غزوة مؤتة وما بعدها حتى أمر وفد ثقيف ومضات من السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأتمّ التسليم، واحة الثاني عشر من رمضان المبارك في صفحة المنوعات بجريدة الحياة. د. محمود السيد الدغيم

 

1

 

غزوة مؤتة

 

حصلت غزوة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة/ 629م، وهي أولى الغزوات بين المسلمين والروم، وقد حصلت معركتها في بلاد الشام إلى الجنوب من قلعة الكرك، ولم ينتصر المسلمون، ولكنهم أخافوا الروم، واستطاع سيف الله خالد بن الوليد أن يسحب مَن بقي من الجيش بعد استشهاد قادته الثلاثة عبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

 

2

 

غزوة تبوك

 

بعد غزوة مؤتة طمعت الروم، واستعدت لغزو جزيرة العرب للقضاء على الإسلام في السنة التاسعة للهجرة النبوية، ووردت إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أنباء تحرش الروم بالثغور الشمالية من شبه جزيرة العرب، فقرر رسول الله أن يصدَّهم بنفسه، وأمر بالنفير في المدينة المنورة وخارجها، فأجابه جميع الناس، وفي شهر رجب جهز عثمان بن عفان رضي الله عنه جيش العُسرة من ماله الخاصّ، وفي الأول من رمضان سار جيش المسلمين بقيادة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

 

3

 

السيرة النبوية لابن هشام

 

مؤلف هذه السيرة هو عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري أبو محمد، المتوفى سنة 213 هـ/ 828 م، وقد نشرت السيرة أكثر من عشر مرات، وصدرت الطبعة الأولى عن مطبعة بولاق في القاهرة سنة 1259 هـ/ 1843م، ثم صدرت طبعة في غوتنغن بعناية فرديناند وستنفيلد سنة 1274 هـ/ 1858م، ثم صدرت في ليبزغ في ألمانيا سنة 1899م، ثم صدرت سنة 1329 هـ/ 1911م عن المطبعة الخيرية في القاهرة على نفقة محمود سيد طهطاوي الذي صححها وعلق عليها.ثم صدرت عن مطبعة صبيح في القاهرة سنة 1346 هـ/ 1927م، ثم حققها مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي،ونشرتها في أربعة مجلدات مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده في القاهرة سنة 1355 هـ/ 1936م، وصورت هذه الطبعة دار إحياء التراث العربي في بيروت دون تاريخ، وصدرت طبعة عن مكتبة الجمهورية في القاهرة سنة 1971م، وراجعها وعلق عليها محمد خليل هراس، ثم نشرها طه عبد الرؤوف سعد في القاهرة عن مكتبة الكليات الأزهرية، ومطبعة شركة الطباعة الفنية سنة 1391 هـ/ 1971م. ثم نشرتها في القاهرة دار التوفيقية للطباعة في الأزهر، بتحقيق محمد فهمي السرجاني سنة 1978م، وفي سنة النشر 1411هـ/ 1991م أعادت دار الجيل في بيروت نشر الطبعة التي حققها طه عبد الرءوف سعد، وصدرت سابقاً في القاهرة سنة 1391 هـ/ 1971م.

 

4

 

السيرة النبوية لابن هشام

 

ذَكَرَ ابن هشام في الصفحة 195 من الجزء الخامس من كتاب السيرة لنبوية: أن غزوة تبوك بدأت في رجب سنة تسع للهجرة، وتحدث عن التهيؤ للغزو، فقال: حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال: ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب، ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة، وغيرهم من علمائنا، كلٌّ حدَّث في غزوة تبوك ما بلغه عنها، وبعض القوم يحدِّث ما لا يحدِّث بعض: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان من عسرة الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يقصد له، إلا ما كان من غزوة تبوك، فإنه بيَّنها للناس لبُعد الشقة، وشدّة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك الأمر أهبته، فأمَرَ الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم، وخرج مع رسول الله في تلك الغزوة ما يقرب من ثلاثين ألفاً من أصحابه وعلى رأسهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وجَبُن الروم عن اللقاء، "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا" سورة الأحزاب، الآية:33.

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجدّ بن قيس أحد بني سلمة: " فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ فِي جَهَازِهِ لِلْجَدّ بْنِ قَيْسٍ أَحَدِ بَنِي سَلَمَةَ: يَا جَدّ هَلْ لَكَ الْعَامَ فِي جِلادِ بَنِي الأَصْفَرِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَوَ تَأْذَنُ لِي وَلا تَفْتِنّي؟ فَوَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنّهُ مَا مِنْ رَجُلٍ بِأَشَدّ عَجَبًا بِالنّسَاءِ مِنّي، وَإِنّي أَخْشَى إنْ رَأَيْتُ نِسَاءَ بَنِي الأَصْفَرِ أَنْ لا أَصْبِرَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ" فَفِيهِ نَزَلَتْ الآيَةُ "وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنّي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ" سورة التّوْبَة، الآية: 49. أي: إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرغبة بنفسه عن نفسه.

 

5

 

شأن المنافقين

 

قال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد، وشكًّا في الحقِّ وإرجافاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم: " فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ 81 فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" سورة التوبة الآيتان 81 ـ 82.

 

قال ابن هشام في الصفحة  196: وحدثني الثقة عمَّن حدثه عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله بن حارثة، عن أبيه، عن جده قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، وكان بيته عند جاسوم يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة، فاقتحم الضحاك بن خلفة من ظهر البيت فانكسرت رجله، واقتحم أصحابه فافلتوا، فقال الضحاك في ذلك:

 

كادتْ وبيت اللهِ نارُ محمدٍ

 

يشيطُ بها الضَّحاكُ وابنُ أبيرقِ

 

وظلَّت، وقد طبَّقتُ كبس سُويلمٍ

 

أنوءُ على رِجلي كسيراً، ومرفقِي

 

سَلامٌ عليكم، لا أعودُ لمثلِها

 

أخافُ، ومَن تشعل به النارُ يُحرَقُ

 

6

 

حض الأغنياء على النفقة

 

قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جدَّ في سفره وأمر الناس بالجهاز والإنكماش، وحضَّ أهل الغنى على النفقه والحملان في سبيل الله، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا، وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها.

 

وحول ما أنفقه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال ابن هشام: حدثني من أثق به، أن عثمان ابن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أرضَ عن عثمان فإني عنه راضٍ".

 

7

 

البكاءون

 

قال ابن إسحاق: ثم إن رجالاً من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم البكاءون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير، وعلبة ابن زيد، أخو زيد بن حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وأخو بني مازن بن النجار، وعمرو بن حمام بن الجموح أخو بني سلمة عبد الله ابن المغفل المزني، وبعض الناس يقول: بل هو عبد الله بن عمرو المزني، وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف، وعرباض بن سارية الفزاري. فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أهل حاجة، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألاّ يجدوا ما ينفقون.

 

قال ابن إسحاق: فبلغني أن ابن يامين بن عمر بن كعب النضري لقي أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعبد الله بن مغفل، وهما يبكيان فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه، فأعطاهما ناضِحاً له فارتحلاه وزودهما شيئاً من تمر، فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

8

 

المعذورون

 

قال ابن اسحاق: وجاءه المعذرون من الأعراب، فاعتذروا إليه، فلم يعذرهم الله تعالى، وقد ذكر لي أنهم نفر من بني غفار، ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره، وأجمع السير، وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخلفوا عنه عن غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن مالك بن أبي كعب أخو بني سلمة، ومرارة بن الربيع أخو بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية أخو بني واقف، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف، وكانوا نفر صدق لا يُتَّهَمُون في إسلامهم.

 

فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضرب عسكره على ثنية الوداع.

 

 

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري. وذكر عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة مخرجه إلى تبوك: سباع بن عرفطة.

 

10

 

تخلُّف المنافقين عن غزوة تبوك

 

قال ابن اسحاق: وضرب عبد الله ابن أُبَي معه على حدة عسكره اسفل منه نحو ذباب، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم، تخلف عنه عبد الله بن أُبي فيمن تخلف من المنافقين، وأهل الريب.

 

وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له، وتخففا منه، فلما قال ذلك المنافقون، أخذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه سلاحه، ثم خرج حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف، فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون انك إنما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني، فقال رسول الله: "كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي" فرجع علي إلى المدينة، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره بتبوك.

 

قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة. فقالوا: يا رسول الله، هو والله أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى لك يا أبا خيثمة. ثم اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير.

 

قال ابن هشام: وقال أبو خيثمة في ذلك شعرا واسمه مالك بن قيس:

 

لما رأيتُ الناسَ في الدِّين نافقوا

 

أتيتُ التي كانت أعفَّ وأكرمَا

 

وبايعتُ باليُمنى يديْ لمحمدٍ

 

فلم أكتسبْ إثماً، ولم أغشَ محرمَا

 

تركتُ خضيباً في العريش وصرمةً

 

صفايا كراماً بسرها قد تحمما

 

وكنتُ إذا شكَّ المنافقُ أسمحتْ

 

إلى الدِّين نفسي شطرَه حيثُ يَمَّمَا

 

واحة الثالث عشر من رمضان المبارك

 

محمود السيد الدغيم

 

1

 

التوجه إلى تبوك

 

قال ابن هشام: بلغني عن الزهري أنه قال: لما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجّى ثوبه على وجهه، واستحثَّ راحلته، ثم قال: "لا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذّبِينَ إلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لا يُصِيبُكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ". قال ابن إسحاق: فلما أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله سبحانه سحابة، فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجتهم من الماء.

 

قال ابن اسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من بني عبد الأشهل، قال: قلت لمحمود: هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم، قال: نعم، والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه، ومن أبيه، ومن عمه، وفي عشيرته، ثم يلبّس بعضهم بعضا على ذلك، ثم قال محمود: لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه، كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا، فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، قالوا: أقبلنا عليه نقول: ويحك هل بعد هذا شيء؟ قال: سحابة مارة.

 

2

 

حَدِيثُ ابْنِ اللّصَيْتِ

 

قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلَّت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له: عمارة بن حزم وكان عَقبيًّا بدريًّا، وهو عمُّ بني عمرو بن حزم، وكان في رحله زيد بن اللصيت القُينقاعي، وكان منافقا. قال ابن هشام ويقال: ابن لصيب بالباء، وقال ابن اسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رجال من بني عبد الأشهل قالوا: فقال زيد بن اللصيت، وهو في رحل عمارة، وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس محمد يزعم انه نبي ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده: إن رجلا قال: هذا محمد يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء، وهو لا يدري أين ناقته، وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا، وقد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فجاءوا بها فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال والله لأعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا، الذي قال زيد بن اللصيت، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد: والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول إلي عباد الله إن في رحلي لداهية وما أشعر، أخرج أي: عدو الله من رحلي، فلا تصحبني.

 

قال ابن إسحاق: فزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك، وقال بعض الناس لم يزل متهما بشرٍّ حتى هلك.

 

3

 

خبر أبي ذر في غزوة تبوك

 

مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائراً، فجعل يتخلف عنه الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان، فيقول: "دَعُوهُ فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللّهُ بِكُمْ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللّهُ مِنْهُ"، حتى قيل: يا رسول الله، قد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره، فقال: "دَعُوهُ فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللّهُ بِكُمْ وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللّهُ مِنْه" ، وتلوَّم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه، فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، ونزل رسول الله في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُنْ أَبَا ذَرّ فَلَمّا تَأَمّلَهُ الْقَوْمُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَللّهِ هُوَ أَبُو ذَرّ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: رَحِمَ اللّهُ أَبَا ذَرّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ".

 

4

 

موت أبي ذر

 

قال ابن اسحاق: فحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وأصابه بها قدره، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما: أن أغسلاني وكفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم، فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلا ذلك به، ثم وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد الله بن مسعود في رهطٍ من أهل العراق عُمَّارٍ، فلم يرُعْهُم إلا بالجنازة على ظهر الطريق، قد كادت الإبل تطؤها، وقام إليهم الغلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه، قال: فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي، ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، "تَمْشِي وَحْدَك وَتَمُوتُ وَحْدَك ، وَتُبْعَثُ وَحْدَك" ثم نزل هو أصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك.

 

5

 

تخويف المنافقين المسلمين

 

قال ابن إسحاق: قد كان رهط من المنافقين، منهم: وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ حَلِيفٌ لِبَنِي سَلِمَةَ يُقَالُ لَهُ مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّرٍ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ مَخْشِيّ، يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا، والله لكَأنَّا بكم غداً مُقرَّنين في الحبال، إرجافاً وترهيباً للمؤمنين، فقال مخشن بن حمير: والله لوَدِدْت أني أقاضِيَ على أن يُضرب كلُّ رجُلٍ مِنَّا مائة جلدة، وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني لعمار بن ياسر: "أَدْرِكْ الْقَوْمَ فَإِنّهُمْ قَدْ احْتَرَقُوا، فَسَلْهُمْ عَمّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ: بَلَى، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا". فَانْطَلَقَ إلَيْهِمْ عَمّارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ،

 

فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته فجعل يقول وهو آخذ بحقبها يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل اللّهُ عَزّ وَجَلّ قوله "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ" (سورة التوبة، الآية:65)  وَقَالَ مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّرٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ قَعَدَ بِي اسْمِي وَاسْمُ أَبِي ; وَكَأَنّ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّرٍ، فَتَسَمّى عَبْدَ الرّحْمَنِ وسأل الله تعالى أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة لَهُ أَثَرٌ.

 

6

 

الصلح مع صاحب أيلة

 

قال ابن قيم الجوزية في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد: " وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى تَبُوكَ، أَتَاهُ صَاحِبُ أَيْلَةَ "إيلات"، فَصَالَحَهُ وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وَأَتَاهُ أَهْلُ جَرْبَا وَأَذْرُحَ، فَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ، وَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُمْ وَكَتَبَ لِصَاحِبِ أَيْلَةَ: "بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. هَذَا أَمَنَةٌ مِنْ اللّهِ، وَمُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللّهِ، لِِيُحَنّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ، سُفُنِهِمْ وَسَيّارَتِهِمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ، لَهُمْ ذِمّةُ اللّهِ وَمُحَمّدٌ النّبِيّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشّام، وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا، فَإِنّهُ لا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ، وَإِنّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنْ النّاسِ، وَإِنّهُ لا يَحِلّ أَنْ يَمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلا طَرِيقًا يَرِدُونَهُ مِنْ بَحْرٍ أَوْ بَرّ "

 

7

 

خالد يأسر أكيدر دومة

 

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أُكَيْدِرِ دُومَةَ، وَهُوَ أُكَيْدِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ، وكان ملكا عليها، وكان نصرانيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: "إنّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ" فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له، ومعه امرأته، فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر، فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا والله. قالت: فمَن يترك هذه؟ قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه، فأسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ يقال له: حسان، فركب وخرجوا معه بمطاردهم، فلما خرجوا، تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذته وقتلوا أخاه، وقد كان عليه قباء من ديباج مُخوَّص بالذهب، فاستلبه خالد، فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه به عليه، ثم إن خالداً قدِم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية، ثم خلَّى سبيله، فرجع إلى قريته.

 

قال موسى بن عقبة: واجتمع أكيدر، ويحنة، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهما إلى الإسلام، فأبيا وأقرّا بالجزية، فقاضاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية دومة، وعلى تبوك، وعلى أيلة، وعلى تيماء، وكتب لهما كتابا.

 

فقال رجل من طيىء يقال له بجير بن بجرة يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر، وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته لتصديق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

تباركَ سائقُ البقراتِ إني

 

رأيتُ الله يهدي كل هادِ

 

فمَن يكُ حائدًا عن ذي تبوكٍ

 

فإنا قد أُمرنا بالجهادِ

 

فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها، ثم انصرف قافلا إلى المدينة في رمضان المبارك.

 

8

 

ذو البجادين

 

قال ابن هشام: وحدثني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي: أن عبد الله بن مسعود كان يحدِّث، قال: قمت من جوف الليل، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال: فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، قال: فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته، وأبو بكر وعمر يُدْلِيَانِهِ إلَيْهِ وَهُوَ: "يَقُولُ أَدْنِيَا إلَيّ أَخَاكُمَا، فَدَلّيَاهُ إلَيْهِ، فَلَمّا هَيّأَهُ لِشِقّهِ قَالَ: اللّهُمّ إنّي قَدْ أَمْسَيْتُ رَاضِيًا عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ" قال: يقول عبد الله بن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة. قال ابن هشام: وإنما سمي ذا البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام فيمنعه قومه من ذلك، ويضيقون عليه حتى تركوه في بِجاد ليس عليه غيره، والبِجاد: الكساء الغليظ الجافي، فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان قريبا منه شقَّ بجاده باثنين، فاتزر بواحد، واشتمل بالآخر، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ذو البجادين لذلك، والبجاد أيضا: المسح. وكانت غزوة تبوك آخر غزوة يقودها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت تسمّى: غزوة العُسرة، وتُسمّى: الفاضحة لأنها فضحت المنافقين.

 

9

 

ثَوَابُ مَنْ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ

 

قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ: "إنّ بِالْمَدِينَةِ لأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلا كَانُوا مَعَكُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ " نَعَمْ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ". وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين، وتخلف أولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا تكلمنّ أحداً من هؤلاء الثلاثة، وأتاه من تخلَّف عنه من المنافقين، فجعلوا يحلفون له ويعتذرون، فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعذرهم الله ولا رسوله، واعتزل المسلمون كلام أولئك النفر الثلاثة. مدة خمسين ليلة نزل قوله تعالى: "لَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ" سورة التّوْبَةُ، الآية: 117، إلَى قَوْلِهِ تعالى: "يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ" سورة التّوْبَةُ، الآية: 119.

 

10

 

أمر وفد ثقيف

 

أسلمت ثقيف في شهر رمضان في السنة التاسعة للهجرة، ومن المشهور قدوم عروة بن مسعود عليه صلى الله عليه وسلم مسلما، وذلك بعدما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف، وكان من حديثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود الثقفي، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتحدث قومه: "إنهم قاتلوك" وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم، فقال عروة: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم، أو أبصارهم. فلما أشرف لهم على علية له، وقد دعاهم إلى الإسلام، وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله. فقيل لعروة: ما ترى في دمك؟ قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرحل عنكم فادفنوني معهم.

 

ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم، وأجمعوا أن يرسلوا وفداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد ياليل، فخرج بهم عبد ياليل، ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده حتى أسلموا، وفرغوا من كتابهم، وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية وهي اللات لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم، وبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فهدماها. ثم أمَّر عليهم عثمان بن أبي العاص. وصام وفد ثقيف ما تبقى من رمضان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بفطرهم وسحورهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فلما فرغوا من أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية اللات فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدِّم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان عليه، وقال ادخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم، فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها ـ أي: اللات ـ يضربها بالمعول، وقام قومه دونه ـ بنو معتب ـ خشية أن يُرمي أو يصاب كما أصيب عروة.