خريطة الحرب النفسية للعدوان الانكلو – أميركي على العراق
د. محمود السيد الدغيم
باحث أكاديمي سوري مقيم في لندن
كلما تطورت أو تدهورت حياة الإنسان من الناحية الصناعية و الرأسمالية تتطور أو تتدهور معها أساليب فرضِ نوعِ التطور أو التدهور على أوسع مساحة ممكنة من الكرة الأرضية ، و تتنوع طُرُقُ فرض ذلك التطور أو التدهور ، كما تتنوع طرقُ المحافظة على المكاسب بين القوى البشرية المتصارعة ، و مازالت الحرب هي الوسيلة الوحشية للسيطرة على الناس ، و في الزمن المعاصر تعددت الحروب وأهدافها وأنواعها وميادينها و قُوَاها ، و برزت خطورةُ الحرب النفسية المدمرة جراء تطور وسائطِ المواصلات و وسائل التواصُل التي تجاوزتَ نطاقات العسكر و السياسيين ، و دخلت بيوت الناس المدنيين العاديين عبر أجهزة التلفاز و الإذاعات و الإنترنت و الجرائد والمجلات و الطابور الخامس ، و ألحقتْ بأكثرية سكان الكرة الأرضية أضراراً بالغة الخطورة من الناحية النفسية التي ردَّ عليها جرحى الحرب النفسية بالمظاهرات الرافضة للحرب في الشرق والغرب ، وعمَّتْ كافّة أتباع الديانات و الملل والنِّحَل ، والاتجاهات السياسية و الأدبية .
بدأت الحرب النفسية العدوانية الحالية على العراق قبل الحرب الميدانية بمدة طويلةٍ ، وبرزت بشكل واضح منذ نهاية الحرب العراقية – الإيرانية حيثُ برزت أهمية الجيش العراقي و قوته التي شكلت هاجساً مُرعباً للعدو الصهيوني الذي يغتصب أرض فلسطين و يُذل شعبها بدوافع دينية و عرقية و قومية و عدوانية ، و تتصدرُ أسباب الحقد الصهيوني على جيش العراق ثلاثة أسباب .
الأول : موقف الجيش العراقي في حرب تشرين الأول سنة 1973 م حينما واجهَ الجيش الصهيوني على أرض حوران السورية الطاهرة ، و تصدى لهم في معركة تصادمية إلى الغرب من مدينة الكسوة جنوب دمشق ، وردهم إلى المحور الممتد من تل عنترة إلى تل مرعي ، و أفشل خطتهم في الوصول إلى دير على ثم السويداء مركز محافظة جبل الدروز ، و من ثّمَّ يسهل فرض شروط النصر على سوريا بموجب اتفاقية تفوق اتفاقية كامب ديفد غُبناً و إذلالاً ، ولكن النجدة العراقية العسكرية لسوريا فوتت تلك الفرصة الاستسلامية .
الثاني : الخوف من تطور جيش العراق بعد الحرب مع إيران ، حيث صارت لديه خبرة حربية استراتيجية و تكتيكية ، بالإضافة إلى تطور الصناعات العسكرية العراقية .
الثالث : تُشكِّلُ أرضُ العراق عُمْقاً إستراتيجيا لسوريا في أية حرب ضد العدو الصهيوني الذي يتربص بالمنطقة بشكل عام لتحقيق إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات . و تزداد أهمية العُمق العراقي بعدَ إخراج مصر و الأردن من ميدان الصراع العربي الإسرائيلي بموجب إتفاقيات الإستسلام ، وتبادل التمثيل الديبلوماسي ، والتعاون الأمني و الإقتصادي و المخابراتي و الثقافي .
و قد تجلى العدوان الصهيوني المباشر على العراق بقصف المفاعل النووي العراقي ، و إثارة الفتنة بين الدولة العراقية والأكراد ، و تقديم الأسلحة لإيران فيما عُرف بإيران غيت التي أكد حصولها الرئيس الإيراني السابق أبو الحسن بني صدر .
بناءً على ما تقدم نستطيع أن نقول : الحرب النفسية ضد العراق عميقة الجذور متعددة الأسباب ، متنوعة الأساليب ، و قد اعتمدت سابقاً على زرع الفتنة الطائفية والمذهبية و القومية والعرقية و العشائرية و الجغرافية ، و استطاعت أن تجد من المواطنين العراقيين طابوراً خامساً ليس له مثيل في التاريخ ، حيث جاهر الطابور الخامس العراقي بعمالته للقوى الخارجية ضارباً بعرض الحائط موروثه القومي والديني و الأخلاقي و الوطني ، وهذه سابقة تشكل خطورةً نفسية على سكان المنطقة مما يعني أن الحرب النفسية أخطر من الحرب العسكرية لأنها تُفسِدُ الْبُنى الإجتماعية و الأخلاقية ، و تزيد التناحرَ و الصراع و الفساد .
وقبلَ الحرب العدوانية على العراق مُورستْ الحرب النفسية في أروقة الأمم المتحدة طوال الفترة الممتدة من نهاية حرب الخليج الثانية حتى تَمَرُّدِ الولايات المتحدة الأميركية و بريطانيا على الأمم المتحدة ، و إعلانهما الحرب على العراق في فجر يوم الخميس 20 آذار / مارس ، 17 مُحرّم الحرام 1424 هـ بقصف العاصمة العراقية العباسية بغداد .
لم تكن خطة الحرب سرية ، فقبل وقوعها صدر كتاب خطة غزو العراق للكاتب ميلان راي ، وقد ترجمه إلى اللغة العربية حسن الحسن ، وأصدرته دار الكاتب العرابي في بيروت ، وقدم الكاتبُ الحقائق التي تتعرض للتشويه والكذب من قِبَل مراكز الحرب النفسية المتمثلة بوسائل الإعلام الأميركية والبريطانية لتضليل الشعوب ، وتشويه الحقائق ، وممارسة الضغط على الأنظمة السياسية الضعيفة عالميا بالوعد و الوعيد من أجل حشد التأييد المطلوب للتمكن من القيام بالحرب دون معارضة شعبية داخلية ، أو معارضة سياسية خارجية .
و أوضح المؤلف أن جورج وولكر بوش و طوني بلير قد استغلا معاناة الناس من آثار تدمير برجي نيويورك في 11 أيلول / سبتمبر لتبرير اندفاعهما نحو الحرب تحت دعاية الحرب على الإرهاب . ويُقدمُ الكاتب أدلةً دامغةً تثبت أن واشنطن أضعفت كلا من المعارضة العراقية ومفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة ، خلال الفترة الممتدة من نهاية حرب الخليج الثانية حتى الآن ، وقررت الحرب بقرار يعارضه الشعب الأميركي وغيره ، كما يعارضه قطاع واسع من السياسيين الأميركيين لأن اسباب شن الحرب غير مقنعة ، ونتائج الحرب المتوقعة غير واضحة .
آليات الحرب النفسية
منذ وقوع الحرب العدوانية الأنكلو – أمريكية على العراق رفعت وسائل الإعلام وتيرة الإستنفار بعدما أعدت للحرب عدتها مُسبقاً ، وقد لاحظنا قبل الحرب عملية فرزٍ شملت الإعلاميين العرب مثلما شملت العجم ، فأُرسل أصدقاء الولايات المتحدة إلى حاملات الطائرات المعتدية ، و إلى " المركز الإعلامي للتحالف " في قطر ، و لم يكن اختيار المراسلين عشوائياً بل كان مبنياً على دراسات عميقة مستفيضة اقتضتها معرفة الولاء ، وبناء على ذلك أخذت القوات الأميركية البريطانية أحبائها و مخلصيها من الإعلاميين الناطقين باللغة العربية .
أما بغداد الجريحة فقد اختلط الحابل بالنابل حيثُ أرسل إليها مراسلون مخلصون لشعب العراق ، و أرسلَ معهم بعض الجواسيس ، وقد اتخذت الحكومة العراقية بعض الاحتياطات فمنعت هواتف الأقمار الصناعية " الثريا " منعاً للتجسس ، وطردت بعض المراسلين ، وحاولت وضع الباقين تحت سيطرة وزارة الإعلام .
و هكذا وقع المتابع لأخبار الحرب تحت رحمة فريقين لا يتورعان عن الكذب كسباً للحرب الإعلامية التي تؤدي إلى تحطيم المعنويات ، والهزيمة النفسية قبل الهزيمة العسكرية ، و قد حاز قصب السبق في ميدان الكذب الإعلامي فريق الرئيس الأميركي بوش ووزير دفاعه رامسفلد و تبعهما فريق رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير ، وجاء فريق وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف في المرتبة الثالثة في الكذب ، ولكنه أحتل المرتبة الأولى في الصدق يليه فريق بلير ثم فريق بوش الذي لم يعرف الصدق بل استمر يكذب ويكذب حتى صدق نفسه أنه يحارب من أجل " حرية العراق " و تحرير شعب العراق ، و يبدو أن سبب تحرير العراقيين يتحقق بقتلهم حسب رأيه .
ارتكبت قوات التحالف الأنكلو – أميركي جرائم حرب تعاقب عليها القوانين السماوية والأرضية شملت جرائم قتل المدنيين ، و تدمير المستشفيات و المستوصفات و مستودعات الأدوية ، و الفنادق و دور العبادة و المدارس ، و الطرقات والجسور ، والمطارات المدنية ، ومستودعات الأغذية ، و خزانات المياه ، ومصادر الكهرباء .
عندما ارتكبت قوات تحالف الشر تلك الجرائم كشفت وسائل الإعلام المحايدة تلك الجرائم بالصوت والصورة ، و بالبث المباشر ، و التقارير و التحقيقات مما أدى إلى هستيريا شريرة عَمّت رُعاةَ البقر عندما عجزت آلات الدعاية والحرب النفسية الأميركية عن إثبات الأكاذيب ، وإخفاء الحقائق ، و تجلت الهستريا الشريرة بالنقاط التالية :
الأولى : اعتقال أكثر من ألفين ناشط من دعاة السلام في الولايات المتحدة الأميركية الذين عرضوا أفلام و تقارير الإعلاميين النزيهين ، و اتهموهم بإلحاق الأذى بالأمن القومي الأميركي .
الثانية : مصادرة ما يمكن مصادرته من الأفلام والتقارير والمقالات و الوثائق التي تفضح الجرائم وتكشف بعض جوانب الخسائر الأميركية – البريطانية ، ومن المهازل الادعاء أن العراق خرق اتفاقية جنيف بعرض صور القتلى والأسرى المعتدين ، رغم أن الإعلام الموالي قد عرض صوراً لإهانات الرجال والنساء من المدنيين العراقيين تشكل خرقا واضحاً لكل القيم الإنسانية والحيوانية .
الثالثة : حجب معلومات الكثير من مواقع الإنترنت المعادية للحرب ، وتدمير بعض المواقع بحجة إرهاب الإرهاب ، و شلَّ سرعة مواقع أخرى .
الرابعة : مراقبة البريد الإليكتروني ، ومصادرة ما يُراد مصادرته ، وتوزيع رسائل إليكترونية عشوائية من عناوين مجهولة تخدم العدوان على العراق .
الخامسة : التشويش على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية المؤيدة للعراق ، واستخدام حرب المنشورات المضللة التي بدأت الطائرات الأميركية بإلقائها على المواطنين العراقيين قبل الحرب و أثناءها ، وبعد الطائرات تولت المهمة القوات البرية المدعومة بعناصر حزب " المؤتمر العراقي " وغيره من المتعاونين مع العدو .
السادسة : إلقاء القنابل من الطائرات و المدفعية والصواريخ على محطات الإذاعة والتلفزيون الأرضية والفضائية العراقية ، بالإضافة إلى وزارة الإعلام العراقية ، ومحاصرة الصحفيين .
السابعة : فرض حصار على مصادر المعلومات التابعة لبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ، و و الاقتصار على توزيع الأخبار والمعلومات التي تخدم العدوان .
الثامنة : الضغط على وسائل الإعلام العالمية والعربية لتطويق الإعلاميين المتعاطفين مع العراق ، والمحايدين ، و إعطاء مساحات واسعة للمتعاونين مع المعتدين على العراق ؛ حتى أن بعض المطبوعات العربية صارت تكتفي بترجمة ما يسمح لها بترجمته مما ينشر في وسائل الإعلام الأنكلو – أميركية الموالية للعدوان ، وقد مورست في بريطانيا ضغوط على جريدة الإندبندنت البريطانية بسبب نزاهة الصحفي الميداني روبرت فيسك الذي فضح الكثير من الأكاذيب الإعلامية التي روجت لها وزارة الدفاع . والمقالات متوفرة على موقع الجريدة على الإنترنت التالي : اضغط هنا
و من الموقع يمكن الوصول إلى تحقيقات روبرت فيسك المثيرة للجدل في بريطانيا بالبحث عنها في موقع الجريدة بكتابة سمه على الشكل التالي : Robert Fisk
أما الذين لا يعرفون اللغة الإنكليزية فيمكنهم ترجمة الموقع إلى العربية بواسطة موقع عجيب أو موقع المسبار ، وحينذاك سيحصلون على ترجمة آلية للمواقع الإنكليزية
كما يمكن الوصول إلى العديد من مواقع الترجمة عن طريق الرابط التالي
التاسعة : تسريح الصحفيين الأميركيين المحايدين من عملهم لأنهم نشروا حقائق غير منحازة ، و منع بعض المراسلين من المؤتمرات الصحفية الأميركية خشية الإحراج للكَذَبَةِ ، وقد حصل ذلك في موسكو أيضاً حيث مُنع أكرم خزام مراسل الجزيرة من حضور مؤتمر صحفي للسفير الأميركي في روسيا .
العاشرة : كتم الصوت وفقء العين المحايدة لحماية " نظافة الغزو الأميركي " للعراق و ذلك بقصف المراكز الإعلامية التي تبث الحقائق من الميدان خارج إطار السيطرة العدوانية ، و من ذلك قصف مكتب الجزيرة في بغداد للمرة الثانية مما أدى إلى استشهاد طارق أيوب وجرح من معه من طاقم التصوير بصاروخين ذكيين أميركيين .، وقصف مكتب الجزيرة في بغداد معطوف على قصف مكتبها في كابول في 12 تشرين الثاني نوفمبر سنة 2002 أثناء الغزو الأميركي لأفغانستان ، وسبق استشهاد أيوب رشق سيارة الجزيرة بالرصاص الأميركي قرب بغداد ، و مع استشهاده تم قصف مركز قناة أبوظبي الفضائية في بغداد ، رغم وجود المكتبين في حي سكني مدني ليس فيه أي هدف عسكري .
إن القصف الأنكلو – أميركي المركز يتعقب الإعلاميين في بغداد حيث بدأ بقصف فندق الرشيد ثم فندق المنصور و أخيرا فندق فلسطين الذي أصيب فيه أربعة مراسلين لوكالة رويترز للأنباء ؛ فارتفع عدد شهداء حرية الكلمة من الإعلاميين إلى 11 شهيداً حتى يوم الثلاثاء 8 – 4 – 2002 م بينما يقع الكثير منهم تحت حصار الصواريخ و القنابل الغبية الأميركية ، وهدف قصف مكاتب الصحفيين هو إخراجهم من ميدان المعركة خشية فضح ما خططته قوات الحالف الشرير لارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين من سكان بغداد الذين يدافعون عن مدينتهم في وجه غزاة تتلطخ أيديهم بدماء الهنود الحمر . بعض دلائل الكذب الإعلامي الخاص بالحرب النفسية
إن مَن يتابع أخبار الحرب يكتشف أنها متناقضة و متعارضة و تخضع لمزاج مروجيها و أهدافهم ، و ينخرط في هذا البحر الهائج من الأخبار خبراء الخرب النفسية لإدارة المعركة من الإستديوهات الخاصة بالتلفزة والإذاعة ، وتوجيه أخبار وكالات الأنباء ، ومراسلي الصحف الميدانيين ؛ و لا سيما في استديو السيلية القطري – الأميركي الذي جُهزَ بأحدث ما تملكه استديوهات هوليوود من وسائل وأجهزة التشويش و التشويه و الحيل السينمائية للتمكن من إنتاج وسائل إيضاح الحرب النفسية التي تناقلتها و سائل الإعلام من المركز المذكور.
و في ذلك المركز المشؤوم يقوم الناطقون العسكريون بتقديم تقاريرهم إلى الصحفيين الموالين بطريقة تذكرني بطريقة المعلمين في المدارس الإبتدائية ؛ إذ ينتصب أحد الجنرالات أمام السبورة ، و يجلس الصحفيون على مقاعدهم بدون شغب ثم يكتبون ما يملى عليهم ، ويشاهدون الأفلام المدبلجة لكي يقوموا بتضليل الرأي العام الذي يتابع مقالاتهم في الجرائد والمجلات ، و تقاريرهم وتغطياتهم على شاشات التلفزة و موجات الأثير .
و يستخدم قادة الحرب النفسية جيوشاً من المتعاملين الذين يتم تسويقهم تحت مسميات : محلل سياسي ، خبير عسكري ، عقيد أو عميد أو لواء أو فريق متقاعد ،دكتور باحث في الشؤون العربية والعراقية ، ناشط سياسي عراقي ، زعيم حزب عراقي معارض ، ديبلوماسي عراقي سابق ، داعية حقوق إنسان ، كاتب إعلامي موضوعي .
ويتم الاتصال بهؤلاء لتقديم آرائهم الهدامة في برامج مسجلة تُقدم بطريقة توحي للمستمع والمشاهد على أنها تبث مباشرةً لتوكيد صدقية الإعلام الديموقراطي الحرّ حسبما يدعون ، كما يتم إفساح المجال في البث المباشر للذين يؤمَن جانبهم ، وإذا حاولوا تمرير إيحاءات مخالفة لخطة الحرب النفسية يُقطعُ الاتصال بهم ، مع تقديم اعتذار من المذيعة أو المذيع يوحي بأن سبب الانقطاع هو رداءة الاتصال الهاتفي ، وهكذا يحدث ارتباك في الرأي العام ، كما يتم التلاعب بعواطف المستمعين والمشاهدين الذين يتابعون وسائل الإعلام العربية والعالمية ، ويقعون ضحية الحرب النفسية مما يحدث بلبلةً تتجاوز أخطارها ميادين القتال إلى بثّ الرعب في القلوب التي في الصدور .
و الذين يتابعون هذه الحرب النفسية يعلمون أن هدف قوى العدوان هي إرباك العراقيين و العرب والمسلمين والمسيحيين و المتعاطفين مع العراق الْمُعتدى عليه ، وتحطيم معنوياتهم، و جرهم إلى دائرة القلق ثم الخوف و الذعر جراء التشويش الذي تبثه وسائل الإعلام المعادي على جميع الجبهات رغبةً في انهيار كافة الجبهات .
والعراقيون يمارسون الحرب النفسية الدعائية المضادة في سبيل تفنّد الأخبار والتقارير التي تتناقلها وسائل الإعلام العالمية والعربية المعادية للعراق ، و الموالية للعدوان الأنكلو – أميركي ، كما يُحاول العراقيون التأثير على معنويات الجنود الأمريكيين والبريطانيين بنشر بعض الأخبار، والتصريحات، والتقارير، و التحقيقات الإعلامية المصورة في ميادين المعارك و التي تكشف كذبَ الحلفاء . مما دفع بعض المراقبين إلى ترجيح صدقية الإعلام العراقي في مواجهة الأكاذيب المعادية .
وبعد الهزيمة الإعلامية الأنكلو – أميركية زج العدوان آلته العسكرية في الميدان الإعلامي لحرمان العراق من زخم القوى المعارضة للحرب على الساحات العربية والإسلامية والعالمية ، وهذا دليل قاطع على همجية العدوان و تبييته لخطط تتضمن ارتكاب جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي إذا كشفت بعد الحرب ، و يلحق الأذى بمرتكبيها ولو حققوا إنتصارات حربية فسيخسرون قانونياً و أخلاقياًّ و دينياًّ .
ويلاحظ المراقبون أن الحرب النفسية قد استخدمت دبلجة الأفلام فقامت بالمزج بين منطقة وأخرى اعتمادا على تشابه التضاريس و لا سيما في الصحراء حيث ينعدم تمييز منطقة عن أخرى ، كما تمَّ القيام بعمليات إنزال عسكرية في العمق العراقي للتصوير التلفزيوني تحت مظلة مرعبة من القصف الجوي والصاروخ لتأمين الحماية للقائمين بعمليات الإنزال ومرافقيهم من الإعلاميين ريثما ينتهون من تصوير أفلامهم ، ثم ينسحبون ، و تبث الأفلام فتحدث رعباً عسكرياً يؤدي إلى ضعف سيطرة القيادات العراقية على عناصرها المنتشرة في أماكن بعيدة ، و لا سيما في المدن المحاصرة ، و لكن الإعلام العراقي كان متابعاً للاستفادة من البث المباشر لتفنيد ما تذيعه وسائل الإعلام المعادية .
كما تم استغلال رجال الدين الشيعة لتحييد المناطق التي تسكنها أكثرية شيعية بفتاوى رمادية تتماهى بين الأسود و الأبيض مما أثر على معنويات قسم كبير من الشيعة في العراق فرحبوا بالشيطان الأكبر ، وهو يتأبط الشيطان الأصغر متناسين شعارات الأمس القريب تحت وطأة الحرب النفسية والعدوان الرهيب .
و من الأكاذيب التي روج لها أعداء العراق ، وجود ما يدل على أسلحة كيماوية تبرر الحرب ، و ذلك في المناطق التي احتلوها ، و لا يستبعد أن يحضروا كميات ضخمة من مستودعات الجيش الأميركي إلى المناطق المحتلة ، ثم يدعون أنها من مخزون الجيش العراقي ، وحينذاك تنتقل الحرب النفسية إلى مكان آخر ينحي باللائمة على النظام العراقي الذي خبأ الأسلحة الكيماوية عن المفتشين ، و لم يستخدمها ضد الحلفاء دفاعاً عن شعبه ، فتلحق بالعراق هزيمة نفسية بعد الهزيمة العسكرية التي يتوقعها الحلفاء .
خلاصة الكلام : إن التحالف الأنكلو – أميركي قد تفوقت في سلسلة من الأكاذيب المتعمدة في سياق الحرب النفسية العدوانية على العراق بجيشه وسكانه المدنيين ، و لم تعبأ قوى العدوان بضياع مصداقيتها، و نحت منحى الإعلام العربي في أيام حرب حزيران سنة 1967 م حينما انتصر أحمد سعيد في إذاعة " صوت العرب " المصرية ، وهزمت الجيوش العربية في غزة وسيناء و الضفة والجولان ، و لكن نصر قُوى التحالف المتوقّع عسكرياً سيعوض هزيمتهم إعلامياًّ ، و حينذاك سيقوم الشعراء العرب برثاء البصرة بعد حريقها الحديث ، و رثاء بغداد بعد الاجتياح الحديث ، وسيبكي أشباه الرجال على أبواب المتاحف و مكتبات المخطوطات و ينسون جريمة التخاذل العربي الذي يؤدي إلى الخسائر العربية و ما يعقبها من إقامة المآتم . أكاذيب الحرب النفسية
لم ينتظر الإعلام الأنكلو – أميركي شهر نيسان لابتداء موسم الكذب في هذه السنة حيث باشروا الكذب بكذبة " الحرب النظيفة " رغم قذارتها ، وذلك منذ فجر يوم 20-04-2003 م ، إذْ قالوا : هناك معلومات من المعارضة العراقية أكدت وجود الرئيس العراقي صدام حسين في اجتماع قيادي استوجب استباق توقيت الخطة المقررة لإنهاء الحرب باصطياد رأس النظام ، و انشغلت أغلب وسائل الإعلام العربية والعالمية بخبر مقتل الرئيس العراقي أو إصابته بجروح بليغة أخرجته من المعركة ، و لكنه ظهر على شاشة التلفزيون فاشتغلوا بدعوى أنه هو أو ليس هو مدةً من الزمن ، ثم أذاعوا خبر هروب طارق عزيز إلى المنطقة الكردية لكنه ظهر طارق في مؤتمر صحفي وهو يسخر من هذه الأكذوبة الوقحة ، ثم أُذيع خبر لجوء والدة عزة الدوري إلى منطقة السيطرة الأميركية – الكردية ، و تبين كذب الخبر ، ثم أذاعوا نبأ مقتل ثلاثة من أبرز مساعدي صدام حسين وهم عزة الدوري، وطه ياسين رمضان، وعلي حسن المجيد، وبعد ذلك ظهروا في اجتماع متلفز مع الرئيس العراقي و أركان حكمه ، و أعقبوا ذلك بخبر إصابة قصي وعدي مع أبيهما أثناء قصف الملجأ الرئاسي ، و اثبتت الفضائيات المحايدة كذب الخبر ، وورد خبر هروب السيدة العراقية الأولى ساجدة من العراق ، وثبت عدم صحة ذلك .
أما أكاذيب الميدان فحدث و لا حرج ، فمن أكبرها كذبة النيران الصديقة التي تكررتْ لحرمان العراق من نشوة النصر بإسقاط الطائرات المعادية ، أو تدمير المدرعات وناقلات الجنود مما أدخل هذا الموضوع مجال النكتة باعتبارها وسيلة من وسائل الحرب النفسية ، فقال أحدهم : إن الأميركيين انتصروا ؛ و لكن على الإنكليز قبل العراقيين ؛ تعليقاً على أخبار النيران الصديقة . و ورد في نكتة أخرى تقول : هنالك تنافس بين الرئيسين الأميركي والعراقي حول ادعاء النصر على الإنكليز . و لكثرة الأكاذيب التي روجت حول سقوط أم قصر دخلت تلك البلدة الحدودية مجال النكتة فقال أحدهم : وصل خبر سقوط أم قصر . فردّ عليه آخر : أية واحدةٍ من أمهات قصر ، هل هي أُمّ قصر الأولى التي سقطت في اليوم الأول من الحرب ؟ أمْ أُمُّ قصر الثانية التي سقطت في اليوم الثاني ؟ أمْ أُمُّ قصر السابعة التي سقطت في اليوم السابع ؟؟؟
و أعقبت أكاذيب سقوط أم قصر أخبار سقوط الفاو والبصرة والناصرية وكربلاء ، ليس بمفعول رجعي بل بمفعول يستبق السقوط العسكري بسقوط إعلامي يخدم معركة الحرب النفسية المدمرة التي حصرت مقاومة أهالي النجف بالدفاع عن محراب مسجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بعدما دخل جنود الغزاة صحن الجامع الشريف الطاهر بأحذيتهم و أسلحتهم دون مراعاة للحرمات ، مما أسفر عن اعتصام إيراني في حوزات قم و طهران احتجاجاً على خرق الحرمات.
و روجت وسائل الإعلام خبر مقتل علي حسن المجيد، قائد المنطقة الجنوبية ، وشاع الخبر دون أدلة ، ونفى وزير الإعلام العراقي الخبر ولكن دون صور ،و من الأكاذيب العسكرية خبر استسلام الفرقة العراقية 51 مع قائدها اللواء الهاشمي الذي شاهدناه يفند الأكاذيب في لقاء مع قناة الجزيرة، ويؤكد أن قوات فرقته تتصدى للأعداء.
لقد أثبتت هذه الحرب أن القوى الأنكلو – أميركية تعتمد استراتيجية الجبناء القائمة على التفوق التكنولوجي ، و التضليل الإعلامي لإحداث ثغرات تؤدي إلى انهيار المقاومة العراقية الباسلة التي أثبتت أن العراق المحاصر منذ أكثر من عشر سنوات ، والخارج من حربين مدمرتين قد استطاع حماية عاصمته من الاقتحام مدة عشرين يوماً في حرب غير متكافئة في كافة الميادين ، و من المفارقات في هذه الحرب سقوط الكرخ غربي بغداد أولاً مثلما سقطت الكرخ قبل بقية بغداد حينما اجتاحها هولاكو سنة 656 هـ / 1258 م ، و مما لاشك فيه أن قوى العدوان قد اعتمدت على معلومات مضللة قدمها لها الراغبون بالاستيلاء على ثروات العراق ولو أدى ذلك إلى السباحة في بحيرة من دماء الأهل والأصدقاء .
و لكنني من المتفائلين فيما ستسفر عنه هذه الحرب من تعرية للأمم المتحدة و مجلس أمنها المكلف بحماية السلم العالمي ، و تعرية مجلس الدفاع العربي الذي نشأ منذ سنة 1950 م ، وذلك بعدما تعرت صورة الديموقراطية التي بشر بها المبشرون خلال القرن الماضي ، وسقطت كافة الأقنعة الأكاديمية ، والأكاذيب العقلانية ، و بينت أن مصير علماء السلطان لن يكون أفضل من مصير علماء طالبان ، و لن تعلو صيحاتهم على صوت بابا الفاتيكان الذي دان الحرب و اعتبرها ضد الله و التاريخ .