تفسير أبي المظفر السمعاني . طبعة دار الوطن ـــ الرياض ــ المملكة العربية السعودية
1417هـ ــــ 1997 م . عدد الأجزاء 9 في 4 ملفات مضغوطة في ملف واحد.
****
رابط القراءة والتحميل
SamaaniT 23/11/2008,18:43 1.50 Mb
****
أبو المظفر السمعاني الإمام العلامة ، مفتي خراسان ، شيخ الشافعية أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي ، السمعاني ، المروزي ، الحنفي كان ، ثم الشافعي .
ولد سنة ست وعشرين وأربع مائة .
وسمع أبا غانم أحمد بن علي الكراعي ، وأبا بكر بن عبد الصمد الترابي ، وطائفة بمرو ، وعبد الصمد بن المأمون ، وطبقته ببغداد ، وأبا صالح المؤذن ، ونحوه بنيسابور ، وأبا علي الشافعي ، وأبا القاسم الزنجاني بمكة ، وأكبر شيخ له الكراعي ، وبرع في مذهب أبي حنيفة على والده العلامة أبي منصور السمعاني ، وبرز على ألأقران .
روى عنه : أولاده ، وعمر بن محمد السرخسي ، وأبو نصر محمد بن محمد الفاشاني ومحمد بن أبي بكر السنجي ، وإسماعيل بن محمد التيمي ، وأبو نصر الغازي ، وأبو سعد بن البغدادي ، وخلق كثير .
حج على البرية أيام انقطع الركب ، فأخذ هو وجماعة ، فصبر إلى أن خلصه الله من الأعراب ، وحج وصحب الزنجاني . كان يقول : أسرونا ، فكنت أرعى جمالهم ، فاتفق أن أميرهم أراد أن يزوج بنته ، فقالوا : نحتاج أن نرحل إلى الحضر لأجل من يعقد لنا . فقال رجل منا : هذا الذي يرعى جمالكم فقيه خراسان ، فسألوني عن أشياء ، فأجبتهم ، وكلمتهم بالعربية ، فخجلوا واعتذروا ، فعقدت لهم العقد ، وقلت الخطبة ، ففرحوا ، وسألوني أن أقبل منهم شيئا ، فامتنعت ، فحملوني إلى مكة وسط العام .
قال عبد الغافر في " تاريخه " : هو وحيد عصره في وقته فضلا وطريقة ، وزهدا وورعا ، من بيت العلم والزهد ، تفقه بابيه ، وصار من فحول أهل النظر ، وأخذ يطالع كتب الحديث ، وحج ورجع ، وترك طريقته التي ناظر عليها ثلاثين سنة ، وتحول شافعيا ، وأظهر ذلك في سنة ثمان وستين ، فاضطرب أهل مرو ، وتشوش العوام ، حتى وردت الكتب من الأمير ببلخ ، في شأنه والتشديد عليـه ، فخرج من مرو ، ورافقه ذو المجدين أبو القاسم الموسوي ، وطائفة من الأصحاب ، وفي خدمته عدة من الفقهاء ، فصار إلى طوس ، وقصد نيسابور ، فاستقبله الأصحـاب استقبالا عظيما أيام نظام الملك ، وعميد الحضرة أبي سعد ، فأكرموه ، وأنزل في عز وحشمة ، وعقد له مجلس التذكير في مدرسة الشافعية ، وكان بحرا في الوعظ ، حافظا ، فظهر له القبول ، واستحكم أمره في مذهب الشافعي ، ثم عاد إلى مرو ، ودرس بها في مدرسة الشافعية ، وقدمه النظام على أقرانه ، وظهر له الأصحاب ، وخرج إلى أصبهان ، وهو في ارتقاء . صنف كتاب " الاصطلام " وكتاب " البرهان " وله " الأمالي " في الحديث تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة ، وكان شوكا في أعين المخالفين ، وحجة لأهل السنة .
وقال أبو سعد : صنف جدي التفسير ، وفي الفقه والأصول والحديث ، وتفسيره ثلاث مجلدات وله " الاصطلام " الذي شاع في الأقطار ، وكتاب " القواطع " في أصول الفقه ، وله كتاب " الانتصار بالأثر " في الرد على المخالفين ، وكتاب " المنهاج لأهل السنة " ، وكتاب " القدر" ، وأملى تسعين مجلسا . سمعت من يحكي عن رفيق جدي في الحج حسين بن حسن ، قال : اكترينا حمارا ، ركبه الإمام أبو المظفر إلى خرق ، وبينها وبين مرو ثلاثة فراسخ ، فنزلنا ، وقلت : ما معنا إلا إبريق خزف ، فلو اشترينا آخر ؟ فأخرج خمسة دراهم ، وقال : يا حسين ، ليس معي إلا هذه ، خـذ واشتر ، ولا تطلب بعدها مني شيئا . قال : فخرجنا على التجريد ، وفتح الله لنا .
وسمعت شهردار بن شيرويه ، سمعت منصور بن أحمد ، وسأله أبي ، فقال : سمعت أبا المظفر السمعاني يقول : كنت حنفيا ، فبدا لي ، وحججت ، فلما بلغت سميراء رأيت رب العزة في المنام ، فقال لي : عد إلينا يا أبا المظفر ، فانتبهت ، وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي ، فرجعت إليه .
وقال الحسين بن أحمد الحاجي : خرجت مع أبي المظفر إلى الحج ، فكلما دخلنا بلدة ، نزل على الصوفية ، وطلب الحديث ، ولم يزل يقول في دعائه : اللهم بين لي الحق ، فلما دخلنا مكة ، نزل على أحمد بن علي بن أسد ، وصحب سعدا الزنجاني حتى صار محدثا .
وقرأت بخط أبي جعفر الهمذاني الحافظ : سمعت أبا المظفر السمعاني يقول : كنت في الطواف ، فوصلت إلى الملتزم ، وإذا برجل قد أخذ بردائي ، فإذا الإمام سعد ، فتبسمت ، فقال : أما ترى أين أنت ؟ ! هذا مقام الأنبياء والأولياء ، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال : اللهم كما سقته إلى أعز مكان ، فأعطه أشرف عز في كل مكان وزمان ، ثم ضحك إلي ، وقال : لا تخالفني في سِرِّك ، وارفع يديك معي إلى ربك ، ولا تقولن البتة شيئا ، واجمع لي همتك حتى أدعو لك ، وأمن أنت ، ولا يخالفني عهدك القديم ، فبكيت ، ورفعت معه يدي ، وحرك شفتيه ، وأمنت ، ثم قال : مر في حفظ الله ، فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة ، فمضيت وما شيء أبغض إليَّ من مذهب المخالفين .
وبخط أبي جعفر : سمعت إمام الحرمين يقول : لو كان الفقه ثوبا طاويا ، لكان أبو المظفر السمعاني طرازه .
وقال الإمام أبو علي بن الصفار : إذا ناظرت أبا المظفر ، فكأني أُنَاظِرُ رَجلا من أئمة التابعين مما أرى عليه من آثار الصالحين .
قال أبو سعد : حدثنا أبو الوفاء عبد الله بن محمد ، حدثنا أبوك أبو بكر يقول : سمعت أبي يقول : ما حفظت شيئا فنسيته .
وقال أبو سعد : سمعت أبا الأسعد بن القشيري يقول : سـئل جدك بحضور والدي عن أحاديث الصفات ، فقال : عليكم بدين العجائز .
إلى أن قال : ولد جـدي سنة 426 وتوفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مائة عاش ثلاثا وستين سنة رحمه الله .
-------------------------------------
تم ذكر هذه الشخصية بالكتب التالية:
المجموع شرح المهذب
التلخيص الحبير
الآداب الشرعية والمنح المرعية
البحر المحيط
مجموع فتاوى ابن تيمية
*******
****
تفسير السمعاني ج1/ص31
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين ولا عدوان إلا على الظالمين اللهم بارك ووفق
القول في تفسير فاتحة الكتاب
قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد جمال الأئمة أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني ـ رحمه الله تعالى اعلم أن لهذه السورة أربعة أسامي فاتحة الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني والسبع من المثاني برواية عبد خير عن علي ـ رضى الله عنه ـ
أما فاتحة الكتاب فلأن بها افتتح الكتاب وهو القرآن
وأما أم القرآن لأنها أصل القرآن منها بدئ القرآن وأم الشيء أصله ومنه يقال لمكة أم القرى لأنه أصل البلاد
وأما السبع المثاني لأنها سبع آيات باتفاق الأئمة إلا في رواية شاذة أنها ثمان آيات وسميت مثاني لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة
وقال مجاهد إنما سميت مثاني لأن الله ـ تعالى ـ استثناها لهذه الأمة كأنه أوحى بها لهم ولم يعطها أحدا من الأمم
وأما السبع من المثاني ففيه قولان أحدهما أنها سبع آيات مخصوصة من المثاني وهو القرآن قال الله ـ تعالى ـ كتابا متشابها مثاني
وإنما سمى القرآن مثاني لاشتماله على علوم مثناة من الوعد والوعيد والأمر والنهى ونحوها
والثاني أن السبع من المثاني هو السبع المثاني و من فيه للصلة وإنما نشأ هذا الخلاف من قوله تعالى ـ ولقد آتيناك سبعا من المثاني
ثم اعلم أن هذه السورة مكية على قول ابن عباس وقال مجاهد هي مدنية
(1/1)
وقيل نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة ولذلك سميت مثاني لأنها ثنيت في التنزيل وهذه رواية غريبة
تفسير السمعاني ج:1 ص:31
تفسير السمعاني ج1/ص32
بسم الله
قوله بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة على قول بعض العلماء وهو مروى عن ابن عباس وأم سلمة
وليس بآية منها على قول البعض وهذا مذكور بدليله في الفقه ثم اعلم أن الباء في قوله بسم الله أداة يخفض ما بعدها من الكلام مثل من عن وفي وعلى وأمثالها
والمعنى المتعلق بالباء لدلالة الكلام عليه وتقديره أبدأ بسم الله أو بدأت بسم الله
وقوله بسم الله أصله باسم الله كقوله اقرأ باسم ربك وإنما حذف الألف في الكتابة لأنه لا يظهر في اللفظ
وقيل إنما حذفت لكثرة الاستعمال تخفيفا ولأنه كثر استعمالها فاستخفوا حذفها بخلاف قوله اقرأ باسم ربك ونظائره لأن هناك لم يكثر الاستعمال
ثم اختلفوا في اشتقاق الاسم قال المبرد وجماعة البصريين الاسم مشتق من السمو وهو العلو والظهور فكأنه ظهر على معناه وعلا عليه وصار معناه تحته
وقال ثعلب من الكوفيين هو مشتق من الوسم والسمة فكأنه علامة لمعناه والأول أولى لأن الاسم يصغر على المسمى ولو كان مشتقا من السعة لكان يصغر على الوسم كما يقال في الوصل وصيل وفي الوعد وعيد
وأما قوله الله ـ تعالى ـ فقد اختلفوا فيه فقال الخليل وابن كيسان هو اسم علم خاص لله ـ تعالى ـ لا اشتقاق له وهو كأسماء الأعلام للعباد مثل
تفسير السمعاني ج:1 ص:32
تفسير السمعاني ج1/ص33
الرحمن الرحيم 1
زيد وعمرو ونحوه وهو اختيار القفال الشاشي وجماعة من أهل العلم
(1/2)
وقال الباقون هو اسم مشتق و في موضع الاشتقاق قولان أحدهما أنه مشتق من قولهم أله إلاهة أي عبد عبادة وقرأ ابن عباس ويذرك وإلاهتك أي عبادتك
ويقال للناسك المتعبد مثأله ومنه قول القائل
سبحن واسترجعن من تأله
أي تعبد فيكون معناه أنه المستحق للعبادة إليه توجه كل العبادات وأنه المعبود فلا يعبد غيره
وقيل الإله من يكون خالقا للخلق رازقا لهم مدبرا لأمورهم مقتدرا عليهم
والثاني أن الله أصله إله وأصل الإله ولاه إلا أن الواو أبدلت بالهمزة كقولهم وشاح وإشاح
واشتقاقه من الوله وكأن العباد يولهون الله ويفزعون إليه ويتضرعون ويلجأون إليه في الشدائد
وأما قوله الرحمن الرحيم قال ابن عباس هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر
وحكى عنه أيضا أنه قال الرحمن الرفيق بالعباد و الرحيم العاطف عليهم ثم اختلفوا فيه فقال بعضهم الرحمن غير الرحيم ولكل واحد منهما معنى
تفسير السمعاني ج:1 ص:33
تفسير السمعاني ج1/ص34
غير معنى صاحبه وقال بعضهم هما واحد
فأما من قال الرحمن غير الرحيم قال للرحمن معنى العموم وللرحيم معنى الخصوص فعلى هذا الرحمن بمعنى الرازق في الدنيا والرزق على العموم للكافر والمؤمن و الرحيم بمعنى العافي في الآخرة والعفو في الآخرة على الخصوص للمؤمنين دون الكافرين ولذلك قيل في الدعاء يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة فالرحمن من تصل رحمته إلى الخلق على العموم و الرحيم من تصل رحمته إلى الخلق على الخصوص ولذلك يدعى غير الله رحيما ولا يدعى رحمانا لأن الله ـ تعالى ـ هو الذي تصل رحمته إلى الخلق كأنه كما قال تعالى ورحمتي وسعت كل شيء وأما غير الله قد يخص شيئا بالرحمة فيكون بذلك رحيما
وأما من قال إن معناهما واحد فقد قال قطرب هما اسمان ذكر أحدهما
(1/3)
تفسير السمعاني ج:1 ص:34
تفسير السمعاني ج1/ص35
الحمد لله تأكيدا للآخر مثل لهفان ولهيف وندمان ونديم
وقال المبرد هذا تمام بعد إتمام وتفضل بعد تفضل وتطميع لقلوب الراغبين ووعد لا يخيب آمله ومعناه ذو الرحمة والرحمة هي الإنعام والتفضل
قوله الحمد لله اعلم أن الحمد يكون بمعنى الشكر على النعمة ويكون بمعنى التحميد والثناء على الأوصاف المحمودة يقال حمدت فلانا على ما أسدى إلي من النعمة ويقال حمدت فلانا على شجاعته وعلمه وأما الشكر لا يكون إلا على النعمة فللحمد معنى عام وللشكر معنى خاص فكل حامد شاكر وليس كل شاكر حامدا
يقال حمدت فلانا على شجاعته ولا يقال شكرت فلانا على شجاعته
ثم أعلم أن حمد الله ـ تعالى ـ لنفسه حسن لا كحمد المخلوقين لأنفسهم لأن حمد المخلوقين لا يخلو عن نقص فلا يخلو مدحه نفسه عن كذب فيقبح منه أن يمدح نفسه وأما الله - جل جلاله - بريء عن النقص والعيب فكان مدحه نفسه حسنا
وقوله الحمد لله هاهنا يحتمل معنيين الإخبار والتعليم أما الإخبار كأنه يخبر أن المستوجب للحمد هو الله وأن المحامد كلها لله ـ تعالى ـ
وأما التعليم كأنه حمد نفسه وعلم العباد حمده وتقديره قولوا الحمد لله
وقوله لله فاللام تكون للإضافة وتكون للاستحقاق يقال أكل للدابة
تفسير السمعاني ج:1 ص:35
تفسير السمعاني ج1/ص36
رب العالمين 2 الرحمن الرحيم 3 مالك يوم الدين 4 والدار لزيد فاللام هاهنا بمعنى الاستحقاق كأنه يقول المستحق للحمد هو الله ـ تعالى ـ وقد فرغنا عن تفسير قوله لله
(1/4)
رب العالمين وأما الرب يكون بمعنى التربية والإصلاح ويكون بمعنى المالك يقال رب الضيعة يربيها أي أتمها وأصلحها ويقال رب الدار لمالك الدار فالرب هاهنا يحمل كلا المعنيين لأن الله ـ تعالى ـ مربى العالمين ومالك العالمين
وأما العالمون قال ابن عباس هم الجن والأنس وقال الحسن وقتادة وأبو عبيدة هم جميع المخلوقين وقيل الأول أولى لأن الخطاب مع المكلفين الذين هم المقصودون بالخليفة وهم الجن والإنس وقيل الإنس عالم والجن عالم والله ـ تعالى ـ وراءه أربع زوايا في كل زاوية ألف وخمسمائة عالم
وقد فرغنا عن تفسير الرحمن الرحيم وإنما ذكره ثانيا لفائدة التوكيد
قوله مالك يوم الدين يقرأ بقراءتين مالك وملك قال أبو حاتم السجستاني مالك بالألف أولى لأنه أوسع وأجمع يقال مالك الدار ومالك الطير ومالك العبد ولا يستعمل منها اسم الملك
وقال أبوعبيد والمبرد وملك أولى لأنه أتم فإن الملك يجمع معنى المالك والمالك لا يجمع معنى الملك فإن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا ولأنه أوفق لألفاظ القرآن مثل قوله - تعالى- فتعالى الله الملك الحق وقوله لمن الملك اليوم ونحو ذلك فمالك من الملك و الملكة وملك من الملك
تفسير السمعاني ج:1 ص:36
تفسير السمعاني ج1/ص37
إياك نعبد وإياك نستعين 5 والملكة والله - تعالى - مالك وملك
وأما اليوم اسم لزمان معلوم والمراد بيوم الدين يوم القيامة ومعناه يوم الحساب ويوم الجزاء وقد يكون الدين بمعنى الطاعة وبمعانشتي ولكنه هاهنا على أحد المعنيين فإن قال قائل لم خص يوم الدين بالذكر والله - تعالى - مالك الأيام كلها يقال إنما خصه لأن الأمر في القيامة يخلص له كما قال والأمر يومئذ لله وأما في الدنيا للملوك أمر وللمسلمين أمر وللأنبياء أمر
(1/5)
قوله إياك نعبد وإياك نستعين قوله إياك نعبد بمعنى نحن نعبدك والعبادة هي الطاعة مع التذلل والخضوع يقال طريق معبد أي مذلل ومعناه نعبدك خاضعين
وإياك نستعين أي نطلب منك المعونة فإن قيل لم قدم ذكر العبادة على الاستعانة تكون قبل العبادة ولم ذكر قوله إياك مرتين وكان يكفى أن يقول إياك نعبد ونستعين فإنه أوجز وألخص يقال أما الأول فإنما يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل ونحن بحمد الله نجعل الاستعانة والتوفيق مع الفعل سواء قرنه به أم أخره جاز
أو يقال لأن الاستعانة نوع تعبد فكأنه ذكر جملة العبادة ثم ذكر ما هو من تفاصيلها
وأما قوله وإياك نستعين إنما كرره لأنه لو اقتصر على قوله إياك نعبد ونستعين ليعلم أنه المعبود وأنه المستعان وعلى أن العرب قد تتكلم بمثل هذا قد يدخل الكلام تجريدا أو تفخيما وتعظيما ولا يعد ذلك عيبا كما تقول العرب هذا المالك بين زيد وبين عمرو وإن كان يفيد قولهم المال بين زيد وعمرو ما يفيد الأول ولا يعد ذلك عيبا في الكلام بل عد تفخيما وتجزيلا في الكلام
تفسير السمعاني ج:1 ص:37
تفسير السمعاني ج1/ص38
اهدنا الصراط المستقيم 6
قوله اهدنا الصراط المستقيم يعنى أرشدنا وثبتنا
والهداية في القرآن على معان فتكون الهداية بمعنى الإلهام وتكون بمعنى الإرشاد وتكون بمعنى البيان وتكون بمعنى الدعاء
أما الإلهام قال الله ـ تعالى ـ ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي ألهم
وأما الإرشاد قوله تعالى ـ واهدنا إلى سواء الصراط
وأما البيان قوله وأما ثمود فهديناهم أي بينا لهم
وأما الدعاء مثل قوله تعالى ـ ولكل قوم هاد أي داع فهو بمعنى الاسترشاد هاهنا
(1/6)
فإن قال قائل أي معنى للاسترشاد وكل مؤمن مهتد فما معنى قوله اهدنا قلنا هذا سؤال من يقول بتناهي الألطاف من الله ـ تعالى ـ ومذهب أهل السنة أن الألطاف والهدايات من الله ـ تعالى ـ لا تتناهى فيكون ذلك بمعنى طلب مزيد الهداية ويكون بمعنى سؤال للتثبيت اهدنا بمعنى ثبتنا كما يقال للقائم قم حتى أعود إليك أي أثبت قائما
وأما الصراط المستقيم قال علي وابن مسعود هو الإسلام وقال جابر هو القرآن وأصله في اللغة هو الطريق الواضح والإسلام طريق واضح والقرآن طريق واضح
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين 7 وقد قال القائل
أمير المؤمنين على صراطإذا اعوج الموارد مستقيم
قوله صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قد قرأ عمر ـ رضي الله عنه ـ صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين ولكنه في الشواذ والمعروف هو القراءة المعهودة
وقيل الذين أنعمت عليهم هم الأنبياء وقيل كل من ثبته الله على الإيمان من النبيين والمؤمنين كافة
وقال أبو العالية الرياحي هم الرسول وأبو بكر وعمر
وأما قوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين فالمغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى
وروى عن عدي بن حاتم أنه جاء إلى النبي ليسلم وقال يا رسول الله من المغضوب عليهم فقال اليهود وقال فمن الضالون فقال النصارى قال عدي أشهد أني حنيف مسلم قال عدي فرأيت وجه رسول الله يتهلل ويبتسم فرحا بإسلامي
وأما آمين فليس من القرآن والسنة للقارىء أن يقف وقفة ثم يقول آمين
وفيه لغتان آمين بالمد وأمين بالقصر ومعناه اللهم استجب وقيل إنه طابع الدعاء
******