
وكان معاذ حريصا على تمام سنة المصطفى (، متمسكًا بها، وكان يقول: من سره أن يأتي الله عز وجل آمنا فليأت هذه الصلوات الخمس؛ حيث ينادي بهن، فإنهن من سنن الهدى، ومما سنه لكم نبيكم (، ولا يقل إن لي مصلى في بيتي فأصلى فيه، فإنكم إن فعلتم ذلك تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم ( (لضللتم).
وكان كريمًا، كثير الإنفاق، فيروى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعث إليه بأربعمائة دينار مع غلامه، وقال للغلام، انتظر حتى ترى ما يصنع؟ فذهب بها الغلام وقال لمعاذ: يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال معاذ: رحم الله وصله، تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا، واذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ وقالت: نحن والله مساكين فأعطنا، ولم يبق في الصرة إلا ديناران فأعطاهما إياها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره بما حدث، فسر عمر بذلك. [ابن سعد وأبو نعيم].
وكان كثير التهجد يصلي بالليل والناس نيام، وكان يقول في تهجده: اللهم نامت العيون وغارت النجوم، وأنت حي قيوم، اللهم طلبي للجنة بطىء، وهربي من النار ضعيف، اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إلى يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد.
ولما حضرته الوفاة قال لمن حوله من أهله: أنظروا أأصبحنا أم لا؟ فقالوا: لا ثم كرر ذلك، وهم يقولون: لا. حتى قيل له أصبحنا فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحبًا بالموت مرحبًا، زائر مغب (أي خير) وحبيب جاء على فاقة (حاجة)، اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا، وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر (يقصد الصوم)، ومكابدة الساعات (أي قيام الليل)، ومزاحمة العلماء بالركب عن حلق الذكر. ومات معاذ سنة (18هـ) على الأصح وعمره (38) سنة.
أما عبد الرحمن بن معاذ بن جبل المدفون إلى الجنوب من والده داخل تربة معاذ فقد كان في سن الثالثة عشرة من عمره وكان مجاهدا في سبيل الله تعالى


ضرار بن الأزور

ضرار بن الأزور، واسم الأزور: مالك بن اوس بن جذيمة بن ربيعة بن مالك بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن اسد بن خزيمة

 وكان فارسا، واسلم، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث اللقوح: ( دع داعي اللبن). وقاتل ضرار بن الأزور يوم اليمامة اشد القتال حتى قطعت ساقاه جميعا فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل، وتطوءه الخيل حتى غلبه الموت. قال محمد بن عمر: قال عبد الله بن جعفر: مكث ضرار بن الأزور باليمامة مجروحا قبل ان يرحل خالد بن الوليد بيوم، فمات وقد كان قال قصيدته التي على الميم، قال محمد بن عمر: وهذا اثبت عندنا من غيره
الطبقات الكبرى: الجزء السادس‏

ضرار بن الأزور

 
ضرار بن الأزور، واسم الأزور مالك بن أوس بن جذيمة بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة‏.‏
كذا نسبه الثلاثة، ونسبه أبو عمر نسباً آخر، فقال‏:‏ ضرار بن الأزور بن مرداس بن حبيب بن عمرو بن كثير بن عمرو بن شيبان الأسدي، والأول أشهر، يكنى أبا الأزور، وقيل‏:‏ أبو بلال، والأول أكثر‏.‏
كان فارساً شجاعاً شاعراً، ولما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له ألف بعير برعاتها، فأخبره بما خلف، وقال‏:‏ يا رسول الله، قد قلت شعراً‏.‏ فقال‏:‏ هيه، فقال‏:‏ ‏"من البحر ‏المتقارب‏"‏
خلعتُ القداحَ وعزفَ القـيا ** نِ والخمر أشربها والثمـالا
وكرّي المحبّر في غـمـرةٍ ** وجهدي على المسلمين القتالا
وقالت جمـيلة‏:‏ شـتّـتـنـا ** وطرحت أهلك شتّى شمـالا
فياربّ، لا أغبنن صفقـتـي ** فقد بعت أهلي ومالي بـدالا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما غبنت صفقتك يا ضرار‏"‏‏.‏
وهو الذي قتلَ المرتد مالكَ بن نويرة التميمي بأمر خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم، وهو الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني الصّيداء، من بني أسد، والى بني الديل‏.‏
أخبرنا أبو منصور بن مكارم بن أحمد المؤدب، بإسناده إلى أبي زكرياء يزيد بن إياس، قال‏:‏ ذكر الحسن بن عبد الحميد، أخبرنا الحجاج بن يوسف، حدثنا يعلى بن عبيد، عن الأعمش، عن يعقوب بن بحير، عن ضرار بن الأزور، قال‏:‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلبت له شاة فقال‏:‏ ‏"‏دع داعي اللبن‏"‏‏.‏
وشهد قتال مسيلمة باليمامة، وأبلى فيه بلاءً عظيماً، حتى قطعت ساقاه جميعاً، فجعل يحبو على ركبتيه، ويقاتل، وتطؤه الخيل، حتى غلبه الموت، قاله الواقدي‏،
وقيل‏:‏ بل بقي باليمامة مجروحاً، حتى مات

وقيل‏:‏ إنه قتل بأجنادين، من الشام، قاله موسى بن عقبة‏.

 وقيل‏:‏ توفي بالكوفة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

 وقيل‏:‏ إنه ممن نزل حرّان، من أرض الجزيرة، وإنه شهد اليرموك، وفتح دمشق‏

 وقيل‏:‏ إنه كان مع أبي جندل وأصحابه حين شربوا الخمر بالشام، فسألهم أبو عبيدة فقالوا‏:‏ قال الله‏:‏ ‏{‏فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ‏}‏ ولم يعزم، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فكتب إليه عمر‏:‏ ادعهم، فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم‏.‏ فسألهم، فقالوا‏:‏ إنها حرام، فجلدهم‏.‏ أخرجه الثلاثة‏.
أسد الغابة في معرفة الصحابة: ابن الأثير الجزري


شُرَحبيل بن حَسَنة


شُرَحبيل بن حَسَنة، وهى أمه وهى عدوية وهو بن عبد الله بن المطاح بن عمرو بن كندة حليف لبني زهرة

ويكنى أبا عبد الله وهو من مهاجرة الحبشة في الهجرة الثانية

 وكان محمد بن إسحاق يقول: كانت حسنة أم شرحبيل امرأة سفيان بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وكان له منها من الولد خالد وجنادة ابنا سفيان، فهاجر سفيان بن معمر الى أرض الحبشة، فخرج بامرأته حسنة معه، وخرج بولده خالد وجنادة معه، وأخرج معهم أخاهم لأمهم شرحبيل بن حسنة في الهجرة الثانية الى أرض الحبشة

 وكان محمد بن عمر يقول: بل كان سفيان بن معمر بن حبيب الجمحي أخا شرحبيل بن حسنة لأمه، وكانت أم سفيان لم تكن امرأته، وهاجر الى أرض الحبشة ومعه أخوه شرحبيل، ومعه أمه حسنة، ومعه ابناه جنادة وخالد. وكان أبو معشر يذكر شرحبيل بن حسنة وأمه فيمن هاجر من بني جمح الى أرض الحبشة ولا يذكر سفيان بن معمر ولا أحدا من ولده

 ولم يذكر موسى بن عقبة أحدا منهم ولا ذكر شرحبيل في روايته فيمن هاجر الى أرض الحبشة . قال محمد بن عمر: حلف شرحبيل وأبيه لبني زهرة، وإنما ذكر في بني جمح لسبب سفيان بن معمر الجمحي، وكان شرحبيل من علية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغزا معه غزوات وهو أحد الأمراء الذين عقد لهم أبو بكر الصديق بالشام، ومات شرحبيل بن حسنة في طاعون عمواس، بالشام سنة ثماني عشرة في خلافة عمر بن الخطاب، وهو ابن سبع وستين سنة
الطبقات الكبرى: الجزء الرابع


عامر بن أبي وقاص

هو عامر بن أبي وقاص ابن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس وهو أخو سعد لأبيه وأمه 

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه. قال: أسلم عامر بن أبي وقاص بعد عشرة فكان حادي عشر فلقي من أمه ما لم يلق أحد من قريش من الصياح به والأذى له حتى هاجر الى أرض الحبشة

 قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه. قال: جئت من الرمي فإذا الناس مجتمعون على أمي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس وعلى أخي عامر حين أسلم، فقلت: ما شأن الناس؟

 قالوا: هذه أمك قد أخذت أخاك عامرا تعطي الله عهدا ألا يظلها ظل ولا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا حتى يدع الصباوة، فأقبل سعد حتى تخلص إليها، فقال: علي يا أمه فاحلفي. قالت: لِمَ؟ قال: لأن لا تستظلي في ظل ولا تأكلي طعاما ولا تشربي شرابا حتى تري مقعدك من النار. فقالت: إنما أحلف على ابني البر فأنزل الله تعالى:( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) الى آخر الآية، وقد شهد عامر بن أبي وقاص أُحُدا‏. الطبقات الكبرى . الجزء الرابع


معركة أجنادين
في 27 من جمادى الأولى سنة 13هـ

أرسل أمير المؤمنين أبو بكر الصديق الصحابي الجليل "خالد بن سعيد بن العاص لفتح الشام، وأمره بأن يعسكر بجيشه في تيماء شمالي الحجاز، وأوصاه بعدم البدء في القتال إلا إذا قُوتل، وكان مقصد الخليفة من وراء ذلك أن يكون جيش خالد عونًا ومددًا عند الضرورة، وأن تكون عينه على تحركات الروم لا أن يكون طليعة لفتح بلاد الشام، ولكن خالد بن سعيد اشتبك مع الروم وبعض العملاء من القبائل العربية من بهراء وكلب ولخم وجذام وغسان، ولم تكن قوات خالد بن سعيد تكفي لقتال الروم، فُهزم في "مرج الصفر" في (4 من المحرم 13 هـ = 11 من مارس 634م) واستشهد ابنه في المعركة، ورجع بمن بقي معه إلى "ذي مروة" ينتظر قرار الخليفة، فعقد الخليفة أبو بكر الصديق أربعة ألوية لدفع العدوان الرومي، وأرسل أربعة جيوش عسكرية

 الجيش الأول تحت قيادة "يزيد بن أبي سفيان"، ووجهته "البلقاء"

-  الجيش الثاني بقيادة "شرحبيل بن حسنة"، ووجهته منطقة "بُصرى".
-  الجيش الثالث بقيادة "أبي عبيدة بن الجراح"، ووجهته منطقة "الجابية"، وقد لحق خالد بن سعيد بجيش أبي عبيدة.
-  الجيش الرابع بقيادة "عمرو بن العاص"، ووجهته "فلسطين".

 وأمرهم أبو بكر الصديق بأن يعاونوا بعضهم بعضًا، وإذا اجتمعوا معًا فالقيادة العامة لـ أبي عبيدة بن الجراح، وكان مجموع تلك القوات نحو 24 ألف مقاتل، وقد فتحت تلك الجيوش  جنوبي الشام، وأمدهم الخليفةُ بعكرمة بن أبي جهل ومن معه من الرجال، وكان فيه خالد بن الوليد في جبهة العراق ينتقل من نصر إلى نصر على الفرس المجوس، فأمره الخليفة أبا بكر الصديق أن يتوجه إلى الشام وقال: والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، وتوجه خالد إلى الشام ومعه نصف قواته التي كانت معه في العراق، وكان خروجه من الحيرة بالعراق في (8 من صفر 13 هـ = 14 من أبريل 634م) في تسعة آلاف جندي، فسار شمالاً ثم عرج حتى اجتاز صحراء السماوة في واحدة من أجرأ المغامرات العسكرية في التاريخ، وأعظمها خطرًا؛ حيث قطع أكثر من ألف كيلو متر في ثمانية عشر يومًا في صحراء مهلكة حتى نزل بجيشه أمام الباب الشرقي لدمشق، ثم سار حتى أتى أبا عبيدة بالجابية إلى الغرب من بلدة نوى؛ فالتقيا ومضيًا بجيشهما شرقاً ثم جنوباً إلى بُصرى فحاصروها حتى فتحوها في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول 13 هـ = 30 من مايو 634م، وبدأ الاستعداد لأجنادين، وهي موضع يبعد عن "بيت جبرين" بحوالي أحد عشر كيلو مترًا، وعن الرملة حوالي تسع وثلاثين كيلو مترًا، وكانت ملتقى مهمًا للطرق، وقاد خالد أربعين ألفاً من المسلمين واصطدم بتسعين ألفاً من الروم، وأسفرت المعركة، وشكّل خالد جيشه ونظّمه ميمنة وميسرة، وقلبًا، ومؤخرة

فجعل على الميمنة: معاذ بن جبل

وعلى الميسرة: سعيد بن عامر

 وعلى المشاة في القلب: أبا عبيدة بن الجراح

 وعلى الخيل: سعيد بن زيد

، وكان خالد يمر بين الصفوف لا يستقر في مكان، وأقام النساء خلف الجيش يبتهلن إلى الله ويدعونه ويستصرخنه ويستنزلن نصره ومعونته، ويحمسن الرجال
وبدأت المعركة بعد صلاة الفجر من يوم 27 من جمادى الأولى 13 هـ = 30 من حزيران/ يوليو 634م، وقُتِل
 القبقلار قائد الروم، فانهارت قوى الروم، واستسلمت للهزيمة،  وبرز في هذا اليوم من المسلمين "ضرار بن الأزور"، وكان يومًا مشهودًا له، وبلغ جملة ما قتله من فرسان الروم ثلاثين فارسًا، وقتلت "أم حكيم" الصحابية الجليلة أربعة من الروم بعمود خيمتها، وقتل الآلاف، واستشهد من المسلمين 450 شهيدًا، وبعث خالد بن الوليد برسالة إلى الخليفة أبي بكر الصديق يبشره بالنصر، فلما قرأ أبو بكر الرسالة فرح بها، وأمرهم بمتابعة الجهاد في سبيل الله تعالى لنشر الدعوة وتخليص البشرية من ظلم الروم

فتح دمشق في 15 رجب سنة 13 هـ

كان قادة الجيوش الإسلامية في فتح دمشق : أبو عبيدة بن الجراح، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان.
و كانت مدة حصار المدينة سبعين يومًا .
وقبل الفتح ، جرت عدة معارك على الأبواب، كان عنيفة ورهيبة، وكان على الأبواب القادة التالية أسماؤهم:
1- يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما، على الباب الصغير .
2- شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه، على باب توما .
3- عمرو بن العاص رضي الله عنه،، على باب الفراديس .
4- قيس بن هبيرة رضي الله عنه،، على باب الفرج .
5- أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه،، على باب الجابية .
6- خالد بن الوليد رضي الله عنه،، على الباب الشرقي.
كما جعل ضرار بن الأزور رضي الله عنه على رأس ألفين من الفرسان ليطوف بهم على الأبواب وينجد من يحتاج إلى النجدة ، وكانت المعارك حول دمشق تقوم بين المهاجمين والمدافعين من خلف الأسوار يكون فيها تراشق بالنبل والحجارة . ثم إن شعب الروم فزعوا إلى توما وقالوا: إما أن نصالح المسلمين أو تجد لنا مخرجًا ، فوعدهم قتال المسلمين، ثم جهز جيوشًا على كل الأبواب لكي يباغتوا المسلمين في وقت واحد حدده لهم، وانطلقوا ليلاً بغارة شعواء فثبت لهم المسلمون ودارت معركة حامية الوطيس على جميع الأبواب وكانت أشد ما تكون على باب توما، ثم كثر القتل في الروم فارتدوا إلى الأبواب تاركين آلاف القتلى .
 وبعد حصار دام سبعين يومًا عبر خالد بن الوليد خندق الماء فوق القرب ثم رمى المسلمون الكلاليب فعلق اثنان منها، فرقي المسلمون السور ثم مدوا بقية الحبال وصعد جمع من المسلمين فوق الأسوار، ونزلوا ففتحوا الباب الشرقي في خفة وبراعة، ثم تدفقت الجيوش وقاتلت من وقف في طريقها.
ولما علم الروم وهم على باب الجابية بما حصل عند الباب الشرقي سارعوا إلى أبي عبيدة وطلبوا تسليم البلدة بالأمان، فوافق ولم يدر ما فعل خالد، ثم دخلها صلحًا والتقى جيش خالد مع وفد أبي عبيدة الذي تسلم المدينة في وسط المدينة عند كنيسة مريم ، ثم إن أبا عبيدة أمضى الفتح صلحًا وفق شروط المسلمين على المدينة كافة .

وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه في منتصف رجب سنة 60 هـ
معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، أبو عبد الرحمن ، أسلم هو وأبوه يوم فتح مكة وشهد معه وقعة حنين .
قربه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمه إلى كتاب الوحي .
أرسله الخليفة أبو بكر على رأس جيش مددا لأخيه يزيد بن أبي سفيان وكان أبو بكر قد وجه يزيدا من قبل لفتح الشام وقد حارب معاوية تحت إمرة أخيه وتولى قيادة الجيش الذي فتح صيدا وبيروت وغيرهما من سواحل الشام ولما توفي يزيد بطاعون عمواس استخلفه أبو بكر على دمشق ثم أقره عمر بن الخطاب ولما توفي عمر وتولى الخلافة عثمان بن عفان جمع له ولاية الشام كلها وضم إليه الجزيرة وأرمينية وأصبح حكامها تحت أمره يوليهم ويعزلهم ، وظل أميرا عشرين عاما وخليفة عشرين عاما.
وقعت بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حرب صفين سنة 37هـ وبايعه أهل الشام بالخلافة بعد حكم الحكمين.
تعاهد الخوارج على قتله وقتل علي وقتل عمرو بن العاص فنجا من القتل هو وعمرو وقتل علي رضي الله عنهم أجمعين .
صالحه الحسن بن علي وبايعه بالخلافة على أن يعهد بالخلافة إليه من بعده، وسمي ذلك العام (عام الجماعة) (لاجتماع المسلمين على إمام واحد) .
ومعاوية هو أول من وضع البريد في الإسلام وأول من اتخذ ديوان الخاتم لختم الوثائق التي تصدر عن الخليفة .
من صفات معاوية رضي الله عنه
كانت صفات معاوية كثيرة ، وقد أهلته للنجاح في المنصب الكبير الذي تولاه فكان جيد السياسة حسن التدبير لأمور الدنيا ، عاقلا حكيما ، فصيحا بليغا ، يحلم في موضع الحلم ويشتد في موضع الشدة إلا أن الحلم عليه أغلب ، وكان كريما، باذلا للمال .
وكان يقول: إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني ، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت ، كانوا إذا مدوها أرخيتها ، وإذا أرخوها مددتها قارن نفسه مع أبي بكر وعمر فقال: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده ، وأما عمر فأرادته ولم يردها ، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرًا لبطن.
توفي في دمشق عن ثمانين سنة ودفن في دمشق وكانت وفاته في رجب سنة 60هـ ومدة خلافته عشرون سنة


 



طاعون عمواس

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ - مكان قرب تبوك على طريق الشام - لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح و أصحابه ، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام ، قال : ابن عباس : فقال عمر : ادعُ لي المهاجرين الأوَّلين ، فدعاهم فاستشارهم و أخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام ، فاختلفوا فقال بعضهم : قد خرجنا لأمر و لا نرى أن ترجع عنه ، و قال بعضهم : معك بقية الناس و أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا نرى أن تَقدَمهم على هذا الوباء ؛ فقال : ارتفعوا عني.

 ثم قال : ادعُ لي الأنصار ، فدعوتهم فاستشارهم ، فسلكوا سبيل المهاجرين و اختلفوا كاختلافهم . فقال : ارتفعوا عني.

 ثم قال : ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش من مهاجِرة الفتح - أي الذين أسلموا بعد فتح مكة - فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان ، فقالوا : نرى أن ترجع بالناس و لا تقدمهم على هذا الوباء . فنادى عمر في الناس : إني مُصبح على ظَهر فأصبحوا عليه ، فقال أبو عبيدة بن الجراح : أفراراً من قدر الله ، فقال عمر : لو غَيرك قالها يا أبا عُبيدة ، نعم نفر من قَدَر الله إلى قدر الله ، أرأيت إن كانت لك إبل هبطت وادياً له عَدوتان : إحداهما خَصيبة و الأخرى جَدبة ، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله ، و إن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال : فجاء عبد الرحمن بن عوف و كان متغيَّباً في بعض حاجته ، فقال : إن عندي في هذا علماً سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إذا سمعتُم به بأرض فلا تَقدَموا عليه ، و إذا وقع بأرض و أنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه " قال : فحمد الله عمر ثم انصرف


وعن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها ، و إذا وقع بأرض و أنتم بها فلا تخرجوا منها " صحيح البخاري في الطب 5729 - 5728

ما هو الطاعون؟

الطاعون مرض إنتاني وبائي ، عامله جرثومة بشكل العصية اكتشفها العالم ( ييرسين ) سنة 1849 م فسميت باسمه ( عصية يير سين ) ، وكان يأتي بشكل جائحات تجتاح البلاد و العباد و تحصد في طريقها الألوف من الناس ، و هو يصيب الفئران عادة ثم تنتقل جراثيمه منها إلى الإنسان بواسطة البراغيث ، فتصيب العقد البلغمية في الآباط و المغابن و المراق ، فتتورم ثم تتقرح فتصبح كالدمامل ، و قد يصيب الرئتين مع العقد البلغمية أو بدونها فيصبح خطراً جداً .
وقع وباء منه في بلاد الشام سنة 18 هـ سمي طاعون عمواس نسبة إلى بلدة صغيرة يقال لها عمواس بين القدس و الرملة أول ما نجم الداء بها ثم انتشر في بلاد الشام منها فنسب إليها .
قال الواقدي : توفي في طاعون عمواس من المسلمين في الشام خمسة و عشرين ألفاً ، و قال غيره : ثلاثون ألفاً ، كما ذكر ابن كثير في البداية و النهاية .
وهذا الحديث الشريف هو أساس الحَجر الصحي الذي لم يُعرف إلا في القرن العشرين ،

وقد ورد في عدد من الأحاديث أنه صلى الله عليه و سلم وصف الطاعون منها
حديث أبي موسى رفعه " فناء أمتي بالطعن و الطاعون ، قيل : يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون ؟ قال : وخز أعدائكم من الجن ، و في كُلٍّ شهادة " أخرجه أحمد من رواية زياد بن علاقة عن رجل عن أبي موسى ، و في رواية له عن زياد ... و أخرجه البزار و الطبراني من وجهين آخرين فسميا المبهم يزيد بن الحارث ، و رجاله رجال الصحيحين إلا المبهم ... فالحديث صحيح بهذا الاعتبار و قد صحَّحه ابن خزيمة و الحاكم و أخرجاه ، و أحمد و الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر ابن أبي موسى الأشعري قال : سألت عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " هو وخز أعدائكم من الجن وهو لكم شهادة " و رجاله رجال الصحيح إلا واحداً وثقه أبو نعيم و النسائي و جماعة ، و ضعفه جماعة بسبب التشيع ... و للحديث طريق ثالثة أخرجها الطبراني عن كريب بن الحارث ابن أبي موسى عن أبيه عن جده و رجاله رجال الصحيح إلا كريباً ..
قال ابن حجر رحمه الله بعد أن ذكر هذه الأحاديث : والعمدة في هذا الباب على حديث أبي موسى فإنه يحكم له بالصحة لتعدد طرقه إليه [ فتح الباري : 10 / 182 ] .

ممرض على مصح


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لا يُورِدَن مُمرضٌ على مُصِحٍّ " . صحيح البخاري في الطب 5771
قال ابن حجر رحمه الله و هو خبر بمعنى النهي و المُمرِض _ بضم أوله وسكون ثانيه و كسر الراء _ هو الذي له إبل مرضى ، و المُصِحُّ _ بضم الميم و كسر الصاد _ من له إبل صحاح ، نهى صاحب الإبل المريضة أن يوردها على الإبل الصحيحة .
وهويتفق مع الحديث السابق فالعدوى بتقدير الله تعالى يمكن أن تحدث للحيوانات أيضاً كما تحدث في الإنسان


قال صلى الله عليه و سلم : " فِرَّ من المجزوم فراركَ من الأسد " وقال كما في الحديث هنا : " لا يوردن ممرض على مصح " و هذه الأحاديث الشريفة ترد الناس إلى كمال التوحيد ، و تردهم إلى بارئهم الذي خلق الأسباب و المسببات .
قال أحد الأطباء المختصين : و مما سبق أن شرحناه في موضوع الأمراض المعدية يتبين لنا إعجاز أحاديث المصطفى صلى الله عليه و سلم ، فالأحاديث النبوية الشريفة توضح بجلاء أن دخول الميكروب بذاته إلى جسم الإنسان ليس كافياً لحدوث المرض ، و أن هناك عوامل أخرى غير ظاهرة لنا هي المسؤولة في النهاية عن حدوث المرض ...
ومنذ أن عرف الأتراك تلقيح الأبقار بالجدري ، ثم تلقيح الأطفال ، و تبعهم ( جينير) الطبيب الإنجليزي ، ظهرت فائدة التلقيح و التطعيم ضد مختلف الميكروبات ، و فكرة التطعيم و التلقيح تتلخص في أن يدخل الإنسان الميكروب ميتاً أو مضعفاً إلى الجسم السليم ، فتتعرف عليه أجهزة المناعة و تصنع المضادات ضده ، حتى إذا دخل الميكروب الحقيقي وجد أجهزة الدفاع على أتم استعداد لمقاومته 

 و بهذا يتبين أن أحاديث المصطفى صلى الله عليه و سلم تحمل في طياتها إعجازاً علمياً لم يكشف اللثام عنه إلا في القرن العشرين بعد أن تطورت علوم البشر عن أسباب المرض و جهاز المناعة [ انظر : هل هناك طب نبوي ، باختصار ، ص 73 - 75 ] .
المصدر : " الأربعون العلمية " عبد الحميد محمود طهماز - دار القلم




thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16551202
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة