للتحميل والاستماع: برنامج الشعر والغناء: الحلقة: السابعة: إعداد وتقديم: د. محمود السيد الدغيم
هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر المصري إبراهيم ناجي شاعر الأطلال
برنامج الشعر والغناء
إعداد وتقديم د. محمود السيد الدغيم
هذه الحلقة حول الشعر المغني للشاعر المصري إبراهيم ناجي شاعر الأطلال
وهذه الحلقة هي الحلقة : 7 من سلسلة برامج الشعر والغناء، ومدة الحلقة: 42 دقيقة
وبثت هذه الحلقة من راديو سبيكتروم بلندن الساعة الثامنة مساء يوم السبت 4/10/ 1997م
وأعيد بثها أكثر من مرة، وقدمت من هذا البرنامج عدة حلقات من إذاعة ام بي سي اف ام، وبثت من البرنامج ثلاثون حلقة من راديو دوتشي فيلي الاذاعة العربية الألمانية، وبثت عدة حلقات من الإذاعة السودانية ، وبثت بعض الحلقات من الإذاعة التونسية، وقدمت لاتحاد الإذاعات العربية ثلاثون حلقة، وبلغ عدد حلقات هذا البرنامج الأسبوعي مئة وعشر حلقات
رجاء : للإستماع إلى البرامج الصوتية والمرئية يجب عليكم تنزيل و تثبيت البرنامج المجاني ريل بلير
Real Player
إذا لم يتوفر لديكم هذا البرنامج اضغطوا هنا للحصول عليه
رجاء : للإستماع إلى البرامج الصوتية والمرئية يجب عليكم تنزيل و تثبيت البرنامج المجاني ميديا بلير
Windows Media Player
إذا لم يتوفر لديكم هذا البرنامج اضغطوا هنا للحصول عليه
Launch in external player |
ولد الشاعر إبراهيم ناجي في حي شبرا بالقاهرة في اليوم الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر في عام 1898، وكان والده مثقفاً مما أثر كثيراً في تنمية موهبته وصقل ثقافته، وقد تخرج الشاعر من مدرسة الطب في عام 1922، وعين حين تخرجه طبيباً في وزارة المواصلات ، ثم في وزارة الصحة ، ثم مراقباً عاماً للقسم الطبي في وزارة الأوقاف.
- وقد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نـهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي.
- بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه وتوماس مور شعراً وينشرها في السياسة الأسبوعية ، وانضم إلى جماعة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .
- وقد تأثر ناجي في شعره بالاتجاه الرومانسي كما اشتهر بشعره الوجداني ، وكان وكيلاً لمدرسة أبوللو الشعرية ورئيساً لرابطة الأدباء في مصر في الأربعينيات من القرن العشرين .
وقد قام ناجي بترجمة بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان أزهار الشر، وترجم عن الإنكليزية رواية الجريمة والعقاب لديستوفسكي، وعن الإيطالية رواية الموت في إجازة، كما نشر دراسة عن شكسبير، وقام بإصدار مجلة حكيم البيت ، وألّف بعض الكتب الأدبية مثل مدينة الأحلام وعالم الأسرة وغيرهما.
- واجه نقداً عنيفاً عند صدور ديوانه الأول من العقاد وطه حسين معاً ، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبولو وقد وصف طه حسين شعره بأنه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه ، وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في الرابع والعشرين من شهر مارس في عام 1953. م
- وقد صدرت عن الشاعر إبراهيم ناجي بعد رحيله عدة دراسات مهمة، منها: إبراهيم ناجي للشاعر صالح جودت ، وناجي للدكتورة نعمات أحمد فؤاد ، كما كتبت عنه العديد من الرسائل العلمية بالجامعات المصرية .
ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها أم كلثوم ولحنها الموسيقار الراحل رياض السنباطي .
ومن دواوينه الشعرية :
وراء الغمام (1934) ، ليالي القاهرة (1944)، في معبد الليل (1948) ، الطائر الجريح (1953) ، وغيرها . كما صدرت أعماله الشعرية الكاملة في عام 1966 بعد وفاته عن المجلس الأعلى للثقافة
إبراهيم ناجي - مصر
هذه قصة حب عاثر: التقيا و تحابا ثم انتهت القصة بأنها صارت أطلال جسد, وصار هو أطلال روح, و هذه الملحمة تسجل وقائعها كما حدثت
كان صرحا من خيال فهوى
اسقني و اشرب على أطلالهِ
و اروِ عني طالما الدمعُ روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً
و حديثاً من أحاديثِ الجوى
و بساطاً من ندامى حلُمٍ
هم توارَوا أبدا, و هْوَ انطوى
يا رياحاً ليس يهدأ عصفها
نضُبَ الزيت و مصباحي انطفا
و أنا أقتاتُ من وهمٍ عفا
و أفي العمر لناسٍ ما وفى
كم تقلَّبتُ على خنجرِهِ
لا الهوى مالَ, و لا الجفنُ غفى
و إذا القلبُ على غفرانِهِ
كلما غار بهِ النصلُ عفا
يا غراماً كان مني في دمي
يشبهُ الموتَ أو في طعمِهِ
ما قضينا ساعةً من عمرِهِ
و قضينا العمرَ في مأتمِهِ
ما انتزاعي دمعةً من عينِهِ
و اغتصابي بسمةً من فمِهِ
ليت شِعري أين منهُ مهربي
أين يمضي هاربٌ من دمِهِ
لستُ أنساك و قد أغريتني
بفمٍ عذب المناداةِ رقيق
و يدٍ تمتد نحوي كيدٍ
من خلال الموج مُدَّتْ لغريق
آه...يا قِبلةَ أقدامي إذا
شكَتِ الأقدامُ أشواكَ الطريق
و بريقاً يظمأُ الساري لهُ
أين في عينيكَ ذيَّاكَ البريق؟
لستُ أنساكَ و قد أغريتني
بالذرى الشُمِّ فأدمنتُ الطموح
أنتَ روحٌ في سمائي و أنا
لكَ أعلو فكأني محضُ روح
يالها من قممٍ كنا بها
نتلاقى و بسرَّيْنا نبوح
أنتِ حسنٌ في ضحاهُ لم يزَل
و أنا عنديَ أحزانُ الطَفَل
و بقايا الظلِّ من ركبٍ رحل
و خيوطُ النورِ من نجم أَفَل
ألمحُ الدنيا بعينيْ سئِم
و أرى حولىَ أشباحَ الملل
راقصاتٍ فوق أشلاءِ الهوى
مُعْوِلاتٍ فوق أجداثِ الأمل
أثبتَ الحبُّ عليها, و محا
انظري ضحكي و رقصي فرحا
و أنا أحمل قلباً ذُبحا
و يراني الناس روحاً طائرا
و الجوى يطحنني طحنَ الرحى
كنت تمثال خيالي فهوى
المقادير أرادتْ لا يدي
يا حياةَ اليائسِ المُنفردِ
يا يباباً ما بهِ من أحدِ
يا قفاراً لافحاتٍ ما بها
من نجيٍّ يا سكونَ الأبدِ
أين من عيني حبيبٌ ساحرٌ
فيهِ نبلٌ و جلالٌ و حياء
واثقُ الخطوةِ يمشي ملكا
ظالمُ الحسنِ شهيُّ الكبرياء
عبقُ السحرِ كأنفاس الربى
ساهمُ الطرفِ كأحلامِ المساء
أين مني مجلسٌ أنت بهِ
فتنةٌ تمَّتْ سناء و سنى
و أنا حبٌّ و قلبٌ و دمٌ
و فَراشٌ حائرٌ منك دنا
و من الشوقِ رسولٌ بيننا
و نديمٌ قدَّمَ الكأسَ لنا
و سقانا فانتفضنا لحظةً
لغبارٍ آدميٍّ مسَّنا
يالَمنفيَّيْنِ ضلا في الوعور
دميا بالشوكِ فيها و الصخور
كلما تقسو الليالي عرفا
روعةَ الآلامِ في المنفَى الطَهور
يقبسانِ النورَ من روحَيْهما
كلما قد ضنَّتِ الدنيا بنور
أنت قد صيَّرت أمري عجبا
كثرت حوليَ أطيارُ الرُبى
فإذا قلتُ لقلبي ساعةً
قم نُغرِّد لسوى ليلى أبى
حُجُبٌ تأبى لعيني مأربا
غيرَ عينيك و لا مطلبا
أنت مَن أسدلها, لا تدَّعي
أنني أسدلتُ هذي الحُجُبا
يالَها من خطةٍ عمياء لو
أنني أُبصرُ شيئاً لم أُطعها
و ليَ الويلُ إذا لبَّيْتُها
و ليَ الويلُ إذا لم أتَّبِعْها
قد حنت رأسي, و لو كلُّ القوى
تشتري عزةَ نفسي لم أبعْها
يا حبيباً زرتُ يوماً أيكَهُ
طائرَ الشوقِ أُغنِّي ألمي
و حنيني لك يكوي أعظمي
و الثواني جمراتٌ في دمي
و أنا مُرتقبٌ في موضعي
مُرهفُ السمعِ لوقعِ القَدَمِ
قدم تخطو و قلبي مُشبهٌ
موجةً تخطو إلى شاطئها
أيها الظالمُ _باللهِ_ إلى كم
أسفح الدمع على موطئها
رحمةٌ أنت فهل من رحمةٍ
لغريبِ الروحِ أو ظامئِها
يا شفاء الروح, روحي تشتكي
ظلمَ آسيها إلى بارئِها
أعطني حريتي, أطلق يديّ
إنني أعطيتُ ما استبقيتُ شيّ
آه من قيدِك أدمى معصمي
لِمَ أُبقيهِ و ما أبقى عليّ؟
ما احتفاظي بعهودٍ لم تصنها
و إِلامَ الأسرُ و الدنيا لديّ؟
ها أنا جفَّت دموعي فاعفُ عنها
إنها قبلك لم تُبذلْ لحيّ
و هبِ الطائرَ عن عشِّك طارا
جفَّتِ الغدران و الثلج أغارا
هذه الدنيا قلوبٌ جمَدَتْ
خبتِ الشعلةُ و الجمرُ توارى
و إذا ما قبَسُ القلبِ غدا
من رمادٍ لا تسلْهُ كيف صارا
لا تسلْ و اذكر عذابَ المصطلي
و هْوَ يُذكيهِ فلا يقبسُ نارا
لا رعى الله مساءً قاسيا
قد أراني كلَّ أحلامي سُدى
ليت شِعري أي أحداثٍ جرَت
أنزلَتْ روحَك سجنا موصدا
صدئتْ روحُك في عَيهبها
و كذا الأرواحُ يعلوها الصدا
خيّم اليأس عليهِ و السكوت
و رأتْ عيني أكاذيبَ الهوى
واهياتٍ كخيوط العنكبوتك
كنت ترثي لى و تدري ألمي
لو رثى للدمعِ تمثالٌ صموت
عند أقدامك دنيا تنتهي
و على بابك آمالٌ تموت
كنت تدعوني طفلاً كلما
ثار حبي و تندَّت مُقَلي
و لك الحق فقد عاش الهوى
فيَّ طفلاً و نما لم يعقِلِ
و رأى الطعنةَ إذ صوَّبْتَها
فمشت مجنونةً للمقتلِ
رمت الطفل فأدمَتْ قلبهُ
و أصابت كبرياءَ الرجلِ
قلتُ للنفسِ و قد جزنا الوصيدا
عجِّلي لا ينفع الحزمُ وئيدا
يتمنَّى لي وفائي عودةً
و الهوى المذبوحُ يأبى أن يعودا
ليَ نحو اللهب الذاكي بهِ
لفتةُ العودِ إذا صار وقودا
لستُ أنسى أبداً
ساعةً في العُمُرِ
تحت ريحٍ صفَقَتْ
لارتقاصِ المطرِ
نوَّحتْ للذِكَرِ
و شكَتْ للقمرِ
و إذا ما طرِبَتْ
عربدتْ في الشجرِ
هاكَ ما قد صبَّت الريحُ
بأذنِ الشاعرِ
و هْيَ تُغري القلبَ إغراءَ
النصيحِ الفاجرِ
أيها الشاعرُ تغفو
تذكر العهد و تصحو
و إذا ما التأمَ جرحٌ
جدَّ بالتذكار جرحُ
فتعلَّمْ كيف تنسى
و تعلَّمْ كيف تمحو
أوَ كلُّ الحب في رأيكَ
غفرانٌ و صفح
هاكَ فانظر عدد الرملِ
قلوباً و نساء
فتخيَّر ما تشاء
ذهبَ العمر هباء
أيها الريحُ. أجل, لكنما
هي حبي و تَعِلاتي و يأسي
هي في الغيب لقلبي خُلِقتْ
أشرقَتْ لي قبل أن تشرقَ شمسي
و على موعدِها أطبقتُ عيني
و على تذكارها وسَّدتُ رأسي
جنَّتِ الريحُ و نادتهُ
شياطينُ الظلام
أختاماً, كيف يحلو
لكَ في البدءِ الختام
يا جريحاً أسلمَ الجُرحَ
حبيباً نكأه
هو لا يبكي إذا
الناعي بهذا نبَّأه
أيها الجبار هل تُصرعُ
من أجل امرأة
يالَها من صيحةٍ ما بعثَتْ
عنده غيرَ أليمِ الذكَرِ
أرَّقتْ في جنبهِ فاستيقظتْ
كبقايا خنجرٍ منكسرِ
لمع النهر و ناداهُ لهُ
فمضى مُنحدراً للنهرِ
ناضب الزاد و ما من سفرٍ
دون زادٍ غير هذا السفرِ
يا حبيبي كلُّ شيء بقضاء
ما بأيدينا خُلِقنا تعساء
ربما تجمعُنا أقدارُنا
ذات يومٍ بعدما عزَّ اللقاء
فإذا أنكر خلٌّ خلَّهُ
و تلاقينا لقاءَ الغرباء
و مضى كلٌّ إلى غايتِهِ
لا تقل شيئاً! و قل لي الحظ شاء
يا مُغنِّي الخلد ضيَّعتَ العُمُر
في أناشيد تُغنَّى للبشر
ليس في الأحياءِ مَن يسمعُنا
ما لنا لسنا نُغَنِّي للحجر
للجماراتِ التي ليست تعي
و الرميماتِ البوالي في الحُفَر
غنِّها سوف تراها انتفضَتْ
ترحمُ الشادي, و تبكي للوتر
رُبَّ تمثالِ جمالٍ و سنا
لاح لي و العيشُ شجوٌ و ظُلَم
ارتمى اللحنُ عليهِ جاثيا
ليس يدري أنه حسنٌ أصم
هدأ الليل و لا قلب لهُ
أيها الساهر يدري حيرتَك
أيها الشاعر خذ قيثارتَك
غنِّ أشجانَكَ و اسكبْ دمعتَك
رُبَّ لحنٍ رقص النجمُ لهُ
و غزا السحْبَ و بالنجمِ فتك
غنِّهِ حتى نرى ستر الدجى
طلع الفجرُ عليهِ فانهتك
و إذا ما زهراتٌ ذعرتْ
و رأيْتَ الرعبَ يغشى قلبها
فترفَّقْ و اتئدْ و اعزفْ لها
من رقيقِ اللحنِ و امسحْ رعبها
ربَّما نامت على مهدِ الأسى
و بكتْ مستصرخاتٍ ربَّها
أيها الشاعرُ كم من زهرةٍ
عوقبَتْ لم تدرِ يوماً ذنبَها
يا فؤادي، رحم الله الهوى | كان صرحا من خيال فهوى |
اسقني واشرب على أطلاله | وارو عني، طالما الدمع روى |
كيف ذاك الحب أمسى خبراً | وحديثاً من أحاديث الجوى |
وبساطاً من ندامى حلم | هم تواروا أبداً، وهو انطوى |
*** | |
يا رياحاً، ليس يهدا عصفها | نضب الزيت ومصباحي انطفا |
وأنا أقتات من وهم عفا | وأفي العمر لناس ما وفى |
كم تقلبت على خنجره | لا الهوى مال، ولا الجفن غفا |
وإذا القلب - على غفرانه - | كلما غار به النصل عفا |
*** | |
يا غراماً كان مني في دمي | قدراً كالموت، أو في طعمه |
ما قضينا ساعة في عرسه | وقضينا العمر في مأتمه |
ما انتزاعي دمعة من عينه | واغتصابي بسمه من فمه |
ليت شعري أين منه مهربي | أين يمضي هارب من دمه ؟ |
*** | |
لست أنساك وقد ناديتني | بفم عذب المناداة رقيق |
ويد تمتد نحوي، كيد من | خلال الموج مدت لغريق |
آه يا قبلة أقدامي، إذا | شكت الأقدام أشواك الطريق |
وبريقاً يظمأ الساري له | أين في عينينك ذياك البريق ؟ |
*** | |
لست أنساك، وقد أغريتني | بالذرى الشم،فأدمنت الطموح |
أنت روح في سمائي، وأنا | لك أعلو، فكأني محض روح |
يا لها من قمم كنا بها | نتلاقى، وبسرينا نبوح |
نستشف الغيب من أبراجها | ونرى الناس ظلال في السفوح |
*** | |
أنت حسن في ضحاه لم يزل | وأنا عندي أحزان الطفل |
وبقايا الظل من ركب رحل | وخيوط النور من نجم أفل |
ألمح الدنيا بعيني سئم | وأرى حولي أشباح الملل |
راقصات فوق أشلاء الهوى | معولات فوق أجداث الأمل |
*** | |
ذهب العمر هباء، فاذهبي | لم يكن وعدك إلا شبحا |
صفحة قد ذهب الدهر بها | أثبت الحب عليها ومحا |
انظري ضحكي ورقصي | فرحا وأنا أحمل قلباً ذبحا |
ويراني الناس روحا طائراً | والجوى يطحنني طحن الرحى |
*** | |
كنت تمثال خيالي، فهوى | المقادير أرادت لا يدي |
ويحها، لم تدر ماذا حطمت | حطمت تاجي، وهدت معبدي |
يا حياة اليائس المنفرد | يا يباباً ما به من أحد |
يا قفاراً لافحات ما بها | من نجي، يا سكون الأبد |
*** | |
أين من عيني حبيب ساحر | فيه نبل وجلال وحياء |
واثق الخطوة يمشي ملكاً | ظالم الحسن، شهي الكبرياء |
عبق السحر كأنفاس الربى | ساهم الطرف كأحلام المساء |
مشرق الطلعة، في منطقه | لغة النور، وتعبير السماء |
*** | |
أين مني مجلس أنت به | فتنة تمت سناء وسنى |
وأنا حب وقلب ودم | وفراش حائر منك دنا |
ومن الشوق رسول بيننا | ونديم قدم الكأس لنا |
وسقانا، فانتفضنا لحظة | لغبار آدمي مسنا ! |
*** | |
قد عرفنا صولة الجسم التي | تحكم الحي، وتطغى في دماه |
وسمعنا صرخة في رعدها | سوط جلاد، وتعذيب إله |
أمرتنا، فعصينا أمرها وأبينا | الذل أن يغشى الجباه |
حكم الطاغي، فكنا في العصاة | وطردنا خلف أسوار الحياه |
*** | |
يا لمنفيين ضلا في الوعور | دميا بالشوك فيها والصخور |
كلما تقسو الليالي، عرفا | روعة الآلام في المنفى الطهور |
طردا من ذلك الحلم الكبير | للحظوظ السود، والليل الضرير |
يقبسان النور من روحيهما | كلما قد ضنت الدنيا بنور |
*** | |
أنت قد صيرت أمري عجبا | كثرت حولي أطيار الربى |
فإذا قلت لقلبي ساعة | قم نغرد لسوى ليلى أبى |
حجب تأبى لعيني مأربا | غير عينيك، ولا مطلبا |
أنت من أسدلها، لا تدعي | أنني أسدلت هذي الحجبا |
*** | |
ولكم صاح بي اليأس انتزعها | فيرد القدر الساخر : دعها |
يا لها من خطة عمياء، لو أنني | أبصر شيئاً لم أطعها |
ولي الويل إذا لبيتها | ولي الويل إذا لم أتبعها |
قد حنت رأسي، ولو كل القوى | تشتري عزة نفسي، لم أبعها |
*** | |
يا حبيباً زرت يوماً أيكه | طائر الشوق، أغني ألمي |
لك إبطاء الدلال المنعم | وتجني القادر المحتكم |
وحنيني لك يكوي أعظمي | والثواني جمرات في دمي |
وأنا مرتقب في موضعي | مرهف السمع لوقع القدم |
*** | |
قدم تخطو، وقلبي مشبه | موجة تخطو إلى شاطئها |
أيها الظالم : بالله إلى كم | أسفح الدمع على موطئها |
رحمه أنت، فهل من رحمة | لغريب الروح أو ظامئها |
يا شفاء الروح، روحي تشتكي | ظلم آسيها، إلى بارئها |
*** | |
أعطني حريتي واطلق يديّ | إنني أعطيت ما استبقيت شيّ |
آه من قيدك أدمى معصمي | لم أبقيه، وما أبقى علي ؟ |
ما احتفاظي بعهود لم تصنها | وإلام الأسر، والدنيا لدي ! |
ها أنا جفت دموعي فاعف عنها | إنها قبلك لم تبذل لحي |
*** | |
وهب الطائر من عشك طارا | جفت الغدران، والثلج أغارا |
هذه الدنيا قلوب جمدت | خبت الشعلة، والجمر توارى |
وإذا ما قبس القلب غدا | من رماد، لا تسله كيف صارا |
لا تسل واذكر عذاب المصطلي | وهو يذكيه فلا يقبس نارا |
*** | |
لا رعى الله مساء قاسياً قد | أراني كل أحلامي سدى |
وأراني قلب من أعبده ساخراً | من مدمعي سخر العدا |
ليت شعري، أي أحداث جرت | أنزلت روحك سجناً موصدا! |
صدئت روحك في غيهبها | وكذا الأرواح يعلوها الصدا |
*** | |
قد رأيت الكون قبراً ضيقاً -خيم اليأس عليه والسكوت | |
ورأت عيني أكاذيب الهوى | واهيات كخيوط العنكبوت |
كنت ترثي لي، وتدري ألمي | لو رثى للدمع تمثال صموت |
عند أقدامك دنيا تنتهي | وعلى بابك آمال تموت |
*** | |
كنت تدعوني طفلا، كلما | ثار حبي، وتندت مقلي |
ولك الحق، لقد عاش الهوى | في طفلا، ونما لم يعقل |
وأرى الطعنة إذ صوبتها | فمشت مجنونة للمقتل |
رمت الطفل، فأدمت قلبه | وأصابت كبرياء الرجل |
*** | |
قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا | عجلي لا ينفع الحزم وئيدا |
ودعي الهيكل شبت ناره | تأكل الركع فيه والسجودا |
يتمنى لي وفائي عودة | والهوى المجروح يأبى أن نعودا |
لي نحو اللهب الذاكي به | لفتة العود إذا صار وقودا |
*** | |
لست أنس أبداً ساعة في العمر | تحت ريح صفقت لارتقاص المطر |
نوحت للذكر وشكت للقمر | وإذاما طربت عربدت في الشجر |
هاك ما قد صبت الريــــح بأذن الشاعر | وهي تغري القلب إغـراء الفصيـح الفاجر : |
" أيها الشاعر تغفو تذكر العهد وتصحو | وإذا ما التام جرح جد بالتذكار جرح |
فتعلم كيف تنسى وتعلم كيف تمحو | أو كـل الحب في رأيـك غفـران وصفح ؟ |
*** | |
هاك فانظر عدد الرمـــــل قلوباً ونساء | فتخير ما تشاء ذهب العمر هباء |
ضل في الأرض الذي ينشد أبناء السماء | أي روحانية تعـــــصر من طين وماء؟ " |
*** | |
أيها الريح أجل، لكنما هي | حبي وتعلاتي ويأسي |
هي في الغيب لقلبي خلقت | أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي |
وعلى موعدها أطبقت عيني | وعلى تذكارها وسدت رأسي |
*** | |
جنت الريح ونادتــــــــــه شياطين الظلام | أختاماً ! كيف يحلو لك في البدء الختام ؟ |
يا جريحاً أسلم الــــــــــجرح حبيباً نكأة | هو لا يبكي إذا النـــــــــــاعي بهذا نبأه |
أيها الجبار هل تصــــــــرع من أجل امرأه ؟ | |
*** | |
يا لها من صيحة ما بعثت | عنده غير أليم الذكر |
أرقت في جنبه، فاستيقظت | كبقايا خنجر منكسر |
لمع النهر وناداه له | فمضى منحدرا للنهر |
ناضب الزاد، وما من سفر | دون زاد غير هذا السفر |
*** | |
يا حبيبي كل شيء بقضاء | ما بأيدينا خلقنا تعساء |
ربما تجمعنا أقدارنا ذات | يوم بعدما عز اللقاء |
فإذا أنكر خل خله | وتلاقينا لقاء الغرباء |
ومضى كل إلي غايته | لا تقل شئنا،وقل لي الحظ شاء ! |
*** | |
يا مغني الخلد، ضيعت العمر | في أناشيد تغنى للبشر |
ليس في الأحياء من يسمعنا | ما لنا لسنا نغني للحجر ! |
للجمادات التي ليست تعي | والرميمات البوالي في الحفر |
غنها، سوف تراها انتفضت | ترحم الشادي وتبكي للوتر |
*** | |
يا نداء كلما أرسلته | رد مقهوراً وبالحظ ارتطم |
وهتافاً من أغاريد المنى | عاد لي وهو نواح وندم |
رب تمثال جمال وسنا | لاح لي والعيش شجو وظلم |
ارتمى اللحن عليه جاثياً | ليس يدري أنه حسن أصم |
*** | |
هدأ الليل ولا قلب له | أيها الساهر يدري حيرتك |
أيها الشاعر خذ قيثارتك | غن أشجانك واسكب دمعتك |
رب لحن رقص النجم له | وغزا السحب وبالنجم فتك |
غنه، حتى ترى ستر الدجى | طلع الفجر عليه فانهتك |
*** | |
وإذا ما زهرات ذعرت | ورأيت الرعب يغشى قلبها |
فترفق واتئد واعزف لها | من رقيق اللحن، وامسح رعبها |
ربما نامت على مهد الأسى | وبكت مستصرخات ربها |
أيها الشاعر، كم من زهرة | عوقبت، لم تدر يوماً ذنبها ! |
*** |
عاصفة الروح للشاعر إبراهيم ناجي | |
|
للمزيد من المعلومات والقصائد التي قالها الشاعر إبراهيم ناجي: اضغط هنا
يمكنكم الاستماع إلى قصيدة الأطلال وتحميلها من ضمن أغاني أم كلثوم على الرابط: هنا