مدينة بخارى
 هي أعظم مُدُن ما وراء النهر وأجلها، يُعبَر إليها من آمُل الشّطّ، وبينها وبين نهر جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك الأمارة السامانية



ملاحظة: نشرت هذه الواحة في الصفحة 15 من ملحق تراث في جريدة الحياة بلندن يوم السبت 12 رجب سنة 1426 هـ/ 3 ـ 9 ـ 2005م، العدد: 15495
د. محمود السيد الدغيم
1
مدينة بخارى
قال ياقوت الحموي في الجزء الأول من معجم البلدان: بُخَارى: هي أعظم مُدُن ما وراء النهر وأجلها، يُعبَر إليها من آمُل الشّطّ، وبينها وبين نهر جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك الأمارة السامانية.

قال بطليموس: في كتاب الملحمة، طول بخارى سبع وثمانون درجة، وعرضها إحدى وأربعون درجة، وهي في الإقليم الخامس، وطالعها الأسد تحت عشر درجات منه لها قلب الأسد كامل تحت إحدى وعشرين درجة من السرطان، ويقابلها مثلها من الجدي، وبيت ملكها مثلها من الحمل، وبيت العاقبة مثلها من الميزان، ولها شركة في العيُّوق ثلاث درجات، ولها في الدُّب الأكبر سبع درجات.
وقال أبو عَوْن: في زيجه: عرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي في الإقليم الرابع، وأما اشتقاقها وسبب تسمية بخارى بهذا الاسم فإني تطلْبته فلم أظفر به، ولا شك أنها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدَتُها، عهدِي بفواكهها تُحمَل إلى مَرْوَ، وبينهما اثنتا عشرة مرحلة، وإلى خوارزم، وبينهما أكثر من خمس عشرة يوماً، وبينها وبين سمرقند سبعة أيام أو سبعة وثلاثون فرسخاً، وبينهما بلاد الصّغد.
وقال صاحب كتاب الصوَر: وأما نزهة بلاد ما وراءَ النهر فإني لم أرَ، ولا بلغني في الإسلام بلداً أحسن خارجاً من بُخَارَى، لأنك إذا عَلوتَ قُهُنْدُزَها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلا على خضرة متصلة خُضرتها بخضرة السماء، فكأن السماءَ بها مكبَّة خضراءُ مكبوبة على بساط أخضر، تَلُوحُ القصورُ فيما بينها كالنَّوَاوير فيها، وأراضي ضياعهم منعوتة بالإستواءِ كالمِرآة، وليس بما وراءَ النهر وخراسان بلدة أهلها أحسَنُ قياماً بالعمارة على ضياعهم من أهل بخَارَى، ولا أكثر عدداً على قدرها في المساحة، وذلك مخصوص بهذه البلدة لأن منتزهات الدنيا صغد وسمرقند ونهر الأُبُلَّة. فأما بخارى، واسمها: بُومِجْكَث، فهي مدينة على أرض مستوية، وبناؤها خشب مشبك، ويحيط ـ بهذا البناء من القصور والبساتين والمَحالّ والسكك المفترشة، والقرى المتصلة ـ سُورٌ يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها، ويجمع هذه القصور والأبنية والقرى والقصبة، فلا ترَى في خِلاَلِ ذلك قفاراً ولا خراباً، ومن دون هذا السور على خاص القصبة وما يتصل بها سُورٌ آخر نحو فرسخ في مثله، ولها مدينة داخل هذا السور، يحيط بها سور حصين، ولها قُهُندُز خارج المدينة متصل بها، ومقداره مدينة صغيرة، وفيه قلعة بها مسكن وُلاة خراسان: آل سامان، ولها ربضٌ، ومسجد جامع على باب القهندز، وليس في خراسان وما وراء النهر مدينة أشد اشتباكا من بخارى، ولا أكثر أهلاً على قدرها، ولهم في الربض نهر الصغد يَشُقُّ الربض، وهو آخرُ نهر الصغد فيفضي إلى طَوَاحين وضياع ومزارع، ويسقط الفاضل منه في مجمع ماءٍ بحذاءِ بيكند، إلى قرب فِرَبر، يعرف بسام خاس، ويتخللُها أنهار أُخر، وداخل هذا السور مُدُن وقرى كثيرة. منها الطواويس: وهي مدينة بُومِجْكَث وزندنة وغير ذلك.
والبُخَارِيةُ: سكة بالبصرة، أسكنها عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان أهلَ بخارى الذين نقلهم من بخارى إلى البصرة، وبَنَى لهم هذه السكة فعُرفت بهم، ولم تعرف به.


2
محاسن ومساوئ بخارى
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: أخبرنا الشريف أبو هاشم عبد المطلب، حدثنا الإمام العدل أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر الحَكَمي، حدثنا أبو اليسر املاءً، حدثنا أبو يعقوب يوسف بن منصوِر السياري الحافظ املاءً، وذكر إسناداً رفعه إلى حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستفتَح مدينة بخُراسان خلف نهر يقال له جيحون، تسمى بخارى، محفوفة بالرحمة، ملفوفة بالملائكة، منصورٌ أهلُها، النائم فيها على الفراش كالشاهر سَيفه في سبيل الله، وخلفها مدينة يقال لها سمرقند فيها عين من عيون الجنة، وقبر من قبور الأنبياء، وروضة من رياض الجنة، تحشر موتاها يوم القيامة مع الشهداء، من خلفها تربة يقال لها قَطَوَانُ، يبعث منها سبعون ألف شهيد، يَشفَع كل شهيد في سبعين ألفاً من أهل بيته وعترته.
قال أبو يعقوب يوسف بن منصوِر السياري الحافظ: فقال حذَيفة: لَوَددتُ أن أوافِقَ ذلك الزمان، فكان أحَبّ إليّ من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين، مسجد الرسول أو المسجد الحرام.

قال ياقوت الحموي: وكانت معامَلةُ أهل بخارى في أيام السامانية بالدراهم، ولا يتعاملون بالدنانير فيما بينهم، فكان الذهب كالسلَع والعُرُوض، وكان لهم دراهم يسمونها الغِطريفية من حديد وصفر(نحاس)  وآنُك، وغير ذلك من جواهر مختلفة، وقد ركبت فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارى ونواحيها وحدها، وكانت سِكتها تَصَاوير، وهي من ضرب الإسلام، وكانت لهم دراهم أُخر تُسمى الْمُسَيّبِيّة والمحمديّة، جميعها من ضرب الاسلام، ومع ما وَصَفنا من فضل هذه المدينة فقد ذمَّها الشعراءُ، ووَصَفوها بالقذارة وظهور النَّجَس في أزقتها لأنهم لا كُنف لهم (لم تكن فيها دورات مياه) ومن ذلك قول أحد الشعراء:

أقمنا في بخارى كارهينـا
ونَخرُجُ إن خرجنا طائعينا 
فأخرجنا إله الناس منهـا
فإن عُدنا فإنا ظالمـونـا
وقال محمود بن داود البخاري، وقد تلوث بالسرجِين:
باءُ بخارى فاعلَمَـنْ زائده
والألفُ الوُسطى بلا فائدة

3
فتح بخارى

قال ياقوت الحموي: وأما حديث فتح بُخارى، فإنه لما مات زياد بن أبي سفيان بن حرب القرشي، في سنة ثلاث وخمسين، في أيام خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فوفد عبيد الله بن زياد على الخليفة الأموي معاوية، فقال له معاوية: مَن استخلِف أخي زياد على عمله؟
فقال عبيد الله: استخلف خالد بن أسيد على الكوفة، وسَمُرَة بن جندَب على البصرة.
فقال له الخليفة معاوية: استعملك أبوك لاستعملك.
فقال عبيد الله بن زياد: أنشدك الله أن لا يقولها أحدٌ بعدك، لو ولاّك أبوك أو عمُّك لوَليتك، فعهد إليه ووَلاه ثغر خراسان.
وقيل: إن الذي ولي خراسان بعد موت زياد من ولده ابنه عبد الرحمن.
قال البَلاَذُري: لما مات زياد استعمل معاويةُ عبيدَ الله بن زياد على خراسان، وهو ابن خمس وعشرين سنة، فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفاً، وكان مُلك بُخارى قد أفضَى يومئذ إلى امرأة يسمونها خاتون، فأتى عبيد الله وجيشه إلى مدينة بيكَنْدَ، وكانت خاتون بمدينة بخارى، فأرسلت إلى الترك تستمدّهم، فجاءها منهم مددُهم فلَقيَهم المسلون فهزموهم، وحَوَوا عسكرهم، وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون، فبعثَت إليهم خاتون تطلب منهم الصلح والأمان، فصالحها عبيد الله بن زياد على ألف ألف، ودخل المدينة وفتح زامين وبيكند وبينهما فرسخان، وزامين تنسَب إلى بيكند، ويقال: إنه فتح الصغانيان وعاد إلى البصرة في ألفين من سبي بُخارى، كلهم جيد الرمي بالنشاب، ففرض لهم العطاء. ثم استعمل الخليفةُ معاوية على خراسان سعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما  سنة 55 للهجرة، فقطع النهر وقيل: إنه أول مَن قطعه بجُنده، وكان معه رفيع أبو العالية الرياحي، وهو مولىً لامرأة من بني رياح، فقال: رفيع وأبو العالية: رفْعَة وعُلُو، فلما بلغ خاتون عبورُهُ، حَمَلتْ إليه الصلح، وأَقبل أهل الصغد والترك وأهل كَشّ ونسَف إلى سعيد بن عثمان بن عفان في مائة ألف وعشرين ألفاً مُقاتل، فالتقوا ببخَارى، فندمَت خاتون على إدائها الإتاوة، ونقضَت العهدَ، فحضر عبدٌ لبعض أهل تلك الجمُوع فانصرف بِمَن معه، فانكَسَرَ الباقون، فلما رأت خاتون ذلك أعطَته الرهنَ، وأعادت الصلح، ودخل سعيدٌ رضي الله عنه وجيشه مدينة بخارى، ثم غزا سمرقند.
وفي سنة 87 للهجرة آلت ولايتها إلى قُتيبة بن مسلم الباهلي خراسان، فعبر النهر إلى بخارى، وحاصرها فاجتمعت الصغد وفرغانة والشاش وبخارى، فأحدقوا به أربعة أشهر، ثم هزمهم وقتلهم قتلاً ذريعاً، وسبى منهم خمسين ألفاً، وفتحها فأصاب بها قُدُوراً يُصْعَدُ إليها بالسلالم، ثم مضى منها إلى سمرقند، وهي غزوته الأولى وصَفَتْ بخارى للمسلمين.

4
البخاريون

ينسب إلى بخارى خلق كثير من أئمة المسلمين في فنون شتى. ومنهم إمام أهل الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدزبه، وبَرْدزبه: مجوسي أسلم على يد يَمَان البخاري والي بخارى، ويمان هذا: هو أبو جد عبد الله بن محمد الْمُسنَدي الْجُعفي، ولذلك قيل للبخاري الجعفي نسبة إلى ولائهم صاحب الجامع الصحيح والتاريخ، الذي رحل في طلب العلم إلى مُحدّثي الأمصار، وكَتَب بخراسان والعراق والشام والحجاز ومصر، ومولده سنة 194 للهجرة، ومات ليلة عيد الفطر سنة 256 للهجرة، وامتُحنَ وتُعُصِّبَ عليه حتى أخرِجَ من بخارى إلى خَرْتَنْك فمات بها.
ومنهم: أبو زكرياءَ عبد الرحيم بن أحمد بن نصر بن إسحاق بن عمرو بن مُزاحم بن غياث التميمي البخاري الحافظ، سمع بما وراء النهر والعراق والشام ومصر، وإفريقية والأندلس ثم سكن مصر، وحدث عن عبد الغني بن سعيد الحافظ، وتمام بن محمد الرازي، وعمّن يطول ذكرُهم، وحكى عنه الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي أنه قال: لي ببخارى أربعة عشر ألف جزء، أريد أن أمضي وأجيء بها، وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الخطاب: سمع أبو زكرياء البخاري ببخارى محمد بن أحمد بن سليمان الغنجار البخاري، وأبا الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي، وذكر جماعة بعدّة بلاد، وقال: سمع عبد الغني بن سعيد بمصر، ودخل الأندلس وبلاد المغرب، وكتب بها عن شيوخها، ولم يزل يكتب إلى أن مات، وكتب عمن هو دونه، وفي مشايخه كثرة، وكان من الحُفاظ الأثبات عندي عنه مشتبه النسبة لعبد الغني.
وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابه تكملة الكامل في معرفة الضعفاء: قال عبد الرحيم أبو زكرياء البخاري: حدّث عن عبد الغني بن سعيد بكتاب مشتبه النسبة قراءةً عليه، وأنا اسمع، وقال ابن طاهر: وفي هذا نظر، فإني سمعت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ يقول: لم يروِ هذا الكتاب عن عبد الغني غير ابن ابنته أبي الحسن بن بقاء الخشاب. وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: وفي قول الزنجاني هذا نظر، فإنه شهادة على نفي، وقد وَجَدنا ما يبطلها، وهو أنه قد روى هذا الكتاب عن عبد الغني أيضاً أبو الحسن رِشاءُ بن نظيف المقري، وكان من الثقات، وأبو زكرياء عبد الرحيم ثقة، ما سمعنا أن أحداً تكلم فيه. وذكر أبو محمد الأكفاني: أن أبا زكرياء البخاري مات بالحوراء سنة 461 للهجرة، وقال غيره سُئل عن مولده فقال: في شهر ربيع الأول سنة 382 للهجرة؟
ومن مشاهير بخارى: أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا الحكيم البخاري، المشهور أمرُهُ، المقدور قدرُهُ، صاحب التصانيف، تقلبت به أحوال أقدَمته إلى الجبال، فولي الوزارة لشمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن ركن الدولة ابن بُوَيه الفارسي، صاحب همذان، وجَرت له أمور، وتقلبت به نكبات حتى مات في يوم السبت سادس شعبان سنة 428 للهجرة،عن ثمان وخمسين سنة.
وأما الفقيه أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن حمدون بن بخار البخاري، وأبوه أبو بكر من أهل نيسابور، فمنسوبان إلى جدهما، وأما أبو المَعَالي أحمد بن محمد بن على بن أحمد البغدادي البخاري، فإنه كان يحرق البُخُور في جامع المنصور احتساباً، فجعل أهل بغداد البُخوري بُخَارياً، وعُرِفَ بيتُه في بغداد ببيت ابن البخاري، قالهما أبو سعد، عن عبد الغني أيضا. (انظر معجم البلدان الجزء الأول من الصفحة 353 حتى الصفحة 356).


thumb qr1 
 
thumb qr2
 

إحصاءات

عدد الزيارات
16437391
مواقع التواصل الاجتماعية
FacebookTwitterLinkedinRSS Feed

صور متنوعة